الحياة لا تعاش بالهروب منها!

 عائشة سلطان

الحياة لا تعاش بالهروب منها!

لدي صديقة عربية أعرفها على فيسبوك، والقليل الذي عرفته عنها جعلني أحرص على متابعة قلمها، وحين تعرَّضت لهزة نفسية قاسية، كتبت منشوراً يائساً وحزيناً جداً، خلاصته أنها ستغلق حساباتها الأخرى، ولن تكتب ثانية بعد الآن، فلمن نكتب؟ لكن حين حصل ما حصل في غزة، قالت إن ما تكتبه من مقالات وتحليلات نقدية عن الكتب والأدب يعتبر أمراً لا قيمة له أمام ما يحدث، أمام الاعتداءات ومشاهد الظلم والقتل والتدمير!

ولأنني أتابعها باهتمام، وأحب ما تكتبه وآخذه على محمل الجد، ولأننا نحب نوعية الكتب نفسها، ونتحدث عنها بمتعة تفوق متعة الحديث عن الفساتين والسهرات والعطور ووصفات الطعام .. وسائر الاهتمامات اللطيفة الأخرى، قررت أن أثنيها عن قرارها!

كتبت لها، وأنا نادراً ما أكتب متدخلة في قرار أحد، لكنني كتبت لها من باب الحرص، فنادرون أولئك الذين يحملون حب الثقافة بكل هذا التفاني والاحترافية اللذين تتمتع بهما، ذكرتها بأننا نتابعها وننتظر ما تكتبه، وأننا جميعاً في لحظات الحزن السوداء نسقط بفعل الهشاشة الداخلية، وتتملكنا هكذا مشاعر عدمية، فنقرر أننا سنهجر كل شيء، لكن ذلك ليس حلاً، فنحن نعرف أكثر من غيرنا أن الحياة سرعان ما ستخضر مجدداً في قلوبنا بمجرد أن تبتسم لنا تلك الغيمة في الأفق فتلتئم أشباح الهواجس ونستمر!

بعد عدة أيام عادت لتكتب، خمنت أنها فكرت طويلاً، وحين قرأت ما كتبته عرفت أنها شاهدت الكثير مما يجري اليوم، وأنها تأثرت وتعمق إحساسها بضرورة مواجهة الحياة بالإيمان لا بشعور اللاجدوى، عادت وكتبت «بعد كل تلك المشاهد القاسية اكتسبت قوة، جعلتني أعيد النظر في الكثير من الأمور، كدورنا في هذه الحياة، ووقتنا فيما نمضيه.. إن مشاهد هؤلاء الأطفال والنساء الذين عبرت آلة الموت على رؤوسهم وأجساد شعبهم دون أن تنال من عزيمتهم وقوتهم لأمر مذهل، ودرس كبير للجميع، إنهم برغم المأساة صامدون ومستمرون، فالحياة فعل استمرار، لا فعل هروب. قالت أحسست بتلك الطفلة التي عبرت للضفة الأخرى من الحياة تلوح لي بأن أستمر!

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

978 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع