البراءة في السجن


ضرغام الدباغ / برلين

البراءة في السجن

كتبت في كتابي" قمر أبو غريب كان حزيناً "، أن الذاكرة تحتفظ بصور مؤسفة كثيرة، ولكني أركز على تلك المشرقة الجميلة، ولكني أؤكد أن هناك صور غير مشرقة، واليوم سأكتب واحدة منها وهي خاطرة مسلية ولكنها لا تخلو من العبرة .. وبالطبع هذا هو الهدف الأساسي من كتابتها، فأنا لست ممن يبحثون في رصد الثغرات ومواقع الضعف ..
بعد حرب الكويت 1991 ببضعة شهور صدر عفو يشمل السجناء في قسم الاحكام الخاصة، والعفو طبق ببطء، ربما بسبب تشكيل اللجان المختصة بتطبيقه، وتفسير المواد المشمولة وغير المشمولة. وحدث أن أحد ضباط الأمن، ولست متيقناً إن كان ذلك أجتهاداً منه أو من اللجنة المنفذة للعفو .. فبلغوا السجناء أن يكتب كل منهم إقراراً بأنه سوف لن يعود لأرتكاب ما فعل وحكم بسببه.
أنطلق السجناء (معظمهم) فأشتروا دفاتر وأقلام، وأنكبوا على الأرض يكتبون ويكتبون ويكتبون ... وبعضهم كتب صفحات، وبعضهم بالغ في التعبير عن ندمه، وأنه قد غرر به من قبل (...) وبعضهم مضى يشتم الحركة الفلانية، والشخصية الفلانية... وبعضهم(الأكثرية منهم) غير متعلمين والكثير منهم أميون، راح يستكتب غيره، ثم يأتي بالورقة ويعرضها علي.." ما رأيك دكتور .. ؟". وأنا بالطبع لا يمكنني أن احرضه على عدم الكتابة، ولا أريد أن أصحح أو أنصح، وبعضهم كان يعرض للسلطات خدماته ...! وآخرون كتبوا بما تشبه البراءة المفصلة .. وبعضهم يعتقد أنه كلما بالغ في الكتابة، فحضه في الشمول بالعفو أكبر ..وهكذا صارت مأساة ملهاة ..!
والمدهش أن ضباط الأمن أخذوا الأوراق ومزقوها وقالوا " هذا كلام زائد .. المطلوب سطر واحد أتعهد بأن لا أعود إلى ارتكاب الجرم الذي ارتكبته ". فقط ولا كلمة أكثر ..
كان لي صديق من المشمولين بالعفو وفي تقديري أنه إنسان محترم، ومناضل، فنصحته " أن كلمات قليلة بسيطة تكفي ولا تبالغ في المدح والقدح فليس هذا هو المطلوب ".
نظر إلى شزراً وقال مقطباً جبينه " دكتور هاي لأنك غير مشمول بالعفو وراح تبقى بالسجن ...! "
عند بعض الناس النضال والمناضل مثل قميص يلبسه ويخلعه ويغسله عن الضرورة ...! ومن خبرتي في الحياة أن أشخاص كهؤلاء موجودون دائماً ... والعياذ بالله ...!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

610 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع