شباب العراق يُبكون الإيرانيّين في عقر دارهم


أحمد العبدالله

شباب العراق يُبكون الإيرانيّين في عقر دارهم

في عقدي السبعينات والثمانينات, كنتُ مولعًا بمتابعة مباريات المنتخبات العراقية التي تخوضها مع فرق خارجية والمنقولة تلفزيونيا بصوت المعلق الرياضي صاحب الصوت الدافئ والجميل والذي لم يتكرّر؛مؤيد البدري. ولا زلتُ أذكر ذلك اليوم تمامًا بكل تفاصيله وأحداثه المثيرة, والفرحة التي عمّت العراقيّين مساء يوم الخميس 28-4-1977. والمناسبة هي المباراة الختامية بكرة القدم بين منتخب شباب العراق ونظيره الإيراني على كأس شباب القارة الآسيوية في طهران. كان يومًا ربيعيًّا جميلا حيث جادت سماء بغداد بغيثها رذاذا, وكان ذلك بشرى خير لما تخبّئه الساعات القليلة القادمة.

الساعة الخامسة والنصف انطلقت صافرة الحكم معلنة ابتداء المباراة, بحضور أكثر من مئة ألف متفرج إيراني غصَّ بهم ملعب(آريا مهر)ومعناه(شمس الآريّين)!!, وهو اللقب الذي كان يطلق على شاه إيران المخلوع, يتقدمهم نجله وولي عهده؛ الأمير رضا بهلوي, وكان يومها صبيًّا لا يتجاوز عمره الـ 16 عامًا. والذي شعر بالانتشاء وقفز راقصًا بعد أن سجّل فريقه هدف التقدم في الدقيقة السابعة من بداية المباراة.
لكن تلك النشوة لم تدم طويلا, ففي الدقيقة 29 سجّل منتخب العراق هدف التعادل, وبعد دقائق قليلة تقدم بهدف ثانٍ, وانتهى الشوط الأول بهذه النتيجة. وخلال فترة الاستراحة بين الشوطين, نزل مؤيد البدري إلى المكان المخصص للفريق العراقي, وبعد أن استأذن المدرب اليوغسلافي(آبه), نبّه اللاعبين بضرورة توخّي الحذر الشديد من أي احتكاك مع اللاعبين الإيرانيين داخل منطقة الجزاء العراقية, تحسّبًا من احتساب ضربة جزاء ضدهم من قبل الحكم. إذ كان الحكام الآسيويون بشكل خاص, يجاملون منتخب البلد المضيف في أحيان كثيرة, وبعضهم يتعرضون لإغراءات مادية وضغط نفسي.
ما حذّر منه البدري وخشي منه تحقق بعد دقائق قليلة من بداية المباراة في شوطها الثاني, إذ احتسب الحكم ركلة جزاء لصالح المنتخب الإيراني بعد احتكاك بسيط لا يستوجب ذلك أبدًا, وسجّل الإيرانيون منها هدف التعادل الثاني. ومرة أخرى لم تدم الفرحة الإيرانية كثيرًا, فقد ردَّ شباب العراق بهدف التقدم الثالث بتوقيع حسين سعيد في الدقيقة 29 أيضًا, ولكن بسبب هفوة دفاعية تمكن المنتخب الإيراني من تسجيل هدف التعادل قبل صافرة النهاية بدقيقتين فقط. لقد كان اللعب سجالا بين الفريقين.
كانت المباراة على وشك أن تلفظ أنفاسها الأخيرة, ولكن المفاجأة الكبرى جاءت في الوقت المحتسب بدل الضائع, إذ رفع رئيس الفريق العراقي ومدافعه الأيمن؛ أياد محمد علي, كرة عالية من ضربة حرة مباشرة من منتصف الملعب باتجاه منطقة قوس الجزاء, ارتقى لها هدّاف الفريق العراقي ومهاجمه البارع(حسين سعيد), بوثبة عالية ومن بين حشد من المدافعين الإيرانيين, وأسكنها المرمى الإيراني بضربة رأس بديعة, وظهره إلى الخلف. كان هدفًا من أجمل الأهداف وأغلاها في تاريخ الكرة العراقية, وأطلقت عليه وكالات الأنباء الأجنبية التي كانت تغطي المباراة, وصف(الهدف القاتل)!!. وكان ذلك إيذانًا ببزوغ نجم الهجوم العراقي, وهدّاف البطولة برصيد تسعة أهداف, وصار أبرز هدّافي العراق , وحجز مقعده ضمن صفوف المنتخب الوطني العراقي بكفاءة واقتدار بعد هذه المباراة, على مدى عقد ونصف من الزمن.
لقد كان هدفًا قاتلا فعلا, فقد أخرس أفواه مئة ألف متفرج إيراني في المدرجات, وأبكى ملايين غيرهم من الذين كانوا يتابعون المباراة في بيوتهم, وبالمقابل أدخل الفرحة والسرور على قلوب العراقيين, حتى من الذين لا شأن لهم بكرة القدم. وبان الوجوم على ولي العهد الإيراني وهو يتابع المباراة باستخدام منظار مقرِّب أحيانا, حيث حرص التلفزيون الإيراني على إبراز هذه اللقطة وكأنه يقود معركة حربية وليست مباراة رياضية!!. وهُزم المنتخب الإيراني في عقر داره, ولم تسعفه الخدمات التي أسداها له حكم المباراة غير النزيه, ولا الخشونة التي أبداها لاعبوه داخل الملعب, بسبب عجزهم عن مجاراة لاعبي الفريق العراقي. وكان معلق المباراة؛ مؤيد البدري يكرّر عبارة؛(احنا نسكّتهم بالگوال)!!.
ولكن الغريب والمستهجن هو التصرّف الأخرق الذي قام به ولي العهد الإيراني, فخلال مراسم تقليد لاعبي الفريق العراقي لأوسمتهم الذهبية بعد انتهاء المباراة بالفوز العراقي الكبير واللامع, فقد رفض تقليدهم واحدًا واحدا كما تقتضي اللياقة والأصول وما تنص عليه تعليمات البطولة, بل دفعها مجتمعة إلى(كابتن)الفريق, ولسان حاله يقول؛ وزّعها على جماعتك!!. كان تصرّفًا أهوجًا وينمُّ عن غطرسة واستصغار للآخرين, جُبلت عليه الشخصية الفارسية عبر التاريخ, وحتى في الرياضة, والتي هي, كما يفترض, رسالة للسلام والتقارب والمحبة بين الشعوب.
في نشرة أخبار الساعة العاشرة التلفزيونية من ذلك المساء النيساني الجميل والمبهج, تلا المذيع الشهير(رشدي عبد الصاحب)قرار رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر بتكريم لاعبي المنتخب العراقي للشباب, كما أوعز بإرسال طائرة خاصة إلى طهران صباح اليوم التالي لتقلّ الوفد العراقي, حيث جرى لهم استقبال رسمي وشعبي كبير في مطار بغداد الدولي. كما استقبلهم الرئيس البكر في القصر الجمهوري في الأول من أيار, ووزع مركبات(لادا موديل 77)على اللاعبين. وخصص مؤيد البدري حلقة يوم الثلاثاء 3-5-1977 من برنامجه(الرياضة في إسبوع)للاحتفاء بهذا الحدث الرياضي التاريخي, حيث ضيّف فيها لاعبي المنتخب وكادره التدريبي والإداري.

الگاردينيا: هدف حسين سعيد:

https://www.youtube.com/watch?v=vmQ9gzcAgq8

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

830 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع