هل كانت زلّة لسان بايدن وقبله بوش الابن دلالة خرف؟ أم أن ما ارتكبوه من جرائم والأساليب التي تفنّنوا في ابتداعها لإبادة الشعب العراقي هو ما يُؤرّقهم ويدفعهم لارتكاب هذه السّقطات؟

                                              

                        د. سعد ناجي جواد

هل كانت زلّة لسان بايدن وقبله بوش الابن دلالة خرف؟ أم أن ما ارتكبوه من جرائم والأساليب التي تفنّنوا في ابتداعها لإبادة الشعب العراقي هو ما يُؤرّقهم ويدفعهم لارتكاب هذه السّقطات؟

اعترف مسبقا ان اغلب ما اكتبه اليوم هو كلام عاطفي، واعترف ايضا ان بعضه يدخل في باب تمنيات انسان عاجز لا يمتلك سوى القلم للتعبير عن ما يجيش في داخله. من وجهة نظر خاصة قد يختلف معها البعض، ان ما حدث قبل ايام عندما ذكر الرئيس بايدن اسم مدينة الفلوجة البطلة وهو يتحدث عن مدينة خيرسون الاوكرانية هو ليس زلة لسان تجعلنا نلتقطها للتندر عليه. وعندما قال قبله مجرم الحرب جورج بوش الابن شيئا مشابها وتحدث عقله الباطن عن جريمة غزو العراق الوحشي وهو يتحدث عن الغزو الروسي لاوكرانيا، هذه ايضا ليست زلة لسان نتيجة لخرف او اكبر سن. هذه كلها من وجهة نظري المتواضعة ادلة، (ربانية او غيبية، سمها ما شئت)، واشارات واضحة عن ان جريمتي حصار واحتلال العراق وتدميره وقتل الملايين من ابناءه ستظل تلاحق كل الذين ساهموا وخططوا لها.

فقط من عاش الجرائم التي ارتكبت للفترة من 1990 وحتى 2003، بل وما بعدها، يستطيع ان يفهم ما يعانيه مرتكبوها، ولماذا يسيطر هاجس ما جرى في تلك الفترة على عقول ونفوس هولاء الاشخاص. فهم مثلا يعلمون جيدا كمية اليورانيوم المنضب الذين امروا باستخدامه في العراق سواء في حرب 1991 او في عملية غزو العراق 2003. وهم يعلمون جيدا الكم الهائل من الاسلحة المحظورة التي استخدموها في البصرة وفي الفلوجة بالذات. ومن لا يعلم فعليه ان يعود الى تقارير المنظمات الدولية الانسانية المستقلة والمحايدة ليقرا الارقام والاحصائيات عن الارتفاع الهائل في التشوهات الخلقية التي لا تزال تظهر على الاطفال حديثي الولادة، وعلى الارتفاع الجنوني لنسبة المصابين بامراض السرطان ، الى غير ذلك من التلوثات والمواد المشعة والملوثة التي لاتزال منتشرة في العراق من جراء حروب اميركا بسبب عدم وجود اي جهد حقيقي للتخلص منها. وللمعلومات فان التدمير بالالة العسكرية لم يكن هو التدمير الوحيد الذي انتهجته الولايات المتحدة وحلفاؤها في العراق. فهناك الحرب الجرثومية ونشر الاوبئة التي لا يتحدث عنها احد، وهذه بدات منذ ان بدا الحصار على العراق وتزايد بشكل كبير في ظله. ففي تسعينيات القرن الماضي نُشِرَت تقارير وصور عن صناديق تحمل حشرات سامة وجراد في كركوك كانت احدى الجهات تنوي نشرها في المناطق الزراعية لكي تقضي على الزراعة العراقية التي نجحت في تلك الفترة في توفير نسبة لاباس بها من احتياجات المواطنين. وهذه حقيقة اقلقت فارضي الحصار الذي شمل حتى المواد الغذائية، سواء عن طريق منعها باساليب ملتوية او عن طريق عرقلة وصولها. كما تحدثت مصادر اخرى اثناء حرب 1991 (التي كان هدفها الاساسي تدمير البنيته التحتية للعراق)، ان بعض الاطراف الخارجية، وبمساعدة اطراف داخلية، حاولت تسميم مياه نهر دجلة من شمال مدينة الموصل، ولكن هذه الخطة كشفت واجهضت وهي في بداياتها. وهذه التفكير والفعل الاجرامي ليس بالجديد، فلقد نُشِرَت معلومات موخرا عن قيام العصابات الصهيونية بتسميم ابار المياه في قرى فلسطينية عديدة لابادة سكانها كجزء من جرائم الابادة الجماعية التي ارتكبتها تلك العصابات عام 1948.
عندما يسقط في العراق حوالي 2 مليون شهيد بينهم 600 الف طفل رضيع، واغلبية من النساء والشيوخ نتيجة الحصار، وحينما تزداد نسبة الامراض القاتلة والولادات المشوهة باكثر من 2000 بالمائة، وحين تنتشر صور الضحايا من الجنود الذين صهروا في دباباتهم او الابرياء من النساء والاطفال الذين قتلوا خنقا في ملجا العامرية، وحين يتسبب الغزو وما تلاه بقتل اكثر من مليون ونصف شخص اخر، لابد ان تلاحق ارواح هذه الضحايا قاتليها وتقض مضاجعهم يوميا، ولهذا تزل السنتهم ويظل عقلهم الباطني يتحدث عن تلك الجرائم. وستظل لعنة العراق تلاحقهم في حياتهم وفي مماتهم. وطبعا هذه اللعنة لا تقتصر على من خطط للاحتلال وانما تشمل من حكم باسمهم واجرم بحق الابرياء على اسس طائفية او عنصرية ارهابية متعصبة. اعود واقول ان ما كتبته يبقى عاطفيا في مجمله، على الرغم من الحقائق والارقام التي لا يستطيع اي مطلع ان يشكك بها. كما اني كانسان مؤمن اظل اعتقد ان هناك عدالة ربانية ستتحقق يوما ما، وستبقى الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة ومن تحالف معها من الخارج والداخل تقض مضاجع مرتكبيها، والسبب بسيط لانها جرائم غير مسبوقة.
وصدق رسول الله ﷺ حين اوصى احد قادته الذي ارسله الى اليمن بان لا يظلم احد، واردف ذلك بقوله الكريم (اتق دعوة المظلوم فانها ليس بينها وبين الله اي حجاب).
*كاتب واكاديمي عراقي

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1299 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع