
ا.د .ابراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث المتمرس جامعة الموصل –العراق

ما أوردته المصادر الإنكليزية عن مواقف عرب الامارات من الصراع الانكلو- هولندي في القرن السابع عشر
وكثيرون، لا يعرفون ان (عرب الامارات) هم من وضعوا نهاية للنفوذ الهولندي في الخليج العربي، بعد الانتصار الحاسم الذي أحرزوه عليهم سنة 1766 بقيادة الشيخ الأمير مهنا بن ناصر الزعابي 1796-1735 احد ابرز حكام بندر ريق واحد القادة الذين كان لهم دور بارز في الخليج العربي في القرن الثامن عشر والذي سماه الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي امير الشارقة ب (الامير الثائر ) ، وأدى الى سقوط آخر معاقلهم وهو حصن جزيرة خرج (خارج ) ، وعندئذ انتهت حركات هولندا في الخليج العربي.
وكم كنت سعيدا بتكليفي بكتابة مقال عن هذه الحادثة المهمة التي تختصر موقف عرب الامارات من طبيعة الصراع الإنكليزي –الهولندي في فترة حاسمة من فترات التاريخ الحديث.
وطبعا ما اريد التركيز عليه ، هو ما كتبته المصادر الإنكليزية عن هذا الحادث المهم ، وعن طبيعة ما جرى من صراع على هذه المنطقة الحيوية من العالم.
وحتى نستطيع ان نضع الموضوع في اطاره الزمني والمكاني لابد ان نقف قليلا عند تفاقم الاطماع الإنكليزية ، والهولندية في هذه المنطقة والصراع السياسي والعسكري حولها وخاصة في النصف الأول من القرن الثامن عشر ، وما قدمه عرب الامارات ومن كان يمثلهم آنذاك تجاه هذا الصراع.
الخليج العربي، منطقة حيوية مهمة في العالم، ويمتلك الخليج العربي عمقا حضاريا، وله قيمة سياسية، واقتصادية ، وثقافية كبيرة. وقد كان لقرون طويلة، ميدانا للصراعات المحلية، والإقليمية، والدولية. وهو ما يزال حتى يومنا هذا.. ويقع الخليج العربي في جنوب غرب قارة آسيا على شكل ذراع بحري يتصل طرفه الجنوبي بخليج عمان فالبحر العربي فالمحيط الهندي. والخليج العربي عبارة عن منخفض مائي ضحل المياه نسبيا يبلغ متوسط عمقه حوالي (91) مترا ويزداد العمق في الشرق وكلما تقدمنا جنوبا حتى يصل بالقرب من مضيق هرمز حوالي 1100 مترا. اما باقي الأقسام الغربية فيقل العمق حتى يصل الى حوالي (307) مترا. ويبلغ طول الخليج العربي حوالي ( 990) كم ويتراوح عرضه بين (47) كم عند مضيق هرمز وحوالي (340) كم في أوسع امكنته .ومساحته الكلية تبلغ حوالي (240000 كم مربع ويضم الخليج نسبة عالية جدا من احتياطي النفط في العالم .
والخليج العربي ومنذ القرن السادس عشر كان محط انظار قوى دولية عديدة . يقول الأستاذ الدكتور صالح محمد العابد في كتابه عن (دور القواسم في الخليج العربي 1747-1820)وصدر عن مطبعة العاني ببغداد سنة 1976 ان النصف الأول من القرن الثامن عشر تميز بإنفراد قوتين اوربيتين تجاريتين في المنطقة هما هولندا وبريطانيا والملاحظ ان أيا منهما لم تكن تمتلك تفوقا حاسما كالذي مارسه البرتغاليون خلال القرن السادس عشر لكن الهيمنة البرتغالية اقتربت من نهايتها في أوائل القرن السابع عشر وكان لعرب عمان في عهد اليعاربة دور في تدهور قوة البرتغال البحرية وإزالة هيمنتهم في جهات الخليج وبذلك خلا الجو في تلك الجهات من الخليج العربي لكل من الإنكليز والهولنديين .
وكلما مضى الزمن ازدادت أهمية الخليج العربي وأهله، ومنهم عرب الامارات لم يكونوا بعيدين عن حماية منطقتهم فعرب الامارات واليعاربة والبو سعيد وبنو كعب أسهموا في تشكيل وصياغة تاريخ الخليج العربي ومنذ سنوات بعيدة واثبتوا انهم ليسوا بأقل من غيرهم وعيا وادراكا وقدرة وغيرة على امتلاك ارادتهم وبلورة الموقف التاريخي الذي يتطلبه الواقع منهم. ويقينا ان لظهور النط واستثماره قوى عندهم هذه الإرادة واعطاهم الأدوات المناسبة لخلق دول موحدة وقوية وحديثة
لقد شهد النصف الأول من القرن السادس عشر احداثا كثيرة دارت في منطقة المشرق العربي وفي منطقة الخليج كان لها اثارها الواضحة في جذب الدولة العثمانية الى هذه المنطقة الحيوية من العالم ومن هذه الاحداث الغزو الاستعماري الأوربي المتمثل أولا بالبرتغاليين فضلا عن ظهور الدولة الصفوية الفارسية في بلاد فارس وكانت المواجهة بين البرتغاليين والعثمانيين وبين العثمانيين والفرس الصفويين .ولا اريد الدخول في تفاصيل المواجهة تلك اكن أقول ان دولة اليعاربة في عمان تولت مسؤولية الصراع ضد البرتغاليين ونجحت في عهد حكامها الأوائل وخاصة ناصر بن مرشد 1624-1649 وسلطان بن سيف 1649-1668 وسيف بن سلطان 1692-1711. وكان ميناء كنجان الصغير على الشواطئ الشرقية من الخليج العربي آخر معقل للبرتغاليين دمره العمانيون سنة 1695.
الفترة بين سنتي 1747 -1765 من تاريخ الخليج العربي تميزت بإزدياد نشاطات الهولنديين في المنطقة. والأستاذ الدكتور عبد الأمير محمد أمين المؤرخ العراقي المتخصص بتاريخ الخليج العربي الحديث وقف في كتابه الموسوم ( المصالح البريطانية في الخليج العربي 1747 -1778 ) ونشره مركز دراسات الخليج العربي في جامعة البصرة سنة 1977 عند النفوذ الهولندي والصراع الانكلو هولندي في الخليج العربي 1747-1765 واعتمد على وثائق بريطانية منها (مشاورات بومبي العامة Bombay Public Consultations ) ، ويشار اليها ب B.P.C ،وتعد هذه السلسلة الإنكليزية بعد (يوميات بندر عباس ) أي Gombroon Diary ، مصدرا ثرا للمعلومات فيما يتعلق بالخليج العربي كما انها تضم مشاورات حاكم ومجلس بومبي من سنة 1704 فصاعدا وتضم هذه السلسة (32) مجلدا تتناول الفترة من 1746 الى 1780 وكلها تأتي تحت السلسلة 341 والمجلدات 15-47 وتحتوي على فهارس. وتضم السلسة خلاصات للرسائل التي كانوا يستعملونها في البصرة وبندر عباس وأماكن أخرى في الخليج العربي وكذلك الرسائل المرسلة من بومبي بالهند الى تلك الأماكن فضلا عن القرارات والاوامر المتعلقة بشؤون الخليج العربي.
Bombay Political. Secret and Select Committee Consulation
ثمة حقيقة مهمة اشارت اليها المصادر الإنكليزية هي ان انهيار النفوذ الفارسي في الخليج العربي بعد تعاظم النفوذ العثماني ووقوع بغداد والبصرة تحت السيطرة العثمانية دفع العاملين في (شركة الهند الشرقية) البريطانية الى اتباع سياسة اكثر فاعلية في المنطقة . وكما يشير الدكتور عبد الأمير محمد امين في كتابه آنف الذكر فإن النفوذ الهولندي كان في خمسينات القرن الثامن عشر اقوى مما كان عليه منذ منتصف القرن السابع عشر، فقد تميزت نشاطاتهم نشاطات الاوربيين الاخرين وكذلك نشاطات عرب المنطقة ومنهم عرب الامارات.
طبعا خسارة البرتغاليين ل(هرمز) سنة 1622 كانت بداية لدخول الهولنديين والانكليز منطقة الخليج العربي واسواقه وقد اكتسب الهولنديين في البداية معقلا لهم في الخليج العربي نتيجة لأعمالهم المشتركة مع الإنكليز لكن سرعان ما ابتدأ الصراع الانكلو – هولندي عندما نقلت شركة الهند الشرقية الإنكليزية وكالتها في الخليج العربي الى بندر عباس (غمبرون ) بعد سنة 1622 وقد رفض الهولنديون دفع الرسوم الكمركية لهم ولم يمض وقت طويل حتى أصبحت المحطة التجارية الهولندية في بندر عباس اكثر نشاطا ونجاحا من الإنكليز وبدأوا يتاجرون بالسكر والتوابل والاقمشة القطنية الهندية والنحاس والحديد في منطقة الخليج العربي. وهكذا اصبح الهولنديون مع بداية القرن السابع عشر القوة البحرية السائدة في الخليج العربي والمحيط الهندي.
الأستاذ احمد خليل عطوي في كتابه (دولة الامارات العربية المتحدة.. نشأتها وتطورها) ، وصدر عن (المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ) ، في بيروت سنة 1981 ؛ قال ان الخليج العربي يُعد الجانب الأيمن للوطن العربي ، والنافذة التي يطل منها على بلاد آسيا .. وما يزال الممر الثاني بعد البحر الأحمر الى بلاد جنوب وشرق آسيا وهو نقطة اتصال عالمية تجارية في المنطقة ، وان الإنكليز والهولنديين اول من ظهر على مسرح التنافس والصراع الأوربي على الهند ، وبدأوا يزاحمون البرتغاليين و( اللورد لاندزدون ) ، هو من حدد السياسة البريطانية في الخليج العربي سنة 1905 وقال ان حجر الزاوية في السياسة البريطانية في الخليج العربي هو انه ،وفي الوقت نفسه الذي نعادي فيه فتح منفذ للتجارة الدولية ، الا اننا نقاوم أي محاولة من جانب الدول الأخرى للحصول على موقع قدم على سواحله للأغراض البحرية او العسكرية ويقينا ان هذه هي السياسة البريطانية الحقيقية التي انتهجها الإنكليز في الخليج العربي منذ أواخر القرن السادس عشر بعد ان استطاعوا مزاحمة البرتغاليين وطردهم من هذه المنطقة وقد اتبعوا السياسة نسها مع الهولنديين عندما وصل اسطولهم الى الهند في بحثه عن المكاسب التجارية ومن ثم اتجهوا نحو الخليج واشترك الاسطول الإنكليزي مع الاسطول الهولندي في منازلة الاسطول البرتغالي وهولندا لم تكن اقل جشعا من غيرها لذلك اتخذ الصراع الإنكليزي الهولندي مظاهر عدة ،فتارة يظهر بمظهر المنافسة التجارية وتارة أخرى كان يبدو على صورة الاصطدامات العسكرية المحدودة وطورا على صورة التحالف السري مع أعداء الطرف الاخر واستمر هذا حتى سنة 1652 حين وقعت حروب طاحنة في اوربا بين الإنكليز والهولنديين واستمرت سنتين عمدت خلالهما هولندا الى توسيع رقعة القتال فنقلته الى ما وراء البحار حيث استطاع الهولنديين اثبات قوتهم في الهند والخليج العربي وسكتت بريطانيا على مضض ولكن الى حيت وهذه الحالة لم تستمر طويلا بين الدولتين اذ ما لبث الاختلاف والتنافس بينهما ان انقلب الى تحالف وذلك بسبب ظهور منافس جديد لهما هو النفوذ الفرنسي .ولم يهدأ للإنكليز بال الا بعد ان سيطروا على مياه الخليج العربي وعمدوا سنة 1820 الى عقد المعاهدات مع الشيوخ وهذه المعاهدات أعطت للوجود البريطاني سندا قانونيا تعاقديا ومنذ ذلك الوقت اطبق على الساحل الغربي للخليج اسم ساحل الصلح او ساحل الهدنة او الساحل المتصالح .
اذا عدنا الى الوثائق الهولندية التي تخص عرب الامارات، امكننا القول انها تشكل أهمية خاصة فهي تزخر بالمعلومات النفيسة التي لا تقدر بثمن حول مجموعة مختلفة من الموضوعات المتعلقة بالمنطقة ومنها على سبيل المثال (جلفار ) وهي ( رأس الخيمة) في وثيقة هولندية يعود تاريخها الى سنة 1634 م ضمن نص يشير الى عرض لتقديم المساعدة الى العرب الذين كانوا يقاتلون البرتغاليين هناك وتؤكد المذكرة الى وصول سفينة من رأس الخيمة محملة بالسكر سنة 1646 م .
وثمة روايات مهمة موجودة في الوثائق الهولندية تتعلق ببروز حكم القواسم. فقد ورد ذكر الشيخ رحمة بن مطر على انه امير جلفار –رأس الخيمة بعد ستة 1718 بقليل عندما برز دوره في حصار جزيرة هرمز كما اشير اليه مرة أخرى سنة 1728 كأحد اغنى واكثر التجار العرب نفوذا وحاكم لجلفار . وبعد ذلك بسنوات عديدة اكدت الوثائق الهولندية ان نادر شاه حاكم فارس اعترف بالشيخ رحمة على انه الحاكم الشرعي والوريث لجلفار 1740.
اما تيدو فردريك فان كنيبهاوزن ، المقيم في وكالة شركة الهند الشرقية الهولندية في جزيرة خارج وصف جلفار على انها " مدينة كبيرة محصنة على الطراز المحلي ، وانها مزودة ببعض المعدات الحربية ، وتسكنها قبيلة من الهولة تدعى القواسم " .واضاف ان هناك اكثر من ( 60 ) سفينة معظمها كبيرة ومزودة جيدا بما تحتاجه كانت تبحر حتى ميناء مخا .
المهم ان الهولنديين صاروا في الربع الأول من القرن السابع عشر بفضل ما امتلكوه من معلومات وخرائط واطالس بحرية ورسومات وبيانات "سادة القرن السابع عشر" وتولوا مركز القيادة حتى سنة 1675.
ولكن قوة الهولنديين ضعفت نتيجة للحرب الثلاثية التي قامت بينهم وبين الإنكليز والفرنسيين مع حلول الخمسينات من القرن الثامن عشر ونتيجة لمنافسة الإنكليز ضعفت سيطرة شركتهم شركة الهند الشرقية الهولندية على وكالاتهم في بو شهر والبصرة وبندر عباس نتيجة لمنافسة الإنكليز ولزيادة الضرائب التي فرضها عليهم حاكم بو شهر والعلاقات المتدهورة مع العثمانيين فكان ان اغلق الهولنديين تلك الوكالات سنة توجهوا نجو جزيرة خرج بعد اتفاق مع مير ناصر الزعابي 1735-1769 من قبيلة ( الزعاب) حاكم بندر ريق ، وعمل الهولنديون على تقوية مكانتهم هناك بتشييد (حصن) ، و( وكالة) لهم .كما سيطروا على كل النشاطات الاقتصادية المختلفة التي كان يقوم بها السكان العرب المحليون ومنها صيد اللؤلؤ .
في سنة 1747 كان المقر التجاري الرئيس للهولنديين ما يزال في ميناء بندر عباس .كما كان لهم مكان آخر يمارسون فيه نشاطاتهم وهو ميناء البصرة .وكانوا يتاجرون بصورة رئيسية بالسكر ، والفلفل ، والحديد ، وأنواع مختلفة من التوابل الا ان الهولنديين انسحبوا مؤقتا في شباط سنة 1751 من بندر عباس لأسباب أمنية ، لكنهم عادوا بعد فترة قصيرة بعد تحسن الأوضاع .وفي تشرين الثاني – نوفمبر سنة 1752 وصلت سفينة هولندية كبيرة الى بندر عباس من ) باتافيا( ، وهي تحمل موادا تجارية ، ومعها قوة عسكرية كبيرة . والهدف كان إقامة المقر التجاري الهولندي مرة أخرى في ولايتها السابقة اقصد ( بندر عباس ) مظهر ورمز عظمتها . وقد جلبت كميات من السكر والتوابل و(60) بالة من البضائع والملابس الصوفية طبقا لرسالة من بندر عباس مؤرخة في 20 من كانون الثاني – يناير سنة 1753 وكما يلي : F.R.Letters .etc.Vol.16.Letter from Bandar Abbas .Jan 20 1753. ومهما يكن من امر فإن الهولنديون أصيبوا بخيبة أمل والسبب هو ان الإنكليز بدأوا بتركيز اهتمامهم على فرص التجارة في هذه المنطقة واخذوا ينافسون الهولنديين وكانوا يرسلون البضائع ويبيعونها ارخص مما كان الهولنديين يبيعونها .
كان المقر التجاري الهولندي في البصرة سنة 1752 تحت إدارة واشراف البارون نبهاوسن Baron Kniphausen ولم يكن محبوبا عند الأهالي وكثيرا ما كان يتشاجر مع التجار ويتدخل في شؤون المسؤولين المحليين والعثمانيين وقد أقدمت سلطات البصرة على طرده وتغريمه مبلغا من المال واتهمه العثمانيون بأنه يتحرش بنساء البصرة وهذا ما كتبه الإنكليز في الرسالة التالية :
F.R.Letters etc. LETTER FROM Basra . Oct. 1-12.1752 .Jan .17.1753 المهم ان (نبهاوسن ) ترك البصرة واتجه الى جزيرة خرج وهي جزيرة قاحلة تقع على بعد حوالي (30) ميلا الى الشمال الغربي من أبو شهر ويسكنها آنذاك حوالي (100) من صيادي السمك الفقراء وكانت خرج وبندر عباس تعودان الى حاكم اسمه المير ناصر وقد اتصل البارون نبهاوسن بمير ناصر وحصل منه على موافقة تعطيه الحق في إقامة مقر تجاري للهولنديين في جزيرة خرج لقاء ايجار سنوي ويذكر الرحالة الألماني كارستن نيبور Niebuhr ويبدو -كما يقول الأستاذ الدكتور علاء موسى كاظم نورس في كتابه ( أحوال بغداد في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ..دراسة لمختارات مما كتبه الرحالة الأجانب ) وصدر عن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد سنة 1990 ؛ ان مير ناصر وافق على ذلك لقاء مبلغ سنوي .
والمعروف ان لنيبور ، اتصالات بالهولنديين في منطقة الخليج العربي ، وانهم هيأوا له بعض مستلزمات تنقلاته في هذه المنطقة. وقد زار (مركزهم) في جزيرة خارج ، وهي جزيرة ذات أهمية في الخليج العربي تبلغ مساحتها عشرة اميال مربعة ، وهي قاعدة كانت مناسبة لكافة الأغراض العسكرية والسياسية والتجارية ،لذلك سعت القوى الطامعة لاحتلالها ، وكان الهولنديون في مقدمتهم حيث فرضوا سيطرتهم عليها سنة 1752.
لقد استطاع نيبور ، بعد ان مكث في جزيرة خارج مدة شهرين ان يجمع معلومات دقيقة جدا عن منطقة الخليج العربي بشكل خاص سواء تلك المتعلقة بالأوضاع السياسية أو الاجتماعية ، والاقتصادية ، وكذلك السكانية بما في ذلك تفصيلات عن مواطن القبائل العربية. كما رسم خريطة للخليج العربي ظلت هي أفضل ما رسم للخليج العربي حتى نهاية القرن الثامن عشر. وهذه الخريطة لها أهمية تاريخية، إذ تبين منازل القبائل العربية المخلفة على شواطئ الخليج العربي. ويمكن في هذا الصدد مراجعة كتابه الموسوم:
Voyage en Arabie Amstrdam .1776 : Descriptionde LArabie .Amstrdam .1774.
ويشير آيفز ان مير ناصر تخلى عن سيادة الجزيرة وهذا امر كان سببا لنزاع بين الطرفين .كل هذا كان من باب التكهنات فلم يطلع احد على طبيعة الاتفاق لكن نبهاوسن استمر في صراعه مع والي البصرة حتى انه ارسل سفينتين من سفنه الكبيرة لفرض الحصار في شط العرب واستولى على عدة زوارق حربية وسفينتين من البصرة محملتين بمواد تجارية وهذا ما دفع العثمانيين في البصرة للدخول في مفاوضات مع الهولنديين سنة 1754 وانهيت المشكلة وبدأ الهولنديين بتركيز جهودهم على تشييد وتحصين مقرهم التجاري في خرج وكان طموحهم اكبر من ذلك وهو انهم أرادوا بسط نفوذهم على أجزاء أخرى من الخليج العربي .
كتب المقيم البريطاني في البصرة الى مجلس إدارة شركة الهند الشرقية ، يقول انه يشعر بالقلق لتزايد النفوذ الهولندي واحتمال امتداده الى مناطق أخرى من الخليج العربي . وقد كتب المقيم البريطاني في البصرة شو Shaw وكما جاء في الرسالة التالية:
Letter from Basa . Jan .7.1754
الى ان ما بناه الهولنديين ، ليس مقرا تجاريا بل حصن عظيم ، وان المير ناصر ، سوف يدرك خطورة ما اقدم عليه.
وفي رسالة أخرى مؤرخة في أيار سنة 1755 كتب المقيم البريطاني شو ؛ ان موطن صيد اللؤلؤ سيوفر للهولنديين مصدرا للدخل يبلغ حوالي مليون ونصف الى مليوني روبية . الإنكليز ايضا سواء في بومبي او لندن أدركوا ان الهولنديين ، سيتوسعون باتجاه مسقط وهي من اهم المراكز التجارية في الخليج العربي آنذاك. لذلك قرروا على وجه السرعة إقامة مقر تجاري بريطاني في بندر ريق لإيقاف التوسع الهولندي ، وطلبوا من العاملين ، تبني سياسة اكثر حزما في الخليج العربي ، ووجهوا رسالة واضحة موجودة في سجلات الوثائق وكما يلي :
Despatches to Bombay .Vol.1.Letter to Bombay
March 31.1756
وفي 4 أيار –مايو سنة 1757 ، أرسل مجلس إدارة شركة الهند الشرقية في بومبي امرا شديد اللهجة يتضمن وجود الدفاع عن مصالح البريطانيين في الخليج العربي ووجوب متابعة كل تحركات الهولنديين بإهتمام. وتنفيذا لتلك الأوامر الصادرة اصبح على العاملين مراقبة التحركات الهولندية بإهتمام بالغ وتوفير المعلومات المهمة عن نشاطات الهولنديين خاصة فيما يتعلق بمقرهم التجاري في جزيرة خارج .
وهنا يمكننا القول ، وبعد مراجعة ما كتبه الإنكليز ان المصدر الرئيسي للمعلومات عن النفوذ الهولندي كان المقيم البريطاني في البصرة شوShaw ، والمقيم البريطاني في بندر ريق اف . وود F.Wood
كما كتب الدكتور ادوارد آيفز Ives ، الذي زار الجزيرة في سنة 1758 ، تقريرا مهما موجودا في كتابه الموسوم :
A Voyage from England to India in the year 1754 :also .A Journey from Persia to England by an Unusual Route .(London. 1773)
وصف فيه التحصينات الهولندية في جزيرة خرج ونشاطات الأمير مهنا الزعيم العربي وكان تقريره موضع احترام وقبول في لندن وبومبي .وكتب نيبور C. Niebuhrالرحالة المعروف عن هذه الاحداث في كتابه :
Travel Through Arabia and other Countries in the East . trans by Rober Heron . Beirut.2Vols
، وكان موجودا في الخليج العربي بعد فترة وجيزة من ابعاد الهولنديين من خارج ، كما سبق وزار ابراهام بارسنز Parsons (الصفحات 192-194) من كتابه :
Travels in Asia and Africa (London .1808)
الخليج العربي بعد عدة سنوات .وزار وود Wood المقيم البريطاني في بندر ريق جزيرة خارج عدة مرات في الفترة من 1755-1756 وفي بعض المرات امضى هناك عدة أيام من 6-15 نيسان –ابريل سنة 1756 حيث قام بإعداد تقرير طويل جدا وشيق تضمن معلومات مفصلة عن تجارة المقر وتحصينات الجزيرة والقوات البرية والبحرية الموجودة فيها وطرق الإدارة والمستودعات التي كانت تعج بالبضائع من كل صنف وان الجوخ ذي الأنواع المختلفة وتحدث عن احتكار الهولنديين لكل أصناف التجارة وقال ان تحصينات الهولنديين كلفتهم الكثير وان الدفاع عن الجزيرة كان يتم من خلال مراكب تحمل مدافعا فضلا عن الزوارق المسلحة والتي تطبق قذائف زنة الواحدة ثلاثة ارطال وكان في الجزيرة خندق عميق للدفاع وهناك قوات برية تتألف من الاوربيين والارقاء الافارقة وقدم وصفا لهم مع وصف أسلحتهم .
Gombroon Diary.V.8. Letter from Wood to the Agency. May 3.1765: Ives. Pp212-213
في تقرير بريطاني وردت إشارات الى ان البارون نبهاوسن قرر ان يستوطن مرة أخرى في جزيرة خرج ومعه مجاميع من الهولنديين واتخذ قرارات بدعوة مواطنين مسيحيين من البصرة بالقدم الى خرج ومنحهم أموالا وفكر في جلب (80) اسرة من الصين للاستيطان في الجزيرة وابعاد العرب من الجزيرة لكن الفشل حالفه في كل هذا كما فشل الهولنديين في كثير من مشاريعهم التجارية ولم يستطيعوا توسيع نفوذهم ومن جاء الى الجزيرة قليل من الأرمن ومن الفرس وغادر الجزيرة معظمهم وأشار الوكيل البريطاني في تقريره سنة 1761 الى ان "هناك شخصان فقط في الجزيرة يمكن ان ندعوهما تجارا أولهما يهودي ، والأخر فارسي .الاول احتكر تجارة السكر والتوابل في سوق البصرة بينما احتكر الثاني معظم ما يذهب الى فارس " .
Gombroon Diary .Vol.13 . Letter to the Presidency.Dec.24.1761
فشل الهولنديون في الاستفادة من مقرهم التجاري في جزيرة خارج ويعزى فشلهم الى سببين أولهما يتعلق بطبيعة شركة الهند الشرقية الهولندية وعدم قدرتها على القيام بمشارع ضخمة ولأسباب مالية وثانيهما طريقة تعامل العاملين في هذه الشركة الفظة مع الأهالي واعتراض الأهالي والقوى المحلية على ما يقوم به الهولنديين من اعمال وصراعهم مع شيخ أبو شهر وانسحابهم من الميناء في مستهل سنة 1754 وكان الهولنديون قد رفضوا ان يدفعوا لمير ناصر الايجار الذي اتفقوا عليه كما تدخلوا في نزاعات مير ناصر الاسرية فساندوا ابنه الأكبر مير حسين ضد ابنه الأصغر مير مهنا .
وكما هو معروف ، فإن ( مير ناصر الزعابي ) قتل في صيف سنة 1754 قتله ولده الأصغر الامير ( مهنا بن ناصر الزعابي 1735-1769) اعتراضا على اتفاقيته مع الهولنديين والتي سلبت سيادة الجزيرة ، وجعلتهم يتحكمون في مقدراتها ، وكان الهولنديون يناصرون مير حسين ويشجعونه على استمرارية الخلاف وقد قتل مير حسين سنة 1756 قتله مير مهنا واستبدلت الحكومة الهولندية البارون نبهاوسن سنة 1759 بشخص آخر اسمه ( فان دير هولست Van der Hulst ) .
تولى ( مير مهنا ) إدارة شؤون الجزيرة مهنا بن ناصر الزعابي 1735- 1769 . ويعد من ابرز حكام بندر ريق ، واحد صناع التاريخ في الخليج العربي خلال القرن الثامن عشر حتى ان الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة لقبه ب(الأميرالثائر) في روايته التي تناول فيها حياة هذا الأمير . وترتبط حياة هذا الأمير بالأحداث التي شهدتها منطقة الخليج العربي خلال المدة من 1785 الى 1740 م . تذكر المصادر المتداولة ان سفنه كانت تجوب الخليج العربي ومعاركه البحرية لها سمعتها وشهرتها وكثيرا ما كان الإنكليز يصفونه بأنه (قرصان بندر ريق) . وكما جاء في انسكلوبيديا ويكيبيديا الالكترونية ورابطها التالي :
https://ar.wikipedia.org/
فإن التقارير الإنكليزية تشير الى ان مير مهنا بن ناصر الزعابي قام بطرد المستر (وود Wood ) من بندر ريق سنة 1756 وعلاقة مير مهنا مع شيوخ المنطقة ومنهم شيخ بو شهر وشيخ كعب لم تكن جيدة وكان ينظر للإيرانيين والانكليز بإستخفاف .في أيلول – سبتمبر سنة 1765 احرز الكثير من الانتصارات حتى انه تقدم وحاصر أخيه الشيخ ناصر في بوشهر .وارسل في 28 آذار –مارس سنة 1762 ، قوة من (200) مقاتل لمهاجمة المقر التجاري الهولندي في خرج ونجحت القوة في الاستيلاء على زورقين حربيين هولنديين لكنهم فشلوا في السيطرة على المقر.
قام مير مهنا في صيف سنة 1762 بمحاصرة الجزيرة بزوارقه الحربية واعتراض سبيل مواصلاتها مع البر الرئيس بصورة فاعلة وقطع طريق الاتصال بين الهولنديين وأبو شهر وفكر الهولنديون بترك مقرهم ومغادرة الخليج العربي واستبدلوا (فان دير هولست) سنة 1762 ب(بوشمان Buschman ) كما يقول نيبور Niebuhr وتوصل بوشمان الى اتفاق مع مير مهنا ولكن بوشمان استبدل ب(فان هاو تنك Van Hauting) وكان هذا جاهلا بتقاليد العرب في المنطقة وتدخل في نزاع بين مير مهنا وشيخ أبو شهر حيث ساند شيخ أبو شهر وهاجم مير مهنا الا ان مير مهنا نجح في انزال الهزيمة بهما وكانت هذه الحادثة عاملا من العوامل التي شجعت مير مهنا على مهاجمة حصن خرج في كانون الأول سنة 1765 وفي وقتها حقق الانتصار ، واجبر الهولنديين على الاستسلام ووضع رجال الحامية بالقوة على ظهر احدى السفن المتجهة الى باتافيا .
كانت القوة التي مع مير مهنا ، حوالي (500) مقاتل والحصار استمر (13) يوما وقيل ان عدد المقاتلين الهولنديين 200 ومعهم قوات من أبو شهر تبلغ 200 وفي الحصن كان عدد الاوربيين قرابة (70) مقاتلا. وفي منتصف ليلة 31 كانون الأول –ديسمبر سنة 1765 تسلقت القوات العربية الاسوار واقتحمت الحصن واستسلم من كان فيه من الاوربيين وعددهم يتراوح بين 60-70 شخصا.
وكانت هذه الحادثة خاتمة مؤلمة بالنسبة للهولنديين ليس في جزيرة خرج فحسب بل في كل الخليج العربي.
لكنها بالنسبة لعرب الخليج كانت تعد الحادثة الأولى التي وضعت حدا للنفوذ الأوربي المتمثل بالهولنديين.
تعرض الأمير مهنا الى حركة تمرد باركها الإنكليز وعدد من الشيوخ العرب. وخلال ليل ال (26) من كانون الثاني – يناير سنة 1769 وبعد ان وجد عدم التكافؤ بينه وبين المتمردين انسحب متوجها نحو البصرة في قارب صغير صحبة (20) من اتباعه. وفي البصرة رحب به متسلمها العثماني لكنه وبناء على أوامر من والي بغداد غدر به واعتقله وأعدمه شنقا في منتصف ليلة 21 آذار - مارس سنة 1769م
فيما يتعلق بأسباب ضعف الهولنديين في الخليج العربي ، والذي أدى الى خروجهم فهي ان الاحداث التي شهدتها هولندا وانشغالها بالحرب مع فرنسا خلال عهد لويس الرابع عشر كانت فرصة استفاد منها الإنكليز خاصة وان شركة الهند الشرقية الهولندية فقدت دعم الحكومة الهولندية والذي كانت تتلقاه طيلة القرن السابع عشر وهذا الضعف أدى الى تلاشي قوتهم وسطوتهم في منطقة الخليج العربي وكان عاملا من عوامل تراجعهم امام حركة المقاومة العربية التي ابتدأت منذ سنة 1595 وتمثلت بمهاجمة السفن الهولندية وكان مما ساعد على تفاقم المقاومة العربية وازدياد ضغطها شعورهم ان الهولنديين يناصرون الفرس ويمكنونهم من توطيد اقدامهم في بعض مناطق الخليج العربي .
وانا اكتب عن ما أوردته المصادر الإنكليزية عن مواقف عرب الامارات من الصراع الانكلو – هولندي ، لابد ان اقف عن ما كتبه ج.ج. لوريمر J.G.Lorimer في كتابه الموسوعي (دليل الخليجGazetteer of Persian Gulf Oman and Central Arabia.(Reprinted .Holland .1970 .
، وهو يتألف من قسم جغرافي وقسم تاريخي وترجم الى اللغة العربية من قبل قسم الترجمة بمكتب امير دولة قطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني وهو ادق واهم مصدر عن جغرافية وتاريخ الخليج العربي وما يتعلق بذلك من صراعات واحداث.
وجون غوردن لوريمر John Gordon Lorimer هو موظف بريطاني كان يعمل في حكومة الهند البريطانية ويعد من ابرز الجغرافيين والمؤرخين الموسوعيين الذين تحدثوا عن منطقة الخليج العربي في مطلع القرن العشرين حديث خبير ومطلع وقد ترجم كتابه (دليل الخليج الفارسي ) باسم ( دليل الخليج ) الى اللغة العربية كما ذكرت آنفا . والدليل Gazetteer ليس الا مجموعة من التقارير اعدها موظفون ومسؤولون للحكومة البريطانية في الهند وكان هو من ابرز هؤلاء الموظفين وقد اعد الدليل ليكون مرجعا للمسؤولين الإنكليز في تعاملهم مع وجوه ورؤساء ورموز وافراد القبائل والامارات والمسيحات في الخليج والجزيرة العربية والعراق وهو – بحق- موسوعة متفردة مهمة ومرجع لاغنى عنه للباحثين والمهتمين وطلبة الدراسات العليا في التاريخ والسياسة والجغرافية والاقتصاد والاجتماع والانثروبولوجيا ونجد فيه وصفا جغرافيا وتاريخيا لما هو في الخليج ولما شهده الخليج من احداث مهمة منذ بواكير التواجد الأوربي وحتى مطلع القرن العشرين .
يكتب لوريمر J.G.Lorimer في موسوعته (دليل الخليج) وبعنوان (الهولنديون في الخليج 1722-1763) ، ان الهولنديين كانت لهم قبل احتلالهم جزيرة خارج ، وكالتان الأولى في بندر عباس والثانية في البصرة ، وكان موقفهم مع الأهالي اكثر انسجاما من موقف الإنكليز وما كان تخليهم عن هرمز الا نتيجة تدخلات الإنكليز ، وكثيرا ما كان الإنكليز يفُسدون على الهولنديين خططهم. في سنة 1753 م ، وبناء على مشورة من البارون نيبهاوزن Kniphausen وهو ضابط بروسي خدم في جيش بلاده وجيش فرنسا وكان في هذه الآونة يعمل في (شركة الهند الشرقية الهولندية) ، اخذت الساسة الهولندية في الخليج العربي مسارا آخرا وبعد طرد البارون نيبهاوزن من البصرة حيث كان يشغل وظيفة (المقيم ) ، زار جزيرة خارج ، واكتشف بأنها تحتل موقعا استراتيجيا وتجاريا مهما لذلك اتصل بالمير ناصر الزعابي شيخ بندر ريق ان يعطيه كتابا يمنح فيه الجزيرة لشركة الهند الشرقية الهولندية واخذا الوثيقة وتوجه الى باتافيا
Batavia . وباتافيا ، هي مدينة تقع على الساحل الشمالي لجزيرة جاوة في إندونيسيا وكانت تعرف باسم جزر الهند الشرقية الهولندية .وباتافيا عندئذ كانت (مستعمرة هولندية) مهمة ، وكان لها دور كبير في التجارة الهولندية في المحيط الهندي . ومنها ُيدار النفوذ الهولندي السياسي والاقتصادي الهولندي في الفترة موضوعة البحث.
في باتافيا ، استطاع البارون نيبهاوزن ، أن يُقنع السلطات الهولندية بأن احتلال جزيرة خارج ، فرصة يجب اغتنامها ويحتمل ان ذلك تم سنة 1752.
وفي 21 أيلول – سبتمبر سنة 1753 ، وصلت السفينة الهولندية (فورشن) الى بندر عباس انتظارا للبارون نيبهاوزن عندما يعود من باتافيا وكانت هناك سفينة هولندية أخرى دخلت الخليج العربي في الشهر السابق ولم ترجع بعد .وفي 6 من تشرين الأول –أكتوبر سنة 1753 وصل البارون نيبهاوزن الى بندر عباس على ظهر السفينة (جتروت) وهي سفينة كبيرة ظلت راسية لتتمون حتى 11 تشرين الأول – أكتوبر 1753 ثم ابحرت متظاهرة التوجه الى بو شهر وكان على ظهر السفينتين جتروت ، وفورشن حمولة كاملة من الرجال المسلحين والذخيرة والاخشاب وبعد أيام قليلة مرت سفينتان هولنديتان صغيرتان بجوار بندر عباس دون التوقف فيها وكان يظن بأنهما محملتان بالمعدات الحربية .
كان الإنكليز يعتقدون ان الهولنديين عزموا اما على غزو البصرة او الاستيلاء على البحرين لكن الذي حدث ان الهولنديين توجهوا نحو جزيرة خارج وكان ذلك في كانون الثاني – يناير سنة 1754 وقد استقروا في الجزيرة وحصنوا موقعا لهم في شمال شرقي الجزيرة وانضم اليهم ممثل هولندا في بو شهر وكان على خلاف مع الشيخ مير ناصر شيخ بو شهر ولم يمض زمن طويل على وصول البارون نيبهاوزن الى جزيرة خارج حتى احتدم الخلاف بينه وبين المير ناصر بشأن موضوع احتلال الهولنديين للجزيرة هل هو مقابل دفع ايجار ام بدون ايجار واستمرت المشاكل والعداء بينهما لسنوات عديدة .
أقام الهولنديين في جزيرة خارج تحت امرة البارون نيبهاوزن يقول (لوريمر) سنة 1756-1758 وفي سنة 1756 زار المستر وود المقيم البريطاني الساحل المقابل لجزيرة خارج وظل هناك من يوم 6 الى يوم 15 نيسان –ابريل 1756 ومن هناك ارسل تقريرا مهما الى الوكالة البريطانية في بندر عباس أشار فيه الى ما سمعه وشاهده .وقد ارسل مع التقرير مخططا عن (الحصن الهولندي) الذي تهيأت له " الفرصة الكافية للحصول على بياناته بكل دقة " .
أشار لوريمر الى ان الحامية العسكرية الهولندية مؤلفة من (60) مقاتلا ومعهم (100) من العبيد الافارقة المسلحين بالسيوف والدروع وفيما يتعلق بالقوة البحرية فكانت عبارة عن سفينة فيها (10 ) مدافع على عربات و(6) مدافع تتحرك دائريا على محور وزرق آخر يحمل (6) مدافع عيار (3) ارطال يحمل (6) مدافع عيار (3) ارطال و(4) مدافع متحركة . والدفاع عن المدينة يتمثل في وجود خندق بدون سور واحد طرفيه مفتوح باتجاه البحر وكانت هناك مخازن فيها مواد من قبيل السكر والدهن والأرز والجلود والبهارات والمنسوجات وثمة زوارق تستخدم لصيد اللؤلؤ وكل هذه الأمور كانت تتم بسرية كاملة وعلم المستر وود ان الهولنديين انفقوا الكثير على تحصين الجزيرة وكانت نيتهم تهجير (80) اسرة من الصين الى الجزيرة ومن ثم طرد سكانها العرب وفي سنة 1758 زار الدكتور ايفز ، ورفاقه الجزيرة وهم في طريقهم من الهند الى اوربا ، واستضافهم الهولنديين هناك من 31 اذار –مارس الى 19 نيسان -ابريل 1758 ووجدوا ان الإدارة الهولندية تتألف من البارون نيبهاوزن رئيسا والمستر بوزمان نائبا له ومع بوزمان زوجته والمستر روبنجسون الملازم في البحرية الهولندية والمستر نيقولي المحاسب والمستر بنكي ملاحظ العمال . وكان الحصن الهولندي مبني من الحجر وعلى هيئة مربع وبه (32) مدفعا وامام البوابة مقابل البحر تبة مثلثة الشكل بها (12) مدفعا عيارها من 6-18 رطلا .اما حامية الحصن فكان قوامها (100) جندي اوربي .وقد بدأ الهولنديون في إقامة حائط من الشمال العربي الى الجنوب الشرقي خلف المدينة .كما أقيم برج مثلث عند طرف الحائط جهة الشمال الغربي وكان هناك ميناء صغير فيه حاجز أمواج من الحجر لحمايته من الرياح الجنوبية وبه موقعان او ثلاثة كل منها مسلح بستة او ثمانية من المدافع المحمولة .
لوريمر ؛ قال ان البارون نيبهاوزن كان يهتم بأمر المسافرين البريطانيين ويعمل من اجل تحويل طريق رحلتهم عبر الصحراء من الكويت الى حلب وكان على صلة بشيخ الكويت . كما كان دائم السؤال عن (أجراس الغوص ) وغيرها من الأجهزة المصنوعة في بريطانيا مما يساعد الغواصين على البقاء تحت الماء أطول فترة ممكنة .وقد عهد الى الدكتور ايفز ان يشتري له من بريطانيا مكتبة من جميع فروع الأبحاث الى جانب بعض الآلات العلمية وغيرها وقد قام الرجل بما عهد اليه .
بقي البارون نيبهاوزن في خرج حتى سنة 1758 ثم عاد الى باتافيا وخلفه في عمله المستر (فان در هولست ) الذي كان مساعدا له في البصرة .لوريمر يقول ان الحرب بين الهولنديين وزعيم بندر ريق استمرت طوال سنتين ونصف وذات مرة ارسل المير مهنا سفينتين بحريتين وحمل عليهما ديكة ودجاجا تصيح بقصد التمويه ونجحت السفينتان في الاستيلاء على سفينتين هولنديتين كانتا ترسوان تحت مدافع حصن خارج وقد تمكن المير مهنا من النزال الى الجزيرة ومعه (100) من رجاله ولكن الهولنديين تصدوا له فعاد .وقام الهولنديون بإحكام السيطرة واقاموا سورا يحمي بعض المباني والمخازن داخل المنطقة المحصنة ومن الطريف أن المستر فان در هولست احتمى بالإنكليز وترك عمله وعاد الى اوربا عن طريق بومباي لأنه لم يعد محل رضى (حاكم باتافيا ) ، فعين الهولنديين مكانه ( المستر بوشمان 1761-1763 ) ، وقال عنه الرحالة نيبور انه كان حاد المزاج ولكنه استطاع ان يقيم علاقات طيبة مع العرب وعندما ارسل المير مهنا رجلا من رجاله على رأس جماعة مسلحين للتباحث مع بوشمان بشأن مستقبل الجزيرة اقدم بوشمان على اجراء استعراض لقواته وليظهر للمير مهنا ان الحصن الهولندي منيع لا يمكن احتلاله .
أخذ الصراع الهولندي – البريطاني ابعادا سياسية واقتصادية وعسكرية ، وأصيب الهولنديين بالخسارة التجارية وتحت وطأة هذا التنافس دعم الإنكليز مير مهنا وفي الثالث من شباط – فبراير سنة 1759 رحل جميع موظفيهم في سفينة تاركين مبنى الوكالة في رعاية مترجم لهم وقد اتخذ رجال الوكالة البريطانية من مباني الوكالة الهولندية مقرا مؤقتا لهم وبدأت أوائل سنة 1760 مفاوضات بين رئيس الهولنديين في خارج لكن ذلك لم يحصل ولم يعد الهولنديين يتحركون لمنافسة الإنكليز.
يقول لوريمر ان الهولنديين فقدوا خارج سنة 1766 عندما تورطوا في مناوشات مع المير مهنا في بندر ريق وكانوا حتى ذلك الحين يتحاشون ذلك وفي بداية السنة التالية 1767 استسلم حصن الهولنديين في خارج للمير مهنا الذي استبسل من اجل تحرير الحصن وطرد الهولنديين منه ومن سائر الجزيرة ولم تحاول الحكومة الهولندية او شركة الهند الشرقية إعادة تأسيس وكالتها هناك ربما لشدة الخطر المحيط بهم ، ولقلة فائدتها التجارية.

1008 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع