العقيد صلاح الدين الصباغ
هو صلاح الدين بن علي بن ابراهيم بن مصطفى بن الشيخ يوسف بن الحاج رضوان الصباغ المصري الدمياطي – مفتي الشافعية – بصيدا حيث سكن علي والد صلاح الدين مدينة الموصل في العهد العثماني وكان يعرف بالحاج علي الشامي وقد تزوج بامراة من بني عشيرة العطيل وكان يتعاطى التجارة بين بغداد والموصل وظل فيها حتى توفي في الموصل عام 1916
ولد صلاح الدين في مدينة الموصل في شهر رجب من عام 1361 هجرية الموافق سنة 1899 واكمل دراسته الرشدية والملكية في الموصل ثم سافر الى بيروت ودخل المدرسة الاعدادية السلطانية وتخرج فيها وفي سنة 1914 دخل المدرسة الحربية في استنبول وبعد ان قضى فيها سنة التحق بالقطعات المحاربة ضمن اللواء 146 التابعة للفرقة 46 وفي سنة 1917 منح رتبة ملازم ثاني واشترك في الحرب العالمية الاولى في جبهتي مكدونيا وفلسطين وفي هذه السنة انضم الى جمعية الفتاة العربية السرية التي كانت تعمل على انقاذ العرب من حكم الاتراك وتوحيد الامة العربية ضمن دولة عربية كبرى تتمتع بالحرية والاستقلال .
وحينما وضعت الحرب العالمية الاولى اوزارها ودخل الملك فيصل سوريا واعلن فيها – الحكومة العربية – وشكل الجيش العربي والتحق بهذا الجيش برتبة ملازم ثاني
ولما نشبت الحرب بين الفرنسيين بقيادة الجنرال – غورو- وبين حكومة فيصل واشتد القتال بينهما في معركة – ميسلون – بقيادة الشهيد البطل – يوسف العظمة – كان صلاح الدين احد الضباط الذين اشتركوا فيها.
وابدوا شجاعة وتضحية ووقع صلاح الدين في الاسر بيد القوات الفرنسية فنفوه الى جزيرة – ارواد – وبقي فيها ثلاثة اشهر ثم اطلقوا سراحه.
وحين تاسيس الحكم الوطني العراقي عام 1921 عاد الصباغ الى العراق وانتسب الى الجيش العراقي لان اكثر ضباط الجيش كانوا يومذاك من الانكليز وبعد مدة قصيرة ارسلته وزارة الدفاع العراقية الى الهند لاكمال دراسته العسكرية وبعد عودته من الهند دخل كلية الاركان العراقية وتخرج فيها بدرجة ممتاز ثم التحق بكلية الاركان البريطانية في كمبرلي ثم التحق بدورة الضباط الاقدمين في – شيرلسن – البريطانية وبعد عودته الى العراق عين معلما في كلية الاركان العراقية والكلية العسكرية .
العسكريون والسياسة
دخل الضباط العراقيون حقل العمل السياسي في وقت مبكر عندما كانوا يعملون في الجيش العثماني ويتواجدون في الاستانة وقت ظهور النزعة العنصرية التركية، الامر الذي دفع هؤلاء الضباط الى البحث عن السبل والوسائل للحفاظ على الهوية العربية والوقوف ضد سياسة التتريك، فكان ذلك دافعا الى انشاء الجمعيات العربية السرية والانضمام اليها،
فساهم الضباط بفعالية في تاسيس جمعية العهد السرية عام 1913 بزعامة عزيز علي المصري، والتي كان الضباط العراقيون عمودها الفقري والعنصر البارز الذي استطاع تاسيس فروع لها في بغداد والموصل ، بحيث وصف هؤلاء الضباط بانهم ( المحركون لكثير من الهيجانات التي وقعت في الجيش التركي).
وخلال الحرب العالمية الثانية ادرك الضباط العراقيون خطأ سياسة التعاون مع العثمانيين فترك اغلبهم صفوف الجيش العثماني وانضموا الى الثورة العربية في الحجاز عام 1916 وساهموا فيها مساهمة فعالة في التخطيط والقيادة والاستبسال فكسب الكثير منهم شهرة واسعة.
وبعد ان استطاعت الثورة العربية تحرير الحجاز وبلاد الشام شارك هؤلاء الضباط في بناء الدولة العربية الجديدة التي اقامها الامير فيصل بن الحسين في الشام (1918 –1920) وعقد العراقيون الذين اسسوا جمعية العهد مؤتمرا في دمشق في 8 اذار/مارس 1920 اعلنوا فيه استقلال العراق والقيام بالاعمال الايجابية للوصول الى الاستقلال ، فكان الضباط من المحرضين على الثورة ضد الاحتلال فشاركوا في احداث ثورة العشرين وساهموا في رفع معنويات الثوار وفي الاستيلاء على دير الزور والهجوم على تلعفر.
وبعد انتهاء الثورة وتشكيل الحكومة العراقية المؤقتة بدأت عملية تشكيل نواة الجيش العراقي فاصبح جعفر العسكري اول وزير للدفاع في العراق(2 تشرين الثاني 1920) وقد اعتمد العسكري في جهوده لبناء الجيش على الضباط العرب الذين كانوا يعملون في الجيش العثماني ثم في الثورة العربية وحكومة فيصل ، وكانت نواة الجيش العراقي عند تشكيله في (6 كانون الثاني/يناير1921) عشرة من الضباط العراقيين ، وقد بدأ تسجيل المتطوعين في 21 حزيران/يونيو من العام نفسه وتم تشكيل الفوج الاول في بغداد في تموز /يوليو1921 باسم فوج الامام موسى الكاظم وشكل الفوج الثاني في نيسان 1922 وبذلك بلغت قوة الجيش حوالي اربعة الاف متطوع.
قوبل تشكيل الجيش العراقي وتطور تشكيلاته بالمساندة والتاييد من الشعب الذي زادت ثقته بالمستقبل وتعززت اماله لبناء عراق قوي مستقل في حين ارادت بريطانيا تحجيم دور الجيش وتأمين ولائه للنظام وعدم تهديده مصالح بريطانيا في العراق.
وعلى الرغم من الاجراءات البريطانية يمكن القول بان الروح القومية هي السمة البارزة والعامة للجيش العراقي منذ نشأته واستطاع بعض الضباط امثال صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد وغيرهما من تشكيل منظمات ذات طابع سياسي وضعت برناجا للعمل اطلق عليه( الميثاق القومي العربي) وقد لعب الضباط القوميون دورا بارزا في تأييد النضال العربي وساهموا في النشاطات السياسية القومية المدنية فكان فهمي سعيد من ضمن الهيئة المؤسسة لنادي (المثنى بن حارثة الشيباني) ذي الاتجاه القومي ، فيما اخذ صلاح الدين الصباغ على عاتقه تدريب الشباب القومي من اعضاء جمعية الجوال العربي على الامور العسكرية ،كما اصبح مديرا ومدربا عاما للفتوة
ظهر الجيش كعامل مهم في السياسة العراقية لاول مرة عندما قضى على عصيان الاشوريين سنة 1933 بقيادة بكر صدقي قائد المنطقة الشمالية ، فنال احترام الشعب وتقديره واعتبره الحارس الامين لاستقلاله ورمز سيادته الوطنية ، وشعر الضباط باهميتهم السياسية وقدرتهم على التاثير في مجرى الاحداث عندما اكتشفوا بعد ذلك انهم استغلوا ببشاعة حينما استخدمتهم السلطات الحكومية كجهاز بوليسي تسخره اهواء السياسيين المتناحرين على السلطة في اواسط الثلاثينات لضرب الثورات العشائرية التي كانوا يشعلونها لازاحة خصومهم السياسيين . فتيقظت ضمائرهم على تفاهة الدور الذي فرض عليهم واحسوا بضرورة التخلص من ذلك الوضع المزري واقامة حكومة مقتدرة عزيزة الجانب كما كان عليه وضع الجارتين تركيا وايران اللتين اعتمدتا على الجيش في تغيير نظامي الحكم المتخلفين فيهما.
بدأت اول محاولة للتنظيم السياسي في الجيش اواسط العشرينات بين صغار الضباط المتخرجين من الكلية العسكرية التي فتحت ابوابها للشباب سنة 1924. كان اولئك الضباط من ذوي الافكار القومية وقد تعاطف معهم عدد من الضباط الذين خدموا في الجيش العثماني خلال السنوات الاخيرة من الحرب قبل ان يلفظ انفاسه. ومن ابرزهم صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد وعبد الرزاق حسين ومحمود الدرة وعبد المجيد الهاشمي واكرم مشتاق. وربط هؤلاء مصيرهم ببعض السياسيين القدامى الذين عرفوا باتجاهاتهم القومية امثال ياسين الهاشمي ونوري السعيد ورشيد عالي الكيلاني. ولم تتبلور في اذهان هؤلاء فكرة استخدام الجيش لقلب نظام الحكم الى ان تمكنت جماعة الاهالي غير المتجانسة والتي تحمل افكارا اشتراكية عامة من اقناع الفريق بكر صدقي قائد الفرقة الثانية بالقيام بانقلاب عسكري سنة 1936 لاسقاط حكومة ياسين الهاشمي. فكانت تلك الحركة البداية العملية لتدخل الجيش في السياسة العراقية.
وعلى اثر نجاح الحركة قرر بعض المقربين من قائد الحركة بكر صدقي تشكيل لجنة سرية مهمتها وضع الخطط السياسية للحركة العسكرية وبرمجة خططها واهدافها. وكان من ابرز اعضائها المقدم محمد علي جواد آمر القوة الجوية وعلي غالب اسماعيل وجمال جميل ومصطفى علي وكان من اهدافها خلق عراق قوي يستند الى وحدة وطنية بين العرب والاكراد. ونعتبر هذه اللجنة اول تنظيم سري تشكل بعد نجاح الانقلاب العسكري الذي قاده صدقي. غير ان تأليفها المختلط واستبعاد الضباط القوميين وعدم تبنيها الافكار القومية اثار عليها حفيظة الكتلة القومية في الجيش التي كان يتزعمها صلاح الدين الصباغ واتهمت اللجنة السرية بالاقليمية والشعوبية. وقد وجدت دعوة الكتلة القومية وموقفها ضد حركة بكر صدقي ولجنته السرية وتوجهاتها ترحيبا من الساسة الذين تضرروا من الانقلاب امثال جميل المدفعي نوري السعيد الذي خسر نسيبه وزير الدفاع جعفر العسكري الذي لقي مصرعه على ايدي حلفاء صدقي وبامر منه شخصيا ، هؤلاء الساسة كانوا قد لقوا تشجيعا من قبل السلطات البريطانية من وراء الستار التي خشت انفراد بكر صدقي بالحكم واقامته دكتاتورية عسكرية يصعب التفاهم معها.كل هذا دفع الكتلة القومية الى استخدام العنف في تصفية خصومها جسديا فانهارت الحركة حالما اغتيل قائدها بكر صدقي ومحمد علي جواد في 11آب/ اغسطس 1937 في الموصل من قبل احد الجنود بمؤامرة واسعة دبرتها الكتلة القومية من صباط الجيش بزعامة صلاح الدين الصباغ وتأييد خصوم صدقي المتضررين من انقلابه.وخاصة الذين ارادوا الانتقام لاغتيال وزير الدفاع جعفر العسكري الذي قتله الانقلابيون يوم تنفيذ انقلابهم. واتضحت طبيعة المؤامرة عندما اعلنت حامية الموصل العصيان بقيادة امين العمري وقطعت علاقتها بحكومة حكمت سليمان في بغدادوامتنعت عن تسليم الضباط المتهمين بالاشتراك في مقتل بكر صدقي ومحمد علي جواد ، مما اضطر حكومة سليمان الى تقديم استقالته خاصة بعد ان وقفت القطعات العسكرية في معسكر الوشاش الى جانب حامية الموصل وقررت هي الاخرى قطع الاتصال بالحكومة المركزية.
يتحدث العميد اسماعيل العارف في كتابه( اسرار ثورة 14 تموز) عن صلاح الدين الصباغ فيقول( قبل انتهاء السنة زارنا يوما في ساحة العرضات اثناء التدريب الصباحي المقدم الركن صلاح الدين الصباغ بصفته مديرا للحركات ، وقد كنا نسمع باسمه الا اننا لم نره قبل ذلك، فقد كان يتزعم مجموعة قومية النزعة تضمه وثلاثة عقداء اخرين سيطروا على الجيش يعد اغتيال بكر صدقي وهم فهمي سعيد وكامل شبيب ومحمود سلمان وقد لعبوا دورا رئيسا في حياة العراق السياسية)
ويضيف العارف( فتش الصباغ سير التدريب لمعظم فصائل السرية وعندما اقترب من فصيلنا طلب من آمر الفصيل الملازم مصطفى رجب عريم ان يجمع الفصيل حوله على شكل نصف دائرة للتحدث اليهم) ويقول العارف( كان المرحوم الصباغ طويل القامة جميل المنظر بهي الطلعة وقد اضفت ملابسه العسكرية( ملابس الخيالة) سحرا على مظهره الجذاب، فنظر متفحصا في وجوه الطلاب وبعد لحظات خاطبهم طارحا عليهم سؤالا مجردا من المقدمات والشروح قائلا( من منكم يعرف معنى الوطنية؟) فسكت الجميع ولم يجبه احد ثم كرر السؤال طالبا ان يتقدم احد منا للاجابة عليه ولكن دون جدوى. فنظر اليّ اذ كنت اقف امامه مباشرة في وسط نصف الدائرة فقال مشيرا اليّ(انت اجب على السؤال) فترددت في الاجابة للحظات مرت بي كالدهور وبعد لاي اجبته بشكل تلقائي ينم على التبرم والالم قائلا(سيدي .. يؤسفني ان اعتذر عن تعريف الوطنية لانني لا اعلم شيئا عن هذا المفهوم) واذا به يتفجر غيظا قائلا( عجيب الا تعرف معنى الوطنية وانت طالب سوف تتخرج بعد اشهر قلائل ضابطا في الجيش انه لامر غريب حقا) فقلت له( نعم انا لا اعرف معنى الوطنية حتى ولا يستطيع واحد من زملائي تعريفاه لاننا لم نتلق درسا بهذا المفهوم قبل ذلك من اساتذتنا او آمرينا ، فكيف نستطيع ان نتحدث بها اذا لم يحاول احد حتى اليوم ان يوجهنا ويعرفنا بها) فالتفت الصباغ الى آمر الفصيل سائلا اياه الا تتكلمون مع الطلاب شارحين لهم هذه المعاني المهمة التي تبعث فيهم روح التضحية في سبيل وطنهم؟ فاجابه آمر الفصيل ( نعم سيدي نتحدث اليهم ونحاضرهم عنها على الدوام) ثم التفت الصباغ الى آمر الفصيل وطلب منه ان يعالج هذه الناحية بالقاء دروس ترفع معنويات الطلاب وتحثهم على التمسك باهداف وطنهم.)
ويضيف العارف في كتابه( كان صلاح الدين الصاغ قد برز في تلك السنة كشخصية عسكرية وسياسية مهمة وغالبا ما كان يحاول عند التقائه بمجموعات من الضباط ان يتحدث اليهم في شتى المواضيع السياسية وبالرغم من تفسيراته التي ادلى بها امامنا لمفهوم الوطنية فقد خرجنا من تلك المناقشة اكثر تشوشا بصدد تلك المفاهيم)
بعد ذلك وبانهيار اول حكومة اقامها الجيش في العراق بدات مرحلة جديدة تزايد فيها استخدام الجيش من قبل الساسة التقليديين انفسهم كاداة لتنفيذ اطماعها الشخصية في السلطة. كما اشتد الصراع داخل الجيش بين كتل الضباط التي اعلنت ولاءها لهذا السياسي او ذاك الى ان تبلور في سيطرة الكتلة القومية على مقاليد الجيش وتفجيرها لحركة 1941. اضافة الى ان الاحقاد والضغائن والتكالب على السلطة دفعت البعض الى استثمار دور الجيش المتعاظم في السياسة العراقية لاسقاط الحكومات المتعاقبة وكان من اقوى الكتل المتصارعة هي الكتلة القومية بزعامة صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد ومحمود سلمان وكامل شبيب وعزيز ياملكي وانضم اليهم بعد ذلك الفريق حسين فوزي وامين العمري وسيطروا على الجيش بتسلمهم اهم المراكز القيادية فيه بعد اغتيال بكر صدقي واصبح رضاهم ضرورة اساسية لاي حكومة تنوي البقاء في السلطة.
وحينما حاول جميل المدفعي تحدي الكتلة هذه بتعيين وزير دفاع لا يرتضونه قرروا التحرك بسرعة وارسلوا احد اعضاء الكتلة عزيز ياملكي الى جميل المدفعي طالبا اليه تقديم استقالته فانصاع لرغبة الجيش واستقال في 24 كانون الاول 1938،
كما قام الفريق حسين فوزي رئيس اركان الجيش واحد اعضاء الكتلة السباعية بنقل رغبتهم الى الملك غازي في اسناد الوزارة الى نوري السعيد وبذلك نفذ الجيش ثالث انقلاب وفرض بالقوة تغيير الوزارة. الا ان اصرار نوري السعيد على سياسته في المضي بالتعاون مع الانكليز دون النظر الى مصلحة الوطن اضعف مركزه في نظر الكتلة القومية من الضباط التي تكشف لها بان الاستمرار على تلك السياسة يضر بمستقبل العراق والامة العربية في وقت لاحت خلاله بوارق الامل في انتصار دول المحور من خلال انتصارات المانيا على جميع الجبهات فنفض الضباط القوميون ايديهم من نوري السعيد واقاموا علاقات وطيدة مع رشيد عالي الكيلاني الذي كان قد اتصل بهم ووافقت اراؤه اراءهم في تحرير العراق من التبعية الاستعمارية.
فاستقال نوري السعيد واسندت رئاسة الوزارة الى رشيد عالي الكيلاني الذي ضم اليها كلا من طه الهاشمي كوزير للدفاع ونوري السعيد كوزير للخارجية لكي يتجنبوا تآمره اذا بقي خارج الحكم. وهكذا ساءت العلاقة بين الحكومة العراقية التي يراسها رشيد عالي الكيلاني وبريطانيا خاصة بعد ان تمكن الوصي الامير عبد الاله من الهرب بسيارة القائم بالاعمال الامريكي متخفيا بزي امرأة الى الحبانية..
ومن هناك نقلته طائرة بريطانية الى البصرة وتشكلت حكومة الدفاع الوطني برئاسة رشيد عالي الكيلاني وتمت للجيش السيطرة على كافة انحاء القطر. وكانت حركة الضباط الاربعة بقيادة صلاح الدين الصباغ في 2 مايس/ايار 1941 التي كتب لها الفشل وعاد الوصي ونفذ حكم الاعدام بالضباط الاربعة فيما بعد.
في ايلول من عام 1937 وبعد مصرع الفريق بكر صدقي في الموصل عين آمرا للقوة الجوية العراقية ثم عين معاونا لرئيس اركان الجيش ومديرا لشعبة الحركات العسكرية . وفي ليلة 24/25 من كانون الاول 1938 تمكن صلاح الدين الصباغ وعدد من امراء القطعات العسكرية وهم محمد سعيد فهمي والعقيد كامل شبيب والعقيد محمود سلمان والعقيد سعيد يحيى والعقيد عزيز ياملكي والمقدمون صالح فوزي وخيري خورشيد وعبد القادر عباس من تحشيد قطعاتهم في معسكر الرشيد واقالوا وزارة جميل المدفعي من الحكم لانها فرطت بحقوق البلاد وعقدت مع ايران والحكومة البريطانية معاهدات واتفاقات مضرة بحقوق العراق وسيادته.
وفي شباط 1940 استطاع صلاح الدين الصباغ وتكتله هذا من احباط انقلاب دبره رئيس اركان الجيش حسين فوزي واللواء امين العمري قائد الفرقة الاولى وعين صلاح الدين بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة قائدا للفرقة الثالثة وذلك في شهر اذار 1940
وحينما اشتد الخلاف بين وزارة رشيد عالي الكيلاني التي ساندها الجيش وبين الوصي على عرش العراق الامير عبد الاله حول قطع العلاقات السياسية مع المانيا وايطاليا تنفيذا لرغبات الانكليز وهرب الوصي الى الديوانية واراد اقالة الوزارة الكيلانية يوم 31 كانون الثاني 1941 وتعيين وزارة تحالف البريطانيين وتسير في خطهم السياسي اصر العقيد صلاح الدين الصباغ ومحمد فهمي سعيد ورفاقه على اسناد الوزارة الى شخصية وطنية يرضى عنها الجيش وذلك باسنادها الى طه الهاشمي وقبل الوصي ذلك مرغما وتشكلت الوزارة برئاسة الهاشمي.
اثراستقالة الكيلاني من رئاسة الحكومة في 31/12/1941 عقد اجتماع ضم الكيلاني والحاج امين الحسيني والعقداء الاربعة الصباغ وشبيب وسلمان وفهمي سعيد كما حضر الاجتماع ناجي شوكت رئيس الوزراء سابقا ويونس السبعاوي واتفقوا خلال الاجتماع على ضرورة تشكيل تنظيم سري وان يتخذوا موقفا وطنيا واحدا اذا حدث اي انحراف في سياسة الحكومة او الوصي او نوري السعيد من شانه ان يشكل خطرا على التيار القومي واقسموا على ذلك وبدا التعاون بينهم على هذا الاساس واطلقوا على اسم التنظيم السري اسم- اللجنة العربية-
بهدف اعادة الامور الى مجراها الطبيعي وحل الخلاف بين الوصي من جهة وبين الصباغ وقادة الجيش العراقي من جهة اخرى الا ان البريطانيين ضغطوا على الوصي مجددا وطلبوا منه ان تقطع وزارة الهاشمي العلاقات السياسية بين العراق وبين ايطاليا وتمنع العقداء من التدخل في السياسة وتمنح الانكليز امتيازات تقتضيها ضرورات الحرب العالمية الثانية ومنها دخول القطعات البريطانية الى العراق واستعمالها المطارات والموانىء وخطوط المواصلات وغيرها من المرافق بلا قيد او شرط واستجاب الوصي لضغط الانكليز وتهديداتهم المستمرة وطلب من طه الهاشمي رئيس الوزراء ان يبادر الى اتخاذ قرارات سريعة في هذه الشؤون ولا يتردد في تنحية العقداء من مناصبهم اذا لزم الامر ذلك. وعرض الهاشمي هذه الامور جميعا على صلاح الدين الصباغ وبقية العقداء المؤيدين لسياستهم فكان جوابهم اننا سنحمي كرامة العراق واستقلاله ولا نسمح باحتلال بريطاني لبلادنا المحبوبة مهما كانت النتائج والتضحيات وليعمل الوصي والانكليز ما شاءوا يعملوه.
وحينما اطلع الوصي على موقف الصباغ وجماعته العقداء هرب الى الديوانية ومنها الى البصرة وترك البلاد بلا رئيس دستوري مسؤول فقرر العقداء انقاذ البلاد من ورطة كبيرة وحرب اهلية يدبرها ويؤجج نيرانها اعداء العراق فزحفت قطعات الجيش العراقي نحو العاصمة بغداد واستولت على الدوائر الرسمية ودوائر البرق والبريد والتلفون وطوقت قصر الزهور وديوان مجلس الوزراء واذاع الجيش تشكيل حكومة الدفاع الوطني برئاسة رشيد عالي الكيلاني وعضوية وكيل رئيس اركان الجيش والعقداء الاربعة وذلك ليلة 3/4عام 1941 وكان اول عمل قامت به حكومة الدفاع الوطني ان دعت مجلسي الامة والاعيان لعقد جلسة مشتركة برئاسة العين – السيد علوان الياسري – وعرضت عليه قضية هرب الوصي عبد الاله من العاصمة وعندها قرر المجلس خلعه بالاجماع وتقرر تنصيب الشريف شرف وصيا على العرش واختار رشيد عالي الكيلاني رئيسا للوزراء ليقوم بمهمة الدفاع عن البلاد وتلبد الجو بالغيوم واشتدت الازمة بين حكومة العراق والانكليز الذين قرروا احتلال العراق بالقوة واعادة الوصي عبد الاله الهارب الى عرش العراق وتحجيم قوة الجيش العراقي وقادته وخاصة الصباغ واعوانه العقداء.
وفي يوم 2 مايس عام 1941 قصفت القوة الجوية البريطانية قطعات الجيش العراقي المرابطة في الحبانية غرب بغداد فيما زحفت القطعات البريطانية الاخرى باتجاه بغداد عن طريق الفلوجة.في هذا الوقت قررت قيادة الجيش المواجهة وشكلت قيادة الجبهة الغربية واسندت القيادة الى العقيد صلاح الدين الصباغ الذي اصبحت تحت امرته الفرقة الالية الخامسة بقيادة العقيد محمد فهمي سعيد والفرقة الاولى وقائدها العقيد كامل شبيب وافواج والوية من الفرقتين الثانية والثالثة واستمرت الحرب حوالي الشهر بين جيشين غير متكافئين في السلاح والعتاد والقوة الجوية خاصة حيث قدم الجيش العراقي تضحيات كبيرة قبل احتلال بغداد من قبل القوات البريطانية. مما اضطر صلاح الدين الصباغ ورفاقه والوزراء ورئيس الوزراء الى ترك بغداد والهرب الى ايران .
وسارعت حكومة طهران الى الترحيب بهم ولقوا استقبالا حسنا وكان معهم الحاج امين الحسيني والشريف شرف الذي اختارته حكومة الدفاع الوطني وصيا على العرش بدلا من عبد الاله كما استضافت ايران جميع الهاربين في قصر شيرين بناءا على اوامر الشاه رضا بهلوي الذي اعتبرهم لاجئين سياسيين وحينما وصلوا طهران استضافتهم الحكومة الايرانية وحرصا على حياتهم نقلتهم الى مدينة – زنجان- خارج طهران ليكونوا بعيدا عن اعين جواسيس الانكليز.
وقد كان طبيعيا بسبب تردي العلاقات البريطانية الايرانية ان تعطف ايران على حركة رشيد عالي الكيلاني على اساس انها حركة وطنية معادية للاستعمار البريطاني ومن شأن نجاحها اضعاف هيبة بريطانيا في الشرق الاوسط ومساعدة المانيا على اخراج بريطانيا من المنطقة وكان شاه ايران رضا بهلوي يعتقد ان الايام الاخيرة لبريطانيا قد حلت فقد مزق المعاهدات التي تربطه بلندن واستعد لضم قواه مع رشيد عالي . الا ان عطف ايران على الكيلاني وجماعته كان سرا فلم تؤيد طهران حركة الكيلاني رسميا بل التزمت الصمت شانها شان جارات العراق الاخرى كتركيا والسعودية باعتبار ان الدول الموقعة على ميثاق سعد اباد تستنكر اعمال العنف وتحبذ السياسة القائمة على مبدأ السلم.
كانت السلطات التركية قد تقدمت بعد يومين من بدء المعارك اي يوم 4 مايس بوساطة بين الطرفين حيث زار بغداد جواد اوستن وزير تركيا المفوض في بغداد وزير الخارجية موسى الشابندر وعرض عليه باسم وزارة الخارجية التركية وساطة حكومته بين الفريقين المتحاربين في ذلك الوقت ايضا تقدمت مصر بواسطة اخرى بين الطرفين .
في لندن اعرب انطوني ايدن وزير الخارجية في مجلس العموم عن ترحيبه بالوساطة التي عرضتها الحكومتان التركية والمصرية وقبل ايدن العرض التركي رسميا كما قبلت الحكومة العراقية الوساطة التركية الا انها لم تسحب قواتها من الحبانية ووصل ناجي شوكت وزير الدفاع الى انقرة لبحث الوساطة التي تتضمن وقف العمليات الحربية وانسحاب القوات العراقية المحتشدة من اطراف الحبانية الى مواقعها قبل الاصطدام. مقابل اعتراف بريطانيا بحكومة الكيلاني بان يقدم السفير البريطاني اوراق اعتماده الى الوصي الشريف شرف. وان يلتزم العراق بتعهداته ازاء بريطانيا بمنح التسهيلات لقواتها وفق معاهدة عام 1930 بحيث لا تنتهك استقلال العراق او سيادته واستئناف المفاوضات بين الطرفين. وقد ابرق ناجي شوكت الى حكومته شروط الوساطة هذه التي اجتمعت واقرت باغلبية الاصوات قبولها ما عدا يونس السبعاوي وزير الاقتصاد وكلف وزير الخارجية الشابندر اعداد الرد بالموافقة الا ان الكيلاني طلب امهاله لاخذ اراء قادة الجيش وبالذات الصباغ الذي يقال انه وافق في البداية الا انه اعترض بعد ان اوعز اليه الحاج امين الحسني بالرفض. وهكذا فشلت الوساطة التركية وطلب رشيد عالي من دول المحور المساعدات لانقاذ بلاده من المستعمرين ولكن مساعدات الالمان كانت محدودة وضئيلة ربما لظروف خارجة عن ارادة الطرفين.
لقد استطاع صلاح الدين الصباغ ان يترك ايران سرا ويلتجىء الى تركيا فقبلته الحكومة لاجئا سياسيا محترما ورفضت تسليمه بحجة ان القانون الدولي لا يجيز تسليم السياسيين واحتفظت به الى عام 1944كتب خلالها مذكراته حيث تغير اتجاه الحرب العالمية الثانية لغير صالح المانيا حليفة تركيا ونتيجة للضغوط الشديدة التي تعرضت لها تركيا من قبل الانكليز والنظام الملكي في العراق وكذلك من قبل حكومة الولايات المتحدة وبعد مشاورات ومفاوضات استجابت الحكومة التركية مضطرة لتسليمه للقوات البريطانية في سوريا . وقد تمكن الصباغ ان يفلت من قبضة الانكليز ويختفي الا ان رجال الامن تمكنوا من القاء القبض عليه وسلموه الى حكام العراق اذ كانت سوريا تخضع من الناحية العملية للنفوذ البريطاني بسبب سقوط فرنسا تحت الاحتلال الالماني وكان يجري التفتيش في الحدود السورية من قبل موظفين سوريين وجنود انكليز كما هو الحال على الحدود العراقية حيث قدم الى المحاكمة التي حكمت عليه بالاعدام الذي نفذ يوم 16/10/1945 .
يتحدث الضابط السوري مصطفى رامز حمداني عن صلاح الدين الصباغ في مذكراته ( شاهد على احداث سورية وعربية واسرار الانفصال) فيقول"لقد اضطر صلاح الدين الصباغ الى الهرب سيرا على الاقدام متخفيا بلباس عربي بدوي واجتاز الحدود الى تركيا فالقت عليه القبض دورية تركية وسجن في تركيا طوال الحرب العالمية الثانية ثم سلمته تركيا ( على الحدود السورية التركية) الى دورية انكليزية ، وكان الطقس سيئا فباتت الدورية في مخفر سوري وكان رئيس المخفر انسانا شريفا عرفت منه قصته وعرف ان مصيره الاعدام فهربه اثناء نوم الدورية الانكليزية من نافذة غرف التوقيف وادعى للدورية بان الموقوف هرب وحده بعد ان استطاع نزع حديد النافذة وكان معه قبل هربه مذكراته فسلمها لرئيس المخفر سرا راجيا اياه ان يسلمها الى شخص يثق به يستطيع ايصالها لولده نزار الصباغ الذي تركه مع امه في العراق قبل هربه الى تركيا. لقد سلمني رئيس المخفر فيما بعد هذه المذكرات فاوصلتها بدوري الى ولده نزار وطبعت في دمشق ثم اعاد النسخة الخطية اليّ لتبقى عندي ذكرى من والده، ولا تزال بحوزتي بخط يده، وهذه نسخة من رسالة كانت مع المذكرات بخط يد المناضل البطل صلاح الدين الصباغ، وارسلها من سجنه في انقره الى حمدي الباجه جي راجيا اياه الخيلولة دون الانتقام من ابنه نزار . وقد اعادها ايضا اليّ صديقي واخي نزار لان نسخة ثانية من هذه الرسالة – كما قال لي – وصلتهم وقال لي بان حمدي الباجه جي لم يعمل شيئا غير الاكتفاء بتسريح نزار من الكلية العسكرية والسماح له بالسفر الى سوريا فعينته الحكومة السورية موظفا في احد البنوك ليستطيع الانفاق . ودعني نزار في دمشق – طبعا- بعد مقتل والده في بغداد لزيارة اصدقاء له في العراق فوجد في بيته ميتا على اثر نوبة برد المت به هناك ولم يكن الى جواره اي معين رحمه الله رحمة واسعة ورحم والده الذي ضحى بنفسه وبكل اسرته من اجل عزة وطنه وايصاله الى استقلال حقيقي لا تحت الوصاية الانكليزية التي كانت مفروضة عليه وعلى ملكه ووصيه.
وجاء في الرسالة التي ارسلها الصباغ الى رئيس الوزراء العراقي حمدي الباجه جي في 18 آب1944 :
حضرة الاخ النبيل السيد حمدي الباجه جي
ان الالقاب مؤقتة فالالقاب مثل صاحب الفخامة والمعالي والمقام الرفيع يمجها كل عربي لانها تنافي ذوقه وتقاليده ومثلها النازية والفاشستية والشيوعية والديمقراطية فهي نعوت اجنبية ان كان ف معانيها نبل فهي لا تعلو ما ينطوي عليها رمز ( انما المؤمنون اخوة) من معان سامية وهذا الرمز هو رمزنا نحن العرب ، ولكوني اعلم عن حضرتك بانك تنتمي الى اسرة عربية وقبيلة غربية فلذلك فاتحتك بقولي حضرة الاخ ( لا صاحب الفخامة) والا لما كتبت اليك لو انت اعجمي وانا من المعتقدين يقول من قال:
ما حن اعجمي على عربي ورب الكعبة) وما اكثر ضحايا العرب من الاعاجم.
بعد ان غادرت بغداد تركت الاهل واطفالي الثلاث نزار وربيعة وانمار واكبرهم نزار وهو في التاسعة عشر واصغرهم في الخامسة من عمره الان. وقد تركتهم لثلاثة اسباب .
اولا- لاني لا متمول ولا صاحب اطيان وا ايراد وقد غادرت العراق وانا لا املك سوى راتبي الاخير الذي قسمته مع اهلي وهو لا يكفي الحاجة فيما لو اخذتهم معي وانا اردد قول الشاعر
بلادي وان جارت علي عزيزة واهلي وان ضنوا عليّ كرام
ثانيا – لاني اعتقد بانهم ليسو اولادي فحسب بل اولاد امتي وامتي احوج الى اولادها والى تثقيفهم من سائر الامم.
ثالثا- حرصي على عروبتهم وثقافتهم العربية وهم يترعرعون وان لا يكونون عالة وآلة شر على بلادهم
وجاء في الرسالة ايضا : لقد تركت نزارا تلميذا في المدرسة العسكرية وكان الاول والبارز في صفه كما كان حاله في جميع مراحل الدراسة التي سبقت المدرسة العسكرية. وقد فهمت – صدفة – من كتاب اخذته من زوجتي قبل بضعة ايام تقول بان ولدي منع عن متابعة الدراسة منذ اكثر من سنتين. والذي توصلت اليه من هذه العبارة هو ان ولدي نزار اما معتقل او مسجون والا لما انقطع عن متابعة الدراسة . كما استنتجت من ذكرها التاريخ بانه اعتقل او سجن قبل ان يكمل السابعة عشر من عمره ، اليس هو طفل ؟ وبطبيعة الحال انا اجهل الذنب الذي اقترفه واسباب اعتقاله او سجنه ولكن مهما كانت الاسباب فهو طفل وقتل الطفل عندي افضل من بقائه جاهلا غير مثقف لانه عالة وضرر لما تستهدفه الامة وما يريدانه ابويه فليقتل . فالقتل خير له ان استحق هذا الطفل الحكم بحرمانه من التحصيل.
ويواصل الصباغ في رسالته قائلا" انا ما انتقمت ولن انتقم من عربي لاني عربي ولاني اعتقد بان كل عربي يحب الخير لقومه ويتوخى ايصالها الى الهدف. الا ان التباين في الطرق المسلوكة نحو الهدف هو الذي دفع بانانية بعضهم الى الانتقام من مزاحمه لانه مزاحمه اقوى منه حجة ولكن النتيجة ضياع وخسران مبين للامة وي للاسف .
ومما لا يخفى على حضرتك بان الاغراض والدوافع الانتقامية تعمى وتفقد البصيرة والحكمة ولا تتماشى ومقتضيات العدل والسيادة ، فالذي ارجوه ممن سبقك في الحكم ان لا تكون الدوافع الانتقامية والاغراض – من والده – هي التي اودت بهم الى زج طفله في السجون او المعتقلات وحرمانه من متابعة الدراسة خصوصا وانه ليس متمول ولا صاحب اطيان لكي يتمكن في المستقبل من تعويض ما يفقده الان وهو ولي اخوته واهله من بعدي.
ان اعتقادي بنزاهتك وبماضيك وبعروبتك وبعدك عن الانانية وعن النزعات الانتقامية ساقني الى مراسلتك ومفاتحتك بامر لا يتعلق بشخص لاني لا بد وان اموت يوما ما بل بامر طفل ومن خلفه اطفال قصر سيبقون ملك الامة وهم لا دار لهم ولا عقار ولا يوجد سبب للاخذ منه بالثار .
وختاما اسأل الله ان يسدد خطاك لما فيه خير للبلاد والعروبة . والسلام وسلام الله عليك.
كانت نهاية البطل صلاح الدين الصباغ مؤلمة جدا فبعد ان هربه لرئيس المخفر السوري من غرفة التوقيف تابع سيره ليلا على الاقدام الى حلب واستطاع ان يهتدي الى بيت صديقه حسن ابراهيم باشا بمعاونة المواطنين. فنقله الدكتور حسن ابراهيم باشا خوفا عليه الى بستانه خارج حلب ونقل ايضا زوجته التي كانت تقيم في بيت الدكتور حسن ابراهيم باشا طوال سجن زوجها في تركيا معززة مكرمة. كانت الدوريات الفرنسية والانكليزية في حلب تفتش عنه والاعلانات ملأت الشوارع والصحف ودور السينما وبعدئذ يقول مصطفى رامز حمداني في مذكراته سمعنا ان خادم حسن ابراهيم باشا هو الذي اخبر عنه طمعا في المال الذي خصص لمن يخبر عن مكان وجوده فالقي القبض عليه. ونقله الانكليز الى العراق فقدموه هدية لعبد الاله الوصي على عرش العراق فأمر باعدامه شنقا – امام وزارة الدفاع – في شارع الرشيد ببغداد ، وشهد عبد الاله بنفسه اعدامه منتصف الليل.
تعرض الجيش العراقي الى تصفية تكاد تكون كاملة بعد فشل حركة 1941 فقد احيل عدد كبير من الضباط الشباب القوميين على التقاعد وجرد الجيش من القيادة الكفوءة وروح القتال والوسائل المادية التي تلزمه للدخول في معارك نظامية ، واصبح هدفه المحافظة على الامن الداخلي فقط. وعلى الرغم من التصفية التي تعرض لها الجيش العراقي الا ان العناصر الشابة الجديدة من ضباطه وجنوده سارت في الطريق القومي نفسه وكانت مشاركتها بارزة خلال الحرب الفلسطينية (1948- 1949) عندما قررت الحكومة العراقية ازاء استمرار الضغط الشعبي ارسال الجيش العراقي للدفاع عن الاراضي العربية الفلسطينية، وكان ضباط الجيش وجنوده ممتلئين حماسة قوية لقتال الصهاينة والحفاظ على فلسطين ، وقد استطاعت القوات العراقية بامكانياتها المحدودة انذاك من تحقيق الانتصارات الكبيرة ، وتميز الجيش العراقي في المعارك انذاك من تحقيق الانتصارات الكبيرة حيث تميز الجيش العراقي بالشجاعة والبسالة التي ابداها الضباط والجنود وكان الجميع مدفوعين بعوامل قومية ووطنية.
وبعد توقف القتال في فلسطين عاد الجيش العراقي الى البلاد وهو يحمل مرارة النكسة التي سببتها الانظمة السياسية العربية القائمة انذاك فصمم ضباطه وجنوده على الثأر لكرامة الجيش زبالقضاء على النظام الذي كان وراء الانتكاسة ،فانخرط المخلصون من الضباط القوميين في تنظيم الضباط الاحرار ، ولكن العمل الجدي المنظم لم يبدأ الا بعد قيام الثورة المصرية التي حدثت في 23تموز/يوليو 1952 .
1286 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع