(في العقبة كسر رقبة), ويا أهلاً بالمعارك!!..(٢-٢)

                                                                

                               أحمد العبدالله

(في العقبة كسر رقبة), ويا أهلاً بالمعارك!!..(2-2)

ابتدأ مسلسل الفوضى والخراب سنة 1956 بخطوة ارتجالية وغير مدروسة ولا موجب لها, بما عُرف بـ(تأميم) قناة السويس, حيث طبّلوا وزمّروا لها كثيراً ولا زالوا, والتي استجرّت العدوان الثلاثي, فدُمّر قسم كبير من الجيش المصري وخصوصا سلاح الطيران واحتلّت إسرائيل سيناء بدون قتال. ولولا التدخل الأمريكي والروسي, لبقيت سيناء تحت الاحتلال الإسرائيلي, ولكنها اضطرت للانسحاب بفعل الضغوط الدولية والعربية, وليس بسبب القوة الكارتونية الفارغة لـ(طاووس مصر)!!. ولكنها كسبت حق المرور لسفنها في خليج العقبة.
ولو صبر (طاووس) سنوات قليلة فقط, لعادت القناة إلى مصر بدون هذا(الجهجهون), وفق عقد إيجارها البالغ (99) سنة, والذي كان سينتهي في عام 1968, و(يا دار ما دخلك شر). ولكن لا بد للزعيم من معركة يخوضها حتى ولو كانت خاسرة, فأبواقه الدعائية كفيلة بقلب الهزيمة إلى نصر وهمي ولا وجود له. ولا يتطلب منه سوى حفنة من الكتّاب والإعلاميين المنافقين وجوقة من المغنّين وراقصات شارع الهرم, فهذه هي (ترسانة الزعيم) وأسلحته الفتاكة في الضحك على المغفّلين!!.
خرجت إسرائيل من حرب 1956, وهي أكثر تصميما على احتلال سيناء وبلوغ قناة السويس وفق نظرية (الحدود الآمنة), وبدأت تستعد لتحقيق هذا الهدف وانتهاز أي فرصة سانحة, بينما كان (زعومي) غارقا في رمال اليمن وجبالها لينصر فئة على أخرى, فهذا هو دينه وديدنه!!. وكان قائد (جيوشه) الذي لا يفقه شيئا في العلم العسكري, والذي رقّاهه من رتبة(صاغ) إلى رتبة(مشير)!! في قفزة(كنغرية)كبرى, نظير هزيمته في (حرب السويس)!!. أقول؛ كان (المشير) غارقا, هو الآخر حتى الثمالة بمغامراته المتصابية مع فنانة الإغراء؛(برلنتي عبد الحميد), ومعه حاشيته الفاسدة مع فنانات أخريات مثل(مها صبري)!!.
فجأة؛ يعلن(زعومي) الحرب(الإعلامية) وتتعالى شعارات؛(في العقبة كسر رقبة)!! وغيرها, والتهديد والوعيد بالزحف إلى تل أبيب و(إلقاء اليهود في البحر)!!, والطلب من قوات الأمم المتحدة مغادرة حدود سيناء فوراً, ثم منع السفن الإسرائيلية من المرور عبر مضائق تيران في خليج العقبة, وهو بمثابة إعلان حرب. وزجَّ بعشرات الآلاف من المصريين المساكين من قوات الاحتياط غيرالمدربين وهم بـ(الجلابيب) ودفعهم بدون خطة إلى التهلكة في صحراء سيناء, وكأنهم في مظاهرة استعراضية كتلك التي تقام لتمجيد(الزعيم) بمناسبة وبدونها. وكانت أبواقه الدعائية تردد بلا كلل صرخات؛(حنحارب..حنحارب)!!, ونشيد؛(يا أهلاً بالمعارك يا بخت من يشارك.. ونطلع منصورين)!!!.
ولكن الواقع البائس على الأرض لا صلة له بالشعارات الصاخبة, ففي ليلة 5/4 حزيران أقيمت حفلات ماجنة في القواعد الجوية المصرية أحيتها الراقصة سهير زكي, وعلى وقع هزّ الأرداف الثقال وقرقعة كؤوس الخمر حتى مطلع الفجر, ليرقد بعدها الطيارون السكارى الذين أعياهم السهر و(الكيف) في نوم ثقيل. وفي تلك اللحظات كان طيارو إسرائيل ينطلقون بكل ما لديهم من طائرات, ويدمّرون جميع الطائرات المصرية وهي جاثمة على الأرض, ولم يقع ولا اشتباك جوي واحد. أما صواريخ(القاهر)و(الظافر), التي صدّعوا رؤوس الجماهير بها, وإن باستطاعتها مسح تل أبيب من الخريطة!!, فقد ظهر إنها صواريخ كارتونية مثل صاحبها!!, وخلال ساعتين تم حسم المعركة!!. بينما كانت إذاعة الزعيم تفبرك أخباراً كاذبة بأن الجيش المصري صار على مشارف تل أبيب, وإن المئات من طائرات العدو قد تم إسقاطها!!.
كانت كارثة الكوارث وأم الهزائم في تاريخ مصر والعرب, فدُمّر الجيش المصري بقضّه وقضيضه, وقضى الآلاف من جنوده الغلابا عطشاً في رمال الصحراء وهم هائمين على وجوههم بعد أن زُجّوا بمعركة لم يستعدوا لها, وذهبت سيناء غنيمة باردة لليهود وبدون خسائر تقريبا, والتي مساحتها تعادل ستة أضعاف مساحة لبنان!!, ومعها القدس وما تبقى من فلسطين والجولان. فهذا هو الحصاد المرّ للـ(زعيم المهزوم)*, الذي كانت فترة حكمه عبارة عن سلسلة من الهزائم والفشل والغدر, والتي ابتدأها بالغدر برفاقه في(مجلس قيادة الثورة)**. ولو لم يعاجله الموت في 28-9-1970, لربما وصلت إسرائيل في تمددها إلى نهر النيل***!!.
.....................................
* علّقت الصحافة العالمية- مستغربة - على استقبال الجماهير السودانية (المليوني) للزعيم المهزوم عند حضوره لقمة الخرطوم, بعد قليل من هزيمته المخزية والمذلّة في 1967, بقولها؛(إنه استُقبل استقبال الفاتحين وهو مهزوم, فكيف به لو كان قد انتصر؟)!!!.
** (أبطال) انقلاب 23 تموز الحقيقيون, والذين لولاهم ما نجح الانقلاب المشؤوم, هم؛ عزيز المصري ومحمد نجيب ويوسف صدّيق, وهؤلاء عزلهم (ناصر) وأبعدهم وسجن بعضهم وحدّد إقامتهم, ولم يتبقَ إلى جانبه في النهاية من أعضاء مجلس القيادة, سوى(أنور السادات), والذي أسماه زملاؤه تهكماً؛(البكباشي صح)!!, بسبب تبعيته لعبد الناصر وموافقته على كل ما يقول, بعبارته الشهيرة؛(صح يا فندم)!!.
*** لاحقت الفضائح (الزعيم الخالد)!!حتى بعد مماته, فقد تم الكشف بعد نحره أو انتحاره في لندن سنة 2007, إن صهره (زوج إبنته منى), المدعو(أشرف مروان), والذي عيّنه في مكتبه الخاص, كان أكبر جاسوس تمكنت إسرائيل من تجنيده لصالحها. وهو الذي أبلغها بساعة الصفر لحرب(أكتوبر1973)!!. حيث إنه عرض خدماته على إسرائيل منذ عام 1969 وظل يزودها في السنوات التالية بالمعلومات عن مصر والعالم العربي، وهي المعلومات التي وصفها مسئولون إسرائيليون بأنها (لا تقدر بثمن)!!.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

780 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع