اجتثاث النخبة من أساتذة الجامعات العراقية

                                      

                أ. د.ياسر الخفاجي/ أكاديمي عراقي

نشرت وسائل الإعلام خبرا مفاده إحالة التدريسيين ممن بلغوا ألـ (65) عاما على التقاعد من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حيث أشار الخبر إلى إن العدد بلغ حوالي الـ (7000) تدريسي من ضمنهم (2000) ممن يحملون لقب الأستاذية.

يؤسفنا انه وصل حال التعليم العالي إلى ماوصل إليه  برعاية الوزير المدعو علي زندي الملقب بالأديب والذي يحمل شهادة بكالوريوس  مشكوك في صحتها ويحمل شهادة الماجستير في علم النفس منحت له من قبل الجامعة الحوزوية (المستنصرية) وتحديدا من كلية التربية الأساسية على أيدي شلة من أنصاف أرباع المتعلمين تمت مكافأتهم لاحقا بعد استيزار الأديب بإسناد مواقع الصدارة إليهم في ديوان الوزارة والجامعات.
إن استلام منصب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من قبل حزب الدعوة الصفيوني لم يكن اعتباطا وإنما ضمن مخطط  كبير لتدمير البنية الأساسية  للتعليم العالي في العراق بعد أن تم تدمير البنى التحتية الأخرى وصدور قرارات كثيرة آخرها كان اجتثاث الأساتذة.
إن ما ذهب إليه علي الزندي والذي يعتبر نفسه فوق القانون هو للانتقام من هذه الشريحة التي تحملت ماتحملته خلال العقود الثلاثة الماضية حيث حافظت على التعليم العالي من الانهيار في ظل الحروب والحصار الذي عانينا منه جميعا. وتحملت هذه الشريحة مسؤولية الدراسات العليا وتخريج الكوادر الذين تزدهر بهم  جامعاتنا.
لقد عانت هذه الشريحة معاناة مؤلمة في خلال الفترة الماضية فمنهم من خرج طلبا للرزق ومنهم من بقى في الداخل يكتوي بنار الحصار وضيق العيش ومصاعب الحياة وتستحضرني صور عديدة من ذلك الماضي القريب الذي لاأنساه ابدا من هول المأساة... لاأنسى صورة الأستاذ الذي يذهب للمزاد ليعرض أثاث بيته وأجهزته الكهربائية  أو ذلك الأستاذ الذي يعمل سائق تاكسي او ذلك الذي يعمل في أعمال لاتليق بمكانته كأستاذ ومربي...لقد رأيت بأم عيني احد الأساتذة وهو يلبس النعال ويتجول في احد طوابق الوزارة بانتظار مقابلته من قبل لجنة من الوزارة للنظر في منحه إجازة اعتيادية بدون راتب تؤهله للعمل خارج العراق.  
وتحضرني نكتة انتشرت في فترة الحصار بين أوساط الناس حيث ذكر إن أستاذا صعد في باص نوع  تاتا ووقف بين الناس عندما لم يجد مكانا يجلس فيه وبعد مسار الباص جاءه  مساعد السائق ليجمع أجرة النقل فألتفت إلى الأستاذ فقال له ((أجرتك دكتور؟)) فأجابه ((وكيف عرفتني دكتور؟))، فقال له ((إمبين قاطك جديد وحذائك قديم!!)) في إشارة إلى البدلات التي وزعت في عهد النظام السابق لأساتذة الجامعات.
إن الشريحة المستهدفة تتميز بكون معظمهم من خريجي جامعات أجنبية مرموقة يحملون لقب الأستاذية ولهم الخبرة الكبيرة المتراكمة لأكثر من ثلاثة عقود ومعظمهم ممن يجيد لغات أجنبية ولهم باع في التأليف والنشر والتواصل مع الجامعات العالمية.
يبرر هذا الوزير ماقام به من ان لديه فائض من التدريسيين فنقول له هل الآلاف من التدريسيين من مرتبة مدرس مساعد ألحديثي  التخرج سيحلون محل الشريحة المستهدفة  ويعوضون عن التي تمثل العمود الفقري للجامعات العراقية؟. ونذكر هنا ان الوزير الفاشل في حالة كون شهادته صحيحة وهو حاليا طالب دكتوراه فأن مكانه في سلم التعليم العالي هو ان يصبح مدرساً مساعداً لا أن يصبح على رأس هرم التعليم العالي..
ان نَفَسَ اجتثاث هذه الشريحة وغيرها من الشرائح التي تنتظر دورها هو المعمول به والسائد في الوزارة ومنذ تبوأ الأديب المنصب الوزاري فقد لاحظنا إبعاد التدريسيين من أصحاب الخبرة والكفاءة الذين تبلغ أعمارهم أكثر من 50 عام من المناصب والمواقع الإدارية والعلمية ليتم إحلال عناصر حزب الدعوة محلهم. لقد انتهج هذا الحزب العميل سياسة التصفية الجسدية للعلماء وأساتذة الجامعات العراقية سواء كان ذلك قبل استيزار زندي أو فيما بعد.
لقد أمعن الأديب في إذلال الأساتذة من خلال إمكانية تمديد خدمة الأساتذة المشمولين بقرار الإحالة على التقاعد وذلك من خلال سلسلة من الإجراءات تتضمن تقديم طلب التمديد ومستمسكات ووثائق وتقرير طبي صادر من لجنة مختصة.. وبعد كل هذا الجهد المبذول يتم النظر في طلب الأستاذ من قبل مجلس الكلية ومجلس الجامعة حيث يتم اختيار أعداد لاتتجاوز عدد أصابع اليد كما حصل في الجامعات الكبرى ومنها جامعة بغداد... وبعد ذلك ترفع الطلبات الى صاحب المعالي للموافقة عليها، من عدمها ولسنة واحدة فقط قد يتم التمديد الثاني لاحقا اذا كانت هناك حاجة لخدمات التدريسي .
 ان المأساة التي حلت بهذه الشريحة من الأساتذة ليست بقليلة خاصة وأنهم تحملوا عبء سنوات عجاف ضحوا بكل شيء وبوازع وطني متميز من اجل الحفاظ على التعليم العالي قي العراق من الانهيار وسعوا بكل إخلاص للارتقاء بالتعليم العالي في ظل الظروف السيئة التي مر بها بلدنا العزيز ... والمأساة تكون أعظم عندما لايستطيع هؤلاء من التعبير عن معاناتهم بالطرق السلمية الديمقراطية التي كفل بها دستور الاحتلال وذلك خوفا من التصفية الجسدية ومعاقبتهم على نمط ما جرى لمتظاهري ساحة التحرير والمعتصمين السلميين في الحويجة والموصل والفلوجة..... وتكتمل المأساة في ظل العراق الجديد عندما يتم التصويت في مجلس النواب لصالح قرار يتم فيه إحلال الأستاذ الجامعي على التقاعد عند بلوغه ال(65) عام وهذا مايريده الوزير الحاقد على التعليم وعلى الشهادات الحقيقية. كلنا يعلم ان غالبية أعضاء المجلس هم أناس متخلفين أو حاقدين على الشريحة المثقفة لايميزون بين الموظف الذي يشغل وظيفة كاتب والموظف الذي يشغل وظيفة أستاذ فالجميع  يجب إحالتهم على التقاعد تحت ذريعة فسح المجال أمام العناصر الشابة.
وفي الختام نقول ان إبعاد هذه الشريحة عن الأوساط الجامعية هو إبعاد النخبة المتعلمة الواعية التي تعلمت وتعلم دروس الحياة والتي يراد عزلها عن الأجيال الجديدة لكي يتم تنفيذ ماتخططه إيران وأذنابها من عملاء حزب الدعوة المأجورين فهذا هو الهدف الرئيس لإبعاد شريحة العلماء التي ميزها رب العزة في محكم التنزيل بقوله  :
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لايَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزمر: 9]. صدق الله العظيم

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1266 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع