صورة من بطولات فرسان طيران الجيش

        

        صورة من بطولات فرسان طيران الجيش

  
                                  بقلم/الصقر
                            احد فرسان طيران الجيش


بتاريخ 30 تشرين ثاني 1981 ليلا  كلف السرب 30 (  الوت /3 ) في جناح طيران الجيش الثاني ( k1 ) بمحافظة التاميم كركوك بواجب مؤلف من (4 طائرات الويت/3 مسلحة بمدفع 20 ملم جانبي) التنقل الى مطار الميمونة في محافظة العمارة (ميسان ) حيث  كانت تدور معركة البسيتين الشهيرة....

         

التي حدثت فيها جريمة اعدام اسرى الجيش العراقي وخلدت الجريمة باتخاذ  هذا اليوم رمزاً ليوم الشهيد العراقي  في 1 كانون اول من كل عام تخليدا لشهدائنا الذين تمت الجريمة بحقهم في ذلك اليوم واستمر الاحتفال الرسمي بهذه المناسبة لحين الاحتلال الامريكي وحلفاءه للعراق حيث الغي الاحتفال الرسمي واستمر الاحتفال الشعبي بهذه المناسبة ...

  

كنت برتبة رائد طيار بمنصب امر رف ومعلم طيران في السرب ، استلمت امر التكليف بدون اخبار امر السرب(لاني كنت اعلم بممانعته ذهابي الى مثل هذه الواجبات التي تتطلب الابتعاد عن السرب لفترة طويلة ولم يعلم  بالواجب الا صباحا وبعد اقلاعنا الى الواجب )،في الحال  قمت باختيار الطيارين والمقاتلين الجويين ومفرزة ادامة  لصيانة الطائرات أثناء  الواجب .
في صباح الاول من كانون الاول اقلعنا باتجاه مطار التاجي ومن هناك تزود التشكيل بالوقود  واكملنا الرحلة باتجاه منطقة الواجب ، ولكون الاجواء كانت رديئة قررت النزول في قاعدة ابي عبيدة (الكوت) الجوية  للتزود بالوقود حيث وصلنا الى القاعدة ظهر ذلك اليوم وفوجئت بوجود امر القاعدة العميد الطيار خالد شفيق في استقبالنا  بساحة وقوف الطائرات ورحب بنا  بطريقته المميزة وابتسامته  الجميلة وبخلقه العالي (اهلا بمعلم الطيران ) وهو يقصدني دون ان يتذكر اسمي حيث كنت تلميذاً  في دورة معلمي الطيران (FIS)  انهيتها قبل عام وكان  حينها برتبة رائد طيار امراً لهذه الوحدة ، رجوته التزود بالوقود سريعا لاكمال رحلتي  الى مطار الميمونة باسرع ما يمكن وقد اصر سيادته على دعوتنا لتناول الغذاء بضيافته ولم تجدي توسلاتي باعفائنا  واخبرته باننا مطالبين بسرعة الوصول الى الميمونة  واثناء تناولنا الغذاء وصلت عدة طلبات تسال عن سبب تاخرنا اجابهم العميد خالد باننا سنغادر المطار  فوراً ...

وبعد اكمالنا الغداء اصر على مرافقتنا الى الطائرات وودعنا واقلعنا لاكمال الرحلة الى الميمونة......رحم الله تعالى هذا الانسان الرائع وقد التقيته بعد الاحتلال لعدة مرات في منطقة الميدان في بغداد حيث كنت اعمل في مجال  الانتيكات ولدي محل هناك في خان المدلل ..

وكان للمرحوم هواية الانتيكات ويتواجد في هذا الخان باستمرار وكنا نلتقي وادعوه  الى محلي حيث نقضي اوقاتاً سعيدة مبهجة مع هذا الرجل الرائع من رواد الطيران الاوائل من الدورة الخامسة في القوة الجوية العراقية .

المهم وصل تشكيلنا  الى مطار الميمونة وهو عبارة عن  شقة نزول تخلو من العديد من خدمات الطيران لعدم  تشكيل جناح طيران الجيش الرابع بعد ، قمت بالبحث  عن مدير الحركات او اي شخص اقابله لاعرف الواجب الذي جئنا من اجله ولم اجد اي جواب ! وانتظرت لحين المغرب حيث عادت كافة الطائرات المكلفة بالواجبات  من مخفر الرشيدية (المقر المتقدم للفيلق الرابع) بعد الانتهاء من تقديم الاسناد لقطعات الفيلق .

مساء ذلك اليوم ارسل مدير طيران الجيش المرحوم العميد الطيار الركن خالد نصيف جاسم بطلبي لمواجهته لايجاز الواجب وذهبت اليه وكان معه مدير الحركات العميد الطيار قوات خاصة محمد عبدالله الشهواني (الذي شغل منصب مدير جهاز المخابرات بعد الاحتلال) وسالني عن سبب التاخير فاجبته  ...وكذلك سالني عن الطيارين الذين معي فاجبته انا ومعي النقيب سعد واثنان من الطيارين الاحداث فابدى امتعاضه وسالني  لماذا لم تصطحب معك طيارين قدامى بدلا من هذين الطيارين الحدثين؟؟؟

فاجبته ان في هذه المعارك ننفذ الواجب الاول نحن الطيارين الاقدمين  بالتشكيل الاول ثم نصطحب الطيارين الحدثين كل مع الطيار الاقدم في الواجبات اللاحقة وهذا سياق عملنا  والا كيف نعدهم الى خوض المعارك في المستقبل فاقتنع بوجهة نظري ثم اوجزني بالواجب وهو مراقبة حافة الهور ومعالجة اي تسلل من العدو  بواسطة المدفع الجانبي على ان لا يكون ارتفاعي اكثر من 50 متر كي لا اتقاطع مع مسار المدفعية او اكون هدف لاسلحة العدو ، اعترضت على الواجب حيث ان المدفع الجانبي يحتاج الى الارتفاع المناسب ليتناسب الارتفاع مع زاوية الرمي وكلما  زاد الارتفاع زاد المدى حسب وضعية المدفع وموقع الرامي  ليتمكن من الرمي والمعالجة وكل ما يقل الارتفاع تقل الزاوية ويقل مدى المعالجة او يجب ان ادخل الى الهور بارتفاع واطيء والبحث والتفتيش والمعالجة وبعد نقاش قال لي اذهب وارتاح ولا تخشى الواجب وان احتمال تكليفك بالواجب ليس مؤكد!!!! ، اغضبني هذا الكلام جدا فلست ممن يخشون الواجبات واديت التحية وخرجت من الغرفة.

  

وزعت الواجبات ليلا بتكليف طائرتين الويت/3 فقط للواجب مع  الطائرات الاخرى  الموجودة في مطار الميمونة .
اقلعنا بطائرتين انا والنقيب سعد صباح اليوم الثاني 2-12  الى مخفر الرشيدية المقر المتقدم للفيلق وهناك  كُلفنا مع طائرة مي /25 بقيادة الملازم الاول فتاح الدوري ومعه الملازم الاول الطيار مؤيد كطيار ثان ورامي في اول واجب من ذلك الصباح للاستطلاع ومعالجة اية اهداف تواجهنا ثم رفع تقرير عن الواجب الى الفيلق وحسب السياقات المتبعة ،في الطلعة الجوية الاولى ولعدم معرفتي بالمنطقة تم التنفيذ  بقيادة التشكيل لطائرة مي/25  رغم فارق الرتبة بيني وبين قائد التشكيل ، اقلعنا ودخلنا الهور وتوغلنا به وكان قائد التشكيل على معرفة جيدة بالمنطقة وبعد التوغل اصبحنا خلف مدينة البسيتين التي تم احتلالها من قبل العدو الايراني قبل يومين واجتزنا الهور ودخلنا  الارض اليابسة وفوجئت  امامي بعشرات الامتار مدرعتين وعجلة معادية  وبتصوري  كانت تقوم بواجب الدورية لمراقبة حافة الهور لعدم اكمال الموقع الدفاعي لقطعاتهم اخبرت قائد التشكيل وارتفعت الى 20 متر فوق الاهداف مع الايعاز للمقاتل بفتح النار وقصف المدرعتين والعجلة وقد  فوجئت القوة المعادية بوجودنا فوقهم  مباشرة وتم قصفها بالمدفع 20 ملم واحراقها وتفجرت الاهداف الثلاثة ثم انسحبنا بسرعة من المنطقة وعدنا الى الهور مع ملاحظة ان العدو لم يكن له تواجد في اليوم السابق بهذه المنطقة كما اخبرني قائد التشكيل....

وخلال الاستطلاع والتفتيش في الهور وليس بعيدا عن قطعاتنا اتصل بي قائد التشكيل وطلب مني الابتعاد عنه حيث تم له الكشف عن مجموعات مشاة معادية سيقوم بمعالجتهم بالمدفع الامامي لطائرته والح علي بالابتعاد كون الرمي المعادي كثيف بالاسحة الخفيفة التي لا تؤثر على طائرته كونها مدرعة  وطائرتي لا يوجد بها تدريع والمقصورة من الزجاج ...استمر بالمعاجة  واثناء الدوران فقدنا الرؤيا معه وناديته ولم يجبني واستفسرت من الطائرة الثانية عن مشاهدته للطائرة فاجابني بالنفي  حاولت الوصول الى اخر مكان رايته به واذا بالرمي الخفيف المعادي يملئ السماء ولم استطيع التقرب رغم المحاولات العديدة وتاكد لي سقوطه في الهور ولم تنفجر طائرته ولم تحترق وبعد ان فقدت الامل من الوصول اليه قررت العودة مع الطائرة الثانية الى مخفر الرشيدية لتقديم التقرير وايجاد حل للطائرة مي /25 المفقودة وطاقمها .

   

اخبرت المجس الجوي لمقر الفيلق بالحادث وبعد النزول في مقر الفيلق واثناء ترجلي تجمع حولي الطيارين للاستفسار عما حدث وفي هذه الاثناء  خرج رئيس الجمهورية  الذي كان متواجدا في مقر الفيلق من المخفر ليتوجه الى عجلته فشاهد تجمع الطيارين حولي فاقبل علينا وبعد اداء التحية لسيادته  تحدث  معنا  وطلب عدم الاندفاع الزائد اثناء تنفيذ الواجبات وان المعركة طويلة  وهو على اطلاع بكافة التقارير ويجد فيها مجازفة واندفاع كبير لامبرر له احياناً قد يوقع خسائر لا يستوجب التضحية بها وهنا تدخل النقيب سعد واخبره بسقوط الطائرة مي /25 أثناء تنفيذها للواجب وعدم تمكننا من الوصول اليها لمعرفة مصير الطيارين الذين هم فتاح ومؤيد ، التفت الى مرافقه الرائد  صباح ميرزا وقال له من هم الطيارين فاجابه سيدي فتاح الدوري ذو العيون الخضراء الذي تكلمت معه في الامس ، وهنا انهى الرئيس كلامه وعاد ادراجه الى مقر الفيلق واصدر امره بمنح رتبة لكل من ياتي باي معلومة عن الطائرة المفقودة عندها شكلت مجموعات للبحث من مقر الفيلق انطلقت بالعجلات المدعمة الى منطقة سقوط الطائرة المفقودة..  
(لقد اعتبرنا حديث السيد الرئيس وهو  يطلب من المقاتلين عدم الاندفاع الزائد الغير مبرر اثناء تنفيذ الواجبات بمثابة  وسام شرف يقلد به صنف طيران الجيش بمدولاته الحقيقية والانسانية وهو يعترف  باندفاعهم بتنفيذ الواجبات الموكلة اليهم .)
في ذات الوقت وصل مدير طيران الجيش ومدير الحركات الى مقر الفيلق واعلموا بالاحداث فطلب مني مدير الحركات مرافقة القوة المكلفة بالانقاذ لاجل الحماية والدلالة على ان اكون ضمن تشكيل بقيادته حيث كان يقود طائرة غزال واثناء التنقل للوصول الى الهدف اتصل بي وسالني عن الاهداف التي اصبتها خلال الواجب  فاشرت اليها بانه ذلك الدخان المتصاعد في الافق البعيد فلم يجيبني واستمرينا لحين دخول بداية الهور ومحاولة الوصول الى المنطقة التي كانت  طائرة الملازم الاول فتاح الدوري  فيها  لاخر مرة مع محاولة القوة المكلفة بالانقاذ الوصول اليها بدلالتي ودلالة القطعات الارضية ولكن شدة النيران المعادية منعت الجميع من الوصول الى مكان سقوط الطائرة  وهذا متبع لدى العدو حيث يحيل مكان سقوط الطائرة الى كمين لاصابة الذين يحاولون الوصول اليها وكذلك اذا ما حاول طاقم الطائرة الانسحاب في حالة عدم استشهادهم... وبعد ان فقدنا الامل في الوصول الى الطائرة عدنا الى مقر الفيلق في مخفر الرشيدية.....وخلال الترجل من الطائرة ناداني مدير الحركات العميد محمد عبدالله وقال لي بغضب:

كيف تصل الى هذا العمق ومن امرك بذلك الم نوجزك امس بان واجبك يكون على حافة الهور فقط ؟ وكم كان ارتفاعك عن الهدف وما هي المسافة بينكم؟

فاجبته باني كنت فوق الهدف مباشرة وبارتفاع لا يتجاوز 20 متر وهذا ما حاولت ايصاله لكم يوم امس ولكن جوابكم كان بطريقة توحي بانني خائف من تنفيذ الواجب لذلك لم اناقشكم كثيرا وقررت تنفيذ الواجب حسب امكانية الطائرة واسلوب الرمي من المدفع الجانبي،عندها اجابني لن تقوم باي واجب اليوم وتعود بعد انتهاء الواجبات الى الميمونة وغدا يصل آمر سربك وتعود الى كركوك ولا اريد ان اراك هنا...

اجبته امرك سيدي واديت التحية وانسحبت وفوجئت بتكريمي ومن معي بسنتين قدم ممتاز من قبل رئيس الجمهورية وهو الوسام الشخصي الثاني ذلك اليوم....ولم انفذ اي واجب ذلك اليوم والايام التي تلته ....

في مساء نفس اليوم وصل آمر سربنا (؟) الى الميمونه وفورا قابل مدير طيران الجيش ومدير الحركات ليستفهم عن الاحداث ثم قابلني ليخبرني بالوسام الثالث لهذا اليوم وهو اشادة مدير الحركات العميد محمد عبدالله باني كنت اسمع عن وجود رجال في السرب /30 ولم يخطر ببالي ان يكونوا بمثل هذا الطيار لذلك ارجعه الى كركوك حفاظا عليه .. وطلبت من امر السرب بان ابقى في الميمونة لحين انتهاء المعركة ثم العودة الى مقر السرب وهذا ما حدث وعند العودة الى مقر السرب وجدت اخبار الاحداث قد وصلت الى امر الجناح معلمي واستاذي واخي الكبير العقيد الطيار ابو زينب وهو يستقبلني بفرح غامر مفتخراً بما قمنا به ... ومنذ ذلك الواجب اخذ العميد محمد عبدالله يكلفني بعدة واجبات خارج قياسات المعركة .

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

825 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع