خطّ أسم الجلالة .. (الله)

                                                                                        

                              عمّــار وهبي

    

خطّ أسم الجلالة .. (الله)

لم يكن محدّثي هذا اليوم شخص اعتيادي فطالما ارتبط اسمه بالتراث العراقي وعالم الأنتيكات حتى أصبح مرجعاً ومؤرخا للكثير منها .. رغم أنّه أستاذ جامعي وحامل شهادة دكتوراه في علم الأقتصاد .. وخلال ملازمتي له ورفقتي معه كنت أستأنس بسماع قصص تراثية ومعلومات تاريخية .. حتى بتّ أهيئ موبايلي مقدماً على تطبيق التسجيل الصوتي .. طبعا بعلمه وموافقته .. وهنا أحمد الله على هذا الأبتكار التكنولوجي بدلاً من حمل جهاز التسجيل ماشياً .. لأتهمنا بأرتباطات مخابراتية شتّى .. وفي لقائي الأخير معه قبل ايام قلائل بعد أن طلب منّي مرافقته لحضور إحدى معارض عرض الأنتيكات في ‏في القرية الثقافية كتارا في مدينة الدوحة .. وفي إسترسال الحديث معه عن الحسّ والشعور القوي بالمادة الأنتيكية القديمة والثمينة وكيف العين الثاقبة تقدر أن تلتقط تلك المادة .. أطلقنا عليها .. بالگنصه .. فكان لابدّ من أن أسجّل هذه الحادثة عنه … ليست الحدث نفسه وشخوصه ولكن … لمحتواها الثقافي والتاريخي والتي همّني أمرها .. وأحببت أن يطلّع عليها الجميع .. وتحديدا بما يعنينا بطريقة كتابة .. لفظ الجلالة .. الله .. بالطريقة المعهودة والتي نشاهدها كلّ يوم .. جاء عن لسانه ..
طلب منه أحد الأصدقاء يوما مرافقته بالذهاب إلى منزل رئيس محكمة التمييز في العراق الذي كان قد أحيل على التقاعد يومها .. ولاأريد ذكر إسمه فلايهمّنا ذلك في موضوعنا هذا وكذلك حرصاً على خصوصيات الناس .. ولكنه كان شخصية قانونية ومهنيّة مرموقة جدا .. وذلك لكي يبيع له دكتور طالب بعض السجاد الإيراني الذي يملكه لإدارة أمور معيشته لحين الانتهاء من معاملات الراتب التقاعد .. وافق دكتور طالب على الحضور احتراما لهذا الشخص الكريم وحبّاً في مساعدته أيضاً .. وما أن وصلوا الى الدار ودقّوا جرس الباب فتحت لهم الباب بنت صغيرة فأدخلتهم عن طريق باب المطبخ لملاقاة صاحب الدار ..
فوقعت عينه حين دخوله على لوحة مهملة معلقة على جدار المطبخ لفتت نظره كونها خطّت باليد أسم الجلاله .. الله .. بخط الثلث بشكلها المعهود حاليا .. كما أسلفت في المقدمة .. وحين قابل رئيس المحكمة أراه بعض السجاد الأيراني الّذي يملكه وقد صفّ أمامه طالبا مقابله مبلغا معينا لسداد مصاريفه .. فردّ عليه دكتور طالب بأن يترك السجاد عنده وسيعطيه المبلغ المطلوب .. غضب رئيس المحكمة وردّ بأنه ليس يستجدي مالاً بل عنده بضاعة يريد بيعها ويريد مبلغا معينا ثمناً لا اولايهم كم سيربح عليها بائعها عند البيع .. إعتذر منه دكتور طالب ضاحكاً وردّ أنّ ليس ذلك مقصده بل المال سيصلك مقابل حاجة عندك في الدار وقد أهملتها ستدرّ عليك اضعاف ماطلبته من مال .. إستغرب رئيس المحكمة متسائلاً ماهي؟ .. فطلب إحضار لوحة أسم الجلالة المعلقة على جدار المطبخ .. وحين إحضارها تفحصّها جيداً فوجدها إنّها اللوحة الأصلية القديمة والتي أوجد من خلالها طريقة كتابة أسم الجلالة كما نعهده اليوم .. فوق الجوامع والمنارات ويصيغ منها صيّاغ الذهب والفضة حلّي تعلّق في الرقاب .. وتذكرت ايضا تلك المرأة التي شاهدتها في إحدى المدن الكندية .. وقد رسم وشم (تاتو) إسم الجلالة زندها الأيمن بنفس طريقة الكتابة تلك !! .. وكانت اللوحة موقعّة وموثّقة .. هنا كان لابدّ من المداخلة والسؤال عن من أوّل من أوجد كتابة كلمة .. الله .. بهذه الطريقة؟ .. وكيف وثّقت بعد ذلك .. وهذا محور مقالتنا اليوم والمعلومة التاريخية ..
فكان شرح دكتور طالب .. بأن ‏هذه اللوحة خطّت بيد السلطان العثماني محمود خان الثاني وهو السلطان الثلاثون للدولة العثمانية حفيده السلطان عبد الحميد الثاني .. كان أعظم الخطاطين وهو نفسه الذي خطّ كسوة الكعبة يومها ومبتكر كتابة أسم الجلالة (الله) بوضعها الحالي .. وذلك حسب ماعرفته عن قراءاتي تاريخ الخط العربي و تحديد الخط العثماني ونظرية نقد الخط .. وتأكّدت من ذلك من كتابة تحت أسفل اللوحة على شكل رسم أشبه بنبتة الجزر .. يبدأ عريضا من الأعلى لايلبث أن يصبح رفيعا في الأسف .. وقد كتب فيها قد أجازت هذا الخط "السلطانة دُرّ خانم" وهي أم السلطان محمود الثاني والتي كانت أشهر خطّاطة في عصرها واشتهرت وقد أجازت كتابة أسم الجلالة .. الله .. بهذه الطريقة .. حيث أنّ لكلّ خطّاط معلّم بتلمّذ على يديه .. ويجيز خطّه .. كما أجاز خطاّط العراق الكبير .. هاشم محمد البغدادي .. الملّا "عارف الشيخلي" عام (1943م) وأجازه قبلها الخطاط التركي المشهور موسى عزمي والمعروف بأسم "حامد الآدمي" .. فقد أجازه مرّتين الأولى في عام(1950م) والثانية في عام(1952م) .. فيما أجاز خط "حامد الآمدي" .. خطّاط الحرمين الشريفين .. "عبد الله بك الزهدي"
وهكذا في نهاية المطاف عرضت اللوحة في الأسبوع نفسه في (مزاد البغدادي) في مدينة بغداد وتحديدا منطقة الأعظمية .. وبعد القاء نبذة عنها عرضت على الحاضرين وتمّت المزايدة عليها … وأنتهى بها المطاف بأن بيعت اللوحة لأحد المزايدين أضعاف المبلغ الذي كان بحاجة له رئيس المحكمة المتقاعد ممّا زاده فرحة وغبطة والحفاظ على السجاد المعتزّ به …

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

612 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع