عوالم آمنة محمود المسكونة بالوجع والفرح الضنين


محمد حسين الداغستاني

عوالم آمنة محمود المسكونة بالوجع والفرح الضنين

آمنة محمود ، شاعرة رصينة وخلاقة ، ولدت في اعظمية بغداد لكنها تنتمي الى كركوك قلبا وجسدا، وهي تتخطى الجغرافيتين لتنتقل كفراشة ملونة تمتص رحيق زهور مدن العراق شمالا وجنوبا ، تمتلك شخصية آسرة ، ولها اسلوب شعري فريد وقدرة فذة على استنباط معان موحية وسخية من مفردات لغوية تقليدية ، تقرأ شعرها في الغالب بصوت خفيض وهادئ ، لكنها تهيمن على الأسماع وتفرض علي المتلقي سطوة الكلمة المعبرة ذات الحضور والتفاعل .. نقية .. تلقائية . ضاجة بالاحاسيس الرفيعة ومتلفعة بالاناقة والسكينة ، وخلال سنوات ابداعها المفعمة بالمشاعر والأحاسيس الرقيقة ، رفدت قراءها بحصيلة تنبض بالود والوجع معا .. فلها ثلاث مجاميع شعرية مدهشة وهي (فراشات آمنة ) و ( كتاب الحب ) و( ممتلكات لا تخصني ) .

كتبتُ ونشرتُ عن أمنة مرتين . الأولى عندما كانت لا تزال في بداية درب الشعر الشائك، وبالتحديد في اذار من العام ٢٠٠٠ وكنت مأخوذا بنصوصها وكانت مقالتي المعنونة ( الدهشة مخاض الكلمة العسير) قد تناولت بعض نصوصها التي تستحق الوقوف عندها ومنها :

حين طعنتني في فؤادي
أقسم إنني أعلم
لم تكن تعنيها في الفؤاد
لولا انني إلتفت فجأة إليك
تلك اللحظة.

وفي الثانية صدمتني إحدى قصائدها الطويلة التي شكلت برأيي آنذاك انعطافة نوعية نحو التخلص من التقريرية والمباشرة والانعطاف نحو الرمز، وكانت مقالتي بعنوان ( تحولات آمنة محمود الصادمة)، لذا ولكي اتخطى تلك الانطباعات المسبقة التي كونتها عنها آثرت أن أوفر لها فضاء رحبا ( وهذا استحقاقها بإمتياز) لكي تتحدث هي عن نفسها بدون رتوش ونكون نحن على تماس بهواجسها وإنطباعاتها عبر هذا الحوار التلقائي ..

س : طلبت منك التحدث عن نفسك بدون قيود، فماذا تقولين عن آمنة محمود بحيادية تامة ؟
ج : بحيادية تامة : آمنة محمود: نرجسية، قلقة، هشّة أمام المواقف الإنسانية ، صلبة ومقائلة فيما يخص المبادئ والقيم والبنتين(بنتيها).، تتنفس الحياة شعرا وامومة ، مخذولة دوماً لكنها شجاعة.!

س : إبتداء لنتحدث عن الينابيع . ما هي المؤثرات التي دفعتك الى عالم الشعر ؟
ج : بدايةً الشعر ليس عالماً بالنسبة لآمنة بل هو كيان داخل هذا العالم، هذا الكيان كان مؤثراً الى زمن قريب، لكنه ولأسباب عدة أصبح قليل التأثير وتقريبا بلا جمهور. أما البداية فكانت الالتفات لأي قصيدة مغناة والتأثر الشديد بها ثم البحث عن الشعر في كل مكان ومن ثم الإصغاء .. تعلمت فن الإصغاء وأصبحت كالإسفنجة التي تشرب السوائل ، فكان الشعر ينبوعي والموسيقى والسينما ، وكل القصص والدراما التي تدور حولي وأدور في افلاكها ، كلها كانت ينابيعي.

س : في رأيك .. ما وظيفة الشعر .. هل هو في حقيقته بوح آني يعكس المشاعر الذاتية للشاعرفحسب، ام انه اداة سحرية وسرية للتغيير والتواصل مع الآخر . ام انه الاثنان معا ؟
ج : أعتقد بأن الشعر أصبح بلا وظيفة (بشكل عام) نحن سرب تشرد وأصبح يغني على أبواب مبان دينية، القصيدة صارت تكتب لمهرجان أو مناسبة، والكثير من هذه المناسبات خاضعة لسياسات معينة أو اشتراطات خاصة. أما عن المفاضلة بين أن كان الشعر بوحاً ذاتياً وانفعالا آنيا، أم هو أداة سحرية وسرية للتغيير والتواصل؟ فحسب تصوري فأن لكل شاعر طريقاً خاصا ، وطريقة مختلفة تشترك في تغذية تلك الخلفيات الثقافية والمرجعيات الفكرية بل وحتى المعتقدات والقيم ، ويختلف الأمر باختلاف كل شاعر وطريقته واسلوبه في التعبير بل وحتى كل شاعر ستختلف بداياته عن مراحله المتقدمة.
وبالنسبة لي فأنا أنطلق من الشخصي العام فالمرأة أصبحت قضيتي التي احمل همومها على عاتق القصيدة وكل ما يعنيها هو بالنهاية متصل بي فقد يرى البعض في النص الذي اكتبه ملمحاً شخصياً لكن بالنهاية تجد أنه يعالج همّا مشتركاً تعيشه معظم النساء ‎٠‏

س : كيف تكتبين نصوصك .. هل تستنزفك معاناة ووقتا . ام انها تنهمر دفعة واحدة ثم تولد القصيدة ؟
ج : كل نص يختلف عما سواه فبعض النصوص اكتبها في جلسةٍ واحدة ولا تحتاج بعدها الاّ الى بعض المعالجات الصغيرة وبعض النصوص يحتاج نموه الى مدة اطول وانفعال اشد وأقسى.

س : حزنك الآسر يطغى على نصوصك ويغمر مساحة واسعة في براري الشعر .. اصرارك على عودة الغائب الحاضر يشي بالكثير . هل حزنك مرده هو ام انه لغة العصر السائدة وربما المآسي المحيطة بكل ما في حولك ؟
ج : في جلسة شعرية نسوية خاصة قرأتْ الشاعرات قصائد حب وشوق وعَشقٌ وغرام.، وحين جاء دوري لم أجد قصيدة حب كاملة فكل نص كتبته يغيم الحزن سمائه وإن فتحث باباً مغلقاً وجدثٌ الخيانة خلفه فكيف سأحتفل بالحب وهوغير حاضر أو حقيقي؟ ومن أين تاتي السعادة ونحن نعيش في بلاد يتيمة الفرح؟

س : اذا طلبت منك ذكر اربعة ابيات من أقرب النصوص الى نفسك من شعرك ، فماهي الابيات التي تختارينها ؟
رَمَدٌ على عينيك يا بنت ُ
أم غيمةٌ هطلت ولا نبت ُ
أهلي غيابٌ والحضور عدا
والقاتلان الليلْ والصمت ُ!

س : كركوك : ضاجة بأصوات الشعراء .. كيف تقيمين هذا السيل من الدفق الشعري؟
ج : لم أطلع على النتاج الشعري كي استطيع التقييم بشكل موضوعي لكنني كنت استمع الى قصائد جيدة من شعراء شباب في بعض الجلسات الشعرية. اتمنى الموفقية للجميع.

س : لو منحتك نافذة تطلين منها الى خارج ذاتك . ماذا تقولين بحرية تامة ؟
ج : ما سأقوله لها بحرية تامة لن يكون، لكنني سأهمس لها : كوني بخير!!

هنا أتوقف عن إلقاء الاسئلة ، لكن آمنة محمود لن تتوقف عن مشوارها الطويل ، فهي ستواصل رحلتها مع الحرف، تنسج لنفسها عوالم متداخلة تشع بدفء العنفوان و نبض الوداد، والتوق الى الفرح الضنين !

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

948 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع