حين يصاب الوطن بالتبلّد

 د.سعد العبيدي

حين يصاب الوطن بالتبلّد

في العراق، نختلف عن غيرنا في التعامل مع الخطأ؛ إذ إن أخطاءنا لا تُرتكب وتُصلَح، بل تتحوّل إلى أعراف مستديمة تحكم السلوك العام وتُطبع في ذهنية الدولة والمجتمع. تحدث الكارثة، تمرّ الفضيحة، يُدان السياسي أو البرلماني، وربما يُحكم عليه، ثم يُعفى، ويُترك الباب مشرعًا أمامه ليعود مرشحًا في الانتخابات، التي يكسبها بقوة المال المسروق، والنفوذ الطائفي، والجاه السياسي. لا لأن الناس تنسى، بل لأن الوجدان الجمعي ذاته يبدو وكأنه قد أُصيب بما يشبه الخَدَر العاطفي.
حالة اضطراب نفسي يمتد اثرها من المجتمع إلى مفاصل الدولة نفسها. فالمسؤول يرى الصورة معتمة، تتصاعد فيها التهديدات الأمنية، لكنه يستعين بغير المؤهلين، وكأنه لا يدرك خطورة ما يراه. ويرى التعليم ينهار، عندما تُخرّج الجامعات أجيالًا من الأميين يطالبون بوظائف دون كفاءة، فيزيدون العبء على اقتصادٍ يتآكل من الداخل. ويرى المؤسسات العسكرية تقبل في صفوفها من لا يُجيد القراءة، رغم علمها أن حروب العصر والتحديات القادمة ترتكز على المعرفة والتكنولوجيا. وفي ملفّي الماء والكهرباء، هناك من يرى ويُحذّر، لكن الدولة تقف عاجزة، وكأنها لا تسمع.
إنها حالة من الخدر المؤسسي، نوع من اللامبالاة يقترب من حدود الإنكار، أو ما يمكن تسميته بـ التبلّد الانفعالي المزمن، حيث تتجمّد المشاعر وتتوقف ردود الأفعال، ويصبح التدهور أمرًا اعتياديًا... حالة تقود إلى سؤال مصيري: إلى أين يمضي وطنٌ يعيش في سبات الخدر؟
وتقود إلى استنتاج قوامه: إذا استمرت هذه الحالة، فإن القادم سيكون أشدّ ظلمة. سيفقد المواطن إحساسه بالقيمة، وسيقبل الظلم كقدر، ويغدو الفساد "واقعًا" لا يُقاوَم. وستنهار الثقة تماما، وتترسّخ اللاجدوى، ويستبدل الناس أمل التغيير بعبارات يائسة مثل: "لا فائدة". وستتحوّل الدولة تدريجيًا إلى كيانٍ أجوف، غير قادر على الإصلاح، لأن قادتها المخدرون باتوا هم أنفسهم جزءًا من المشكلة.
وكلما تأخرنا في الصحو، اقتربنا من نقطة اللا عودة... حيث لا يُجدي الإصلاح، ولا تُثمر الثورات، ولا تعود الحياة لما كانت عليه.
إنه الخدر أو التبلد، حين يتسلّل إلى وجدان أمة بأكملها، فيحوّلها من كيان نابض بالحياة إلى جسدٍ بارد لا يتفاعل، لا يشعر، ولا يُقاوِم. وإن لم يُكسر هذا الجمود في القريب، فقد لا يبقى في الغد شيءٌ يمكن إنقاذه.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

803 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع