انتهاء أم إنهاء؟ قراءة نقدية في مهام يونامي بالعراق.

 ذو النورين ناصري زاده

انتهاء أم إنهاء؟ قراءة نقدية في مهام يونامي بالعراق.

لعل من صواب القول التصريح حول إنه ليس من قبيل التدقيق اللغوي وحده أن نتوقف عند التسمية المتداولة لما جرى بخصوص بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، بل إن التسمية هنا بوابة لفهم الجوهر السياسي لما حدث. فبين الانتهاء والإنهاء مسافة شاسعة، ليست لغوية فحسب، بل دلالية وأخلاقية وسياسية.

أولًا: في الفرق بين الانتهاء والإنهاء
الانتهاء توصيف لحالة طبيعية تكتمل فيها الغاية، وتُغلق الدائرة بعد تحقق الأهداف. أما الإنهاء فهو فعل إرادي، قرار يُتخذ من جهة ما لقطع مسار لم يبلغ غايته، أو لإسدال ستار على ملف لم تُستكمل فصوله. وعليه، فإن القول بـ«انتهاء مهام يونامي» يفترض ضمنًا أن المهمة قد أُنجزت، وأن الأسباب التي استدعت وجودها قد زالت، وأن الأرضية السياسية والإنسانية والقانونية في العراق باتت مستقرة بما يكفي لطي الصفحة.
غير أن الواقع العراقي، بكل ما فيه من شواهد حية، يدحض هذا الافتراض من أساسه.
ثانيًا: مهام لم تنتهِ وملفات لم تُغلق
إذا كانت يونامي قد جاءت في سياق أزمة بنيوية: حرب، احتلال، انقسام سياسي، هشاشة مؤسسات، انتهاكات حقوقية، ونزوح جماعي، فهل يمكن الادعاء اليوم بأن هذه العناوين قد أُزيلت من المشهد؟
المخيمات ما تزال قائمة، وإن غُيّرت تسمياتها. والمهجّرون لم يعودوا جميعًا إلى ديارهم، وإن أُغلقت بعض الملفات إداريًا. والملفات الساخنة—من العدالة الانتقالية، إلى السلاح خارج الدولة، إلى الإقصاء السياسي، إلى الانقسام المجتمعي—لم تبرد، بل أُرجئت، وكأن الزمن كفيل بإطفائها دون معالجة.
فأي انتهاء هذا، إذا كانت المسببات باقية، والنتائج مستمرة، والجرح مفتوحًا وإن غُطّي بضماد الخطاب الرسمي؟
ثالثًا: ما الذي أُنجز فعلًا؟
السؤال الجوهري الذي ينبغي طرحه: ماذا أنجزت يونامي لتُنهي مهامها؟ هل أُنجزت مصالحة وطنية حقيقية؟ هل أُعيد الاعتبار الكامل لحقوق الضحايا؟ هل عاد المهجّر إلى أرضه دون خوف أو ابتزاز أو وصاية؟ هل استعاد العراق سيادته الكاملة على قراره السياسي والأمني؟
إن الإجابة الصادقة عن هذه الأسئلة لا تقود إلى نتيجة واحدة مكتملة، بل إلى مشهد ناقص، متشظٍ، أقرب إلى إدارة أزمة منه إلى حلها.
رابعًا: الإنهاء كقرار سياسي لا كحصيلة طبيعية
من هنا، يصبح الأدق توصيف ما جرى بأنه إنهاء لمهام يونامي، لا انتهاء لها. إنه قرار سياسي، تلاقت عنده مصالح أطراف عدة: أطراف دولية رغبت في إغلاق ملف مُكلف، وأطراف محلية سعت إلى رفع الغطاء الدولي عن ملفات لم تُصفَّ بعد، أو إلى إعادة تعريف الأزمة بوصفها شأنًا داخليًا خالصًا، ولو على حساب الحقيقة.
فالإنهاء هنا لا يعني الشفاء، بل يعني وقف التشخيص. لا يعني الحل، بل يعني رفع اليد. وهو—في جوهره—نقل للأزمة من فضاء الرقابة الدولية إلى فضاء الغموض المحلي.
خامسًا: ولصالح من؟
السؤال الذي يُرجأ دائمًا: لصالح من تم هذا الإنهاء؟ هل هو لصالح الضحايا؟ أم لصالح من أرهقته الأسئلة الدولية؟ هل هو لصالح الدولة، أم لصالح قوى الأمر الواقع التي تفضل العمل بعيدًا عن الأضواء؟
إن الأيام—لا البيانات—هي التي ستكشف ما خفي. وستُظهر إن كان هذا الإنهاء خطوة سيادية شجاعة، أم مجرد إعادة ترتيب للمشهد بما يُبقي الجذور على حالها ويغيّر العناوين فقط.
ليس الخلاف على كلمة، بل على حقيقة. وليس الجدل حول صياغة، بل حول مصير. فالعراق الذي ما زال يعيش مخلفات البلاء، لا يمكن إقناعه بأن المهمة قد انتهت، بينما الوقائع تصرخ بأن ما جرى هو إنهاء مُبكّر لملف لم يُغلق.
وسيظل السؤال معلقًا: هل أُنهِيت مهام يونامي لأن العراق تعافى، أم لأن الحقيقة باتت عبئًا على من لا يريد سماعها؟.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1113 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع