غريب دوحي الناصر
في القائمة التمهيدية للتراث العالمي مدينة نفّر السومرية ... فاتيكان العراق القديم
اعلنت وسائل الإعلام العراقية عن موافقة اليونسكو إدراج مدينة (نفّر) في القائمة التمهيدية للتراث العالمي ايذاناً بالبدء بأعمال الملف لما تتمتع به مدينة (نفّر) من قيمة عالمية استثنائية باعتبارها مركزاً دينياً رفيعاً في العالم القديم.تحتوي ارض العراق على امتداد مساحتها الجغرافية على اكثر من (25) ألف موقع آثري تمثل حضارات موغلة في القدم للحضارات التي سادت البلاد ابتداءً من العصر السومري والحضارات التي تلته.
لقد تأسست في العراق أول دويلات المدن السومرية والتي سميت بعصر فجر السلالات كمدن:
أور وأوما واريدو وكيش ولكش والوركاء و(نفّر) (نيبور) التي تقع على نهر (النيل المندرس) القديم حيث يشطرها إلى شطرين شرقي وغربي.
و(نفّر) هي بقايا مدينة نيبور السومرية وتقع آثارها بالقرب من مدينة عفك على بعد 25 كم
شمال شرق الديوانية. ويرجع تاريخ ظهورها إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وكانت مركزاً دينياً خطيراً في العهد السومري حيث كانت مقر الهيكل المشهور (أنليل) إله الهواء وزقورته، وقد اكتشف المنقبون موضع المدينة ومنطقة المعابد مرسومة على خارطة عثر عليها بين الأطلال وقد عثر في الهيكل على (23) الف لوح طيني يعود تاريخها بين سنة (2700-2100) قبل الميلاد. وتحوي هذه الرقم الطينية على مواضيع علمية وأدبية واجتماعية وقانونية وعقود البيع والشراء وتمارين لتعليم الطلبة الكتابة وقواميس باللغتين السومرية والبابلية مكتوبة بالخط المسماري.
عبادات قوى الطبيعة
لقد كان الفكر الديني في العراق القديم يقوم على عبادة قوى الطبيعة والكواكب فقد عرف عن مدينة أور عبادتها لإله القمر والوركاء عبادة كوكب الزهرة (عشتار) الهة الحب بينما عبد أهالي (نفّر) اله الهواء فلم يكن الهواء عنصراً بسيطاً فهو الحياة كما نعرف وكان يمثل الهواء الإله (انليل) وتكمن عظمة (نفّر) في تراثها الثقافي الذي زودتنا به آلاف الرقم والتي
نطقت به سطورها. وقد تبوأت مدينة (نفّر) مكانة بارزة في نفوس ملوك العراق الأقدمين. فقد كان الملوك يقصدونها كي يمنحهم الاله (انليل) تاج الملوكية والذي لا يكون شرعياً إلا بعد مباركة الاله (انليل).
ونقرأ في ملحمة (كلكامش) إنه قصد مدينة (نفّر) حيث بكى وتضرع أمام الاله (انليل) طالباً منه المعونة مخاطباً اياه بكلمة (يا ابي انليل).
وهكذا كانت مدينة (نفّر) المركز الروحي والثقافي لبلاد سومر القديمة لمدة أكثر من اربعة آلاف سنة أي أكثر من ضعفي الزمان الذي كانت فيه مدينة روما مركزاً لدين المسيحي الكاثوليكي.
لقد أولت جامعات العالم اهتماماً استثنائياً لهذه المدينة وخاصة جامعتا بنسلفانيا وشيكاغو ومعهد الدراسات الشرقية باعتبارها عاصمة السومريين الدينية، والتي تقابل اليوم (الفاتيكان) في أوربا فمنذ أواخر القرن التاسع عشر بدأت التنقيبات الأمريكية ومنذ عام 1899 والأعوام اللاحقة له حتى عام 1948م تم العثور على وثائق أدبية وتاريخية وإدارية وقانونية
كانت كافية لتغطية كافة مراحل تاريخ المدينة حتى عصر السيطرة الفرثية على العراق حيث حول الفرس الفرثيون معبد المدينة إلى ثكنة عسكرية.
لقد قام علماء (السومريات) في الغرب باستنساخ مئات الألواح المكتشفة في المدينة حيث توجد الآن أكثر من (150) نسخة من الألواح محفوظة في متحف جامعة بنسلفانيا ، وقد تولى المعهد الشرقي نشرها في مجلدين. كما توجد الكثير من هذه الألواح في متحف اسطنبول وهي عبارة عن ألواح مستنسخة من الألواح الأصلية.
ألواح وقصائد
في عام 1948 تعاون المعهد الشرقي مع جامعة شيكاغو ومتحف وجامعة فيلادلفيا لاستئناف الحفر في (نفّر) وبعد مضي (50) عاماً تم الكشف عن مئات الالواح الجديدة وقد عثر على شريعة الملك السومري (أور- نمو) التي ترقى في عهدها إلى نهاية الألف الثالث قبل الميلاد
وترجمت إلى اللغة الانكليزية عام 1952.
ومن بين الألواح التي عثر عليها لوح يحتوي على قصة خلق الإنسان يوجد الآن في متحف اللوفر في باريس ولوح آخر يمثل قطعة شعرية لفكرة قصة النبي (أيوب). وفي عام 1914، عثر على قطعة هي القسم الأسفل من قصة الطوفان السومري حيث ترجم إلى مختف لغات العالم باعتباره المصدر الوحيد لجميع الباحثين عن قصة الطوفان السومري. أما الأدب السومري فيمثله لوح يحوي على قصيدة كتبها شاعر سومري اكتشف نتيجة
التعاون بين جامعة شيكاغو وجامعة بنسلفانيا والمعهد الشرقي وهو عبارة عن قصيدة تقول:
في الوقت الذي لم يكن فيه الإنسان قد خلق بعد ويوم كانت مدينة (نفّر) مأهولة بالألهة فقط
كان فتاها الاله (انليل) وكانت عذراؤها الالهة (ننليل) وقد اعتزم (انليل) الزواج من (ننليل)
حيث أوصتها امها وارشدتها على الوجه الاتي:
في المجرى الصافي ايتها المرأة،
أغتسلي في المجرى الصافي،
تمشي يا (ننليل) على شاطئ نهر (ننبر رو)
فإن ذا العينين المشرقتين،
الجبل العظيم (انليل)
ذا العينين الجميلتين سيراكِ.
إن الراعي الذي يقدر المصائر،
ذات العينين الجميلتين سيراكِ
وسيعانقكِ ويقبلكِ
وتصور لنا القصيدة إن الالهة (ننليل) لم تكن راغبة في مواصلة الاله (انليل) عند ذاك يدعو (انليل) وزيره (نسكو) ويطلعه على حبه وهيامه بـ (ننليل) فيهيأ نسكو قارباً ويغتصب (انليل) الالهة (ننليل) في إثناء سير القارب في النهر فتحمل هذه الالهة بالاله (سين) اله القمرعندها الالهة وغضبوا لتلك الفعلة المنافية للأخلاق فمسكوا الاله (انليل) ونفوه من المدينة إلى العالم الأسفل على الرغم من انه كان ملك الألهة.
----------------------------------------------
(*) جاءت هذه القصيدة كاملة في كتاب (ألواح سومر) لصوموئيل كرومر، ترجمة طه باقر.
757 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع