هل الحرب الطائفية من اهداف تنظيم القاعدة الاستراتيجية

                                      

                           د.وليد الراوي

         

هل الحرب الطائفية من اهداف تنظيم القاعدة الاستراتيجية
القسم الاول : تنظيم القاعدة وشيعة العراق

المقدمة:
مع تزايد موجة الاستهداف الطائفي عبر عمليات يشهدها العراق يوميا تنفذها دولة العراق الاسلامية, وما صاحب ذلك من اصدارات كثيرة وبيانات متعددة تتهم فيها الشيعة بالتبعية لايران و بموالات الغرب حتى بات المتابع يظن ان الدخول في اتون الصراع الطائفي اصبح من اهم اهداف تنظيم القاعدة الاستراتيجية.
سيتم االبحث في هذا المقال , متى وكيف اعتبر تنظيم القاعدة ,ان الصراع الطائفي الذي يستهدف " الشيعة" هو احد اهم استراتيجياتها.
لتنظيم القاعدة اهداف متعددة صنف البعض منها على انها اهداف استراتيجية وصنف البعض الاخر على انه اهداف تكتيكية ولكن المتابع لعمل هذا التنظيم يلاحظ ان التنظيم يناور في تسلسل الاهداف واسبقياتها وقد يخلط بين الاهداف فتتراجع اهداف استراتيجية وتتقدم اهداف ثانوية في بعض الاحيان نتيجة ظروف ذاتية وموضوعية.
ومن اهم اهداف التنظيم الاستراتيجية والتي لازال متمسكا بها بالرغم من عدم تيسر الظروف الذاتية لاقامتها هو اقامة دولة الخلافة الاسلامية.
فنرى التنظيم يسعى جاهدا للاعلان عن قيام امارة اسلامية او دولة متى ما استطاع من بسط نفوذه على مناطق محددة وفي بعض الاحيان يترك الامر لحين مساعدة الظروف الميدانية .
يبرز لنا موضوع الصراع الطائفي في العراق وفي مناطق مشتركة العيش بشكل خاص محافظات  " مدينة بغداد ونطاقها, ديالى , بابل , كركوك , صلاح الدين"  وفي غيرها من المناطق لتأخذ اسبقية متقدمة لدى تنظيم القاعدة في العراق.
في بداية مجيئ مقاتلي تنظيم القاعدة الى العراق بعد الاحتلال الاميركي عام 2003 , لم يلاحظ ان التنظيم قد استهدف الشيعة ولم يعلن انه من اهدافه قتال الشيعة بالرغم من ان العقيدة السلفية لها موقف سلبي من الشيعة  ,الا ان الامر لم يصل الى الجانب العملي والتطبيقي في الصراع.
يلاحظ ان اوائل عمليات التنظيم لم تستهدف عامة المواطنين بل استهدفت رموز سياسية شيعي وسنية على حد سواء متهمة بالتعاون مع قوات الاحتلال , فمثلما قتلت القاعدة عز الدين سليم "قيادي في حزب الدعوة" قتل شيخ عشيرة الكرابلة الشيخ اسامة الكربولي .
لم يعثر الباحث في مجمل خطابات أسامة بن لادن والدكتورأيمن الظواهري "خصوصا قبل احتلال العراق" ما يشير إلى موقف عدائي واضح ضد الشيعة، وكان بن لادن متحفظاً في مهاجمتهم ، وهذا دون شك ناتج عن تأثير فكرالاخوان المسلمين على بن لادن ، كما أن بن لادن حاول جاهدا ان يقدم نفسه باعتباره شخصية وحدوية قيادية لجميع المسلمين ضد "الكفار" وهذا يحتم عليه عدم الانسياق وراء نظرة طائفية ضيقة.
اما الدكتور ايمن الظواهري، وبالرغم من اتهامه بانه ينتمي فكرياً وحركياً الى الاخوان المسلمين في مصر, وقد نفى عنه تهمة ذلك في كتابه (فرسان تحت راية النبي صلى الله عليه وسلم)، الا ان الظواهري قد مزج بين الخط العام للاخوان المسلمين في استهداف العدو الخارجي مع خط آخر يمثّله سيد قطب في استهداف العدو الداخلي، الذي يقول عنه الظواهري  (لا يقل خطورة عن العدو الخارجي، بل إنه الأداة التي يستخدمها العدو الخارجي والستار الذي يحتمي وراءه في شن حربه على الإسلام) "استرتيجية المزج بين العدو القريب والعدو البعيد".  
بالرغم من عدم الافصاح عن استهداف الشيعة بشكل مباشر في خطابات الدكتور ايمن الظواهري لكن هذا المزج الاستراتيجي يكون بمثابة اعطاء الرخصة لاستهداف الشيعة وخصوصا في العراق على انهم عدو داخلي يتعاون مع العدو الخارجي ويسعى لتكريس وجوده والمتمثل في قوات الاحتلال الاميركي .
الاستهداف المتدرج:
المرحلة الاولى:
بتاريخ 20/9/2005 اصدر تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين والذي يتزعمه ابو مصعب الزرقاوي بيانا وزع على عدد من مساجد مدينة بغداد, يستثني كلا من التيار الصدري والخالصي وتيار المرجع احمد الحسني البغدادي من الاستهداف بسبب موقفهم الرافض للاحتلال والمناهض لحكومة الجعفري الموالية لقوات الاحتلال الاميركي.
واضاف البيان ,انهم يقفون ضد الاحتلال ولديهم مواقف وطنية ولم يحاربوا اهل السنة في العراق.
يرى الباحث ان هنالك معطيين رئيسيين حددهما تنظيم القاعدة في العراق قد اعتبرت اساس للتعامل مع شيعة العراق هما:-
1.الموقف من الاحتلال الاميركي للعراق
2.الموقف من اهل السنة
في نشرة كتبها احد زملاء ابو مصعب الزرقاوي تحت عنوان " بين يدي أبي مصعب"  قصة يرويها أحد معاوني ابو مصعب.
زمان القصة كما يغلب على ظن الراوي لها أنها بعيد ملحمة الفلوجة الأولى وقبل الثانية, جاء نصها:-
( تلك الفترة التي أعقبت ملاحم أبناء الإسلام في فلوجة العز الأولى لم يكن قد ابتدأ الصدام مع أحفاد ابن العلقمي الروافض.
كان أميرنا أبومصعب تقبله الله قد اشتد به وبصحبه الحال . وضاقت بهم السبل , فقل المال في أيديهم وضعفت السلاحات والعدة , وقد يئسوا مما في ايدي البشر
بعد ان سجل التأريخ تفاصيل أعظم خذلان من أمة لأبنائها.
كانت قوافل الإمدادات لاتقف عن "النجف" , قافلة تلو القافلة تحمل السلاح والغذاء والمال.
بعث مقتدى الصدر رسولا الى ابو مصعب الزرقاوي حاملا عرضا مفاده"  
أنه مستعد أن يمده بكل ماشاء ويحتاج ,المال والرجال والعتاد في مقابل التعاون معه".
عرض على  ابو مصعب الزرقاوي ,أن يلتقي به إن شاء في حمى عرينه أو يقدم عليه "النجف " تحت حمايته) انتهى.
في هذه المرحلة لم يكن من اولويات تنظيم القاعدة في العراق, استهداف الشيعة بالرغم من الحضور العقائدي" الموقف السلفي" الواضح في نفوس اعضاء التنظيم حيال الشيعة نابعا من اصول فقهية.

المرحلة الثانية:

بعد تزايد فعل الميليشيات الطائفية في استهداف مناطق اهل السنة وعلى الاخص في مدينة بغداد ومناطق شمال محافظة بابل وبعض مناطق ديالى بحجة دعمهم للارهاب, كسر تنظيم القاعدة الهدنة التي كان قد وضعها معلنا عن موقف متشدد حيال ذلك, يتلخص في الدفاع عن مناطق أهل السنة والقيام بعمليات انتقامية ضد بعض مناطق الشيعة, وقد اصدر تنظيم القاعدة في العراق رسالة صوتية لابو مصعب الزرقاوي بعنوان " وعاد احفاد ابن العلقمي" حيث توعد الشيعة فيها بالانتقام. وحيال هذا الموقف المتشدد , بعث الدكتورايمن الظواهري عام 2005 رسالة انتقد فيها ابو مصعب الزرقاوي امير التنظيم في العراق (قتل في السابع من حزيران 2007) حول عمليات استهداف مصالح الشيعه في العراق. حيث ذكر الظواهري "ان الهجوم لن يكون مقبولاً لدي جماهير المسلمين مهما حاول الزرقاوي تبرير موقفه، وسيؤدي ذلك الي استمرار النفور، وسيزيد من التساؤلات بين المنتمين للتنظيم، وفي دوائر صناع الرأي حول صحه الصراع ضد الشيعه في هذا الوقت".
كما عارض الشيخ محمد المقدسي أحد أبرز منظّري فكر السلفية الجهادي ,الزرقاوي في تكفير عموم الشيعة وقتلهم، وقال بأنه (لا يجوز تكفير عموم الشيعة).


المرحلة الثالثة:

بعد مقتل ابو مصعب الزرقاوي والاعلان عن تاسيس دولة العراق الاسلامية , اعلن اميرها ابو عمر البغدادي في بيان له الموقف العام من الشيعة وكما يلي:-
يا اهل السنة:-
(الرافضةُ أعداؤكم , تاريخهم وحاضرهم مليء بخيانتكم والتآمر عليكم . لا تثقوا فيهم, وإياكم أن يخدعكم كلامهم المعسول فوراءه مكرٌ كالحٌ بليلٍ أسود).
يرى الباحث, ان هذه المراحل بالرغم من الاختلاف الواضح  فيما بينها وصولا الى المرحلة الاخيرة والتي تعتبر الاعلان الرسمي" الحرب ضد الشيعة" كان للمواقف السياسية دورا حاسما فيها بالرغم من ثبات موقف العقيدة السلفية حيال الشيعة.
اسباب تطور موقف القاعدة الطائفي حيال الشيعة:
1. بالرغم من حالة التضاد الفكري بين الشيعة الامامية والفكر السلفي , الا ان اعلان الحرب وبشكلها العلني الواقع في الوقت الحاضر جاء نتيجة  تداعيات احتلال العراق.
2. بالرغم من تشدد رجال القاعدة من العرب الا ان غالبيتهم قد جاء من بيئة بعيدة عن اجواء الصراع الطائفي حيث لم تشهد مجتمعاتهم مؤشرات تجاذب طائفي.
3. بعد استلام قيادة التنظيم من قبل عراقيين بدا الموقف يتطور بشكل تدريجي وصولا الى العداء الشامل وذلك لسببين مهمين:-
 أ. مجيئ هذه القيادات من بيئة طائفية "سنية".
ب. دخول الميليشيات الطائفية " الشيعية"  على خط الصراع
ج. التدخل الايراني المباشر في الشان العراقي
د. توظيف التصعيد الطائفي في العراق من قبل بعض دول الخليج العربي لعكس نتائجه السلبية على واقع مجتمعاتهم المختلطة وقاية لهم.
4. اصبح لدى قيادة تنظيم القاعدة في العراق قناعة مطلقة بعدم امكانية تطبيق هدفهم الاستراتيجي باقامة دولة الخلافة الاسلامية وذلك لتعقد الموقف الاثني والسياسي في العراق حيث العامل الكردي والعامل الشيعي لذا كان قرارهم بتبني استراتيجية الصراع الطائفي عسى ان يصل الامر الى تقسيم العراق وبذلك ينالون من المنطقة السنية حيث تكون مقرا لدولتهم.
هل الاستهداف المتدرج بسبب موقف عقائدي ام لاهداف سياسية:
في المبحث السابق بين الباحث كيف تطور الاستهداف من حالة صلح وهدنة الى حالة عدا سافر.
هذا العداء كانت له مسبباته وعند كلا الطرفين بالرغم من ثبات الموقف العقائدي من وجه نظر السلفية حيال الشيعة وعدم تغيره نحو المهادنة الا ان الفعل السياسي  خصوصا بعد احتلال العراق ومهادنة غالبية القوى السياسية الشيعية لقوات الاحتلال عدابعض التيارات المقاومة السياسية والدينية الشيعية مثل " التيار الصدري , الحسني البغدادي, الخالصي وغيرهم" ساعد في تصعيد الموقف العدائي ليعاد مرة اخرى الاتكال على الرأي الشرعي في التكفير وبشكل مطلق.

الخلفية الفكرية:
 تعلن الجماعات السلفية الجهادية عن موقفها من الشيعة بشكل  واضح حيث تنعتهم "بالروافض" وياتى هذا الموقف من عمق تاريخي معلوم طرح على ائمة الفكر الاسلامي المتشدد في مذهب "الامام احمد ابن حنبل" وما تلاه من ائمة هذه المدرسة كأبن تيمية وابن قيم الجوزية وصولا الى فكرالشيخ محمد بن عبد الوهاب.
جاء في احد بيانات تنظيم القاعدة في العراق , التي يحاولون بها استذكار الاحداث والوقائع التاريخية وربطها مع الواقع الراهن:-
(أما هؤلاء، فمنهجهم لا يمنع من التعاون مع الصليبيين، لإسقاط مجتمعات أهل السنة، ودولهم، والتأريخ يشهد على ذلك، فالحلف الذي أبرمه الفاطميون مع الصليبيين لمحاربة الخلافة العباسية والدولة الأيوبية إبان الاحتلال الصليبي لبيت المقدس وشطر الشام، حيث قاتل الفاطميون مع الصليبيين ضد المجاهدين آنذاك، وعاضدوهم، وليس ابن العلقمي من التاريخ ببعيد.
وإن الأصل في ذهاب الدول هو ذهاب دينها، ولما أصرت الحكومة السابقة في العراق، على اعتناق العلمانية، ومحاربة الإسلام، ومنازعة الله شرعه، أذن الله بزوالها، أما الأسباب الدنيوية لزوال الحكومة السابقة فهوالتحالف الوثيق بين الرافضة بجميع أطيافهم في العراق، والمحتل الأمريكي قبل الاحتلال وبعده، وتسخير كافة طاقاتهم لتعضيد دعائم الاحتلال في العراق طمعاً في قيام دولةٍ رافضية، فكانت أمريكا تخطط لتنفيذ الاحتلال، والأحزاب الرافضية تخطط لاستثماره، وتوظيفه لإقامة دولتها ولو على حساب دماءٍ تقدم قرابين لهذه القضية
لقد تلاقت مصالح الرافضة الموالين لإيران، مع المصالح الأمريكية في صفقةٍ تمت لاحتلال العراق، لذلك فقد أبدت الرافضة تعاوناً مطلقاً مع القوات الأمريكية، لتسهيل مهمة الاحتلال، وتوظيفه لتحقيق مكاسب سياسية للرافضة الموالين لإيران، لتعيد إيران إمبراطوريتها الفارسية الصفوية، على حساب بلاد الرافدين والجزيرة).
 هذا الموقف " الشرعي" لايتناقض مطلقا مع موقف تنظيم القاعدة حيال الشيعة سواء في العراق او الباكستان او في افغانستان, في حين يلاحظ على صعيد التطبيق العملي موقف يختلف باختلاف التكيتيكات والظروف التي تفرضها كل ساحة على انفراد, فنرى في الساحة اليمنية لم نشهد صراعا حادا بين تنظيم القاعدة والحوثيين بل نراهم يتفقون سوية في محاربة دولة الوحدة اليمنية وفي دعمهم لقوى الانفصال الجنوبي.
وخلاصة القول , ان موقف تنظيم القاعدة حيال الشيعة كما يعلنه التنظيم ( انه لافرق عندنا بين رافضة ايران الصفوية وبين غيرهم من رافضة العرب , كرافضة العراق ولبنان والشام فدين الرافضة واحد  واصولهم وان تفرعت واحدة ومركزهم ومرجعياتهم واحدة, وعدائهم لاهل السنة هم نفس العداء ).
الاهداف الاستراتيجية للصراع الطائفي :
1.كسب عموم اهل السنة الى جانب تنظيم القاعدة واقناعهم بانهم القوى الوحيدة المدافعه عن وجودهم امام الاستهداف الحكومي المدفوع باجندة طائفية.
2.اضعاف السلطة السياسية في العراق واثبات فشلها
3.افشال مشروع الاحتلال الاميركي في العراق ومشروع الشرق الاوسط الجديد
4.استقطاب طائفي واسع ليشمل منطقة الشرق الاوسط كله
5. جر العراق الى اتون حرب طائفية , ياتي مشروع التقسيم احد اهم نتائجها وبذلك حققت القاعدة هدفها الاستراتيجي في اقامة الخلافة الاسلامية على جزء من ارض العراق
6. ستشهد المرحلة القادمة حملة استهداف طائفي كبير وذلك في محاولة لوضع الحدود الفاصلة بين السنة والشيعة تناغما مع ما يجري في سوريا من حرب طائفية مباشرة.

الدكتور
وليد الراوي
باحث في شؤن تنظيم القاعدة

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

264 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع