العبوديّة المعاصرة!

                                          

                              زينب حفني

ما معنى العبوديّة؟! هل ما زالت تحمل نفس المعاني القديمة التي تعلمناها في صغرنا على مقاعد الدراسة، أن يُستعبد الإنسان ويُصبح مملوكاً لإنسان آخر؟! هل ضغوطات العصر الحديث التي غدونا نعيش فيها، دفعت المرء إلى الوقوع في مصيدة العبوديّة بدون أن يدري؟!

الأستاذ (كيفين بيلس) أستاذ دراسات الرق المعاصر بجامعة هل البريطانيّة، يرى بأن العبوديّة أنواع.. هناك الاتجار بالفتيات والصبية الصغار باستغلالهم جنسيّاً. هناك العبوديّة المتمثلة في استغلال الأسر الفقيرة في أعمال نسج السجاد وفي المناجم وفي تفكيك السفن القديمة لإعادة تدوير مكوناتها. لكنه يرى بأن أصعب الأنواع وأكثرها انتشاراً، تلك التي يُطلق عليها الرق المتعلق بالعجز عن سداد الدين، وذلك بأن يتم فرض أعمال شاقة على صاحب القرض وأسرته قد تمتد لعدة أجيال، حتّى يتم استيفاء الدين منهم.

النوع الأخير منتشر بكثرة في الهند، وذلك لأن العرف هناك يُلزم أسرة الزوجة بدفع مهر الزواج للرجل، التي تضطر إلى القيام بأعمال شاقة حتّى تُسدد قيمته للزوج. والمؤشر الإعلامي للرق يؤكد على أن الهند ترتفع فيها نسبة السخرة، تليها الصين وباكستان ونيجيريا. وفي السنوات الأخيرة ارتفع عدد العبيد في موريتانيا قياساً لعدد السكان.

الرق في زمننا، يُشتقُّ منه معنى مرادف وتعني الاستغلال! هذا الاستغلال يصبُّ في عدّة أنفاق.. الفقر، والجهل، وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد، والحروب والقلاقل السياسيّة التي تدفع أثمانها يوميّاً شعوب العالم! لذا نجد أن العبودية القديمة قد اندثرت، وحلّت مكانها أخرى كبيرة، كاستغلال الأطفال والنساء بالعمل في أجواء قاسية وغير آمنة، وهو ما دفع جمعيات حقوق الإنسان إلى حماية هؤلاء الفقراء، بالوقوف في وجه من لا ضمير لديه من أثرياء العالم. أما الصرعات السياسيّة التي لحقت بعدد من الدول العربية، فقد أوقعت مآسي فادحة! وذلك بسبب تدني الاقتصاد، ووصول السياحة لأدنى مستوياتها، كما يجري اليوم في مصر ولبنان تحديداً، والتي تُشكّل السياحة فيهما دوراً كبيراً في انتعاش اقتصادهما!

إذا تحدثنا عن قلة الوعي الاجتماعي، سنجد بأن المرأة هي الضحية الكبرى! فقد وقع نظري على فقرة مكتوبة بأحد المناهج الدراسيّة تقول.. « فاطمة أخت رشيد. تُساعد فاطمة أمها في البيت، فتنظّف وتغسل وتطبخ معها، هكذا تعلمت فاطمة ما يُفيدها في المستقبل». انتهت العبارة التي لا تمت بصلة لواقعنا! وبدلاً من توعية الفتاة منذ صغرها أن يكون لها هدف في المستقبل، لم تزل الجهة المسؤولة عن وضع المناهج، ترى بأن دور المرأة ينحصر في أعمال البيت ولا شيء آخر! وماذا عن دور رشيد أخي فاطمة؟! هل تنحصر وظيفته في كونه ذكراً وأخا فاطمة فقط؟! أين توعيته على احترام عقل المرأة، وأن الحياة تقوم على الشراكة المتوازنة؟! العبارة فيها تحريض مباشر على استغلال المرأة إلى الرمق الأخير، والتقليل من قدراتها الفكريّة!

مع كل ما ذكرته سابقاً، إلا أنني أرى بأن أصعب أنواع العبودية، أن تكون مسجوناً داخل سجن أعراف اجتماعية سقيمة، ترفض أن تفسح لك الطريق لتمارس حقّك الطبيعي في الحياة. العبوديّة، أن لا يلتفت أحد لمعاناتك، وأن لا يرُهف سمعه لأنّاتك! العبوديّة، أن يتم إخراس صوتك كي لا تقول كلمة حق، من أجل تبرير بائس، الحرص على عدم انفراط سبحة مجتمعك! العبوديّة، أن تشعر بصقيع الخوف يجري في شرايينك، دون أن تجد من يُدثّر جسدك المرتعش!

إن إصرارنا على التحرر من قيودنا مهما كانت قاسية، هي بداية الطريق لتخليص أنفسنا من آفات العبوديّة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

707 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع