بائعة القيمر والروبة صورة ماض يتوارى نستيقـظ صباحـاً على صوتــها الـرخيم

          

بائعة القيمر والروبة صورة ماض يتوارى نستيقـظ صباحـاً على صوتــها الـرخيم
                                   

مازلنا نرى في الصباح الباكر بين الحين والآخر في الأحياء الشعبية من المحلات البغدادية القديمة تلك المرأة الاعرابية المكافحة التي تحمل فوق رأسها (صواني) القيمر وعلب اللبن الرائب (الروبة) آتية بها من احدى ضواحي بغداد.

تلك المناطق التي تتسم حياتها بالطابع الريفي حيث تكثر فيها تربية الجاموس والبقر ومنها على سبيل المثال الفضيلية المكان الرئيس لسكن (المعدان) من مربي الجاموس الذي يدر عليهم الحليب الدسم الذي يعد المادة الرئيسة في صناعة قيمر العرب الاصلي، ومناطق اخرى مثل النهروان والكمالية والعبيدي والشاكرية وغيرها.

  

ما زالت ذاكرتنا تختزن صورا عن بائعة القيمر والروبة ايام زمان حيث تقوم بائعة القيمر والروبة بالتجوال بين احياء مدينة بغداد في اوقات الصباح وهي تنادي باعلى صوتها المعبر بلحن يعرفه اهل المحلة عندما يسمعونه (گيمر گيمر ياحبايب) لترويج بضاعتها فما اطرفها وهي تتهادى بقامتها الطويلة الممشوقة يسترها جلباب اسود تسدل اطرافه حتى الكعبين وقد شدت وسطها بحزام حيك من الصوف الملون بالاصباغ البدائية وتضع على رأسها(الجرغد) الاسود ذي الكراكيش المتداولة على جبينها وقد ربطته بكلاب من الذهب، ولفت قدميها وساقيها حتى الركبتين بقطعة قماش وبطريقة مرتبه ذكية لتحمي نفسها من برد الشتاء ومن الشوك والعاقول خلال سيرها في الطرقات الريفية القريبة من بيتها كذلك تقوي قدميها وساقيها وتجعلها قادرة على قطع المسافات الطويلة بين بيتها والاماكن التي تذهب اليها لبيع بضاعتها حيث لم تتوفر ايام زمان السيارات التي تنقلها لذلك كانت تقطع المسافات الطويلة. سيراً على الاقدام، وعلى وجهها يلوح الوشم المنقوش على ظاهر الذقن وتحت الانف والذي يزيد وجهها جمالاً وبهاء، كما تمتد خطوط الوشم على يديها ايضاً.
           

وبعد ان تقوم بجولة في احياء وازقة المحلة وهي حاملة بضاعتها من القيمر والروبة تفترش الارض في مكان متميز في بداية احد فروع المحلة حيث يتوجه اليها ابناء المحلة كل يحمل اناءه ليشتري منها القيمر او الروبة وباسعار زهيدة، وفي بعض الاحيان لاتبيع كل بضاعتها من القيمر والروبة لان البعض من اهل المحلة لايفضلون تناول القيمر او اللبن الرائب يومياً في الافطار الصباحي ما تضطر لان تأخذ ماتبقى لها منه لتعرضه في الاسواق القريبة في تلك المناطق، حيث تبقى طوال النهار احيانا لحين بيعه ثم العودة قبل غروب الشمس الى بيتها. ويذكر بعض اهالي بغداد بان العوائل البغدادية كانوا يوصون (ام القيمر) قبل يومين من ليلة عرس احد ابنائهم لعمل صينية قيمر ممتازة تأتي بها صباح يوم الجمعة ليقدمها اهل العريس او العروس الى العرسان لتكون افطاراً لهما صبيحة اليوم التالي للعرس. والان بدأت تغيب عنا ام القيمر والروبة التي تعتبر صورة جميلة للماضي والتي اعتدنا على رؤيتها صباحاً حيث كنا نستيقظ صباح كل يوم على صوتها الرخيم وهي تنادي لترويج بضاعتها نأمل ان تصبح علينا يومياً تلك المرأة الريفية الطيبة وهي تحمل الينا القيمر والروبة.
الكاتب:محمد مجيد الدليمي

المصدر: صحيفة المستشار

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

503 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع