أنور أبوبكر كريم الجاف
باحث اكاديمي
"رواتب برائحة الخيانة… حين تُوزَّع الأعناق وتُحجب الأرزاق "
بعد ثلاثة أشهر من العبث، ومواسم من الصمت، وأعيادٍ مرّت دون فرح، خرج علينا جماعة الطرطور وسخام الوجوه، وطيز اللگن، ومؤخرة الجدرية، وأصحاب الأختام البطاطا والمطاطية، يُبشّرون اليوم أهل كردستان كما يُبشَّر الأموات في قبورهم، بأنه تقرر صرف راتب شهر آيار، وذلك بعد أن ذاب العظم واهترأت الكرامة وتشققت الأرواح من طول الانتظار.
جوقة من الرؤساء الذين لا يُرأسون، وشرذمة من السادة الذين لا يُسودون، يجتمعون منفردين ومتفرقين، متحذلقين، متزحلقين، متآمرين ومتخاذلين، لبحث ملف رواتب الإقليم والنفط الناقم؛ لا بدافع الواجب ولا بروح الإنصاف، بل وكأنهم يداوون السرطان بضماد، ويحقنون الوجع بإبرة من مُخدر الخداع والتلاعب بعقول الجياع!
فخامة منْ بلا فخامة، ومعالي منْ بلا معنى، وسيادة منْ بلا سيادة، وسعادة منْ بلا سعادة، وحضرة من لا حضرة له… جميعهم وقفوا يتباهون بأنهم “أطلقوا الرواتب” لشهر آيار الماضي، وكأنهم حرروا القدس، أو شقّوا الفرات بماءٍ عذب، أو أعادوا المفقود من وطنٍ تمزق بين أنياب الطوائف ومخالب المصالح.
رواتب؟ نعم… لكن بعد أن تُرك الموظف الكوردي عالقًا في شباك المجهول، يُطالب بمستحقات الخمسين شهرًا منذ عام 2014، خمسون شهرًا من الاستقطاع، من المماطلة، من الابتزاز، من الجوع المقنن، والذلّ المُشرعن، والمصير المعلَّق المعفَّن على خيوط كذب الخلاف والدجل السياسي، وكأن الموظف عبدٌ يُحسن الظنّ بسيده، فيُكافأ بالجَلد بدل الأجر.
ويخرج علينا “نكرة في مقام المعرفة”، قزمٌ في هدبة هيبةٍ مزوّرة، ليتفاخر بأنه “أنجز المهمة”، وكأنّ قطع خلايا العسل من جبال كوردستان كان أيسر من دفع الراتب المستحق! وما فعل إلا تلميع وجهه للانتخابات في سوق الخزي والعار على منصة الذلّ بين تصفيق المنتفعين وصفير الأتباع والأذيال …!
فلا بارك الله لكم، ولا خلّف الله عليكم، في رواتب يُذلّ بها الناس، ولا في حكوماتٍ تتاجر بالبشر كما تُتاجر بالوقود، ولا في أنظمةٍ قطعت الأعناق والأرزاق معًا، وداست على الخبز والكرامة بذات الحذاء الذي تُقبّل به الأبواب الخارجية.
ولا يقل أحدٌ إن هذا هجوم أو إسقاط، فمن يدّعي ذلك فهو مشارك في أكبر جريمة سياسية واقتصادية وإنسانية في هذا العصر، منقطع النظير، قذر الجذر، لا يغسله بحر ولا يطهّره مطر. ومن يتقول بذلك، فكل موظف في الإقليم هو خصمه يوم الدين، خصمه وخصم أولاده وأحفاده وذريته إلى يوم القيامة، حتى يُردّ الحق لأهله، وتُقفل مزابل التسويف والتواطؤ.
أيها المتحذلقون المتحزلقون…
لا تتفاخروا بما ليس لكم، فالنفط ليس لأبيكم حتى يكون إرثًا لكم، والرواتب ليست مِنّة، وكوردستان والعراق ليستا عبيدًا في قافلة تجار القرار.
ولولا تدخل الولايات المتحدة بمصلحتها، لا برحمتها، لكان النفط قد قُطع ومرّ شذر مذر، ولانتهى ما تبقى من وحدةٍ شكلية تتقاسمونها باسم الدستور، وأنتم أول من داس عليه ببياناتكم المزدوجة ووجوهكم الثلاثية.
لكن كلٌّ منكم يريد أن يظهر بطلاً على حسابنا، وأن يكون المفضّل لدى إدارةٍ ناعمة جائرة، متجبرة مستكبرة، لا ترى فيكم إلا أدوات وأحصنة، ولا فينا إلا شعبًا بلا هوية، بلا وطن، بلا سند، بلا ناصر… إلا الله.
فيا أيها العراقيون المنصفون، يا من بقيت في قلوبكم بقية من غيرة…
قولوا: كفى!
قولوا: لا تُصرف الرواتب كحسنة، ولا يُحتمل الجوع كعقوبة جماعية!
قولوا: هذه ليست دولة… بل صفقة. بل مهزلة كبرى في زمن يصفّق فيه الجلاد، ويبكي فيه الضحية وحدها.
يُلاحَظ – ويا للملاحظة – أن “شهر آيار” هذا، إن قُدّر له أن يُصرف، فسيكون ذلك في الأسبوع المقبل، وعلى مدار أسبوعٍ كامل… فلا تنسَ أن تحسب حسابك، وتبقى سهرانًا مع البطاقات، كما لو كنت تنتظر “فرَج السماء”، أو زكاة مشروطة من أميرٍ على عبيده لال اسبوع كامل يتم صرفه واحسب حسابك .
768 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع