لماذا وقع الاختيار على النجم الارجنتيني ليونيل ميسي للتتويج بالكرة الذهبية؟

       

لندن ـ «القدس العربي»: أعاد تتويج الأسطورة ليونيل ميسي بجائزة «الكرة الذهبية»، كأفضل لاعب في العالم هذا العام من قبل مجلة «فرانس فوتبول»، إلى الأذهان ما حدث مرتين قبل عقد من الزمان، أو ما تُعرف بالمجاملة «الفجة» للثنائي الأفضل في العصر الحديث ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، بتفضيل البرغوث ومنحه الجائزة على حساب صاحب هدف تتويج إسبانيا بكأس العالم في جنوب أفريقيا أندرياس إنييستا عام 2010، وبعدها بثلاث سنوات، تمزق قلب فرانك ريبيري ألما وحزنا، وهو يشاهد جائزته تذهب لصاروخ ماديرا رونالدو، وسط صمت عالمي، رغم أحقيته بالجائزة، بعد تأثيره في فوز بايرن ميونيخ بثلاثية 2013 التاريخية.

نظرة واقعية

بإلقاء نظرة محايدة على أشرس خصوم ليو على «البالون دور»، سنلاحظ أن الأغلبية والرأي العام عموما لن يتفق على لاعب بعينه، أو بعبارة أكثر وضوحا، لا يوجد بينهم من يستطيع كسر 50% +1 في أي تصويت أو استفتاء عالمي، وهذا بطبيعة الحال، ليس لضعف التنافس على الجائزة، بل على العكس، لتنوع النجاحات بين المرشحين، ما بين أسماء كانت تعول على الإنجازات الجماعية التي تحققت مع المنتخب والفريق، وأخرى راهنت على الأداء الفردي والمعدل التهديفي على مدار العام، والحديث عن أصحاب المركزين الثالث والخامس في الترتيب النهائي للكرة الذهبية، الإيطالي جورجينيو وشريكه الفرنسي في تشلسي نغولو كانتي. وبالنسبة لذي الأصول البرازيلية، فلا خلاف أبدا على أنه كان عضوا مؤثرا في منظومتي تشلسي ومنتخب إيطاليا، بل كان بارزا في بعض المباريات الفاصلة في مشوار تتويج البلوز بكأس دوري أبطال أوروبا الثانية، ونفس الأمر مع روبرتو مانشيني في حملة معانقة الذهب في يورو 2022، لكن الشيء المؤكد والمتفق عليه، أنه لم يظهر «أمارة» حقيقية على مدار العام، أنه الأحق بالجائزة، وذلك لحظه الرائع، بالتواجد في منظومة جماعية، ساعدته على إخراج أفضل ما لديه، سواء مع فريقه اللندني أو منتخب أسياد الدفاع، ونفس الأمر ينطبق على زميله الفرنسي نغولو كانتي، الذي تصدر العناوين في الأمتار الأخيرة للموسم الماضي، بفضل ظهوره الخرافي أمام ريال مدريد في مباراتي ذهاب وإياب نصف نهائي الكأس ذات الأذنين، أما غير ذلك، لم يلفت الأنظار بشكل مميز في أي وقت آخر طوال العام، اللهم إلا حفاظه على نسخته الفولاذية التي رسمها لنفسه منذ قدومه إلى البريميرليغ مع ليستر سيتي، كلاعب وسط من النوع المقاتل، الذي لا يكل ولا يمل من الركض على مدار 90 دقيقة وأكثر.

المنافسون الأقوياء

واحد من أكثر اللاعبين الذين وجدوا دعما إعلاميا على نطاق واسع، هو الفرنسي كريم بنزيمة، متسلحا بإعلامه المحلي والمحيط الرقمي لريال مدريد، للتأثير على قرارات المصوتين في استفاء «فرانس فوتبول»، وذلك بعد عامه الاستثنائي على مستوى الأرقام الفردية، والذي يعتبر الأفضل في مسيرته الاحترافية، بوصول غلته إلى 43 هدفا بالإضافة إلى 14 تمريرة حاسمة، لكن بالنظر إلى معايير النجاح الدولي، سنجد أنه لم ينجح في مهمته الرئيسية، وهي قيادة الديوك للفوز باليورو، خاصة بعد موسمه الصفري مع زين الدين زيدان، الذي عجل بخروج الأخير من «سانتياغو بيرنابيو»، ويبدو أن تأثيره في حصول فرنسا على النسخة الثانية لدوري الأمم الأوروبية، لم يغير كثيرا من قناعات الصحافيين، خاصة أولئك الذين ينظرون للبطولة الأوروبية المستحدثة حتى الآن على أنها مجرد الكأس الودية، وإلا لما انتهى به المطاف في المرتبة الرابعة، مثل زميل الأمس كريستيانو رونالدو، الذي احتل المركز السادس، رغم سجله الفردي المذهل، مقارنة بعمره (36 عاما)، بتوقيعه على 43 هدفا و6 تمريرات حاسمة، بجانب ذلك، ظفر بكأسي إيطاليا والسوبر قبل رحيله عن يوفنتوس، لكن حقيقة أن اثنين من مدربيه الثلاثة على مدار العام قد أقيلوا، وثالثهم البرتغالي فيرناندو سانتوس معلق بخيط رفيع، يعطي مؤشرات لا لبس بأن موسمه لم يكن ناجحا أو كما كان يُمني النفس أن «يكون مثاليا بما يكفي لمعادلة عدد مرات فوز البرغوث بالكرة الذهبية»، ولو أن هذا لا يمنع، أن كريستيانو لم يظهر حتى وقت كتابة هذه الكلمات علامات للتباطؤ أو العودة إلى الخلف في مسيرته الاحترافية، محتفظا ببنيانه الجسدي المثالي، ولياقته البدنية التي لا يتمتع بها لاعبون شباب في منتصف العشرينات. وقبل هذا وذاك، لم يفقد الزخم أو الرغبة في الاستمرار في أعلى مستوى تنافسي في الدوريات الأوروبية الكبرى، وهذا يعني، أنه في الغالب سيبقى منافسا واسما صعبا في السباق على الجائزة الفردية الأعرق والأهم عالميا لعام أو اثنين قادمين على أقل تقدير، ومن يدري، قد يكون ما حدث يوم الإثنين الماضي (فوز ميسي بالجائزة)، سببا في استفزاز رونالدو، ليكتب ريمونتادا جديدة، بعد نجاحه من قبل في معادلة عدد مرات فوز ميسي بالجائزة، بعد وصول الفارق بينهما الى ثلاثة جوائز في بعض السنوات، إلى أن حدث التعادل بخمس لكل أسطورة عام 2017، قبل أن يُكشر ليو عن أنيابه في آخر حفلين، ليتسع الفارق بينهما لاثنين مرة أخرى.

معضلة صلاح وليفاندوسكي

تبقى أزمة محمد صلاح الرئيسية، في صحوته المتأخرة، التي أسفرت عن ظهوره بنسخة شبه كربونية لنسخته المدمرة في موسمه الأسطوري الأول مع ليفربول، بتسجيله لـ19 هدفا بالإضافة لـ7 تمريرات حاسمة من مشاركته في 19 مباراة على مستوى البريميرليغ ودوري الأبطال منذ بداية الموسم، ومن أصل 36 هدفا و12 تمريرة حاسمة على مدار العام، دليلا على أن صلاح الحالي لم يكن نفسه ذاك المهاجم البائس في النصف الثاني من الموسم الماضي، تأثرا بنتائج الفريق المتواضعة وكثرة الإصابات التي عصفت بُجل رجال يورغن كلوب المخلصين، في مقدمتهم القائد فيرجيل فان دايك وباقي شركائه في محور الدفاع. بينما الآن، يستمتع عالم كرة القدم باللاعب الأكثر اكتمالا وتأثيرا على نتائج فريقه، وبالأحرى أفضل لاعب في العالم بدون منازع في النصف الأول من الموسم الجاري، وأنا وأنت عزيزي القارئ، نفهم جيدا، أن هذا المعيار لا يكفي لتتويجه بالجائزة، خاصة وأن سجله على مستوى الألقاب لم يتغير منذ إنهاء لعنة البريميرليغ في حملة 2019-2020، ومع منتخب بلاده المصري، لم يكن العلامة الفارقة في ترشح الفراعنة للأدوار النهائية في التصفيات الأفريقية المؤهلة لمونديال قطر 2022، لكن الشيء المؤكد والمتفق عليه، أنه في حال استمر على نفس المنوال حتى نهاية الموسم، فبنسبة تزيد على 90% سيكون المرشح الأوفر حظا، كثاني لاعب يكسر هيمنة ليو وميسي على «البالون دور» بعد معجزة لوكا مودريتش في العام 2018، ويا حبذا لو خرج من الموسم ببطولة جماعية من الوزن الثقيل مع الريدز، وفي نفس الوقت لعب دور البطولة في ترشح الفراعنة لكأس العالم للمرة الثالثة في تاريخهم، كما فعلها قبل 4 سنوات، ومن الواضح أنه عازم على إنهاء الموسم بهذه الطريقة، بعد رد فعله الموفقة بعد حفل الإثنين، بتصدر عناوين الصحف البريطانية والعالمية، بفضل ثنائيته الجديدة في مرمى غريم الميرسيسايد إيفرتون، في مباراة الدربي التي حسمها الريدز برباعية كاسحة مقابل هدف يتيم، بفضل تأثير صلاح وتدخله في الوقت المناسب، حين اغتال معنويات الجار اللدود بالهدف الثالث وتوسيع الفارق مرة أخرى لهدفين، بعد أن كان الأزرق في طريقه لافتكاك هدف التعديل، ذاك الهدف الماراثوني الذي تغلب فيه على شيموس كولمان في سباق السرعة بينهما من منتصف الملعب وحتى لحظة خروج الكرة من قدم أبو صلاح اليسرى في أقصى يسار الحارس المغلوب على أمره جوردان بيكفورد، كأنها رسالة، بأنه لم ولن يفقد الأمل في محاولته القادمة لمعانقة الكرة الذهبية.
بالنظر إلى كبش فداء هذه المسرحية، سنجد أنه البولندي روبرت ليفاندوسكي، الذي لا يختلف أحد، على أنه كان الأحق بالجائزة العام الماضي، بل أن فئة لا يستهان بها سواء من المشجعين أو النقاد أو أساطير اللعبة، يصرون على أنه كان يستحقها هذا العام، بعد الظروف الاضطرارية التي أجبرت المنظمين على حجب الجائزة في 2020 بسبب موجة كورونا الأولى، وأيضا لحفاظه على مستواه ومعدل أهدافه الخيالي، الذي وصل 64 هدفا وصناعة 10 على مدار العام الحالي، لكن مشكلته أنه وقع ضحية للأغلبية التي لا تقتنع بقوة المنافسة في البوندسليغا، لفارق السنين الضوئية بين بايرن ميونيخ وباقي خصومه بدون استثناء، لهذا لم تشفع له أهدافه الغزيرة وألقابه المحلية مع البايرن (الدوري والكأس) بجانب كأس العالم للأندية أمام اختيارات وقرارات المصوتين، ورغم ظهور علامات الحسرة والدهشة على ملامح وجهه الوسيم لحظة إعلان فوز ميسي بالكرة الذهبية، إلا أن أغلب من يعرفون ويتابعون آلية اختيار تلك الجائزة في حقبة «السوشيال ميديا»، كان يفهمون جيدا، أن هذا الحضور جاء للاحتفال ومشاركة ميسي في فوزه بالجائزة السابعة في مشواره، نزولا إلى الرأي العام العالمي، الذي بات المعيار الأكثر وضوحا في تحديد هوية الأفضل، حتى لو كان رأي الأغلبية تحكمه العاطفة والمشاعر، بعيدا عن التقييم الفني والمعايير، التي ظلت ثابتة ومعتمدة بالجمع بين الأداء الفردي والألقاب الجماعية، ولا يخفى على أحد، أن هذه العاطفة الجياشة وُلدت بعد نجاح ميسي في إخماد المشككين في عطائه ومسيرته مع منتخب التانغو، تلك الصورة التي تصدرت الصحف والمؤسسات الإعلامية، احتفاء بفوز ميسي بأول لقب قاري في رحلته مع الأرجنتين، في ما كانت أشبه بالقطعة المفقودة في مسيرة البرغوث الاحترافية، وأيضا صورة العام، التي أطلقت العنان للترويج لحملة التأييد الأولى لفوز ميسي بالجائزة السابعة، على اعتبار أن ما فعله في «ماراكانا»، كفيلا باختياره لاعبا للعام، خاصة بعد نجاحه في إنقاذ موسم رونالد كومان الأول في «كامب نو».

لماذا ميسي؟

في كل الأحوال، يمكن القول إن ليفا لم يتوصل إلى المعادلة شبه المستحيلة لإزاحة واحد من الثنائي الفضائي من مسرح «الكرة الذهبية»، وذلك لعدم الذهاب بعيدا في دوري أبطال أوروبا، بعد الخروج من ربع النهائي على يد باريس سان جيرمان، على عكس الموسم الماضي، الذي حل فيه المعادلة، بجمع دوري أبطال أوروبا مع باقي الألقاب المحلية، لكن كما أشرنا أعلاه، لم يكن محظوظا بما فيه الكفاية بعد قرار حجب «البالون دور» في موسم الثلاثية وإهانة برشلونة في ما تعرف بـ «فضيحة القرن»، بينما ميسي، الذي كانت بدايته شبه بطيئة مع باريس سان جيرمان، فكان محظوظا بالحفاظ على الفجوة المريحة مع باقي المنافسين، متسلحا بما قدمه مع الأرجنتين في حملة كوبا أميريكا، بما في ذلك جائزة هداف المسابقة برصيد 4 أهداف، وقبلها دعم سجله بأرقام لا بأس بها في موسم الوداع مع الكتالان، منها تسجيل 38 هدفا وصناعة 14 هدفاً، في المقابل سجل ليفاندوسكي 10 أهداف أكثر وتمريرة حاسمة أقل من ليو، رغم أنه يلعب مع فريق أكثر قوة وشراسة من نسخة البلو غرانا الباهتة مع مدربه الهولندي السابق، فضلا عن احتفاظه بجائزة هداف الدوري الإسباني للمرة الرابعة تواليا والثامنة في مسيرته مع برشلونة، كأكثر لاعب في كل العصور تتويجا بـ«البيتشيتشي»، بفارق جائزتين عن أسطورة الزمن القديم يلمور زارا. وفي نفس التوقيت، كان يبدع في تخفيف ضغوط العمل والانتقادات الموجهة لكومان، وذلك بتقمص دوره التقليدي والطبيعي منذ ظهوره على الساحة في العام 2005 وحتى آخر ميدالية وضعها ليو في يده لناديه السابق، حيث قاد الفريق للعودة إلى مناص التتويج، باكتساح أتلتيك بلباو برباعية بلا هوادة، منها ثنائية من توقيع هداف البارسا والليغا التاريخي، وسبقها بأسابيع بترك انطباع جيد في أذهان وذاكرة المصوتين، بتقديم مباراة من زمن آخر أمام باريس سان جيرمان في إياب ثمن النهائي، والتي انتهت بالتعادل الإيجابي بهدف لمثله، بعد الانحناء الكبير بالأربعة في ذهاب «كامب نو»، لكن ميسي قدم مباراة شبه مثالية، واستطاع أن يرسم لوحة إبداعية بهدفه الصاروخي، الذي غالط به الحارس كيلور نافاس، بطريقة أجبرت الجميع على التصفيق ورفع القبعة لروعة وجمال الهدف، ولأن الظهور الجيد في المناسبات العظيمة يدوم طويلا وكثيرا، كان ليو محظوظا بتقديم أفضل عروضه على الإطلاق مع «بي إس جي»، تلك التي انتهت بفوز مقنع على مانشستر سيتي بهدفين نظيفين في بداية مرحلة مجموعات الأبطال هذا الموسم، كأنها جاءت لتنشيط ذاكرة المصوتين لاختياره لاعبا للعام، كمكافأة على انتهاء عقدته مع الألقاب مع منتخب الأرجنتين، كما تعمدت المجلة الفرنسية إيصال هذه الرسالة، بتكرار مشاهد دموعه في «ماراكانا»، وتركيز ديدييه دروغبا على نفس الإنجاز كلما جاء الحديث عن قائد التانغو في الحفل. وقبل أي شيء، دعونا نتفق أن وجود اسم ميسي في أي تصويت، يكفي لتغيير قناعات بعض المصوتين، خاصة الذين يتأثرون بالموج العالي على «تويتر» وباقي مواقع التواصل الاجتماعي، وبالنسبة للجنة المنظمة للحفل، لا يوجد أفضل من أعجوبة الأرجنتين لحل إشكالية تساوي الفرص بين 3 أو 4 لاعبين، والسؤال لك عزيزي القاريء: هل ترى أسباباً أخرى ساهمت في اختيار ميسي لاعبا للعام؟ رغم أنه بإجماع الأغلبية لم يكن الأفضل، أو على الأقل لم يكن بنفس قوته كما كان في عصر البارسا الذهبي.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1017 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع