دور قوات الاحتلال الأمريكي في دمار آثار العراق

                                          

                         عامر عبد الرزاق الزبيدي
                                 باحث آثاري

هي إحدى القصص المؤلمة وأحدى سطوات التاريخ المفجعة بحق حضارة وادي الرافدين التي توالت عليها الضربات طيلة القرون الفائتة , أحببت أن أرويها لكم ليرى العالم بأكمله مظلومية هذه الحضارة وهذه المرة ما قامة به قوات الاحتلال الأمريكي من تدمير آثار ذلك البلد .
فبعد أن احتلت القوات الأمريكية العراق في نهاية آذار من عام 2003 ودخولها الأراضي العراقية وسيطرتها على الأرض من الشمال إلى الجنوب , وحدث ما لم يحمد عقباه , وكان مفاجأة كبرى لنا كمختصين بألاثار وللشعب العراقي والعالم بأن يتعرض المتحف العراقي الوطني في بغداد إلى أكبر عملية سرقة في التاريخ , وقيام أشخاص منهم من أهل البلد ومنهم من خارج البلد بدخول المتحف وسرقة ما يمكن سرقته , وتكسير وتهشيم ما لا يستطيعون سرقته , وهذا كله حدث على مرأى ومسمع من القوات الأمريكية التي كانت قريبة من المتحف , حيث تمركزت قطعات الجيش الأمريكي في ساحة المتحف المنطقة المقابلة للمتحف العراقي ولم يمنعوا اللصوص من دخول المتحف , وشهود العيان رأى سراق عرب وجنسيات غربية مختلفة تشارك بعمليات سرقة المتحف , وبعضهم لديه الدراية ماذا يسرق وماذا يترك , أما القوات الأمريكية فكانت تشاهد كل ما يحدث وكأنها خططت له مسبقا في إحدى غرف البيت الأبيض وهي ترى ما يسعدها ويشفي الغليل لديها ؟!!!!! .
ولم تكن الجريمة تقتصر على سرقة المتحف العراقي فقط بل كانت أشد وأدهى , وأكثر مرارة وتدمير لحضارة وادي الرافدين حيث تعرض ما يقارب من خمسة عشر ألف موقع اثري للسرقة والنبش , ونهب أهم وأغنى آثاره , وأستمر هذا النهب المنظم والسرقات الكبيرة لأكثر من ستة أشهر على الرغم من أن القوات الأمريكية تجوب العراق في كل مكان , وتحمي المؤسسات النفطية والأمنية إلا المواقع والمدن الأثرية بقت بلا حماية فأنها خارج اهتمامهم أو ربما كان الأمر مقصودا؟!!!!.
ودخل تجار كبار لتهريب الآثار من دول الجوار إلى الأراضي العراقية وجمعوا ملايين القطع الأثرية وقاموا بتهريبها خارج حدود البلد.
وأنا أؤكد أن الأمر كان مقصودا وبتدبير أمريكي وأعطي لكم الدليل واضحا عندما قامت القوات الأمريكية بسلاح الجو بضرب مدينة أور بإحدى الصواريخ المدمرة ؟!!! نعم هذا الأمر حدث فعلا عام 1991 عندما ضربت إحدى الطائرات الأمريكية منطقة المعابد في أور وعملت حفره كبيرة , وقامت شظايا الصاروخ بتهشيم واجهة زقورة أور المطلة على معبد ((كيك ــ بار ــ كو)) , ولا تزال حفرة الصاروخ موجودة إلى ألان , ولا تزال آثار تهشم وتشقق جدار الزقورة إلى هذه اللحظة بدون أي استنكار محلي أو عالمي لهذا العمل التخريبي البربري الذي ليست له أي صله بالإنسانية التي كنا دائما ما نسمع إنهم يتحلون بها , وكان الأمر عبارة عن تدمير تلك الحضارة ربما غيرة وحسدا إننا نملك تلك الحضارة ونتفاخر بها.
ولم يكتفوا بما فعلوه في أور بل حولوها في عام 2003 عند احتلالهم العراق إلى ثكنة عسكرية لتجوال دباباتهم ومدرعاتهم بالقرب من الزقورة , وأعلى المعابد السومرية بانتهاك صارخ لحقوق المدن الأثرية , وحتى كنا نحن الأثارين في دائرة آثار ذي قار لا يسمح لنا بدخول أور.
وفي أحد الأيام زار وفد من الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية برئاسة الدكتور عباس الحسيني رئيس الهيئة وأنا كنت معه مع مجموعة من الاثارين ففوجئنا برفض القوات الأمريكية والجنرال المسئول على الموقع بدخول مدينة أور ومعرفة ما يجري بها؟!!!! , ولم تدمر أور فقط لكن دمر أيضا متحف الناصرية الذي يعد من أهم الصروح الحضارية للمدينة , فاستوطنته القوات الأمريكية وحولته إلى ثكنة عسكرية نصبوا به قناصتهم ورادارا تهم , وجعلوا قاعاته غرف لمبيت جنودهم وطبخهم وأكلهم ونفاياتهم التي شاهدتها بعيني عند زيارتي للمتحف وكأنة خربة.
ولم يحتج أي مسئول لتلك الانتهاكات لأن قوات الاحتلال هي المنقذ التي سوف تزرع شوارع العراق وردا ويأتينا الخير من كل مكان !!!! فآثار هذا البلد وحضارته ليست مهمة لديهم وكان المهم راحة قوات الاحتلال وأماكن ألامان لهم التي كانت المتاحف والمواقع الأثرية.
ولم تكن أور ومتحف الناصرية آخر المطاف بل مدينة بابل كانت المحطة الأكثر ضررا أيضا فحولت المدينة الأثرية إلى قاعدة عسكرية أمريكية , وشارع الموكب الذي سار به ملوك بابل وشعبها وكهنتها سارت به أيضا الدبابات الأمريكية التي دمرت أرضيته وهشمت القطع الأثرية على جانبية , وامتلأت المتارب الأمنية التي جلبوها كسواتر لهم بقطع الفخار وأجزاء الرقم الطينية المسمارية , فهل هولاء حقا يريدون خير العراق ؟!!!!.
وليست أور و بابل نهاية القصة بل أيضا موقع كيش الأثري إحدى أهم المدن السومرية حولت إلى قاعدة أمريكية لتدريب الجيش الأمريكي وهبوط طائراته (الهليكوبتر) على هذه المدينة.
وكذلك مدينة النمرود الأثرية في الموصل حولت إلى ثكنة لقوات الاحتلال وتجوال آلياته المدمرة للمواقع الأثرية , وهناك عشرات المواقع الأثرية التي دمرتها قوات الاحتلال من شمال العراق إلى جنوبه , ولم يقدم أي مسئول أمريكي اعتذارا رسميا لهذه الانتهاكات وهذه النكبة الحضارية.
علما أن المواقع الأثرية أماكن مقدسة في العالم تحظى بالإجلال والاحترام , والحفاظ عليها أمرا إنسانيا تقره قوانين الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو التي تمنع أن يكون بالقرب من الموقع الأثري أي ثكنة عسكرية , ويمنع أيضا ولمسافة بعيدة دخول أي سيارة صغيرة لحدود الموقع الأثري ناهيك عن المدرعات والدبابات , أما أجواء المدن الأثرية فهي محرمه أيضا وهناك قوانين دولية لمستوى الطيران والمرور في أجواء المدن الأثرية أما في العراق فكانت الطائرات الأمريكية تهبط بالمدن الأثرية ,وتكون على مستويات دانية جدا على زقورة أور وهذا ما شاهدته بأم عيني.
أما ما يهدئوننا به ألان وكأنها حقن مخدرة من إرجاع القطع الأثرية المسروقة من أمريكا أو ايطاليا أو ألمانيا ومجموعة من الدول الأخرى بأعداد بسيطة بين الحين والأخر , وأن الإعداد للآثار التي أرجعت للعراق بلغت ما يقارب من عشرة ألاف قطعة أقول نعم أرجعت هذه القطع لكن ما أرجع قليل جدا ولا يتناسب مع ما هرب أبدا وأمثله لكم بنهر ماء أرجعت منه قدح واحد فما أرجع نزر قليل وما بقي خارج العراق وفي متاحف العالم وبيوت هواة الآثار يفوق المتصور والمتوقع للقطع الأثرية  التي سرقت من المواقع الأثرية التي ليست بها رقم متحفي ومن الصعب جدا المطالبة بها وإرجاعها إلى وطنها الأصلي , وأوكد بأنه لاتوجد خطط رصينة لإرجاع أعداد كبيرة من تلك القطع الأثرية المهربة , أو التفاوض مع المتاحف العالمية لإرجاع قطع حضارة وادي الرافدين. وبعد أن انتهى الاحتلال وخرج آخر جندي أمريكي في 1/1/2012 على الحكومة العراقية أن تقدم دعوة قضائية دولية ضد قوات الاحتلال الأمريكي لعدم حماية المتحف الوطني في بغداد وعدم توفير الحماية الأزمة للمواقع الأثرية , ودعوة قضائية ثانية على ضرب مدينة أور بصواريخ الطائرات وتهشيم إحدى واجهات زقورة أور وأضرار منطقة المعابد.
وان تقوم السلطة الأمريكية ((البيت الأبيض)) بتقديم اعتذار رسمي للشعب العراقي لما تعرضت له المواقع الأثرية والمتحف الوطني وتحويل بعض المدن الأثرية إلى ثكنات عسكرية.
وأن تتشكل لجنة من وزارة السياحة والآثار يرأسها السيد وزير السياحة والآثار لتحديد أضرار قوات الاحتلال ودراسة تلك الأضرار وتقديم تقرير مفصل بذلك إلى منظمة اليونسكو الراعية للثقافة العالمية.
وعلى جميع وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية رؤية الوجه الأخر للجيش الأمريكي والسلطة الأمريكية بعدم حماية آثار العراق وتخريبها وتدميرها.
وعلى البرلمان العراقي أن يقدم في إحدى جلساته احتجاج رسمي على ما قامت به قوات الاحتلال الأمريكية , حتى نبين للعالم أجمع إننا أمة نحترم حضارتنا ونعتز بها.

عامر عبد الرزاق الزبيدي
منقب آثار
دائرة آثار ذي قار

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

858 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع