الموصل وسينمات أيام زمان...
بقلم/ ازهر العبيدي
باحث تراثي
كان العرض السينمائي يبدأ في العهد الملكي بالسلام الملكي وتظهر على الشاشة صورة الملك ثابتة مع علم العراق يرفرف، فيقف الجمهور احتراماً ويجلسون بعد الانتهاء من عزف السلام. كما كانت تعرض أخبار العالم المصورة أو جريدة مصر الناطقة أو جريدة العراق الجديد، وتعرض هذه نشاطات الملوك والرؤساء والمنجزات العمرانية والصناعية والسياحية في العراق ومختلف بلاد العالم.
كان للسينما عشاق وهواة وذوّاقة وهي تقدم المتعة والثقافة وتعلّم اللغة لمن يتابعها، والموصليون عاصروا السينما منذ نشأتها في الموصل في الثلاثينيات من القرن الماضي وحتى السبعينيات عند بدئها بالنزول من العرش الذهبي.
لقد فكّرتُ في الكتابة عن ذكرياتي عن السينما أيام زمان في الموصل من وجهة نظر التراث الشعبي، أوثق فيه العادات والتقاليد الشعبية التي واكبتها مضيفاً الجديد إلى كتاباتي في التراث الموصلّي الأصيل.
واخترتُ حقبة الخمسينيات والستينيات التي أعدها فترة العصر الذهبي للسينما في الموصل التي شهدت فيها السينما أقصى درجات الإقبال من الجمهور والأسر الموصلية.
وسأتحدّث عن الأفلام التي عرضت في النصف الأول من الستينيات والتي كنتُ أتابع تسجيلها في مفكرتي بكلّ دقّة، ففي مرحلة الشباب وقبل خوض معترك الحياة عشقت السينما مع أمثالي من الشباب، وكان المشاهد الهاوي يشاهد فيلماً واحداً في اليوم أو فيلمين في الأسبوع في الأقل. هذه المعلومات اللذيذة ما زالت في أذهان المتفرّج السينمائي القديم يستذكرها بين حين وآخر بلذّة غابت عنه في الوقت الحاضر بعد النكوص الذي شهدته دور العرض السينمائي والأفلام عندما ظهر التلفزيون والفيديو ...
لقد كانت حقبة من المتعة والفائدة ذهبت إلى غير رجعة، لعلّي في هذه السطور أعيد ذكراها لمن عاصروها، وأحفظها لتقرأها من بعدنا الأجيال القادمة.
صالة السينما
تشغل كل سينما مساحة واسعة من الأرض تقرب من (60 × 20) متراً، وتبنى على شكل (جمالون) مغطّى بالصفيح المضلّع الخفيف الوزن. ولم يعتد مستثمرو السينمات تشييد السقف بالحديد والأسمنت لصعوبة ذلك قديماً ولكلفته العالية، وبخاصة عندما تكون أرض السينما مؤجرة لمدة محدودة. ومن الجدير بالذكر أن سقف قاعة ابن الأثير في الجانب الأيسر من الموصل قد سقط في أثناء التشييد بسبب سعة مساحته وقلّة خبرة البنائين في هذا النوع من البناء في ذلك الوقت.
وكانت الطيور الأليفة تجد في هذه السقوف والفراغات تحتها أفضل ملجأ لها، فتدخل إلى الصالة في معظم السينمات وتشارك المشاهدين في العرض وتطير من مكان إلى آخر بحرية تامة. وكان تحت سقيفة الصفيح سقف ثان كاذب معلّق من ألواح الخشب (المعاكس) أو المقوّى السميك (الفايبر) أو مربعات (الستاير بورد) الأبيض. وتزيّن جدران عدد من الصالات قطع صغيرة من الجص نصف كروية تشبه (الكبّة الصغيرة) متراصة على نحو منتظم جميل، كان يقال لنا أنها لمنع الصدى داخل القاعة.
ولكلّ سينما باب كبير يقع على الشارع العام يتكوّن من الحديد المشبّك أو الحديد (السلايد) الذي يفتح إلى الجوانب، ويسهل من خلال الباب مشاهدة الإعلانات وصور الأفلام أثناء إغلاق باب السينما. وبعد الباب ممر طويل على جانبيه صناديق زجاجية تعلّق فيها صور الأفلام، خصص أقربها إلى الباب للفيلم الذي يعرض حالياً كتب في أعلاه (هذا اليوم) أو (هذه الليلة) أو (يعرض حالياً).
وخصص الصندوق التالي لفيلم (الأسبوع القادم)، والذي يليه للفيلم الذي سيعرض (قريباً جداً)، ثم للأفلام الأخرى (قريباً). وفوق الصناديق تعلّق على الجدار إعلانات (مانشيتات) الأفلام الملونة الجذابة التي تجذب المشاهدين وتغريهم بمشاهدتها.
وفي نهاية الممر وعلى الجانبين غرف لقاطعي التذاكر التي يسمّيها الجمهور (التكت) أو (البطاقة)، ويوضع حديد أمام الشباك لترتيب وقوف الرواد في صفّ واحد، لكنّ هذا لا يمنع تدافع الجمهور باستمرار ولاسيما الأطفال منهم، وقد تحدث مشاجرات أو يسقط العقال (العكال) من على رؤوس عدد من الرجال. وكانت مجموعة من السينمات تخصص باباً آخر للدخول إلى الموقع الثاني والخروج منه، وهو الذي كان يتفوّق بعدد الجمهور على الموقع الأول فضلاً عن كون معظمهم من الأطفال والشباب، وكانت معظم السينمات تغلق الباب الثاني لعدم الحاجة له واقتصاداً في عدد العمال.
وبجانب غرفة قطع التذاكر غرفة لإدارة السينما على بابها قطعة تحمل عنوان (الإدارة)، وحانوت لبيع الأطعمة الخفيفة والمشروبات الغازية والنقول (الكرزات)، ثم التواليت. ولكلّ سينما جرس يرنّ مرّتين الأولى قبل العرض والثانية بعد الاستراحة. وفي صدر الممر باب إلى الموقع الثاني (إن لم يكن للسينما باب ثاني) يجلس عنده قاطع التذاكر الذي يفحص التذكرة ويمزّقها أو يحتفظ بها لإعادة بيعها بالاتفاق مع الإدارة لوجود ضريبة بلدية على كل بطاقة تباع. ويكون الموقع الثاني في الطابق الأرضي على الأغلب، لكنّ دور سينما الملك غازي الشتوية وسينما الحدباء وسينما هوليوود تميزت بوجود الموقع الثاني في الطابق الأول يرتقى إليه بسلالم طويلة على جانبيها أنبوب حديدي يستعين به كبار السن في الصعود والنزول، وينزلق عليه الأطفال في النزول.
وتغطّي مدخل باب الموقع الثاني ستارة سوداء لحجب الضوء من الخارج، وتكون كراسيّه عبارة عن مساطب خشبية طويلة بمتكأ خشبي غير مريحة في الجلوس.
أما الموقع الأول فيكون في الطابق الأول أو الثاني وعلى شكل مدرّجات (سلالم) طويلة عريضة عليها صفّ واحد من الكراسي الجلدية المفردة، وتتوزّع المقاعد في ثلاث مجموعات يفصل بينها ممرّان. ثم أخذت عدد من دور السينما تقتطع جزءاً من الطابق الأسفل لضمّه إلى الموقع الأول. وكان لكلّ دار عرض سينمائية عدد من (الألواج) خلف الموقع الأول، وهو ما تفضّله الأسر لتبتعد عن أعين المتطفّلين، ويضم اللّوج الواحد أربعة مقاعد أو ستة للأسرة الواحدة أو لعدد من الأصدقاء وأولاد الذوات. وكان في مؤخرة الصالة وفي الوسط غرفة العرض التي تحتوي على مكائن كهربائية ومسيطرات للإنارة والصوت التي يديرها (مشغّل) كفء قديم متمرّس يتحمّل كلّ ما يصدر عن الجمهور من صياح وشتائم.
وتقع في مقدمة الصالة الشاشة الجصّية في السينمات الصيفية والقماشية البيضاء في السينمات الشتوية، وكانت الشاشة مربعة الشكل مقوسة الزوايا قبل ظهور السينما سكوب، ثم أصبحت مستطيلة بعد ظهورها. وتوضع مكبرات الصوت (السمّاعات) خلف الشاشة أو أمامها أو على جانبيها، وكانت بدائية أول الأمر مشوشة لا يميز الصوت فيها بوضوح. وفي السينمات الحديثة مثل سينما الجمهورية وضعت ستارة ملوّنة أمام الشاشة تفتح وتغلق قبل العرض وبعده.
وكان المشاهد عند خروجه خلال عرض الفيلم أو بعد عرض المقدمات في الاستراحة أو (الفترة) يعطى بطاقة صغيرة تسمّى (خروج) لتسهّل له العودة إلى الصالة بعد قضاء حاجته في التواليت أو الحانوت أو خارج السينما.
التهوية والإنارة
كانت دور العرض السينمائي في البداية من دون أجهزة تدفئة أو تبريد، وكان المشاهد يضع يديه في جيوبه ويلبس غطاء رأس صوفي في الشتاء، وفي الصيف كان العرق يتصبب من المشاهد، لكنّه ينسى البرد والحرّ عند انسجامه مع الفيلم الجيد. وبدأت مكيفات الهواء التي تعمل بالماء (المبرّدات) تستعمل في نهاية الخمسينيات، فتوضع واحدة كبيرة أسفل الشاشة أو اثنتان على جانبيها لتدفع الهواء البارد إلى الأمام، وكان المشاهدون يختارون أماكنهم في اتجاه هبوب الهواء البارد. كما توضع أعداد منها في الموقع الأول تدفع الهواء من فتحات جانبية من الخارج إلى الصالة. واستعملت أجهزة تدفئة كهربائية صغيرة تعلّق على الجدران تعمل بملف كهربائي، ثم طوّرت أجهزة التكييف في الستينيات وبخاصة في السينمات الحديثة إلى أجهزة متطورة للتكييف المركزي.
أما الإنارة فكانت ضعيفة وتعتمد على الإنارة الخارجية الطبيعية بفتح الشبابيك الخشبية قبل عرض الفيلم وبعده، ويفتح الشبابيك ويغلقها عامل يستخدم لذلك عموداً خشبياً طويلاً. وتدور الشبابيك على محور وسطي ليسهل فتحها وغلقها بسهولة وسرعة، وتغطيها من الداخل ستارة سوداء يسحبها العامل بعد غلق الشباك. وكان الأطفال وبخاصة في العيد يهزجون ويصيحون فرحاً عند قيام العامل بغلق الشبابيك إيذاناً ببدء العرض. ووضع فوق كلّ باب من الداخل لوحة زجاجية حمراء منيرة كتب عليها (خروج) ليستدلّ الخارج إلى الباب في أثناء عرض الفيلم. وكانت سينما الحدباء تتميز بوجود باب الخروج للموقع الثاني مقابل الشمس نهاراً، مما يجعل المشاهد يغمض عينيه في أثناء الخروج بعد انتهاء عرض الفيلم.
أوقات العرض وأسعار الدخول
كانت توقيتات العرض ثابتة وموحدة تقريباً وتعلّق لوحة بها قرب شباك التذاكر وكما يأتي:
الدور الأول 30 10 صباحاً أيام العطل والجمع فقط
الدور الثاني 30 3 عصراً
الدور الليلي 30 7 مساءً
ولم يعتد جمهور الموصل على وجود عرض بعد الظهر من (1-3) ظهراً إلاّ في الأعياد. ولم تعمل دور العرض في الموصل بالدور الليلي من الساعة (10-12) ليلاً كما في العاصمة بغداد إلاّ في فترة متأخرة وفي السينمات الحديثة.
أما أسعار التذاكر (البطاقات) فكانت تتغير تبعاً للزمن ونوع السينما، وكانت البلدية تزيد من مبلغ الضرائب على التذاكر مما يؤدي إلى رفع الأسعار، وكان مستثمرو السينمات يتهربون من هذه الضريبة ببيع التذكرة نفسها عدة مرّات. وكانت الأسعار في الثلاثينيات والأربعينيات (40) فلساً للموقع الأول و(20) فلساً للموقع الثاني. وفي الخمسينيات (60) فلساً للموقع الأول و(40) فلساً للموقع الثاني. وفي الستينيات (70-80) فلساً للموقع الأول و(50) فلساً للموقع الثاني. وكانت عروض يوم الاثنين والخميس عصراً مخصصة للجنود وضباط صف الجيش العراقي وبسعر (25) فلساً للتذكرة الواحدة.
الإعلان عن الأفلام
قبل عرض كلّ فيلم وقبل يوم الاثنين من كلّ أسبوع تحديداً يتم الإعلان خارج السينما بعدة طرائق وبحسب أهمية الفيلم وإمكانية المستثمر المادية. في البداية كانت العربات التي تجرّها الخيول تستخدم في الطواف ضمن شوارع المدينة يتصدرها إعلان كبير ملوّن للفيلم، ويجلس فيها عدة أشخاص يعلنون بمكبرة صوت –تؤجر من مخزن محمد في شارع غازي – عن اسم الفيلم وتاريخ عرضه واسم السينما وأسماء الممثلين، ويشيدون بقصة الفيلم وأحداثه بتعابير مثيرة ومشوّقة، ومعهم طبل يقرع ليجلب انتباه الناس. وكانوا ينثرون في الهواء الإعلانات الورقية الملونة الخاصة بالفيلم وبأحجام كبيرة وصغيرة بين آونة وأخرى.
وكان جمع من الأطفال يتعلّقون بالعربة من الخلف أو يجرون إلى جانبها للحصول على إعلان الفيلم الذي يضم صور الممثلين وأسماءهم وموعد عرض الفيلم. وكان عدد من الشباب يهوى جمع هذه الإعلانات ويراجعونها ويبادلونها فيما بينهم وما يزال بعضهم يحتفظ بها باعتزاز إلى الآن. ثم استخدمت السيارات بدل العربات في الدعاية والطواف داخل شوارع المدينة مع الطبل ومكبرة الصوت. وكان الخطاط عبد العالي يرسم مانشيتات ملونة كبيرة للأفلام تعلّق في بوابات السينمات، وفعل مثله الهاوي سالم العزاوي الذي قدّم فيما بعد برنامج عدسة الفن من تلفزيون العراق.
وكان الإعلان اليومي يتم بأن يحمل عامل إعلان في السينما لوحة مستطيلة لها حاملة أسطوانية على كتفه، ويلصق على اللوحة إعلان الفيلم وموعد عرضه. وكان المخبول (سهيل) من الأسماء التي عرفت بحمل لوحة الإعلانات، ويرافق شخص آخر حامل الإعلان يوزّع الإعلانات الورقية الملونة.
المقدمات
يبدأ العرض السينمائي في المواعيد المحددة مهما كان عدد المتفرجين، وقد تمتلئ صالة العرض عند عرض الفيلم الجيد أول مرة، فيقولون (قبّط الفلم)، أو في أيام الجمع والأعياد فتعلّق على شباك التذاكر أو على الباب الخارجي للسينما قطعة كتب عليها (الصالة مملوءة).
كان العرض السينمائي يبدأ في العهد الملكي بالسلام الملكي وتظهر على الشاشة صورة الملك ثابتة مع علم العراق يرفرف، فيقف الجمهور احتراماً ويجلسون بعد الانتهاء من عزف السلام. كما كانت تعرض أخبار العالم المصورة أو جريدة مصر الناطقة أو جريدة العراق الجديد، وتعرض هذه نشاطات الملوك والرؤساء والمنجزات العمرانية والصناعية والسياحية في العراق ومختلف بلاد العالم.
وكانت المقدمات التي تعرضها السينما مشوّقة وبخاصة عندما تتضمّن أفلام الكارتون التي كان يسميها الأطفال (أفلام الشويطين) ولم تكن معروفة في ذلك الوقت غير أفلام (ميكي ماوس). وكانت الدعايات للراديوات والسيكاير تعرض بوساطة السلايدات الثابتة مثل راديوات سيرا وساعات أرداث وسكاير ونستن ...، كما تعرض أفلام متحركة لصابون لوكس مثلاً: يقول المعلق (كلّ تسع من عشر من نجوم السينما يستعملن صابون لوكس للتواليت – بيير أنجلي – مارتا هاير – اليزابيث تايلور ... الخ) وتعرض صور هذه الممثلات مع الإعلان. وتعرض في المقدمات كذلك لقطات دعائية مشوّقة من الأفلام التي سيجري عرضها قريباً وقريباً جداً والأسبوع القادم حسب المصطلحات السينمائية.
الاستراحة
تعقب المقدمات استراحة يسمّيها الجمهور (فترة) لمدة (10) دقائق بعد المقدمة التي تستغرق (10-15) دقيقة، وكان الجمهور يميل إلى المقدمات الطويلة ويحبذها. وفي الاستراحة تعزف أغانٍ معروفة ومشهورة، واختصّت سينما الحدباء بعزف أغنية الموسيقار محمد عبد الوهاب (جفنه علّم الغزل) وأغنية كارم محمود (على ورق الورد حاكتبله)، وسينما الملك غازي بعزف أغنية الموسيقار فريد الأطرش (الربيع).
واختصّت باقي السينمات بأغانِ أخرى تبقى مدة طويلة لأنها مسجلة على اسطوانة أو على شريط كبير من النوع القديم.
وكان عدد من السينمات يقدّم استراحة وسط الفيلم الطويل الذي يستغرق عرضه أكثر من ساعتين لإراحة الجمهور والمكائن وتبديل بكرات الفيلم. وعندما يعرض الفيلم في أكثر من سينما يتم تبادل البكرات بوساطة راكب دراجة هوائية خلال الاستراحة. وفي الاستراحة يسمح للمشاهدين بالخروج إلى التواليت أو لتناول الأطعمة والمشروبات الغازية وشراء النقول من الحانوت.
الباعة
ذكرنا أن الحانوت موجود في كلّ سينما وهو يبيع السكاير والمشروبات الغازية (كوكا كولا – بيبسي كولا – النامليت الوطني – مشن – سينالكو) وكذلك الحلويات والعلك والنقول. ويدور عدد من الباعة الذين يعملون مع صاحب الحانوت متبرعين على الأغلب ليعلنوا عن بضاعتهم (بارد – بارد) (حب – سسي – جكاير – علك) (نامليت بارد – كوكا – ببسي – مشن) وتوضع هذه القناني في دلو (سطل) من الماء والثلج. ويدور بائع آخر يحمل إناء للماء (دولكة فافون) أو سطلاً فيه ماء مثلّج مع طاسة معدنية ويصيح (ماي – ماي بارد – ماي). ويدور باعة الدوندرمة ذات العلبة و(أم العودا) و(الكريما ستيك) ثم (الموطا). والآخر يحمل صندوقاً زجاجياً صغيراً فيه كعك وحلويات صغيرة من جوز الهند تسمّى (المعكرونية) وهو يصيح (معكرونية – كيك - معكرونية)، وآخر يحمل كعكاً على هيئة حلقات ويصيح (جورك حار – جورك) أو حلويات مطعّمة بالجوز تسمّى (لوزينج) ويصيح (لوزينا – لوزينا – أم الجوز واللوز).
وبائع آخر يحمل سلة صغيرة فيها رقائق من العجين واللحم المشوي بالفرن تسمّى (لحم بعجين) أو (عروق) ويصيح (لحم بعجين – حار طيّب) أو (عروق تنّور – حار طيّب)، ومن يصيح (عنبه وصمّون).
وفي الشتاء يطيب للمشاهدين تناول الحليب الحار من قدر كبير يوضع أسفل الشاشة أو قرب الحانوت وتحته طبّاخ نفطي (بريمز)، سعر (الكوب) عشرة فلوس. أو يخرجون لتناول (اللبلبي) من الحمّص أو (المستوى) من الشلغم والشوندر المطبوخ في باب السينما من الباعة المتجولين.
وينشط هؤلاء الباعة قبل عرض الفيلم وخلال الاستراحة، ويقلّ دورانهم في أثناء عرض الفيلم.
وكان باعة المشروبات يجمعون القناني الفارغة من تحت الأرجل قبل عرض الفيلم في السينمات الصيفية، وبخاصة عندما يكون الفيلم لفريد الأطرش ويتضمّن أغاني ومواويل، فقد كان عدد من المتفرجين السكارى والشقاوات يضربون الشاشة الجصّية بالزجاجات الفارغة تعبيراً عن إعجابهم وانسجامهم مع الأغنية. كما أن عدداً آخر ينفعلون مع المواقف الدرامية العنيفة، ففي أحد أفلام الفنان زكي رستم الذي يظهر فيه بدور شرير يحاول اغتصاب فتاة نائمة لا يعلم أنها ابنته (كما تقول قصة الفيلم) فيأخذ الجمهور بالصياح (لا ... لا) ويضرب بعضهم الشاشة بالزجاجات الفارغة وفي بعض الأحيان بالأحذية.
وكان المتفرجون الذين يتناولون النقول بكثرة ولاسيما الحب والسسي يتركون الفضلات تحت أرجلهم، وكان عدد من الأطفال وعديمي الذوق يرمون القشور من الطابق الثاني إلى الطابق الأول على رؤوس المتفرجين أو يبصقون عليهم، فيلتفت أحدهم إلى الخلف ليسمع من في الأعلى شريطاً من السباب والشتائم، أو يصعد إليه فتحدث معركة حامية يتدخل الجمهور لفضّها وفك الاشتباك. وكثيراً ما كانت تنشب العديد من المعارك بين المتفرجين لسبب أو لآخر تنتهي بإخراج المتشاجرين خارج الصالة.
عرض الفيلم
يبدأ عرض الفيلم بعد أن يرن الجرس معلناً ابتداء العرض، وقد يدخل عدد من المشاهدين بعد إطفاء النور فيقودهم عامل يحمل بيده مصباحاً يدوياً (بيم – تورج) إلى المقاعد الفارغة وهذا مما يزعج الجمهور. ويسمّي الأطفال بطل الفيلم بـ(الولد أو البطل) وبخاصة في أفلام رعاة البقر (الكاوبوي) والعصابات، وكانوا يصفقون ويصفّرون ويهزجون عندما يركض البطل أو يسوق سيارته أو حصانه مسرعاً لنجدة البطلة التي يسمّونها (البنت) وإنقاذها من أيدي الأعداء (العصابة أو العداوة). وكان عدد من الأطفال الثرثارين الذين شاهدوا الفيلم مرات عدة يعكّرون الجو عندما يستبقون أحداث الفيلم ويقصّون لزملائهم الأحداث القادمة بصوت مسموع، وكثيراً ما تحدث المشاجرات لهذا السبب.
وفي الأعياد كان الجمهور يصيح ويصفر عند انقطاع الفيلم ويطلقون المفرقعات (التبتور) و(الزنبور) و(الكبسون) احتجاجاً، ويملؤون جو الصالة بدخان السكاير ويستديرون إلى الخلف صائحين على المشغّل (يول ...لا تبوق) أي لا تقطع وتسرق من الفيلم، ويشتمه المشاغبون والشقاوات وهو لا حول له ولا قوة. وكان مشغّل السينما يقطع الفيلم بأمر من مستثمر السينما لكي يتمكّن من تشغيل (فلمان (فلمين) في آن واحد) كما جرت عليه العادة في معظم السينمات.
وكان الجمهور يصفر عند مشاهدة التقبيل بين البطل والبطلة أو حوادث الاغتصاب، وقد اعتاد معظم المخرجين وبأمر من المنتج إنهاء أفلامهم بقبلة طويلة بين البطل والبطلة. ويجب أن يبقى البطل إلى نهاية الفيلم مع البطلة حياً، أما إذا مات فإنّ المشاهدين يعدّون الفيلم غير جيد ولا يستحقّ المشاهدة. وعندما يخرج الجمهور ويجد أن صورة أو أكثر من الصور المعروضة في ممر السينما للدعاية لم تعرض في سياق الفيلم يقولون أنّ المشغّل (قصّا) أي قصّها أو سرقها (باقا). ومن الأمثال المتداولة عن السينما: (سينما بلاش) عندما تنكشف ملابس النائم و(صاغوا سينما) أي فضحوا نتيجة العراك وبخاصة عراك النساء.
ملاحظة:صالة السينما ليست بالضرورة أن تكون لسينما الحدباء
838 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع