د. علي محمد فخرو
تراجع الكونجرس الأميركي القيمي
ليعذر الشعب الأميركي الطيب المليء قلبه بالتعاطف الإنساني مع المظلومين أو المهمشين أو الفقراء، ليعذر الكثيرين ممن ينتقدون بشدة سياسات ومواقف وسلوكيات نظام الحكم الأميركي، وعلى الأخص دولته العميقة الرأسمالية الاستخباراتية العسكرية الصهيونية المليئة بالفساد المالي وبيع الذمم السياسي.
فنحن الذين درسنا وتدربنا في جامعات أميركا على يد أروع الأساتذة والعلماء، ونحن الذين صادقنا أروع النفوس وزرناهم في بيوتهم وكانت لنا معهم أجمل الذكريات، لم نجد في الإنسان الأميركي العادي إلا طيبة القلب وعفوية الضمير الإنساني البسيط وقيم الرغبة في التعاضد الإنساني مع إخوانهم من سائر البشر.
لكن أميركا الطمع والجشع غير المحدود، أميركا التدخل في شؤون الغير تحت راية مصلحتها الوطنية ومن دون أي اعتبار لمصالح الآخرين وحقوقهم، وأميركا الحروب المبيدة التي لا تتوقف ولا يحدها خلق أو تمنعها قيمة حقوقية إنسانية أو ضمير مستيقظ... أميركا تلك هي غير أميركا شعبها.
إنها، في كثير من الأحيان، وبعكس شعبها ذاك، كانت ولا تزال تمثل أكبر مصدر للتصرفات المجنونة، وعلى الأخص بالنسبة لقضايا وحقوق وسكينة وأمن أمتنا العربية ووطننا العربي، مع أنها تفاخر بأنها مجتمع التسامح والتعايش والذراع المفتوحة لكل ملهوف ومظلوم.
نقول كل ذلك، بأسف وبحسرة وبشعور اليأس من البلد الذي كان في الماضي عزيزاً ومحترماً للملايين منا إبان فترات شبابنا التي انخدعت وخُدعت، يوم كنا نقرأ تاريخ أميركا فننبهر ونسمع خطابات سياسييها الجميلة فنصدق.
فمؤخراً، ما أن انتهينا من رؤية الاندماج الأميركي التام في قتل الألوف من أطفال ونساء فلسطين بالسلاح الذي قدمته الحكومة الأميركية لجيوش الصهاينة في فلسطين المحتلة، ما أن رأينا أميركا وهي تغرف من خزائن ضرائب شعبها لتضعه في يد مسؤولي الكيان الصهيوني من سياسيين وعساكر ومستوطنين لتعينهم وتسهل قيامهم بحرب إبادة حقيرة في غزة،
حتى فوجئنا بالقرار اللاأخلافي واللاقيمي واللا إنساني الذي قرره بأغلبية ساحقة أعضاء الكونجرس الأميركي بدعوة نتانياهو، المطلوب للمثول أمام محكمة الجنايات الدولية ومنظمة العدل الدولية لمحاسبته على ما فعلته وتفعله كل مؤسسات الأمن الصهيونية من جرائم إبادة بحق مدنيين فلسطينيين أبرياء،
وهو المطلوب أيضاً من قبل محاكم في فلسطين المحتلة نفسها بتهم الفساد والرشوة، مما يجعله شخصية مشبوهة في تركيبتها وبالتالي فاسدة .... دعوة تلك الشخصية الخارجة على كل قانون ليلقي خطاباً علنياً ويحظى بتصفيق حار لئيم أمام أعضاء الكونجرس المفتونين،
وهو الخطاب الذي لن يكون إلا مجموعة أكاذيب وتلاعب بالالفاظ لتبرير ما تفعله طيلة ثمانية شهور أجهزة حكومته من أفعال يندى لها الجبين وتستهجنها ملايين البشر يومياً في شوارع كبريات المدن العالمية. وبالطبع لن تخجل وسائل الإعلام الأميركية المشبوهة المنحازة من نشر الخطاب في كل أرجاء العالم لتسهم في نشر البضاعة الخطابية الملوثة الفاسدة.
من حقنا أن نسأل: هل حقاً هذه الدعوة المشبوهة لا تتناقض مع كل الأسس الحقوقية والأخلاقية والقيمية التي عملت على وضعها مؤسسات هيئة الأمم المتحدة طيلة العقود الماضية؟ بل ألا تتناقض مع كل حرف قيمي وأخلاقي وديموقراطي جاء في الدستور الأميركي؟
هل حقاً أن أروع مفكري وحقوقيي العالم من اليهود، من أمثال تشومسكي وسوندرز ونعومي كلاين وكثيرين غيرهم، لن يشعروا بالإحراج والخجل يوم يقف نتانياهو لينصب نفسه مدفعاً عن الحركة اليهودية الصهيونية الاستعمارية وهم الذين يقفون في مقدمة المدافعين عن كل مظلوم في العالم كله؟
ثم، هل وصلت سيطرة اللوبي اليهودي الصهيوني في واشنطن على نظام الحكم الأميركي برمته، بمؤسساته وأشخاصه وساحات خطاباته، بحيث يتجرأ الكونجرس على اتخاذ خطوة غير مسؤولة، مثل هذه الخطوة التي سيثار من حولها ألف سؤال في أميركا وفي العالم كله؟
حقاً، إننا بتنا نعيش في عالم مريض معتوه، ومحقون هم الذين يتحدثون ويكتبون في الغرب بأن مجتمعاتهم، مجتمعات النهضة والأنوار والتقدم والعقلانية، قد تراجعت لتصبح مجتمعات الظلام الجديدة.
620 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع