لماذا تُخرسون الفرح؟!

                                        

                              دلع المفتي

ضيفة أجنبية تزور الكويت، كانت تشاهد قناة تلفزيونية تعرض جلسة غنائية، أخذتها الحال وانسجمت مع الموسيقى لدقائق، قبل أن تلتفت مندهشة: أول مرة في حياتي أرى رجالاً يرقصون، ونساء يصفقن.. عادةً، الأمر يجري بالعكس!

يعد الرقص من أقدم اللغات التعبيرية التي مارسها الإنسان عبر التاريخ، وعلى الرغم من تطور أدوات التعبير الأخرى، كاللغة والغناء والكتابة، إلا أن الرقص والموسيقى يظلان اللغة الفنية العالمية التي توحِّد كل شعوب العالم ولا تحتاج إلى تفسير أو ترجمة.

أن نرقص يعني أن نترك الروح لتعبر عن ذاتها الخفية.. فنحن نرقص: فرحاً، بهجةً، غضباً، وحتى حزناً وألماً. وما التمايل وضرب الرأس والانحناء والصعود أثناء الحزن والنواح إلا ضرب من ضروب الرقص، نلجأ إليه من دون وعي.

من المعروف ان الأطفال يبدأون بالرقص قبل أن يتعلموا النطق، بل أحياناً قبل المشي. فالطفل يتمايل بطريقة فطرية، ما إن يسمع صوت النقر أو الموسيقى، مؤدياً حركات جسدية لم يعلّمها له أحد. فالبشر انتقلوا من التعبير الموسيقي الى ابتكار الحروف، ومن ثم اللغة المحكية، وقد كان الرقص بالنسبة إليهم أداة سبقت اللغة، ليُفهموا ويَفهموا.

وللرقص فوائد جمة، فهو يكسب الجسم مرونة، ويقوي عضلة القلب، ويحسن وظائف الرئة، ويساعد في إنقاص الوزن، والأهم من كل ما سبق أنه يعدل المزاج، ويساعد على تفريغ الطاقة السلبية التي يختزنها الانسان، نتيجة الكبت والضغوط التي يواجهها يومياً.

بعد هذا الموجز المعلوماتي المهم نأتي الى الأهم، يعلم الجميع أن الكويت سنّت قانونا «راقصا» يمنع الرقص، على الرغم من أن الفنانين يتراقصون في المسلسلات وعلى الشاشات، وفوق خشبة المسرح، وفي الدعايات وفي الفيديوهات الكويتية الشبابية المدرجة على قناة اليوتيوب. وما إن يحل العيد الوطني حتى يتحول الشباب الكويتيون إلى شعب راقص، يعبر عن فرحه وبهجته في الشوارع، ناهيكم عن الحكومة التي ترقص على جراحنا واغلب نواب مجلس الأمة الذين يراقصون همومنا، أي لم يبق إلا نحن «المساكين» الممنوعون من الرقص!

بنظرة سريعة الى فيديوهين انتشرا كالنار في الهشيم، هما فيديو دعاية «زين»، وفيديو أغنية happy النسخة الكويتية، نستطيع أن نفهم توق الإنسان الكويتي الى الفرح، وحقه في أن يعبِّر عنه بكل تلقائية وببساطة، معتمداً على الرقص.

فلماذا تُخرسون الفرح، ولماذا أصبح الرقص في عداد العيب والممنوع «قانوناً»، ولماذا أصبح مؤشِّرا على الرخص والابتذال، ولماذا لا نسعى - كباقي الأمم - إلى الارتقاء بالرقص عن تلك الصورة التي تعودناها في أفلام الشباك والإثارة، ونحولها إلى مطلب حضاري وإنساني مستوحى من تاريخنا وثقافتنا؟!


  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

743 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع