ضرغام الدباغ
20 / نيسان / 2024
ثلاث بؤر للتوتر، ثلاث أجنة لصراعات دولية
قبل يومين، أعلن الرئيس الأمريكي بايدن، في تصريح يحمل الكثير من المعاني والتفسيرات، أن كييف يحتمل أن تخسر الحرب هذا العام.
ابتداء، تتناقل الأنباء عن تقدم روسي على كافة الجبهات، وأن تقارير الاستخبارات الليتونية والدانمركية، ومؤشرات في بلدان أوربية غربية، تعزز وجهة النظر هذه. وإن صحت هذه التوقعات، فيحتمل أن يكون الانهيار الأوكراني في شهور خريف هذا العام.
أطلق الرئيس بايدن تصريحه مشفوعا بوجبة مساعدات جديدة، وهو (الرئيس بايدن) وقادة الغرب وفي المقدمة الإنكليز والفرنسيين والألمان، يعلمون أن مساعداتهم المالية والعينية، إنما تذهب إلى برميل لا قعر له، وأكثر من ذلك قرأنا أن الفساد بدأ يستشري في أوساط النخب الحاكمة، وأن الفتور بدأ يدب في كواليس الحكم (الحكم وقواه السياسية)، بعد خابت درجة تعويلهم على حدوث تغيرات سياسية في روسيا. بل ويبدو من المرجح القبول بالشروط الروسية لإنهاء الصراع المسلح. وإن كانت هناك محاولات، فهي لممارسة مزيد من الضغط العسكري/ السياسي على موسكو، من أجل صياغة مواقف مستقبلية أفضل في التوازنات الاوربية، ولضمان عدم حدوث انهيارات في المعسكر الغربي في أوربا.
الولايات المتحدة، والغرب عموماً لا يفضل ولا يستحسن ألنهاب بؤر توتر جديدة في شرقي آسيا، والأمور تجري هناك بمنتهى الحيطة والحذر، فالقضية الكورية، تزداد توتراً وحده بين وقت وآخر لتضفي على مفردات الموقف طابع الخطورة، وبقوم القادة والمسؤولون الغربيون بزيارة المنطقة للحيلولة دون تدهور قد يندلع بصورة صراع مسلح في لحظة ما، فالغرب يهتم كثيراً أن لا ينظم الصينيون للصراع الروسي / الأوكراني، وإذا تحققوا من هذا الهدف، فالمطلب الآخر هو أن لا تدعم بكين موسكو بالمال والسلاح، ويهددون بالعقوبات، لكن القيادة الكورية تبدو غير مكترثة لحساسية الغرب، فلا يفوتون مناسبة دون أت يعبروا عن التضامن الروسي / الكوري.
جاءت معركة غزة، والمفاجأة الكبرى تمثلت بعجز الجيش الإسرائيلي عن إدارة المعركة بما يضمن نجاحها، على نحو سريع وخاطف وتواصلها تمثل قضية غير مريحة للغرب، الذي سيضطر لتوزيع قواه وجهوده على ثلاث جبهات هي ثلاث بؤر مرشحة للالتهاب، وبتقديري، وتقدير كثير من المحللين السياسيين والاستراتيجيين، أن البؤر الثلاث هي ميادين عمل حيوية للغرب والولايات المتحدة بدرجة متساوية تقريباً يصعب احتمال خسارة أي منها : 1. أوكرانيا / 2. الشرق الأوسط / 3. شرقي آسيا.
1. أوكرانيا / شرق أوربا.
في الساحة الأوكرانية، فأي خسارة في أوكرانيا سواء كانت شاملة، أو جزئية، غير مقبولة وستكون لها تداعياتها العالمية، الأوربية أولاً كساحة أمامية كبيرة وقوية لغرب أوربا (بمساحة وحجم سكان، وتغلغل سياسي). بعدها سيكون هناك حاجز هش من الدول الصغيرة: ليتوانيا، لاتفيا، أستونيا، بوهيميا، ومجموعة دول أوربا الشرقية (الدول الاشتراكية سابقا) لا تمثل سدوداً بوجه الروس لأنها دول تضم أعراق كاثوليكية / سلافية / سيريلية، وبسقوط أوكرانيا (المحتمل بدرجة كبيرة) ستصبح أوربا ميدان أمل وعمل للروس . فيما ستمثل خسارتها نكسة استراتيجية يصعب احتمالها وتعويضها.
2. الشرق الأوسط : إسرائيل / العرب / الإسلام.
أما ساحة الشرق الأوسط، فالكيان الصهيوني، ويمثل بؤرة تماس صالحة لأندلاع نزاع مسلح في أي لحظة، وهناك ثلاث معضلات أو مراحل هامة:
أ . الكيان الفلسطيني، ومشكلة حق العودة، ومشكلة القيادة الصهيونية اليمينية الفاشية، التي ترفض قبول الحلول الدبلوماسية. والتماهي الغربي الأحمق الذي يتواصل منذ الاربعينات مع هذا الكيان منذ نشوءه الخاطئ وحتى الآن ، وأدى لصراعات مسلحة (حروب شاملة وجزئية) ، مما يفقد الغرب أمكانية قيام علاقات متوازنة مع شعوب الشرق الأوسط ويفرز حالة من صعوبة قيام تحالف حقيقي معها.
ب . الشرق الأوسط الذي يمثل خزانا كبيرا للطاقة، شيد الغرب بموجبه صناعته وحضارته. وفقدان السيطرة عليه، هي خسارة يصعب احتمالها. بالإضافة إلى اقتصادات كبيرة واعدة: مصر، المملكة العربية السعودية، مجموعة دول الخليج، الجزائر، المغرب.
ج . يحمل الشرق الأوسط العربي في أفقه مشروع قيام مشروع كيان سياسي بأكثر من نصف مليار نسمة، معزز 2 مليار مسلم بانتشار يبلغ في بعض المناطق الحساسة درجة مقلقة، يمثلون قوة مستقبلية هائلة، سياسياً واقتصادياً وعلمياً ينغي أتخاذ سبل التحوط منه، وهذا ما يعبر عنه الرؤساء الامريكان وبعض القيادات الاوربية بهذه الدرجة من الصراحة والوضوح أو تلك، فالغفلة، وبالتالي انطلاق هذا المشروع أو حتى بعض منه سيمثل أفقا جديداً في العلاقات الدولية. يحرص الغرب بشدة على الحيلولة دون قيامه، وهناك مراكز اقتصادية / صناعية واعدة : الباكستان، اندنوسيا، تركيا، ماليزيا، بنغلادش، نيجيريا .
3. شرقي آسيا
واهمية هذه الساحة سياسية / اقتصادية / عسكرية، فأي تغير كبير في توازن القوى، يعني تعرض المصالح الغربية / الأمريكية لخطر توسع الهيمنة الصينية وفي عداده أن تتعرض أستراليا ونيوزيلندة للهيمنة الصينية، وكذلك السيادة اليابانية، ومراكز قوى غربية تتمثل بكوريا الجنوبية وتايوان. وقد عبرت المخاوف الغربية / الأمريكية عن نفسها بالتحالف الذي أنشأته الولايات المتحدة أوكوس (AUKUS) الذي يضم رسميا أستراليا والولايات المتحدة، وبريطانيا، وقد يضم في عداده نيوزيلندة، وكندا.(*)
والحلف يعني بالدرجة الأولى إلى حفظ الأمن والمصالح الغربية كساحة أمامية خط دفاع أولي في حوض المحيط الأطلسي والباسفيكي، وإذا كانت القدرات البحرية الصينية الحالية لا تؤهلها لتوسع في الأطلسي والباسفيكي، ولكن هذا ل يحول ضد خطط محتملة لاستعادة جزيرة تايوان، وفرض هيمنة على بحر الصين الشمالي والجنوبي وهذا يعني فرض سيطرة على معظم السواحل الشرقية الآسيوية.
وإذا كانت موازين القوى، لا تسمح بفرضيات هيمنة بحرية مناهضة/ معادية للغرب في حوض الباسفيكي والأطلسي، ولكن المعطيات الاستراتيجية خاضعة للتغير، والاستخدام الكثيف للمنجزات العلمية في صناعة السلاح، تغير من قواعد ومفاهيم التصرف العسكري التكتيكي والاستراتيجي، ومن تلك بساطة صناعة وتكلفة المقذوفات البعيدة المدى(الصواريخ/ الكروز) والدرونات (الطائرات المسيرة) والأسلحة الشاملة (الكيماوية، البايولوجية، النووية)
إذن فمناطق التوتر الثلاث تمر بمراحل صعبة، والفرقاء الغربيين ليسوا على أتفاق تام، فالأمريكان يعتقدون أن الدول الغربية ولاسيما في أوربا لا تنفق بما يكفي لجاهزية عسكرية قوية، والنيوزيلنديين يرفضون المظلات النووية، والأمريكان بالكاد تمكنوا من إقناع الاستراليين بشراء صفقة الغواصات النووية (ثمان غواصات نووية بقيمة35 مليار) ستساهم بتعزيز الدفاع الاسترالي في الباسفيك.
حلفاء الولايات المتحدة (الغربيون) لا يترددون في التبرم من الضغوط الأمريكية، ومن السياسة الأمريكية في الخفاء والعلن. أما حين عمدت الولايات المتحدة وبريطانيا إلى إلغاء صفقة الغواصات الاسترالية التي وقعت بالأحرف الأولى مع شركات فرنسية وتحويلها لشركات بريطانية وأمريكية، فتسببت في عاصفة من الاحتجاجات وتبادل الاتهامات، وبردود أفعال، لم تنتهي إلى بتقديم أكثر من نصف مليار دولار (585 مليون دولار) لفرنسا كتعويض عن الغاء العقد.
الأوربيون لا ينكرون دالة الولايات المتحدة عليهم منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الأن، ولكن الصحيح أيضاً، أن قيادة المعسكر الغربي كلفت شعوبها أرقام فلكية من الأموال والتضحيات والخسائر، وحروب كان يمكن تفاديها، وبات واضحا وصريحاً، أن الولايات المتحدة لا يسرها لا وجود الاتحاد الأوربي ولا محاولات الاعتماد على نفسه في الدفاع. والاوربييون أنتقلوا إلى مرحلة التصريحات العلنية، " لن نخوض حروباً عالمية تحت قيادة الامريكان ".
العالم مقبل على التغير، فهناك مستحقات أزف وقت تسديدها، وتحالفات ينبغي لها أن تنتهي، وأخرى يجب أن تقوم مقامها، والمواجهات الساخنة، والقبول على مضض بتوافقات يعني كما هو معروف في نهاية الحروب والمواجهات: إعادة تقسيم لمراكز النفوذ وسيكون الشرق الأوسط العربي، أحد تلك المناطق. أم ستفرز الظروف الدولية قدرة عربية متماسكة، تجد تحالفات واضحة تضمن المصالح العربية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)
أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، في 15 سبتمبر 2021، في إعلان افتراضي مشترك، عن تشكيل تحالف “AUKUS” (اختصار لأسماء الدول الثلاث المشاركة: أستراليا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة)، وهو حلف عسكري يجمع الدول الثلاث في شراكة دفاعية متعددة المستويات، ستسمح للدول الثلاث بتبادل التقنيات الكمية التي تغطي مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والأنظمة التسليحية “تحت الماء” والضربات الاستراتيجية بعيدة المدي.
657 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع