خزين ذاكرتي وطريف الحكايات - كـامـل حـداد

    

 خزين ذاكرتي وطريف الحكايات - كـامـل حـداد

   

    بقلم لواء الشرطة الحقوقي /محي الدين محمد يونس

          

قد يتفاخر البغداديون بابن مدينتهم البطل (إبراهيم عرب) صاحب المقهى المعروفة باسمه في جانب الرصافة من العاصمة بغداد والذي اشتهر بالنوادر من الحكايات يتداولها الناس في عموم العراق وعلى الخصوص في مدينة بغداد منذ العهد الملكي وليومنا هذا.

لقد كان المرحوم (إبراهيم عرب) ذو قدرة فائقة في الإبداع في سرد الحكايات التي تتخطى الواقع الجغرافي للعراق إلى الدول الأخرى ويكون هو شخصاً مهماً من شخوصها والذي يتصف بالقوة الخارقة وبأسلوب يعتمد المفارقة والطرافة والغرابة، حكاياته كانت تستقطب جمهوراً كبيراً إلى مقهاه للاستماع والاستمتاع بما يرويه من قصص شعبية جميلة وهي وإن كانت تبتعد عن الواقع إلا أنها كانت ممتعة لقضاء الوقت وشرب الشاي والحامض ودفع مبلغ عشرة فلوس لقاء كل استكان وهو عندما كان يستمر في سرد حكاية طويلة وجمهور الحاضرين ينصت إليه بتلهف يتوقف عن السرد فجأة وينادي على الصانع: ((يا ولد فرجايات عالجماعة... قابل احنا نحجي ببلاش...)).

                                    

                      المرحوم إبراهيم عرب

حكايات المرحوم (إبراهيم عرب) كثيرة إلا أننا نكتفي بإيراد هذه الحكاية والتي يقول فيها: ((ذهبنا يوماً إلى الصيد في صحراء البادية الغربية وكانت معنا بنادق إنكليزية لنصيد الغزلان والأرانب، وبينما نحن نسير إذ هاجمنا أسد متوحش جائع فخاف الجميع إلا أنا حيث وقفت بوجهه هو يزأر وأنا أزأر! وهنا صرخ بي أحد الصيادين من الذين كانوا معنا.... (سوكه بطلقة إبراهيم) ولكني أبيت ذلك ونظرت للأسد وأشرت له أن يقترب إن كنت أسد ابن أمك وأبوك، فهجم الأسد علي بقفزة جبارة فعالجته بضربة من يدي اليمنى التي أدخلتها في فمه الواسع المليء بالأنياب الحادة، وبقيت أدخل يدي في فمه وعبرت زردومه وبلعومه ومعدته وأمعاءه حتى وصلت إلى ذيله ومسكتها بقوة وسحبتها بسرعة فائقة وهنا انقلب الأسد عالبطانة... وراح الصيادون يصفقون ويهللون حتى أن أحدهم هزج قائلا: برهوم كَلب الأسد عالبطانة... بإيده لا بدرنفيس ولا إصبانه))
صفق من كان في المقهى وأبدى أحد الجالسين سائلاً إبراهيم عرب: ((شسويت بالأسد بعدين؟)) أجابه ساخراً: ((سويناه (مخلمه) وعزمنا ببييتك!))
نعود إلى بداية ما ذكرناه في مقالنا هذا فالحديث عن المرحوم (إبراهيم عرب) يقودنا للحديث عن ابن مدينتنا (أربيل) المرحوم (كامل عزيز) والمعروف بـ (كامل حداد) ومن قبل البعض من إخواننا العرب المتعاملين معه بـ (كمال كردي) والذي لا يقل غرابة وطرافة عن المذكور إن لم يكن أقدر منه في الإبداع في سرد الحكايات اللطيفة المحبوكة.

   

                                                        المرحوم كامل حداد

المرحوم (كامل حداد) رجل أربيلي المنشأ والأصل شخصية محبوبة وطريف المعشر وله علاقات واسعة في المجال الاجتماعي والصناعي والتجاري وكان متمكناً وميسور الحال.


ونبدأ الحديث عن هذا الرجل العصامي أولاً في التطرق إلى هواياته التي كان يمارسها والمحببة إلى نفسه حيث كان من أوائل الرياضيين في محافظة أربيل في مجال ممارسة رياضة كمال الأجسام ورفع الأثقال وبدأ نشاطه في ممارسة هذه الهواية في بداية الخمسينيات من القرن الماضي ويعتبر المؤسس في هذا المجال حيث أنشأ مقراً في منتزه (كَلكند) لممارسة هذه الرياضة والتدريب عليها بإشرافه مع زملائه هواة نفس النوع من النشاط الرياضي وقد اشترك في الكثير من الفعاليات والمسابقات والتي أحرز فيها مراتب متقدمة.

     

                    المرحوم كامل حداد في شبابه

جاءت تسميته بالحداد من خلال المهنة التي مارسها وهو فتى يافع واستطاع بمهارته وإبداعه في مجال صناعة أبدان سيارات الحمل والقلاب أن يتفوق على الجميع في العراق وكردستانه وكان يمتلك مصنعاً كبيراً مجهزاً بكافة احتياجاته من الأجهزة المتطورة في هذا المجال وكان انتاجه يسوق إلى كافة انحاء العراق وخارجه والطلبات الكثيرة على انتاجه كانت تدفع بالمشتري إلى الانتظار لفترات قد تطول في بعض الأحيان.

    

                  المرحوم كامل حداد في معمله

إبداعه في صناعة أبدان سيارات الحمل المختلفة، اترك المرحوم (كامل حداد) يحدثكم عنها من خلال ما سمعته منه شخصياً عند زياراتي الكثيرة عنده في معمله بصحبة صديقي (السيد هاشم نوري النعيمي) حيث يقول: ((وردتني دعوة خاصة من شركة مرسيدس الألمانية لزيارة الشركة ومشاهدة معاملها لإعجابهم بما انتجه من أبدان لسيارات المرسيدس ومن أجل ذلك سافرت إلى محافظة بغداد وحجزت على إحدى الطائرات حيث لم تكن في ذلك الوقت مطارات في العراق واقتصار ذلك على مطار بغداد الدولي وفي الموعد المحدد للسفر حلقت بنا الطائرة وكنت من الجالسين في الدرجة الأولى وبعد ساعة تقدمت إحدى المضيفات وكانت فتاة عراقية سمراء جميلة قدمت لي وجبة من الغداء والشراب... شكرتها على ذلك أفهمتها بأنني بحاجة إلى كأس من الويسكي هرعت مسرعة وجاءتني بكأس الويسكي كررت لها الشكر وقلت لها (الإحسان بالتمام) فأنا لا استطيع شرب الويسكي بدون قطع من اللحم المشوي, اعتذرت عن تلبية الطلب وأخبرتني باستحالة ذلك لعدم وجود لحم مشوي في الطائرة, وعندها أخبرتها بأنني مجبر على معالجة ذلك بنفسي, نظرت في وجهي وهي مستغربة... كيف؟ (الكلام لا زال للمرحوم كامل حداد) فتحت شباك الطائرة ومددت يدي وذراعي خارج الطائرة وما هي إلا لحظات معدودة حيث استقرت حمامة بيضاء في يدي، أعدت سحب يدي داخل الطائرة والحمامة فيه تحت دهشة المضيفة وباقي ركاب الطائرة، نهضت من مكاني متوجهاً إلى مطبخ الطائرة فقمت بتنظيف الحمامة ونزع الريش عنها وعدت إلى مكاني وأخرجت يدي مرة أخرى وفيها الحمامة التي وضعتها على كَزوز الطائرة وتدويرها بشكل مستمر حتى استوت والدخان المحمل برائحة شواء الحمامة يدخل إلى الطائرة من خلال الشباك المفتوح واستغرب الركاب جميعاً, تناولت اللحم المشوي للحمامة مع الويسكي عملاً بالمثل القائل: (ما حك جسمك غير ظفرك)...))

                                 

           السيد هاشم نوري عز الدين آل خنجر النعيمي

وهكذا نأتي إلى نهاية مقالنا والذي خصصنا بدايته للحديث عن المرحوم (إبراهيم عرب) وبعد ذلك عرجنا لتناول الحديث عن المرحوم (كامل حداد) والذي تميز بسرد الحكايات عن وقائع من حياته مع المبالغة والتمويه في فصول أحداثه أو سرد حكايات من نسيج خياله وإيحاءاته عن علاقة رومانسية أو لقاء مع زعيم أوربي من خلال هواياته في السفر أو القيام بأمور خارقة أثناء أداء نشاط رياضي أو تلقين من يتجرأ على منافسته وتحديه درساً لن ينساه.

                       

    المرحوم كامل حداد في فترة أدائه الخدمة العسكرية

   

 المرحوم كامل حداد يتفحص بدن احدى السيارات التي صنعها بنفسه

وكان هو من يصنع أحداثها التي لم تكن تجعله يتردد أو يشعر بأن الحكاية تنقص من هيبته وشخصيته بل تزيده قرباً من الأخرين وحباً في قلوبهم وطبيعته هذه جعلته شخصاً متميزاً في علاقاته ودوره الاجتماعي المؤثر في أوساط مختلف الشرائح ومن كافة المستويات ...
ومسك ختام حديثي عن المرحوم (كامل حداد) أوجزه في الكلام عنه على لسان ابنه الشاب المحبوب (محمد) حيث ذكر لي بأن والده من مواليد عام 1930 وتوفاه الأجل في 26 مايس 2001...

  

           كاتب المقال مع السيد محمد كامل حداد

هوايته في الرياضة استمر عليها في كافة مراحل حياته ومن أجل ممارستها بانتظام فقد خصص في داره الواسعة المتميزة قاعة خاصة لهذا الغرض، كان يحب السفر ومجموع الدول التي سافر إليها بلغ (39) دولة وكان اهتمامه فيها اقتناء أجمل الزهور وأندرها وجلبها معه وزراعتها في حديقة داره، كان يعشق فن الغناء والتمثيل وكانت له علاقات واسعة مع أوساط المهتمين بهاذين الفنين ومشاركته أو تشجيعه من خلال دعمه المادي والمعنوي لهم.
يضيف السيد (محمد) لقد كان والدي ذواقاً للأكلات الشعبية العراقية ويفضلها على باقي أنواع الأطعمة الأخرى، وعن تعامله مع أولاده يضيف ابنه بأنه كان قاسياً معهم في توجيهاته التربوية وكان في نفس الوقت أباً حنوناً عطوفاً.
وختم قوله بنصيحة والده لهم بعدم الاقتراب من ثلاثة أشياء في حياتهم ألا وهي (ارتياد المقاهي، ارتياد معارض بيع وشراء السيارات، التدخل في السياسة).
أدعو من الباري عز وجل أن يشمل المرحوم (كامل حداد) برحمته الواسعة ويغفر له ويدخله فسيح جناته.

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1127 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع