حظ أمحيسـن ! ..الحلقة الثالثة عشر

                                      

       

حظ أمحيسـن !مـسلـسل تلفزيوني بين الحقيقة والخيال من الحياة الأجتماعية في العراق في الحقبة الواقعة في منتصف الأربعينيات ولغاية أحتلال بغداد 2013


               
 
                   الحلقة/ الثالثة عشر

في أيلول (سبتمبر) "1961" أنهى "أمحيسن" مقرر اللغة الروسية ، وبعدها انتقل إلى جامعة (أم كو) لأكمال دراسته المعمقة بكلية الكيمياء، وتم اللقاء بينه وبين عميد الكلية في مكتبه ، و بحضور أمرأة في حدود الستين من عمرها,..كانت تتمعَّنْ بـ "أمحيسن", وهو يحدث العميد باللغة الإنكليزية, ..والمرأة تتبادل النظرات مع العميد، وبعد دقائق قال العميد لـ" أمحيسن" أقدم لك "فالنتينا موسَــيفنا" أستاذة الكيمياء غير العضوية التي ستشرف على دراستك العليا.
قام " أمحيسن" من مكانه وصافح الأستاذة، ورحبت به بكل حرارة ، ثم دار كلام بين الأستاذة والعميد,.. فَهَمَ منه التوجه معها الى قسم الكيمياء في الطابق الرابع بكلية الكيمياء .
نهضت الأستاذة وطلبت من "أمحيسن" مرافقتها وتوجهت  بصحبته الى مختبرها ,..وبعد مجاملات وتعارف، شرحت الأستاذة لـه طريقة العمل معها وأسلوب البحث العلمي،.. ثم قادته إلى المختبر الذي سيجري فيه أبحاثه ، مع مجموعة من طلبة الدراسات العليا,..فقدمته لهم,..ورحبوا به ،فشعر"أمحيسن " بغبطة لا مثيل لها وهو يرى ولأول مَّرة مختبراً للأبحاث العلمية مجهز بأحدث الأجهزة والمواد الكيميائية!

   
 
صورة رمزية للترحيب بمحيسـن في مختبر أبحاثه بكلية الكيمياء/ جامعة موسكو
 زال  النحـس عن "أمحيسن" ,  وشعر بمودة لا مثيل لها من طلبة قسمه، واستمر على تلك الحالة بكل جِدّ واجتهاد وشـعر بين زملائه بـسعادة,..فقد زالت عنه الكوابيس,.. وتَحسَّنت صحته وأزداد  نشاطه في الدراسة والبحث العلمي.

                             

ففي بداية العطلة الصيفية,.. استغل"أمحيسن" المنحة التي تمنحها الجامعة لطلبتها الأجانب لقضاء العطلة الصيفية   في أي مصيف يرغبونه لمدة شهر واحد,.. فأختار"أمحيسن" مصيف ســوجي ,  على البحر الأسود,.. والذي يعتبر من أجمل المصايف في عهد النظام السوفيتي آنذاك (روسيا حالياً), وتمت تلك الرحلة السياحية في قطار خاص سمي "قطار الصداقة" !

       

    منظر لمصيف سـوجي على ساحل البحر السود/ جنوب روسيا

وهو قطار خاص رواده عدة مجاميع من طلبة الجامعة من مختلف القوميات والجنسيات وأعداداًً مختارة من الشبيبة الروسية في موسكو,والقطار مكون من عدة عربات,.. وكل عربة تحتوي على عدة غرف للجلوس وللنوم, اضافة الى عربات صممت لتكون كمطعم ومقهى.
بدأت الرحلة في تموز سنة 1961 ,وكان القطار يسير ليلاً,..و ما أن يتوقف نهاراً في احدى المدن على سـاحل البحر الأسود , حتى ينزل منه الركاب نحو الساحل لمزاولة السباحة لفترة النهار لغاية غروب الشمس ,..ثم  يتحرك ليتوقف في فترة العشاء بالقرب من المدن الصغيرة , فيتوجه رواده للتسكع بالقرب من مقاهيها, وقد يوفق البعض بصداقة سريعة لا تتعدى حدود اللياقة والحشمة! ,.. وفق العادات المتعارف عليها في المجتمع السوفيتي , فأنت حر في دارك, تفعل ما ترغب وتشاء ,..ولكن ليس في الأماكن العامة,.. وأضافة الى ذلك وجوب الألتزام بلباس محتشم عند التواجد خارج سـاحل البحر, ولا يسمح بأرتداء الجسوة او المايوه في المقهى البته !
توقف القطار في اليوم الثاني عند مشـارف قرية  أسمها "مخاج كاله",..تقع عند سفح جبل, ما أن يتوقف القطار, حتى يهبط رواده, ويهرعوا لأستطلاع الجبل والساحل الهادئ, ويجمعون الزهور النادرة ذات الروائح الزكية,..وكان أمحيسن مع زمرة من الزملاء العراقيين في سجال حام ,حول أسباب عدم استغلال جبال كردستان الخلابة في السياحة؟,..وأذا بأحد زملاء أمحيسن من العراقيين ينادي عليه,..فهرع أمحيسن نحوه فيجده يتحدث مع شاب من أهل المنطقة يرتدي "دشداشه" سوداء,..وعلى الفور قدم أمحيسن للشاب وقال له هذا منكم يا أخ أمحيسن!,..أستغرب أمحيسن ولم يدرك قصد زميله,..ثم التفت للشاب الروسي وقال له مؤشراً الى "أمحيسن" : أنه شيعي!,.. لم يستوعب "أمحيسن" ما الذي يجري, ثم طلب الشاب من أمحيسن أن يذهب معه لداره القريبة من هنا ليحدث والدته العجوز عن مأسـاة الحسين (ع),..فوافق أمحيسن على الفور ,..وذهب مع الشاب , فرحبت به الأم وكل أفراد العائلة وقدموا له الفطور والشاي ,..ثم راح يشرح لهم الموجز لمأساة الحسين بن علي عليهما السلام,..باللغة الأنكليزية وقام الشاب الروسي بترجمتها للغة الروسية,..وفيما يلي موجز لما قال:
مأســاة الأمام الحـســين عليه السلام

Tragedy of Imam Hussein

يوم عاشوراء :
هذا هو اليوم الذي استشهد فيه الحسين عليه السلام , وهو يوم المصيبة والحزن لكافة المسلمين المحبين لرسول الله وآل البيت عليهم السلام .
عظم الله أجورنا بمأساة الحسين عليه السلام ,..و ينبغي شرح المأساة لأعز اصحابنا واولادنا , ولذا سأسـرد عليكم هذه المأساة بأيجاز باللغة الأنكليزية, ليطلع عليها  أبناء الجالية المسلمة هنا.
Hussein is the son of Ali, the grandson of the prophet Muhammad, the third Shiite imam, and was born in the year 603 A.D. He was martyred at Karbala (west Baghdad), on the tenth “Ashore” of Moherem (the first month in Islamic calendar), at the age of fifty-eight in the year 661A.D, as in the following short story:
When Moawia became Khalifa, he appointed his son, Iazied, to succeed. The Hejaz (present day Saudi Arabia) refused to recognize Iazied. Iraqis in Kofa city (Khalifa Ali capital) invited Hussein to lead a revolt, and to be the all of Muslim Khalifa. However, Hussein refused to pledge of allegiance to Iazied.
The Shiites guessed that Iazied sent assassins to mix with pilgrims at the “hajj” in order to kill Imam Hussein. So,
to avoid bloodshed during the hajj, Hussein cut short his pilgrimage, and because of guessing his martyrdom, he released his followers from any obligations. He went toward Al- Kufa with his family and seventy-two men.
Hussein’s forces, which were trapped in the desert at Karbela, refused to be supplied with water at the Euphrates River. On tenth of Moherem all of Hussein’s men were slain, except one of his sons (Zein-Al’Abidien), because he was ill. Hussein’s body was desecrated, and the women were taken prisoner to the Al-Sham (Syria), with Hussein’s head, where the Khalifa Iazied was.
Destruction of Hussein’s family, became arctic of the “Karbela story’, relived in a form of preaching that uses the Karbela story to frame the topic of the sermon, lines of men chanting, beating their chests and flagellating their foreheads and backs with knifes.
This day for the Shiite “Hussein’s martyrdom” is the paradigmatic story of the sentential tragedy of injustice in this world triumphing over justice, of a true Muslim is duty to sacrifice him, to watch for truth and justice. This theme has come again to political importance in Iraq in the aftermath of the overthrow of Saddam April 9, 03.

أدناه الترجمة العربية :
الحـسـين هو بن الأمام علي (سـلام الله عليهما), وحفيد الرســول محمد (ص), والأمام الثالث عند الشــيعه الأمامية. ولد الحســين (ع), في سـنة 603 ميلادية, وقد اســتشـهد في كربلاء ( غربي يغداد), في (عاشــوراء), اليوم العاشـر من شــهر " محرم الحرام " وهو الشـهر الأول, "الهجري", الموافق لســنة 661 ميلادية, اي ان عمره آنذاك, 65 ســنة. ...يمكن ايجاز تلك المأسـاة كالآتي:
عندما اصـبح معاوية, خليفة المســلمين, عين ابنه يزيد ليرث الحكم من بعده. الا ان مقاطعة الحجاز
الآن ضـمن المملكة العربية الســعودية), رفضـت البيعة الى يزيد, اما العراقيون في الكوفة, عاصـمة الخلافة في عهد امير المؤمنين علي بن ابي طالب (رض), وجهوا الدعودة الى الحســين بن علي (ع), حيث رفـض مبايعة يزيد عندم توليه الخلافة, وطلبوا منه ان يقود الثورة ضـد يزيد, وليكون هو الخليفة للمســلمين.
تكهن الشـيعة الى ان يزيد سـيرسـل بعضاً من اتباعه ليختلطوا مع الحجاج في موسـم الحج في تلك الســنة, لقتل الحســين (ع), والتخلص منه.
لذا, ومن اجل حقن دماء المســلمين في موســم الحج, امتنع الحســين من المشاركة في الحج تلك السـنة, وبسـبب تكهنه بأغتياله, منع اتباععه من الألتزام بأي تعهد. وبعد ذلك توجه نحو الكوفة مع عائلته و لفيف من الرجال الموالين لآل البيت( رضـوان الله عليهم).
القوة المقاتلة مع الحسـين والتي انتشـرت في الصـحراء منعت من التزود بالمياه من نهر الفرات. وفي اليوم العاشــر من محرم الحرام, اغتيل كافة رجال الحسـين, ولم ينجو من القتل سـوى بن الحســين, زين العابدين, (عليهما السـلام), لأنه كان طريح الفراش.
لقد ُمثلَ بجســد الحســين, و اقتادوا النسـاء سـبايا الى" دمشـق" , مع رأس الحســين, محمولا على رأس الرمح,.... وتجولوا به بين الناس في الأزقة.
ان تدمير وابادة عائلة الحسـين, اصبحت موضـوعاً للقصة الموسـومة "مآسـاة كربلاء". ان التشـبث بأعادة سـرد تلك المأسـاة, هـو التخفيف من وقعها المؤلم, ويتم ذلك بتلاوة المواعظ الدينية, وسـرد تلك القصـة المؤلمة لما حلً بابناء رســول الله (ص), في ذلك اليوم, وتجرى مراسـيم معينة, منها الثابت في المسـاجد والحسـينات في كافة المدن في العراق والأقطار الشـيعية الأخرى في مختلف انحاء العالم الأسـلامي, ومنها المواكب المتحركة من مكان معين بأتجاه مكان مقدس آخر بنفس المدينة او اللحج الى المدن المقدسـة مثل كربلاء والنجف والكاظمية, لأحياء ذكرى عاشـوراء, وتتم المراسـيم بترديد الأناشـيد الدينية الي يطلق عليها "الردات" او" الأهازيج الدينية", وقد يصـاحب ذلك صـفوف من ضاربي " زنجيل الحديد" علىالظهر, واضـافة الى ذلك وفي الصـباح الباكر من عشـرة عاشـوراء تخرج زمر "القامة", وهم مجاميع من الذكور من كافة الأعمار يحملون السـيوف والقامات ضـاربين بها رؤسـهم, وتنزف الدماء منها وتسـتمر هذه الحالة لبعض الوقت, ثم يدخلون الحمامات الشـعبية لتضميد الجروح.
ان اسـتشـهاد الحسـين, بالنسـبة للشـيعة, واقعة مؤلمة يندى لها جبين المسـلمين, وقد اعتبرت تلك المأسـاة قصـة نموذ جية تجسـد العدالة التي ثار من اجلها الحسـين وابنائه ( عليهم السـلام), لكي ينتصـر الحق الذي نادى به الأسـلام. ومما يجدر ذكره ان تلك المراسـيم قد منعت ولم يسـمح الا لعدد من المواكب الحسـينية لتخليدها في اماكن مغلقة,.. ولا يسـمح لها بالأنتقال من مكان الى آخر, او السـفر بصـورة جماعية الى المدن المقدسة , الا انها عادت ثانية بعد سـقوط بغداد في التاسـع من نيسـان سـنة 2003.
******
وما أن أنتهى أمحيسن من محاضرته حتى صارت مناحة,واشتغل الدك واللطم!, لفترة قصيرة, ثم هدأت النفوس وطلب أمحيسن العودة لرفاقه,..فأكرموه بمختلف انواع الحلويات الشرقية,..وتقبلها قبولا حسـناً, وقدم الشاب الروسي (آربوزة / ركية ), كهدية لرفاق أمحيسن , وهكذاعاد  أمحيسن ورحب به الزملاء وشكروا الشاب الروسي لكرمه !
*************
في اليوم التالي ,..كان أمحيسن يتسكع على ساحل البحر عند الفجر ,..وقد غمرته السعادة , وراح يراقب قرص الشمس الذي بدا ينشر أشعته رويداً,..رويداً,..ثم بان وكأنه قرص من النار المتوهجة,..مبددة الظلام,..وظهرت المناظر الطبيعية الخلابة ,..فهاجت ذكرى الحبيبة جميلة ,..وتذكر المآسي التي تعرض لها منذ أن سـُلبت منه, وأستلمها المعلم جميل ,..فعاقبها الله على غدرها له,..وتركته  يعيش بين الحقيقة والخيال ,..فالكل ينظر لتصرفاته  بعين الريبة,..ولكن الله الذي رفع هذه الشمس وأنار بأشعتها الأرض,..قديرعلى أن يبعث جميلة مرة أخرى من النجف الأشرف الى سوجي لكي تسبح معه في مياه البحر الأسود وتستنشق النسـيم  العليل,..فهل سيستجيب الله لدعوته؟,.. وهكذا رفع أمحيسن يداه بالدعاء وضل يبسبس بكلمات يتذرع بها لخالقه لكي يزيل عنه الوهم الذي يتصوره حقيقة,..وعلى اية حال, فقد انهار أمحيسن وجلس على الساحل وخلع حذائه ومدد قدميه بالماء لفترة ,ثم أخذته سنة من النوم  فحلم بجميلة وحدثها بشغف وبادلته المودة وتكلم معها عن أمور عديدة ,..فشفقت عليه وودعته بلطف وحنان وراحت تمسد شعره وتقبل رأسه,..ففاق فجأة ليرى صديقته الروسية  بلباس البحر (المايوه), وهي تداعبه,..فنهظ مذعوراً,..فعانقته وتأسفت له على ما سببته من حرامان لأحلامه,..فعاد لوعيه واحتضنها وتبادل معها كل مشاعر الحب ,..ثم حدثته عن الصعوبات الجمة التي واجهتها لحين العثور عليه,..وتعطلت لغة الكلام وحلت  لغة العيون مع تدليكه بأناملها الطرية مصحوبة بالآهات,..وهكذا دب نشاط أمحيسن وفتح المسجل ليسمع صديقته آلـيسا أغنية طالما رددها في صغره:
أغنية تلفتت ظبية الوادي فقلت لها
غناء محمد عبدالوهاب

تــلفتت ظبية الـــوادي فقلت لــهــا
لا اللحظ فاتك من ليلى ولا الــــجيد
ليلى مناد دعــــا ليلى فخف لــــه
نشــــوان فى جنبات الصدر عربيد
ليلى انظروا البيد هل مادت باهلها
وهــــل تكلّم في الــمزمــــار داوود
ليلى نـــــداء بليلى رنَّ في اذني
ســــحر لعمري له فى السمع ترديد
ليلى تردد في سمعي و فى خلدي
كـــــمــا تردد في الايك الاغـــاريد
هــل المنادون اهــلوها و اخوتها
ام المنادون عشــــــــاق مــعــامــيد
ان يشركونى فى ليلى فلا رجعت
جبال نــجــد لــهـم صوتا و لا البيد
اغيرَ ليلايَ نــادوا ام بها هَتفوا
فـــداء ليلى اللـيـالي الخرّد الــغــيد
كسا النداء اســمها حسنا و حببه
حتى كان اســـمها البشرى او العيد
ليلى تــرى أنا مجنون يخيل لي
لا الحي نادوا على ليلى ولا نودوا

                                               

استمتع " أمحيسن " بتلك الرحلة, وتعرف على الكثير من الطالبات الروسيات لأجل تقوية لغتة ، وكانت احداهن مُسـلمة في غاية الجمال ، واخذ منها موعداً للقاء في موسكو,.. ولكن حظ أمحيسن حال دون ذلك , ولم تطل عليه الفتاة وفق الموعد, وظل خيالها يراوده حتى هذه اللحظة ، ويراها كلما سمع صوتاً للقطار!
كان القطار يسير وفق منهج محدد لفترة شهر، ثم يعود إلى "موسكو"بزواره وقد تنعموا بجمال الطبيعة وحوريات البحر، والآن انتهت تلك الرحلة ، وودع كل خِلِ خِلُهُ، ...وعاد الجميع إلى دراستهم.
يتبع في الحلقة / 14 ...مع محبتي !

للراغبين الأطلاع على الحلقة الثانية عشر

http://www.algardenia.com/maqalat/9096-2014-02-25-10-49-29.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

833 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع