أ.د . أنور أبوبكر كريم الجاف
"تحديات الفدرالية والدستور في العراق، رؤية نقدية"
في رحاب العراق حيث تتنوع الأصوات وتتعدد الرؤى يبرز النظام الفدرالي كمسار دستوري مثير للجدل، فمن هذا المنطلق تأتي تصريحات رئيس مجلس القضاء الأعلى مضيفةً بُعدًا جديدًا للنقاش حول هذه الفدرالية التي يبدو أن الكورد وحدهم يجدون فيها ملاذهم ورؤاهم لمستقبل العراق .
على الجانب الآخر تلوح في الأفق تحفظات متجذرة بين الأطراف العراقية الأخرى التي تتوزع عبر الطيف السياسي والمذهبي، مشيرة إلى عدم الإيمان بجدوى النظام الفدرالي كما هو مُطبق .
مرورًا بثمانية عشر عامًا على تطبيق الدستور يُلاحظ غياب مبادرات ناجحة لإنشاء أقاليم جديدة تحاكي نموذج إقليم كردستان ما يؤشر إلى العقبات البنيوية والإيديولوجية التي تعترض سبيل تطبيق الفدرالية بشكل أوسع والدراسات الأكاديمية بما في ذلك تلك الدراسات المنشورة الي تؤكد هذا الفصام بين النظرية والتطبيق وتسلّط الضوء على المعضلات الدستورية التي تواجه البلاد.
واليوم في هذا السياق تبرز تصريحات فائق زيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى كمؤشر لا يُمكن تجاهله عن الصراع بين السلطات والدستور رفضه لفكرة إنشاء إقليم جديد لا يعد فقط انتهاكًا صارخًا للنص الدستوري بل يكشف عن توترات عميقة تتعلق بتفسير الدستور وتطبيقه، هذه الواقعة تعيد إلى الواجهة النقاشات حول سيادة الدستور وهيبته وتُظهر كيف أن التحديات التي تواجهه تأتي من أعلى المستويات القضائية والتنفيذية في الدولة.
إن الوضع الراهن يستدعي تأملًا جادًا في مستقبل العراق الدستوري والفدرالي ويتعين على القادة وصانعي السياسات مواجهة هذه التحديات بروح من الشفافية والحوار مع السعي لإيجاد توافق يحترم تنوع العراق ويعزز وحدته. ويجب أن يُعاد النظر في النص الدستوري بطريقة تجعل منه أداة للتوحيد لا للتفرقة وأن يُنظر إلى الفدرالية كوسيلة لتعزيز التعايش والتنمية المتوازنة بين مختلف المناطق والمكونات.
ومن الضروري أن يتم تعزيز الحوار الوطني بمشاركة جميع الأطراف المعنية بما في ذلك المجتمع المدني والخبراء القانونيين وممثلي الأقاليم والمحافظات لضمان أن يكون الإصلاح الدستوري نتيجة توافق واسع وليس فقط تسويات سياسية ويجب أن يكون الهدف من هذا الحوار إيجاد أرضية مشتركة تسمح بتجاوز الخلافات وتضمن حماية حقوق وحريات جميع المواطنين بشكل عادل ومتساوٍ.
إن الحاجة إلى تجديد الدستور وإعادة النظر في بعض أحكامه لا تعني إنكار ما قد يحمله من قيم وأسس مهمة بل تأكيدًا على ضرورة تطوير هذه الوثيقة الحيوية بما يتماشى مع التطورات الاجتماعية والسياسية التي يمر بها العراق. يجب أن يُنظر إلى الدستور كوثيقة حية قابلة للتطور والتعديل بما يخدم مصلحة البلاد ويعكس إرادة شعبها.
في ختام هذه الرؤية النقدية، يظل الأمل معقودًا على قدرة العراقيين على تجاوز التحديات الراهنة وبناء مستقبل يسوده العدل والازدهار يجب أن يكون الدستور العراقي رمزًا للهوية الوطنية يعزز الوحدة في التنوع ويشكل أساسًا متينًا لدولة تحترم حقوق مواطنيها وتضمن لهم الحياة الكريمة في ظل نظام حكم يعبر عن إرادتهم وتطلعاتهم.
652 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع