تحت المجهر ( إنحسر الطوفان وكشف عن ضعفنا و خسة الكيان)

موفق الخطاب

تحت المجهر(إنحسر الطوفان وكشف عن ضعفنا و خسة الكيان)

بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وانقشع غبارها الكثيف الذي غطّى سماء غزة لعامين ، تبيّن للعالم أن ما جرى لم يكن مجرّد مواجهة عسكرية، بل كان منعطفًا كاشفًا أعاد الوعي الإنساني إلى جذره الحقيقي، وفضح زيف الرواية الصهيونية التي تغذت على الكذب والتزييف لعقود من الزمن.

لقد جاءت نتائج طوفان الأقصى لتكشف للعالم حجم المظلومية التاريخية التي يعانيها الشعب الفلسطيني منذ أكثر من سبعين عامًا، ولتسقط صورة “الضحية” التي حاول الاحتلال تسويقها لنفسه عبر آلة إعلامية ضخمة، حولت الجلاد إلى مظلوم، والمظلوم إلى معتدٍ. غير أن مشاهد المجازر، والدمار، والأشلاء المنتشلة من تحت الركام، قلبت الموازين وأعادت الحقيقة إلى نصابها.

سقط القناع عن وجه نتنياهو وحكومته، كما سقط من قبله عن كل من بنى كيانه ونظامه على العدوان والدماء. فقد رأى العالم بأسره و بأمّ عينه إجرام هذا الكيان ودمويته، حين استهدف الأطفال والنساء والصحفيين والمستشفيات ودور العبادة والمخبمات بلا رادعٍ ولا ضمير.
لم تنجح حملاته الدعائية في إخفاء الحقائق، لأن صور المجازر كانت أبلغ من كل خطابٍ إعلاميٍّ مزيف.

ورغم هول الفاجعة التي نزلت بغزة من عشرات آلاف الشهداء وأضعافهم من الجرحى والدمار الهائل الذي أصاب كل بيتٍ وزاوية فإن المنتصر الحقيقي ظلّ هو شعب غزة الصامد، الذي خرج من تحت الأنقاض مرفوع الرأس، مؤمنًا بأن النصر لا يُقاس بموازين القوة المادية، بل بثبات الموقف وعدالة القضية.

وفي المقابل، تكبّد الكيان الصهيوني خسارة استراتيجية وأخلاقية غير مسبوقة. فقد تهاوت صورته أمام الرأي العام العالمي، وتراجعت مكانته السياسية، وتحوّل من “نموذج للديمقراطية” كما كان يزعم وتسوق له من خلفه أمريكا واداراتها المتصهينة إلى نموذجٍ للإبادة والوحشية.
كما أدّت هذه الحرب إلى تحول لافت في الموقف الدولي، إذ اضطرت العديد من البرلمانات الأوروبية تحت ضغط شعوبها إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية رسميًا، ورفع العلم الفلسطيني فوق أراضيها، في مشهد رمزي مؤثر يعكس تبدّل الوعي الغربي تجاه جوهر الصراع.

ولم تتوقف النتائج عند ذلك، فقد وجّهت محكمة العدل الدولية اتهاماتٍ صريحة إلى المجرم نتنياهو ومسؤولين آخرين بارتكابهم جرائم حرب وإبادة جماعية، في سابقة تاريخية كشفت أن الإفلات من العقاب لم يعد مضمونًا، وأن زمن تزييف العدالة قد ولى إلى غير رجعة.

كما أظهرت الحرب بما لا يدع مجالاً للشك أن الصهاينة ليسوا أعداءً للفلسطينيين وحدهم فحسب ، بل هم خصوم لكل من يسعى إلى العدالة أو يحاول التعامل معهم بسلام أو تطبيع أو حياد.

فقد امتدت يد العدوان إلى حتى من اتخذ من الحياد موقفا كما جرى في الاعتداء السافر على دولة قطر التي لم تفعل سوى أداء واجبها الإنساني والإعلامي في كشف الحقائق والدفاع عن المظلومين وقبلت ان تجري المفاوضات على اراضيها.
لقد برهنت تلك الحوادث أن طبيعة هذا الكيان قائمة على العدوان، وأنه لا يحترم ميثاقًا ولا عهداً، ولا يرى في الآخر إلا خصمًا ينبغي إخضاعه أو إسكات صوته.

إن طوفان الأقصى لم يكن مجرّد معركة عسكرية، بل زلزالًا أخلاقيًا وسياسيًا غيّر معادلات القوة والوعي في المنطقة والعالم.
فقد أعاد إلى الواجهة أحقية الشعب الفلسطيني في أرضه، وأحيا ضمير العالم من سباته الطويل، وأثبت أن المقاومة ليست فعلًا عدوانيًا بل دفاع مشروع عن الوجود والكرامة.

وحين وضعت الحرب أوزارها، أدرك العالم أن النصر الحقيقي لا يُقاس بعدد القنابل أو الدبابات والاغتيالات بالمسيرات وايقاع المزيد من الضحايا، بل بثبات المظلوم على حقه.
وغزة، رغم الجراح والركام، خرجت منتصرة بالكرامة والعقيدة والصمود وتعاطف كل شعوب العالم معها ، فيما خرج خصمها مدانًا بالعار ومزيدا من الإحتقار . وهكذا ستظل هذه الحرب شاهدًا على أن الحق لا يُهزم، مهما طال ليل الاحتلال..

وأخيرا هل سيكتفي وينكفئ الكيان الصهيوني وينصاع الى جادة الصواب ويقبل في حل الدولتين رغم جوره أم سيستغل ضعف وهوان وتفكك الأمة وسكوتها على غطرسته ليستأنف عدوانه في المناطق الرخوة من الدول المحيطة به ويتعداها الى الدول التي تشكل خارطة اسرائيل الكبرى ؟؟

كما يتوجب على من يدير غزة والقطاع ان يتخلوا عن الاعتماد على ايران وادواتها ومحورها الذي اثبت زيغه وفشله ويعرفوا حجمهم الحقيقي و يتعاملوا بالواقع و بحكمة وبعد نظر والتبصر في مآلات الأمور والتصرف على ضوء المعطيات والامكانيات وتجنيب الشعب الفلسطيني المزيد من الويلات مع عدو لا يأبه بارتكاب كل المجازر والموبقات ..
هكذا أصبحنا أمة منزوية لا تقرر ولا تبادر بل تترقب و تتنظر..

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

876 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع