الإسراء والمعراج وجبر الخواطر

الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل


الإسراء والمعراج وجبر الخواطر

الإسراء والمعراج آية من آيات الله تبارك وتعالى، ومعجزة من معجزات النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وهي من الأحداث البارزة في تاريخ الدعوة الإسلامية وقد جرت ليلاً قبل الهجرة إلى يثرب.

إن جبر الخواطر هو من المُعاملات الإنسانية السامية التي يتسم بها الأصلاء، وهو رفع همَّه الشخص أو تهوين مصيبته والأخذ بيديه حتى يمرَّ بمصيبته. ورفع همَّه الشخص قد تكون بالنصيحة أو الابتسامة أو بالصدقة.

وجبر الخواطر خلق عظيم حيث يجبر الإنسان نفوساً كُسرت وقلوباً فُطرت وأجساماً أُرهقت. يقول الإمام سفيان الثوري: "ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه".

من النماذج الموجودة في القرآن الكريم لجبر الخواطر قوله تعالى (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) (يوسف: 15) فكان هذا الوحي من الله سبحانه وتعالى لتثبيت قلب يوسف (عليه السلام) ولجبر خاطره؛ لأنه ظُلم وأوذي من أخوته؛ والمظلوم يحتاج إلى جبر خاطر، لذلك شرَّع الله تعالى لنا جبر الخواطر المنكسرة.

هناك العديد من النماذج القرآنية لجبر خاطر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، منها قوله تعالى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)، ومن النماذج الشائعة في مجتمعنا لجبر الخواطر تقديم التعازي لذوي الميت وجبر خواطر المرضى والفقراء والمساكين.

ونحن نحتفي بذكرى ليلة الإسراء والمعراج، والتي تُعد (ليلة جبر الخواطر)، حيث في هذه الليلة الشريفة غُسلت أحزان الحبيب (صلى الله عليه وسلم) بعد حصار خانق لمدة ثلاث سنوات، ثم أتبعه عام الحزن، وهو في ما يقارب العام العاشر للبعثة (الثالث قبل الهجرة).

فقد اُصيب (صلى الله عليه وسلم) بعدة ابتلاءات في عام الحزن، حيث توفي فيه عمه أبو طالب الذي كان يدفع عنه أذى قريش، ثم توفيت زوجته أم المؤمنين خديجة بنت خويلد التي كانت تسانده في الدعوة. واشتد إيذاء قريش لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقصد الطائف راجيا أن يقبلوا منه ما جاء به من عند الله تعالى.

لقد أقام عليه الصلاة والسلام في الطائف عشرة أيام يدعو أهلها إلى عبادة الله تعالى، ولكن دعوته لم تجد إلا قلوبا غلفاً وآذانا صماً وأعيناً عمياً فلم يستمع إليه منهم أحد.

وأغروا به سفاءهم وعبيدهم فجعلوا يصيحون به ويتعقبونه ويقذفونه بالحجارة، فما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يرفع قدمه ويضعها إلا على حجر، فسال الدم منهما ولم يرجعوا عنه إلا بعد أن خرج من الطائف.

لجأ (صلى الله عليه وسلم) إلى ظل بستان ليستريح وقد نال التعب والإرهاق، وتذكر ما فعلت به ثقيف فهانت عليه نفسه: أترى ربه ساخطا عليه حتى يؤذي كل هذا الإيذاء؟ أم أنه يريد له الهوان على يد هؤلاء اللئام؟ فأخذ يناجي ربه قائلا: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين: أنت رب المستضعفين، وأنت ربي.. إلى من تكلني: إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك، لك العقبى حتى نرضى ولا حول ولا قوة إلا بك".

لقد أسرى الله تعالى نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) ليلاً من المسجد الحرام بمكة، إلى بيت المقدس. وقد عُرج به بعد ذلك من القدس في رحلة سماوية بصحبة جبريل عليه السلام على دابة تُسمى البُرَاق إلى الملأ الأعلى عند سدرة المنتهى، وهي أقصى مكان يمكن الوصول إليهِ في السماء.

وعلى الرغم من أن الإسراء والمعراج حدثا في نفس الليلة، فإن موضعي ورودهما في القرآن الكريم لم يترادفا، بل ذُكر الإسراء أولا في (سورة الإسراء)، وتأخر الحديث عن المعراج إلى )سورة النجم( التي وُضعت بعد (سورة الإسراء) في ترتيب سور القرآن. وقد تكون الحكمة في هذا هي جعل الإسراء (وهو الرحلة الأرضية) مقدمة للإخبار بالمعراج، (وهي الرحلة العلوية).

وهكذا فقد جاءت حادثة الإسراء والمعراج لجبر خاطره (صلى الله عليه وسلم) بعد ما أصابه من محن والتي أصابته في عام الحزن وما تلاه.

يذكر الدكتور مصطفى محمود في كتابه (مُـحـمــَّــد) نماذج رائعة لسلوكيات الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم) في جبر الخواطر مستوحاة من حادثة الإسراء والمعراج؛ فيقول: "تذكر أن محمد صعد إلى السماء السابعة ووصل إلى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وأقترب حيث لم يقترب مخلوق من قبل، ولما عاد إلى الأرض كان في خدمة أهله، وكان يحلب شاته ويخصف نعله ويأتي العبد يطلب أن يتوسط له عند سيده فيفعل ..وتأتي الجارية الصغيرة تجره من يده ليشفع لها عند أهلها فيمضي معها ..

صعد إلى السماء السابعة وبقي يأكل في صحن واحد مع المساكين ويركب بلغته ويأمرُ جيشه أن لا يقطعوا شجرة، ولا يقتلوا طفلا ولا امرأة. وأن يتركوا الرهبان في أديرتهم هم وما يعبدون.

فقد كان محمد كبيرا قبل أن يصعد إلى السماء، وظل كبيرا بعد أن نزل منها. وكان عليه الصلوات والسلام كبيرا دون تكبر وعظيما دون تعاظم".

الزلزال المُدمّر:

لقد وقع في فجر الاثنين 6 فبراير/شباط 2023 زلزالا مدمرا بقوة 7.8 درجة ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وأعقبته زلازل أخرى، وقد أودت هذه الزلازل بحياة الآلاف ودمّرت كل شيء وتركت آلاف العوائل بلا مأوى في ظروف جوية صعبة. ويُعدُّ هذا الزلزال من أقوى الزلازل في تاريخ تركيا وسوريا.

لقد تجاوز عدد قتلى الزلزال لما يفوق 50 ألفا وفق الأرقام الرسمية المعلنة في حصيلة غير نهائية، وكانت الخسائر في الأبنية والعمارات وباقي البنية التحتية جسيمة.

لقد ظهرت تحديات كبيرة في البلدين، وبرزت الحاجة للمساعدات الإنسانية في ظل عدم وجود مأوى للكثير من الناجين في الشتاء القارس، فضلا عن عمليات الإنقاذ ومساعدة المصابين.

لقد تشرد الآلاف من إخواننا في سوريا وتركيا في ظروف قاهرة بعد أن فقدوا منازلهم، وأصبحوا بلا طعام ولا مأوى. إن الواجب الإنساني يستوجب على كل بلدان العالم والمنظمات الدولية والإنسانية والمواطنين تقديم الدعم المادي والفعلي العاجل لهؤلاء المتضررين وجبر خواطرهم.

هناك العديد من القصص المثيرة التي تحدثت عن أحداث الزلزال وما نجم عنه من قصص وأحداث وتفاعلات.

من المواقف النبيلة التي تناقلتها الأخبار ما قام به لاعب منتخب المغرب ونادي باريس سان جيرمان (أشرف حكيمي) والذي يعتبر واحداً من بين أفضل الأظهرة في العالم. لقد تبرع هذا النجم الكبير بملايين الدولارات لضحايا الزلزال في سوريا، وقال "بصفتي مغربي فإنني أتبرع بكامل ثروتي لضحايا الزلزال في سوريا" مما جعل المذيعة السورية تفقد السيطرة على نفسها وتنهار من البكاء.

وفي تركيا عُثر بين المساعدات الإنسانية التي جُمعت لضحايا الزلزال على رسالة كتبها طفل تركي ليقرأها من سيرتدي سترته التي تبرّع بها للمنكوبين. وقال رئيس بلدية مدينة كيركلاريلي التركية، إن الصبي (كيرم) كتب في رسالته: "مرحبا صديقي، اسمي (كيرم).. أحب هذه السترة كثيرا، لكن دعها تكون لك، ستحافظ على دفئك." وأضاف الصبي (كيرم): "أنا عمري 6 أعوام ونصف وأعيش في مدينة كيركلاريلي."


أليس الأجدر بنا جميعا إعانة إخواننا المتضررين في سوريا وتركيا وجبر خواطرهم كما فعل الصبي (كيرم).

اللهم كما جبرت بخاطر نبيك (ﷺ) في ليلة الإسراء والمعراج، نسألك أن تفرِّج عنا هموماً لا يعلمها إلا أنت، وتيسر أموراً لا يقدر عليها إلا أنت، وتجبر قلوباً لا يعلم بألمها إلا أنت.

https://www.youtube.com/watch?v=69G1dBygweo

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

954 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع