قصة قصيرة - فرصة ثانية / الجزء الثاني

                                                     

                            بقلم أحمد فخري

قصة قصيرة - فرصة ثانية /الجزء الثاني

من لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول فبامكانه مراجعته من خلال هذا الرابط
https://algardenia.com/maqalat/52712-2022-02-12-12-06-12.html

خرج الاب وابنته وهما بغاية السعادة لانهما سيسهران هذه الليلة مع جارتهما الجديدة. اما سهام فقررت ان تنتظر الاثاث حتى يصل ثم تقوم بجولة تسوق لتقتني لنفسها فستاناً يليق بالسهرة. هل ستشتري فستاناً طويلاً ام قصيراً، اسوداً ام احمراً، مفتوح الصدر ام مغلوقاً وبينما هي تفكر سمعت جرس شقتها يرن. فتحت باب شقتها واذا بها ترى رجالاً ثلاثة يحملون قطع الاثاث فوق رؤوسهم. فتحت جناحي الباب كي يدخل الاثاث بسلاسة وصارت توجه الرجال اين يضعون قطع الاثاث كما رسمتها له بمخيلتها. استغرق تسليم الاثاث اكثر من ساعة ونصف قاموا بعدها بازالة الاثاث المؤقت ليأخذوه معهم. غادر الرجال فاغلقت الباب ورائهم. لم تشأ ان تباشر بترتيب وتموضع الاثاث بل قررت تأجيله لوقت لاحق. اقفلت باب شقتها ورائها وخرجت للشارع طالبةً من سائق سيارة الاجرة ان يأخذها الى مجمع تجاري يدعى (سيتي مول). وقفت سيارة الاجرة امام المجمع فنزلت منه سهام ونظرت اليه بشغف كبير لتجده مبنىً راقٍ يتألف من ثلاثة ادوار. دخلت الباب الرئيسي وصارت تتجول بداخله تتفقد محلات الالبسة النسائية. لكنها لم تعثر على ماكانت تصبو اليه لذا قررت ان تتناول وجبة الغداء اولاً بمجمع المطاعم بالطابق العلوي حيث صارت تتجول بين الاكشاك المتنوعة. كان الامر محيراً للغاية لان كل الاطعمة تبدو مشهية ولذيذة لذا وجدت من الصعب ان تختار لها الطعام الذي تبتغيه لكنها تذكرت انها تنوي شراء فستان سهرة وعليها ان لا تكثر من الطعام والا فانها سوف لن تجد فستاناً يلائم جسدها. اكتفت بان طلبت صحناً من السلطة القيصرية، جلست وتناولته ثم واصلت جولتها بالبحث عن الفستان وفجأة ومن دون سابق انذار خرج امامها فستان سهرة طويل اسود واحمر مورد بوردات حمرٍ وخضر جميلة وضعوه بداخل المحل لكنها اصطادته من الخارج من خلال الزجاج. علمت وقتها انه هو هدفها المنشود وليس سواه. دخلت المخزن وتلمست قماشه فاعجبها ملمسه الناعم ثم فتشت عن الحجم المناسب لحجمها 34. لم يتغير حجمها منذ ان ولدت ابنتها فاتن. بقيت على وزنها الذي بقي يحوم حول الـ 55 كغم وطولها الذي سُجّل بجوازها 165 سم. اخذت الفستان ودخلت به غرفة القياس. ارتدته وراحت تستعرضه لنفسها بالمرآة فوجدته جميلاً جداً.

               

وعندما اكتفت من استعراضه عادت وخلعته ثم خرجت كي تُتِمّ الصفقة. اودعت العاملة فستانها بكيس انيق عليه اسم المحل (ZARA). تمشت في نفس الطابق بحثاً عن محل آخر يبيع المكياج والعطور النسائية فاختارت لنفسها بعضاً منها وخرجت لتدخل محلاً يبيع الحقائب، اختارت حقيبة سوداء لماعة يتدلى منها زنجيل ذهبي يلائم الفستان. وقتها قالت، "يجب ان اعود الى البيت الآن والا فسوف اشتري كل البضاعة التي بهذا المجمع التجاري اليوم". رجعت الى بيتها وفور دخولها الشقة صدمها منظر الاثاث الجديد الذي تذكرت انهم اوصلوه اليوم فابتسمت وركضت فوراً الى غرفة النوم. فتحت الدولاب كي تنظر الى نفسها بالمرآة ثم صارت ترتدي فستانها الجديد، نظرت الى نفسها من الامام ثم استدارت نصف دائرة فرأت بطاقة السعر ما تزال متدلية منه فقالت لنفسها، "ما اجملني وانا اقابل فؤاد وديزي والبطاقة تتأرجح من فستاني". امسكت بالمقص دون تردد وقصتها فوراً حفاضاً على ماء الوجه ثم خلعت الفستان ودخلت الحمام كي تغتسل. ولما دنى موعد السهرة كانت قد اكملت جميع استعداداتها. ارتدت الفستان ثانية ولكن هذه المرة كانت لتتهيأ للخروج النهائي فهي لم تسهر مثل هذه السهرة لاكثر من 5 سنوات. بدأت بمكياجها لتبدأ بالفاونديشن لتغطي العيوب التي تركها الزمن ثم استعملت احمر الشفاه الذي تطابق حماره مع حمار الوردات التي زينت فستانها الجديد. ارتدت الحذاء الذي زاد من طولها 10 سم. وقفت امام المرآة ونظرت فابتسمت وقالت، "الآن اصبحت جاهزة، اين هم جيراني؟". لم تكمل جملتها الا ورن جرسها فسارت بخطى بطيئة لتفتح الباب فترى فؤاد وابنته ديزي واقفان على الباب. انبهرت بمنظرهما فقد كانا بكامل قيافتهما. صار فؤاد وابنته يتهامسان عليها بالتركية فسمعت ديزي تقول، "شايهانه، شايهانه". ابتسم الاب وقال،
فؤاد : يا مدام سهام، تبدين رائعة حقاً.
ديزي : ما هذا يا خالتي سهام؟ ستغطين على كل النساء في المطعم. انت اجمل امرأة شفتها بحياتي.
فؤاد : حقاً ابنتي على حق يا سيدة سهام. انت جميلة جداً.
سهام : اسمعوا مني يا اعزائي. من الآن فصاعداً اريدكما ان تنادوني باسمي فقط لا سيدة ولا خالتي. فقط سهام. وطبعاً شكراً على اطرائكم الجميل فانتما ايضاً تبدوان رائعين حقاً.
ديزي : دعنا نذهب والا سنقضي الامسية بكاملها نمتدح بعضنا البعض. هيا يا ابي هيا يا سهام.
نزل الثلاثة الى مراب السيارات باسفل العمارة فركبوا سيارة مرسيدس بيضاء حديثة انطلقوا بها باتجاه وسط البلد. كان اختيار المطعم من مسؤولية فؤاد وكان بالطبع يعرف كيف يختار الاماكن الراقية. فالمطعم كان يحتوي على ديكور مميز وانارة مميزة. فور دخولك الباب الرئيسي تمر بممر طويل مفروش بسجاد احمر طويل ينتهي بصالة كبيرة جداً تحتوي على ساقيات ماء موزعة بجميع الارجاء وعليها نواعير وتماسيح حية صغيرة وطيور ملونة تطير بداخل المطعم ولكن خلف شبكة كبيرة. الطاولات كانت دائرية وموزعة بشكل انيق بحيث وضعت بمسافات متباعدة بين الواحدة والاخرى كي تحفظ خصوصية الزبائن وتجعل حديثهم بعيداً عن الآذان المتطفلة. بهر المنظر سهام وراحت تمتع نظرها بذلك الجو المميز وتلك الروائح التي صارت تثير احساسها بالجوع. كانت هناك مشاعل من نار منصوبة على اعمدة بقرب كل طاولة تعين الزبائن على رؤية بعضهم البعض. جلست سهام وجلس امامها فؤاد والى يسارها جلست ديزي. كانت تُسمَع بصوت هادئ في الخلفية اغنية تركية جميلة تبعث بالراحة النفسية. قالت،
سهام : شكراً لكما سيد فؤاد وديزي.
فؤاد : الم نقل اننا سنزيل الالقاب؟ اسمي من الآن فصاعداً فؤاد فقط.
خفضت سهام رأسها خجلاً وعلمت ان تلك الجملة هي دعوة للحميمية. هنا علقت ديزي،
ديزي : حسناً (فؤاد فقط) نحن نشكرك على هذه الامسية الجميلة.
فؤاد : ستشكريني عند انتهائها يا ديزي هانم.
ديزي : أعجبتني هانم. لا تزيل الالقاب عنها ولتبقى تناديني هانم.
ضحك الجميع فقاطعتهم النادلة الحسناء ذات الشعر الطويل الذي كاد ان يلامس الارض من خلفها. اعطتهم ثلاث قوائم فخمة مغلفة بغلاف لجلد التمساح يعزز هيبة المطعم وفخامته.
فؤاد : القائمة مكتوبة بلغتين، الانكليزية والتركية. واذا اردت اي توضيح فاسأليني يا سهام.
سهام : حسناً، سالقي نظرة عليها.
كانت فقرات القائمة تحتوي على صور ذات وضوح عالِ لا تترك اي مجال للبس. لكنها مع ذلك سألت،
سهام : ماذا تقترح عليّ يا فؤاد؟
فؤاد : لقد زرت هذا المطعم كثيراً. وكل مرة كنت اجرب نوعاً مختلفاً من الاكلات. لم اجد ايٍ منها رديئاً او غير مستساغ. لذلك انا ساختار لحم الغنم المدفون بالرماد مع قطع البطاطة المشوية والخضار المسلوقة.
سهام : وانا ساجربه كذلك.
ديزي : (بانديه) انا ايضاً.
النادلة : هل تريدون البدأ بالشوربة؟
سهام : شوربة خضار لو سمحتِ.
فؤاد : بلا شوربة شكراً.
ديزي : اجل انا اريد شوربة فطر لو سمحتِ.
النادلة : ماذا ستشربون؟
سهام : ماء لو سمحتِ.
فؤاد : ماء لو سمحتِ.
ديزي : كوكا كولا مع الكثير من الثلج لو سمحتِ.
استرجعت النادلة قوائم الطعام منهم وابتعدت.
فؤاد : متى فكرت ان تبدأي بتعلم اللغة التركية؟
سهام : سابدأ يوم الاثنين القادم بالبحث عن معهد للغة ان شاء الله.
فؤاد : هناك معهد يدعى (بنمليه كونوش) ويعني تحدث معي. هو معهد مشهور جداً ويضمن تعلمك اللغة بفترة وجيزة.
سهام : هذا ما اريده تماماً.
فؤاد : هل تريدين ان اذهب معك؟
سهام : كلا، يكفي ان تزودني بعنوانه وساذهب للتسجيل بنفسي.
فؤاد : وماذا عن العمل؟
سهام : بصراحة انا كنت مدرسة لغة انكليزية عندما كنت بالعراق. لا اعلم ماذا يناسبني هنا.
فؤاد : ولماذا لا تزاولين نفس مهنتك هنا بتركيا؟
سهام : هل هذا ممكن؟
فؤاد : بالتأكيد ممكن. بعد ان تخوضي بضعة اشهر بمعهد اللغة ستتمكنين من التحدث بالتركية بشكل مبدئي. وقتها تستطيعين ان تقدمي على عمل بالمدارس.
ديزي : لماذا لا تدرسين بمدرستي يا سهام؟ فمدرسة اللغة الانكليزية الحالية لا تتحدث بالتركية بتاتاً.
فؤاد : اجل انها فكرة رائعة. ساخذك على السيدة پريدا مديرة المدرسة وهي التي تقرر وقتها إذا ستعينك قبل ان تكملي معهد اللغة او تبدأي بالعمل فوراً.
سهام : ابهذه السهولة؟
فؤاد : اجل، سوف ترين كيف سترحب بك المديرة، انها انسانة مهذبة اعرفها منذ امد بعيد. ديزي تدرس لديهم منذ ان كانت بالروضة. والآن هي بالصف الثاني.
سهام : انا جداً متحمسة لتلك الاخبار.
بهذه الاثناء رجعت النادلة تحمل صينية فيها الطعام وراحت توزعه على الجالسين. نظر الى وجه سهام وقال،
فؤاد : عافيات اولسن سهام، عافيات اولسن ديزي.
سهام : تشكر ايدرم فؤاد بيه.
عم الهدوء على الطاولة والكل انشغل بوجبته الشهية. وبعد قليل قاطع فؤاد الصمت وقال،
فؤاد : مدرسة ديزي نموذجية وتعتبر من افضل المدارس بسامسون. وهي المدرسة التي ساحاول تشغيلك بها.
سهام : بالواقع انا خجلانة منك سيد فؤاد، فانت تعمل لي كل شيء. ساقوم بالتقديم بالمدرسة بنفسي لو اعطيتني عنوان المدرسة واسم المديرة.
فؤاد : انا اعرف مديرة المدرسة السيدة پريدا منذ ان سجلنا ديزي بها. ساتحدث معها غداً وارى إن كان لديهم شاغراً.
ديزي : مدرسة الانكليزي بصفنا غائبة لانها حامل وستلد عن قريب.
فؤاد : هذه فرصة ممتازة دعنا نجرب حظنا هناك وإن لم نحظى بها فبامكاننا ان نقدم بمدارس ومعاهد اخرى ما رأيكِ؟
سهام : انتَ غمرتني بافضالك حقاً يا فؤاد. حسناً دعنا نجرب بمدرسة ديزي اولاً.
ديزي : مدرستنا جميلة جداً، ستعجبك كثيراً، لدينا ساحة خارجية بامكانك ان تلعبي هناك.
قهقهت سهام وفؤاد على ما قالته ديزي.
بعد الانتهاء من الطعام شاهدوا زوجان يتركان اماكنهم ويتوجهان لحلبة الرقص كي يرقصا. بعدها تبعهم زوجان آخران ثم اثنان آخران. ركلت ديزي اباها من تحت الطاولة وتحدثت معه بالتركية فالتفت الى سهام وقال،
فؤاد : هل تحبين ان ترقصي؟
سهام : انا آسفة فانا لا اجيد الرقص.
ديزي : هذا لا يهم، فقط تمايلي مع الموسيقى وامسكي برقبة ابي جيداً. هيا قومي.
لم ترى سهام بداً من ان تذعن لالحاح ديزي فابتسمت بوجه فؤاد واومأت برأسها معلنة موافقتها على الرقص. ترك فؤاد كرسيه وتوجه الى حلبة الرقص تبعته سهام. ولما وصلا الى وسط الحلبة وجه يديه نحوها فامسكت بيده اليسرى ووضعت يدها على كتفه الايمن. لف يده اليمنى حول خصرها فشعرت بدفئها. صارا يتحركان بانتظام كبير. همس بإذنها وقال،
فؤاد : قلت انك لا تجيدين الرقص، لكنك طلعت افضل مني.
سهام : ماذا اعمل يا فؤاد، انه الخجل بصراحة.
فؤاد : ولماذا تخجلين يا ترى؟ كل الذين حولنا يرقصون وسعيدين بالموسيقى. وانت، هل انت سعيدة؟
سهام : بالطبع فؤاد، انتم... لا اعلم... لقد احسستموني انني لست وحيدة بهذا العالم. فانا مررت باوقات عصيبة ببلدي خصوصاً مع وفاة ابنتي وطلاقي من زوجي وطردي من عملي وانقطاع التيار الكهربائي عني و...
وضع فؤاد سبابته على فم سهام وقال،
فؤاد : فقط تمايلي مع اللحن وانسي كل همومك. انت الآن في عهدتنا وبين اناس يحبوك ويرغبون ان تكوني سعيدة. لا تحمّلي الهموم اكثر من طاقتها. انت بامان ومستقبل مشرق امامك يبتسم بوجهك فردي له الابتسامة.
سهام : انتم حقاً اناس احبهم كثيراً.
فؤاد : انتم؟ هل قلت انتم؟
سهام : اقصد انت وديزي.
فؤاد : الحمد لله على الاقل حظيت بالقليل من الحب في قلبك.
ابتسمت سهام ولم تعلق على ما قال ثم وضعت رأسها على كتفه وواصلت الرقص بعد ان امسكت برقبته واحتظن خصرها بكلتا يديه. عندما تمت المقطوعة الغنائية رجع الاثنان الى طاولتهما فقالت لهم ديزي.
ديزي : كنتما رائعين. هل تعلمون الواقع؟ كنتم اجمل زوجين بين الراقصين بالحلبة. لماذا لم تستمروا بالرقص؟
فؤاد : هذا يكفي حبيبتي ديزي، غداً سنخرج نحن الثلاثة الى مدرستك وساتحدث انا وسهام مع السيدة پريدا.
ديزي : انا جداً سعيدة لانني سارى سهام كل يوم في المدرسة وفي جميع الاوقات. ساتمكن من ان اعانقها وقتما اشاء.
رجعت النادلة حاملة صحناً عليه قطع الحلوى قال فؤاد،
فؤاد : هذه الحلوى نسميها (لوكوم). هل لديكم شيئاً يشبهها؟
سهام : اجل نحن نسميها حلقوم. ربما اخذناها من الاتراك وقت الدولة العثمانية.
بعد ان انتهوا من تناول اللقم شربوا القهوة التركي ثم طلب فؤاد الفاتورة ووضع بطاقة اءتمانه على الصينية ليخرجوا من المطعم. رجعوا الى سيارة فؤاد البيضاء الفارهة فجلست سهام الى جانب فؤاد بينما جلست ديزي على المقعد الخلفي. في الطريق قالت سهام،
سهام : لا اعرف ماذا اقول لكما. فقد غمرتماني بحنانكما وقد افرحتماني كثيراً لاشعر بسعادة لا توصف هذه الليلة بهذه السهرة الجميلة وسوف تحاولان ايجاد عمل لي بالغد. انا جداً ممتنة لكما يا اصدقائي.
ترك فؤاد يده المنى من على المقود وامسك بيد سهام وضغط عليها ثم قال،
فؤاد : نحن سعداء بدخولك حياتنا من اوسع ابوابها. نحن الذين يتوجب علينا شكرك يا عزيزتي.
ديزي : انا لو كنت مكانك يا فؤاد بيك لاوقفت السيارة وقبلت سهام قبلة ساخنة لتجعلها تحبك.
فؤاد : عيب يا ديزي اخرسي، لا تقولي مثل هذا الكلام وتحرجين سهام.
ديزي : حسناً، ها قد خرست وسوف لن افتح فمي ثانية. وانت خسرت فرصة لتقبلها قبلة جميلة.
اوقف فؤاد السيارة في سرداب العمارة ونزلوا جميعاً منها ليركبوا المصعد. ضغط فؤاد على الرقم 11 لكن ديزي اعترضت وقالت لماذا لا تأتي سهام عندنا وتشرب القهوة قبل الصعود لشقتها؟
سهام : انا اشكركِ حبيبتي ديزي لكنني اشعر بالتعب. تذكري ان عليّ ان استيقظ مبكرة غداً كي اذهب معكما للمدرسة عسى الله ان يكتب لي وظيفة ارتزق منها هنا بتركيا. ولو شربنا القهوة فسوف لن نتمكن من الخلود للنوم.
وصل المصعد الطابق الحادي عشر فنزل الجميع منه وتوجهوا الى باب شقتها كي يودعوها فنبزت ديزي والدها وتكلمت معه باللغة التركية ولكن بصوت خافت واضعة كف يدها بالقرب من فمها وكأنها تخاف ان تسمعها سهام. بقيت تكرر كلمة (اوپ اونه) (اوپ اونه) (اوپ اونه). فسألت سهام،
سهام : ماذا تريد ديزي؟ هل تريد استخدام الحمام؟
فؤاد : كلا، كلا، لا شيء انها تهذي وحسب.
سهام : حسناً تصبحون على خير إذاً (اگي جالار).
فؤاد : اگي جالار جانم.
ديزي : اگي جالار ابلا.
دخلت سهام شقتها واغلقت الباب. رجع الاب وابنته للمصعد وركبوه لينزلوا الى الطابق الاول فعاتبت ديزي والدها قائلة،
ديزي : كم مرة قلت لك قبلها قبلها. فلماذا لم تقبلها يا افندي؟ كانت تلك فرصتك وانت اضعتها بترددك. ستبقى هكذا حتى تضيع من يدك ويحصل عليها رجل آخر احمق.
فؤاد : كيف اقبلها يا مجنونة؟
ديزي : حسناً لم تقبلها عندما ودعتها ولكن لماذا لم تقبلها عندما كنتما ترقصان بالحلبة. كانت تلك فرصة ذهبية.
فؤاد : انها اول مرة نخرج سوياً ولكي استطيع تقبيلها يجب علينا ان نعرف بعضنا البعض اكثر من ذلك. ومن قال لك انها تريد تقبيلي؟
ديزي : انا اعرف جيداً انها تتحرق لتقبيلك فقد لاحظت عينها وهي تنظر اليك بعشق عندما كنت انت غير منتبه بالمطعم. انها وقعت بدباديب حبك يا فؤاد بيك.
فؤاد : كفا، كفا يا شقية واهتمي بامورك.
ديزي : بالحقيقة لو كنت مكانها لكنت اخذتك بالاحضان وقبلتك قبلة ساخنة تدوم ساعة كاملة.
فؤاد : كفّي عن الثرثرة واخرجي من المصعد هيا، يجب ان تغتسلي الآن استعداداً للنوم.
دخلت سهام الى شقتها وهي سعيدة جداً بتلك السهرة الجميلة. فهي لم تسهر سهرة من هذا القبيل منذ زمن بعيد جداً. تذكرت كيف امسك فؤاد بيدها في السيارة والدفئ الذي شعرت به من يده. "آه كم كان شعوراً جميلاً. ليته لم يترك يدي ابداً". امسكت بكف يدها الايسر وراحت تقبله وتتخيل نفسها تقبل فؤاد وتمسح على شعره الفضي الجميل وتحتضن كتفه العريض. كم كانت تريد ان تعانقه عندما كانا يرقصان بالمطعم. الخجل هو الذي منعها من ان تحقق تلك الامنية الكبيرة التي اصبحت تترائى لها وكانها اهم شيء بحياتها. "آه يا فؤاد كم كنت مشتاقة لاتبادل معك الحنان فانا افتقر اليه طول عمري". فجأة رن هاتفها فردت عليه وقالت، "فؤاد؟"
فسمعت صاحبتها امل تقول،
امل : لا يا حبيبتي انا لست حبيب القلب فؤاد. هل كنت تتوقعين منه مكالمة؟ هل تريديني ان اغلق الخط؟
سهام : كلا يا مجنونة. كنت فقط... دعيني اقص عليك ما دار بنا اليوم، فقد استدعاني فؤاد الى مطعم رائع كي نتعشى.
امل : انت وهو فقط؟
سهام : كلا يا متخلفة، بالطبع جائت معنا ابنته ديزي. لكنها كانت سهرة جميلة جميلة جميلة جداً. اتعرفين؟ لقد رقصنا مع بعض بحلبة الرقص بالمطعم.
امل : رقص سريع ام بطيء؟
سهام : بطيء يا امل بطيء. تلامس جسدينا واحتظنني فشعرت بحنانه.
امل : هل قبلك؟
سهام : لا يا امل، انها السهرة الاولى كيف تتوقعين ان يقبلني؟
امل : ولو فرضنا انه دنا منك واراد تقبيلك، هل كنت ستصدينه؟
سهام : بالحقيقة لا، ما كنت لاصده. على العموم كنا بوسط المطعم وبين الكثير من الناس وابنته تراقبنا من بعيد كما لو كانت رادار عسكري.
امل : إذاً... توقفي عن الكلام واعيدي القصة من البداية. اريد ان اسمعها بالتفصيل الممل هيا.
سهام : حسناً بدأت حينما اشتريت فستاناً اسوداً به ورود حمراء...
راحت سهام تقص على صاحبتها امل كل القصة من البداية وحتى رجوعها الى الشقة واستلام مكالمتها منها. فسألت امل،
امل : هل قبلك او امسك بيدك؟
سهام : امسك بيدي في السيارة عندما رجعنا الى البيت بعد انتهاء السهرة يا امل آه يا امل.
امل : لماذا لم تقبليه وقتها يا معتوهة؟
سهام : اتعرفين؟ لقد حثته ابنته بالتركي على تقبيلي لكني تصرفت وكأنني لم افهم كلامها.
امل : يا سلام يا سهام، انت تعيشين قصة حب رومانسية جميلة، كم هذا شيء رومانسي.
سهام : غداً ساخرج معهما كي يحاول فؤاد تشغيلي بمدرسة ابنته ديزي.
امل : احقاُ ما تقولين؟ وفقك الله حبيبتي. ولكن اسمعي مني جيداً يا خرقاء، إذا حاول ان يقبلك بالبيت بالسيارة بالمدرسة بالشارع بالمطعم بمركز الشرطة، اريدك ان تقبليه وتتجاوبي معه. لا تصديه ابداً أفهمت؟
سهام : فهمت، فهمت امولتي. والآن تصبحين على خير. يجب ان استعد للنوم الآن.
امل : انا انتظر منك الاخبار غداً. وبالاخص اخبار القبل أفهمتِ؟
سهام : تصبحين على خير وكفاك جنون هيا.
في اليوم التالي استيقظت سهام على صوت المنبه فاغلقته ودخلت الحمام لتغتسل ثم اعدت لنفسها افطاراً صغيراً وراحت تنتظرفؤاد وديزي. وما ان جلست في الصالة حتى رن هاتفها النقال فاجابت،
سهام : فؤاد، انا جاهزة.
فؤاد : ونحن جاهزون ايضاً. انزلي الآن لو سمحت.
سهام : انا نازلة الآن، سالقاكم بالمراب.
فؤاد : اقبلك.
ترددت قليلاً ثم قالت،
سهام : وانا كذلك.
فؤاد : وانت كذلك ماذا؟
سهام : وانا اقبلك ايضاً، هل ارتحت؟
فؤاد : جداً.
اغلقت الخط معه وخرجت من شقتها مسرعة لكنها تذكرت اوراقها وشهاداتها في الشقة فعادت وفتحت الباب لتجلب الاوراق وتخرج من جديد. نزلت الى المراب وتوجهت الى موقع سيارة فؤاد فوجدتهما جالسين بداخل السيارة والمحرك يدور. جلست الى جانب فؤاد واعتذرت عن التأخير. انطلقت بهم السيارة الى المدرسة. وحين وصولهم هناك دخل الثلاثة الى باحة المدرسة فاستقبلتهم طفلة صغيرة حيتها ديزي واخبرتهم انها ستذهب للعب مع صديقتها ماڨي. دخل فؤاد وسهام مكتب المديرة حيوها فاستدعتهما للجلوس وقالت،
المديرة : كيف حالك فؤاد بيك. ما هذا الحظ الذي دفعك لزيارتنا.
فؤاد : شكراً عزيزتي پريدا، لقد سمعت من ابنتي ديزي ان لديكم نقصاً بمدرسي اللغة الانكليزية. هل هذا صحيح؟
المديرة : اجل نحن بازمة كبيرة جداً. فكما تعلم نحن مدرسة نموذجية ونعتمد على اللغة الانكليزية بشكل كبير. وبما ان مُدَرّستنا الحالية اخذت اجازة ولادة فالآن اصبحنا بلا مُدَرّسة. لقد طلبت من الوزارة تزويدنا بمدرسة لغة انكليزية ولو بشكل مؤقت لكنهم اعتذروا عن شحة المدرسات بهذه المادة.
فؤاد : سيدتي، لقد جئتك بالحل. دعيني اقدم لك جارتي السيدة سهام من العراق. عملت فترة طويلة كمدرسة لغة انكليزية.
المديرة : هل بامكاني الاطلاع على شهادتك سيدة سهام؟
سهام : بالتأكيد. هذه شهادتي باللغة العربية وهذه ترجمة رسمية الى اللغة الانكليزية.
تفحصت الشهادة واعجبت كثيراً لان تقديرها الجامعي كان (امتياز). فسألتها،
پريدا : كم سنة عملت بالمدرسة؟
سهام : 9 سنوات دراسية.
پريدا : متى يمكنك البدء معنا؟
سهام : الآن فوراً إن رغبتِ.
پريدا : ممتاز، بامكانك البدء بالصف الثاني من الساعة 9 وحتى الساعة 9:45 بعدها سازودك بجدول المحاضرات والصفوف.
سهام : انا جداً شاكرة لك سيدتي.
پريدا : بل انا التي اشكرك لانك حليت لنا ازمة كبيرة.
فؤاد : عزيزتي پريدا، انا شاكر لافضالكِ.
خرج فؤاد وسهام من مكتب المديرة وتوجها الى الساحة الكبيرة. سارا نحو الباب الخارجي وسط ضجيج الاطفال. نظر فؤاد بوجه سهام وقال،
فؤاد : كم انا سعيد بتعيينك.
سهام : انا لا اعلم كيف اشكرك يا فؤاد انت ارجعت الامل في قلبي.
فؤاد : الامل فقط؟
ابتسمت سهام وانزلت رأسها للارض خجلاً. من بعيد لاحظتهما مدرسة تدعى الارا فنظرت الى زميلتها زهراء وقالت،
الارا : هل رأيت تلك الساقطة التي تتحدث مع فؤاد؟ انا متأكدة انها حبيبته.
زهراء : اجل رأيتها ولكن ما شأنكِ انتِ؟ الازلتِ تلاحقين السيد فؤاد؟ لقد قال لك اكثر من مرة انه لا يحبك ولا يريدك لكنك لازلت تترصدين له بكل مكان وزمان.
الارا : اسمعي مني يا زهراء. فؤاد لي وانا لفؤاد، وسوف لن ادع اي ساقطة تأخذه مني حتى لو ارتكبت جريمة قتل.
زهراء : نصحتك مراراً وتكراراً وانا انصحك الآن من جديد: اتركيه وشأنه وابحثي لنفسك عن رجل غيره يحبك ويقدر جمالك. فانت جميلة جداً ولديك جسد رائع لانك مدرسة رياضة بدنية وبامكانك الحصول على اي رجل تشتهين. ما عليك سوى الاشارة باصبعك فينهال عليك الرجال. لماذا ما زلت عالقة على ذلك الارمل المسكين. دعيه يختار شريكة حياته بنفسه. ثم من قال لك ان تلك المرأة حبيبته؟
الارا : هل رأيت كيف يتبادلان النظرات؟ انها تكاد تأكله اكلاً. ساستفسر الامر من المديرة.
زهراء : لقد نصحتك كثيراً ولكن يبدو انها من دون جدوى. اذهبي وافعلي ما شئت.
سارت الارا باتجاه مبنى المدرسة ودخلت على مكتب المديرة فاستدعتها المديرة للجولوس وقالت،
پريدا : كيف حالك يا الارا؟ وما الذي استطيع خدمتك به؟
الارا : لقد لاحظت ان السيد فؤاد قد جاء مع امرأة ودخلوا عندك.
پريدا : اجل جاء ليقدم لي جارته سهام، انها مدرسة لغة انكليزية. انت تعرفين مدرستنا الحالية اخذت اجازة ولادة لذلك قررت ان اعين سهام بدلاً عنها بشكل مؤقت.
الارا : اجل، اجل فهمت، اعتقد انها من انقرة؟
پريدا : كلا انها ليست تركية. انها عراقية.
الارا : وهل يُسمح للعراقيين بالعمل هنا؟
پريدا : بالطبع، اذا كان العمل بشكل موقت فيسمح بدون قيود اما إذا كانت تريد العمل بشكل دائم فعليها الحصول على اقامة دائمية بتركيا.
الارا : إذاً هي ببلدنا منذ وقت طويل.
پريدا : كلا، اخبرني السيد فؤاد انها جائت قبل فترة وجيزة.
الارا : وهل استفسرتِ عن ماضيها وسيرتها؟
پريدا : يا عزيزتي، إذا جائت عن طريق السيد فؤاد فهذا يكفيني. انا متأكدة من انه لن يزكي انسانة إلا إذا كانت اهلاً للثقة.
الارا : طبعاً، طبعاً. فؤاد انسان نبيل. دعيني لا اشغلك اكثر. ساذهب للعمل فموعد دق الجرس قد قرب.
پريدا : اعانك الله على عملك.
خرجت الارا من مكتب المديرة وهي تستشيط غضباً. رجعت الى غرفة تبديل الملابس ارتدت بدلة الرياضة وخرجت اثناء دق الجرس كي تستلم طلاب الصف الرابع. وبنفس الوقت دخلت سهام الى الصف الثاني فنظر اليها الطلاب وهم مشدوهين كونها وجه جديد مما ابقاهم صامتين وجلين وكأنهم اصيبوا بصدمة. كان الجميع ينظر اليها وكأنما يريدون ان يقولوا لماذا حليت محل مدرستنا المعهودة؟ ما عدى ديزي التي ابتسمت بوجهها. قالت سهام للطلاب بالانكليزية، "انتم تعلمون ان مدرستكم قد اخذت اجازة ولادة وهذا يعني انها سوف لن تتمكن من الرجوع للتدريس هذه السنة الدراسية. لذا جئت انا لادرسكم الانكليزية. هل لديكم اسئلة؟"
طالب : هل ذهبت مدرستنا الى الابد؟
سهام : كلا، انها ستعود للتدريس بالعام القادم. وربما ستدرسكم عندما تصبحون بالصف الثالث.
طالب : هل انت من بلد آخر؟
سهام : اجل انا من العراق.
طالبة : هل تتكلمين اللغة التركية؟
سهام : لقد تعلمت بعض الكلمات التركية فقط وسوف ادخل معهداً لتعليم اللغة عن قريب.
طالبة : هل كنت تدرّسين ببلدك؟
سهام : اجل كان لدي طلاب جميلين مثلكم في العراق.
طالبة : ولماذا تركتيهم وجئت الى هنا؟
سهام : كانت لدي ظروف خاصة.
"والآن ارجوكم افتحوا كتاب المحادثات واخبروني لاي صفحة وصلتم؟"
طالبة : وصلنا الصفحة 32 هي عبارة عن حوار بين الام وابنها.
كانت تلك الكلمات مؤثرة عليها لانها تذكرت ابنتها فتوقفت وشرد ذهنها قليلاً لكنها سرعان ما تمالكت رباطة جأشها وقالت، "حسناً اريد ان اختاركِ انتِ يا حلوتي ستأخذين دور الام وانت يا بطل ستأخذ دور الولد.". فبدأت تتابع المحادثة وتعينهم على تلفظ الكلمات بشكل سليم شارحة السبب في تقديم الفعل قبل الاسم.
كان الطلاب جداً فرحين بمعاملة سهام لهم لان مدرستهم القديمة كانت شديدة وصارمة جداً ولم تطلق عليهم عبارات محفزة مثل (حلوتي) و(بطل) و(عسلتي) و(اسدي) وما شابه. اما ديزي فاجتمعت بالطلاب وقت الفرصة واخبرتهم كيف ان سهام قامت بانقاذ حياتها إذ رمت بنفسها في الماء دون ان تعرف اسمها. كان لتلك الحادثة وقع كبير لدى باقي الاطفال فصاروا يحبونها حباً جماً ويودون لو انها تصبح مدرستهم الدائمية.
اثناء الفرصة جائت المعاونة لتخبرها انها ستدرس الصف الرابع في غرفة رقم 7. دخلت الصف فرأت وجوهاً متجهمة تنظر اليها بغضب كبير. ابتسمت بوجوههم وقالت، "صباح الخير يا طلابي الاعزاء، كيف حالكم اليوم؟"
لم يجبها احد وبقوا يبحلقون بوجهها وكأنها انسانة شريرة. علمت ان هناك شيء ما قد اثار اشمئزازهم. لذا قررت ان تجلس على الرحلة الامامية الاولى وتقول للطلاب، "رجاءاً التفوا حولي". ترك الطلاب اماكنهم والتفوا حولها كي يسمعوا منها قصة جميلة سبق وان سمعتها عن مزارع كبير في السن يربي حفيدته بعد ان قُتِل ابويها بالحرب من قبل النازيين. كانت للقصة وقع كبير وصار الطلاب ينظرون الى بعضهم البعض وتهامسون فيما بينهم. سألت سهام احدى الطالبات عن سبب تهامسها مع زميلتها قالت،
طالبة : يا انسة كنا نعتقد انك انسانة شريرة وانك تأكلين الاولاد الصغار.
سهام : هل هذا يعقل؟ كيف اكل الطلاب؟ اليس لدي طعام ببيتي؟
ضحك الطلاب على رد سهام.
طالبة : سمعنا انك تحبين العنف وتستعملين العصى كثيراً.
سهام : هل ضربت احداً منكم؟
طالبة : كلا ولكن سمعنا ذلك.
سهام : من قال لكم ذلك؟
طالبة : مدرسة الرياضة الآنسة الارا.
سهام : إذا كنت لا اعرف شكلها مسبقاً فكيف تعرف عني كل هذه الامور الشريرة؟ ربما لانها شاهدت انيابي الخارجة من فمي والدم يقطر منها.
ضحك الطلاب على سخافة تلك الامور وراحوا يبتسمون بوجهها فطلبت منهم الرجوع الى اماكنهم وواصلوا درس قواعد اللغة الانكليزية. عندما خرجت من الصف بعد انتهاء الحصة ذهبت الى غرفة المدرسين وسألت بالانكليزية، "اين الآنسة الارا؟" فوقفت سيدة شقراء جميلة طويلة القوام ترتدي ملابس رياضة وقالت بالتركية،
الارا : انا الارا ماذا تريدين مني يا قمامة؟
طبعاً لم تفهم سهام على ما قالته الارا. وقف احد المدرسين واسمه جلال ليقول بالتركية،
جلال : هذا عيب يا الارا ولا يصح ان تقولي هذا الكلام على زميلتنا الجديدة. كيف تصفيها بمثل هذا الاوصف. يجب عليكِ ان تعتذرين منها فوراً.
الارا : اعتذر مِن مَن؟ من هذه اللاجئة العراقية؟ هل تعرفون انها ليست تركية؟
جلال : ولماذا كل هذه العنصرية؟ من هم العراقيون؟ انهم اهلنا وناسنا. لا تكوني بمثل هذا الغباء كي تتخذي هذا الموقف العنصري.
تقربت منها سهام وهي تبتسم وقالت بالانكليزية،
سهام : انسة الارا، انا لم يسبق لي ان التقيتك او تعرفت عليك، ولم يسبق لي ان تشرفت بمعرفتك، فلما كل هذا العداء؟ هل بدر مني شيء اثار اشمئزازك؟ هل تصرفت تصرفاً غير لائق جعلكِ تكرهيني لهذا الحد؟
الا ان الارا لم تفهم ما قالته لانها لا تعرف الانكليزية فاجابتها بالتركية.
الارا : انا لا احبك ولا اريدك بمدرستنا افهمتِ؟ الحقراء من امثالك يجب ان يرجعوا للمخيمات.
سهام : يبدو انك لا تفهمين ما اقول. حسناً ساعتبركِ انسانة جاهلة واتجاهل وجودكِ بالغرفة.
ضحك جميع من في الغرفة على تعليق سهام وراحوا يصفقون لها. تقرب جلال منها وقال،
جلال : إن الارا تهذي وهي انسانة غير سوية وغير مثقفة. تقول كلام غير متزن ولا يأبه لها احد. فقط تجاهليها واعلمي اننا جميعاً نرحب بك واعلمي ان اهل العراق هم اهلنا كلهم منا ونحن منهم. لا تأبهي لتلك الكلمات الغبية.
نظرت الارا الى سهام بغضب وادارت لها ظهرها لتخرج من الغرفة بينما التف حولها باقي المدرسين وصاروا يرحبون بها ويقدمون لها الكعك والشاي.
خرجت الارا من غرفة المدرسين وهي في غاية الغضب فسمعت الجرس لتذهب وتباشر بالدرس التالي بينما توجه المدرسون الباقون الى صفوفهم. في نهاية اليوم وقفت الارا على باب المدرسة فرأت فؤاد قادماً كي يأخذ ابنته ديزي وسهام بسيارته فحيته على مسمع من سهام قائلة،
الارا : كيف حالك حبيبي. لقد اشتقت اليك كثيراً. لماذا لم تكرر زيارتك الى بيتي؟
فؤاد : اسمعي مني يا الارا. لقد طلبتِ مني المساعدة كي اركب لك الرفوف ببيتكِ. وعندما ذهبت الى هناك وجدت انك لا تحتاجين لأي مساعدة بل كان فخاً قمت بنصبه كي تتواعدي معي. هل تتذكرين ما قلته لك؟ دعيني اذكرك يا الارا، قلت لك انني غير مستعد ان اعمل معك اي علاقة وانا جداً مستاء لانك كذبت عليّ واوهمتيني بانكِ تحتاجين مساعدتي. لذا لا اريدك ان تتصلي بي ثانية.
الارا : ولماذا عملت ذلك؟ هل سألت نفسك هذا السؤال؟ بالطبع لاني احبك واريد لابنتك ديزي ان يكون لها ام تركية ترعاها.
فؤاد : ديزي لا تحتاج الى ام كذّابة مثلك. ارجوك اتركينا بحالنا.
اكمل سيره حتى لقي ديزي وسهام. اخذ الحقيبة من ابنته وقادهم الى الخارج كي يقلهم للبيت بسيارته. في الطريق سأل سهام قائلاً،
فؤاد : كيف كان يومك عزيزتي سهام؟
سهام : كان ممتازاً. لقد كان الاطفال جداً لطيفين وقد تمكنت من التفاعل معهم بشكل جميل.
هنا اراد ان يعرف إن كانت الارا قد قامت بتصرف غير لائق معها فسألها،
فؤاد : وماذا عن المدرسين؟ هل رحبوا بك؟ هل ضايقك احداً منهم؟
سهام : ابداً، ابداً، كانوا في غاية اللطافة، رحبوا بي ودعوني لتناول الكعك والشاي معهم.
فؤاد : هذا جيد. انا سعيد لذلك.
رجعت الارا الى بيتها، اوقفت سيارتها ودخلت بيتها، تعرت من ملابسها تماماً ودخلت الحمام وكأنها تريد ان تطفي نار الحقد التي تشتعل بداخلها من شدة غضبها وغيرتها من سهام ومن الكلام السلبي الذي اسمعها اياه حبيبها فؤاد. لكن ذلك سوف لن يثنيها عن عزيمتها. سوف تظل ورائها حتى توقعها بمصيبة فتخلو الساحة لها ويصبح فؤاد لها وحدها. انها لا يمكن ان تستسلم لتلك اللاجئة الحقيرة. بقيت تفكر باسلوب توقع به سهام لتتخلص منها حتى لمعت برأسها فكرة جهنمية قررت تنفيذها فور خروجها من الحمام. دخلت غرفة الجلوس والتقطت هاتفها النقال، اتصلت بابنة عمها فتنت التي تعمل بالقنصلية التركي ببغداد وصارت تتحدث اليها وتسألها عن سهام. ولما حصلت على المعلومات الكافية منها ابتسمت وقالت لنفسها، "لقد امسكت بكِ ايتها الحشرة. انتِ وقعت بشبكتي الآن، ساقصفكِ غداً وابعدكِ عن طريقي".
صباح اليوم اتالي وقبل ان تبدأ الحصص دخلت الارا مكتب المديرة پريدا لتجدها جالسة خلف مكتبها فسألتها،
الارا : اتذكرين ماذا سألتك عندما وافقت على تعيين تلك التي تدعى سهام؟
پريدا : عزيزتي الار، يقولون صباح الخير اولاً قبل ان يدخلوا بالموضوع. اليس كذلك؟
الارا : انا آسفة، صباح الخير. والآن، هل تذكرين ماذا سألتك عندما وافقت على تعيين تلك العاهر سهام؟
پريدا : ذكريني يا الارا ماذا قلت وقتها؟
الارا : سألتك إن كنت قد استفسرت عن ماضيها وسيرتها قبل ان تأتي الى تركيا.
پريدا : اجل وقلت لك انها جائت من طرف السيد فؤاد.
الارا : إذاً اسمعي مني ما ساقوله لكِ بتأني. هذه المرأة قامت بقتل ابنتها في العراق. وهي مطلوبة للعدالة هناك. لقد قامت بتزوير التأشيرة اي موافقة القنصلية على مجيئها الى تركيا. مما يعني انها هنا بصورة غير شرعية.
پريدا : ماذا تقولين يا الارا؟ من اين حصلت على هذه المعلومات؟ هل انت متأكدة من ذلك؟
الارا : لدي قريبتي تعمل بالقنصلية التركية ببغداد. اتصلت بها بالامس واخبرتني بكل هذه المعلومات. والآن هل تؤمّنين اطفال مدرستك بيد انسانة قاتلة ومختلة عقلياً ومزورة؟ صدقيني لو عَلِمتْ السلطات بما فعلتِ فسوف يزجوك بالسجن مدى الحياة.
پريدا : يا الهي، هل يعقل ذلك؟ انها تبدو بغاية اللطف ولا يمكن ان يتخيل المرء ان تكون مجرمة. وماذا عن فؤاد؟
الارا : فؤاد انسان في غاية النبل والطيبة ولديه قلب كالمسك. بالتأكيد انخدع بها كما انخدعنا نحن بها. والآن ماذا ستفعلين بعد ان علمت بماضيها الاجرامي؟
رفعت پريدا هاتفها واتصلت بالشرطة لتبلغهم عن سهام. وما هي الا دقائق ودخلت الشرطة على صف سهام واعتقلوها امام طلابها ومن بينهم ديزي التي صارت الدموع تنهال من عينيها كالانهار. أخرجت ديزي هاتفها النقال لتتصل بابوها وتخبره بما حدث. وبعد نصف ساعة وصل فؤاد المدرسة ودخل على المديرة ليسألها عما حصل. اجلسته المديرة وقالت،
پريدا : سيد فؤاد، انت تعلم كيف ان جميع المدرسين بهذه المدرسة يحبوك ويحترموك وعلى رأسهم انا. لكنك قمت بتوريطي بمشكلة كبيرة قد لا استطيع الخروج منها ومن يدري قد اطرد من عملي وازج في السجن.
فؤاد : ما هي المشكلة؟ ارجوك پريدا اخبريني عماذا تتكلمين؟
پريدا : كيف تحضر لي انسانة مجرمة قامت بقتل ابنتها بالعراق ثم زورت تأشيرتها التركية كي تأتي الى هنا بشكل غير قانوني وتخبرني على انها انسانة فاضلة وجعلتني اوظفها بالمدرسة دون التأكد من خلفيتها؟ كنت اعتمد على تزكيتك لها ولكن يبدو انني كنت مخطئة بشكل كبير.
فؤاد : من اين حصلتِ على كل هذه المعلومات؟
پريدا : ارجوك اخرج من مكتبي وخذ ابنتك معك فهي مفصولة من المدرسة.
فؤاد : لو فرضنا انني ارتكبت خطأ واردتِ ان تعاقبيني عليه، فما ذنب ابنتي ديزي بذلك؟
پريدا : اجل لانني لا اريد المشاكل مع السلطات.
علم فؤاد ان التحاور مع شخص مغلق لا ينفع ابداً وانه يجب ان يذهب الى مركز الشرطة ويتحقق الامر بنفسه. اخذ ابنته ديزي وارجعها للبيت ثم خرج ثانية وتوجه الى مركز الشرطة. دخل المركز وسأل احد رجال الشرطة عن سهام فطُلِب منه ان يتحدث مع الملازم فاروق. طرق الباب على مكتب الملازم فأذن له فدخل. فورما رأى فؤاد وقف وحياه بحرارة وقال،
فاروق : اهلاً وسهلاً فؤاد بيك. كيف حالك؟
فؤاد : انا بخير شكراً، هل تعرفني؟
فاروق : اعرفك عز المعرفة. فالوالدة رحمها الله كانت معجبة جداً بمسرحياتك ولم تترك مسرحية الا وشاهدتها. تفضل، كيف استطيع خدمتك؟
فؤاد : بالحقيقة لقد جئتم بجارتي السيدة سهام عبد المجيد اليوم ووضعتموها بالسجن.
فاروق : سيدي انها ليست بالسجن، انها فقط بالتوقيف حتى نتأكد من البلاغ. سيتم استجوابها اليوم عندما نحصل على مترجم.
فؤاد : وانا اقول لك ان البلاغ كاذب.
فاروق : هل لديك ما يثبت ذلك؟
فؤاد : كلا. ولكن هل تأذن لي بمقابلة الموقوفة؟
فاروق : بالتأكيد تعال معي استاذي الكبير.
ترك الملازم مكتبه وخرج ليتبعه فؤاد وينزلا السلم الى السرداب حيث زنازين الموقوفين. وقفت سهام على ساقيها لما رأت فؤاد فركضت اليه من وراء القضبان وقالت،
سهام : عزيزي فؤاد، حمداً لله انك جئت الى هنا. ارجوك اخبرهم انني لم افعل شيئاً مما يقولون. فانا لم ارتكب اي شيء مخل بالقانون.
نظر فؤاد الى الملازم وقال،
فؤاد : هل تأذن لي مع الموقوفة لاتحدث معها بعض الوقت؟
فاروق : بالعادة نسمح بـ 5 دقائق فقط ولكن بحالتك ساذن لك بـ 15 دقيقة. ساترككما لوحدكما.
استدار الملازم وترك فؤاد ليتكلم مع سهام من خلف القضبان.
فؤاد : عزيزتي سهام، لا تقلقي ساحاول اخراجك باسرع ما يمكن.
سهام : فؤاد هل تصدق ما يقال عني؟
فؤاد : بالتأكيد لا. كيف اصدق الادعائات التافهة التي اخبرتني عنها مديرة المدرسة؟ من اين جائت بكل تلك الاتهامات الباطلة؟ تقول انك قتلتِ ابنتكِ وقمتِ بتزوير تأشيرة الدخول الى تركيا.
سهام : اعتقد ان الذي اثار المشكلة هي مدرسة الرياضة الارا. لقد اهانتني وتكلمت معي بشكل غير لائق بالتركية لكنني لم اتمكن من معرفة ما قالته. ربما تكون هي وراء تلك التهمة الباطلة. كيف يمكنهم ان يصدقوا انني قمت بقتل ابنتي؟ ايعقل ذلك؟ اسمع مني يا فؤاد والله العظيم انا لم...
وضع فؤاد اصبعه على فم سهام وقال،
فؤاد : لا داعي لان تحلفي فانا اصدقكِ تماماً واعرف طيبة قلبكِ. انت انقذت حياة ابنتي دون ان تعرفيها فكيف تكونين بهذا الشر الذي وصفوك به؟ اما بالنسبة لالارا فانا ساعرف كيف اتحاسب معها.
سهام : ارجوك لا تلجأ للعنف فانا اخاف عليك وعلى ديزي. ارجوك اترك الموضوع. إذا شاؤوا ان يحبسوني فليعملوا ذلك انا راضية. واذا ارادوا ارجاعي لبلدي فكان بها. المهم انك تبقى بامان مع ديزي.
فؤاد : صدقيني سوف افعل كل ما بوسعي كي اخرجك من هذه الورطة وهذه التهمة السخيفة الباطلة. ومثلما انقذتِ حياة ابنتي فسوف انقذك منها لمصلحتي انا ايضاً.
سهام : ماذا تقصد يا فؤاد؟
فؤاد : اقصد انني تعلقت بكِ ولا اعتقد انني ساستطيع مواصلة العيش من دونكِ.
سهام : انت حقاً انسان عظيم يا فؤاد.
رجع الملازم عليهم وسأل،
الملازم : هل انتهيتم من الحديث يا فؤاد بيك؟
فؤاد : ارجوك امنحني 5 دقائق اخرى ارجوك.
الملازم : حسناً لديكم 5 دقائق اخرى.
قالها واغلق الباب ورائه.
سهام : اسمع مني فؤاد. لقد اخذوا مني هاتفي النقال، اريدك ان تحاول ان تعرف منه رقم هاتف صديقتي امل في العراق اتصل بها واطلب منها ان تبعث لك شهادة وفاة ابنتي من المستشفى. وتقرير الشرطة العراقية بعد التحقيق.
فؤاد : ما هو الرقم السري لهاتفك؟
سهام : انه 1006.
فؤاد : حسناً سافعل ذلك اطمئني.
سهام : انا اشكرك يا عزيزي فؤاد.
فؤاد : وماذا بعد ذلك؟
سهام : يجب على امل ان تصدق الشهادة من وزارة الصحة ثم تترجمها ترجمة قانونية وتصدقها لدى وزارة الخارجية ثم تصدقها لدى قنصلية تركيا ببغداد. بعدها تبعثها لنا باسرع ما يمكن كي نقدمها كدليل على برائتي.
فؤاد : سافعل ذلك.
بهذه الاثناء رجع الملازم وقال،
الملازم : سامحوني لقد نفذ الوقت.
سهام : اعتني بنفسك يا فؤاد وقبل ديزي بدلاً عني واخبرها اني احبها كثيراً.
فؤاد : انا وديزي نحبك حباً جماً كذلك. اعتني بنفسك عزيزتي.
استدار فؤاد وتبع الملازم للاعلى وعندما اصبحا بمكتب الملازم قال،
فاروق : هل استطيع ان اقدم لك المزيد من الخدمات سيدي؟
فؤاد : خدمة واحدة فقط. لقد احتجزتم هاتف سهام النقال عندما القيتم القبض عليها.
فاروق : هذا صحيح وسيبقى لدينا حتى تخرج او تُرحّل الى بلدها.
فؤاد : افهم ذلك ولكن هل بامكاني ان استخرج منه رقم هاتف صاحبتها بالعراق لانها ستبعث لنا بالادلة التي تثبت برائتها.
فاروق : هذا ممنوع، لا استطيع ان اعطيك الهاتف.
فؤاد : انا لا اريد ان المس الهاتف بتاتاً. ساوجهك كي تخرج الرقم بنفسك وساقوم بتسجيله عندي. تمام؟
فاروق : تمام.
فتح الملازم جراراً بمكتبه واخرج الهاتف ثم صار فاروق يعطيه الارشادات كي يبحث عن الاسماء بعد ان زوده بالرقم السري للهاتف. ولما عثر على امل سجل الرقم وقال،
فؤاد : هذا كل ما في الامر. اشكرك يا عزيزي فاروق. لقد خدمتني خدمة كبيرة.
خرج فؤاد من مركز الشرطة ورجع الى سيارته ثم ادخل رقم هاتف امل بالعراق وطلبها بالدردشة فاجابته فكتب اليها بالانكليزية،
فؤاد : مرحباً امل، انا فؤاد جار سهام.
امل : اجل، اجل، اعرفك تمام المعرفة. لقد حدثتني عنك سهام وعن ابنتك ديزي.
فؤاد : هل بامكاننا ان نتحدث؟
امل : بالطبع تفضل.
دق هاتفها فاجابت فسمعته يقول،
فؤاد : اجل اختي امل، اعلمي ان سهام بمشكلة كبيرة وتحتاج الى مساعدتك.
امل : مشكلة؟ اي مشكلة هذه؟
فؤاد : لقد لفقت لها احدى المدرسات تهمة وقالت انها قامت بقتل ابنتها، كذلك قالت انها زورت اوراقها كي تحصل على تأشيرة تركيا.
امل : هذا كذب وافتراء يا سيد فؤاد. انا كنت معها طول الوقت. ابنتها ماتت بسبب اهمال طليق سهام وامرأة اخرى كانت تعتني بها تدعى ام معروف.
فؤاد : سهام تطلب منك ان تبعثي بشهادة الوفاة من المشفى وتقرير الشرطة بعد ان تقومي بتصديقها في وزارة الصحة والخارجية والداخلية والقنصلية التركية ثم تبعثيها الى عنواني باسرع وقت.
امل : سافعل ذلك فوراً استاذ فؤاد. اكتب لي بالدردشة عنوانك لو سمحت.
فؤاد : ساكتبه فوراً. سنكون على اتصال دائم. ارجوكِ اسرعي بالاجراءات.
امل : ساتحرك الآن فوراً استاذ فؤاد. اطمئن.
اقفل الخط معها وقام بكتابة عنوانه الكامل ثم بعثه لامل ورجع الى بيته لتستقبله ابنته ديزي وتمطره بالاسئلة عن سهام وعن المدرسة وعن كل شيء دار بينه وبين المديرة. آثر فؤاد ان لا يخبر ابنته بكل التفاصيل حفاضاً على مشاعرها لعلمه انها تحب سهام حباً جماً وانها ستتأثر بالاخبار السلبية. الا انها لم تقتنع باجاباته وحاججته حتى بالمسائل القانونية لدى الشرطة، لذا لم يجد بداً من ان يخبرها بكل شيء من البداية وحتى النهاية. استمعت اليه بهدوء ثم علقت.
ديزي : بصراحة يا ابي، انت تتحمل جزءاً من اللوم. لماذا لم توقف الارا عند حدها لتخبرها انك تحب سهام وانك ستتزوجها؟ وقتها كانت ستقطع الامل وستتركها بحالها. بدلاً من ذلك دافعت عن نفسك ودفعت الارا بعيداً. انت كنت تفكر بنفسك فقط.
فؤاد : ربما لديك الحق يا ابنتي. ولكن سنصلح الامر فور استلامنا شهادة الوفاة. وتقرير السفارة.
ديزي : بهذه الاثناء اريد ان ازور سهام كي ادعمها نفسياً حتى تعرف انني احبها وانتظر خروجها من الحبس بفارغ الصبر.
فؤاد : هذا غير ممكن يا ديزي. الضابط سوف لن يأذن لنا بالمزيد من الزيارات. سوف نذهب بكل الاحوال عندما تصل المستندات كي نقدم نسخاً منها للشرطة والادعاء العام.
ديزي : حسناً يا والدي. هذا يعني ان واحداً منا سيتواجد بالبيت بكل الاوقات كي نستلم الطرد من بغداد.
فؤاد : تفكير سليم ديزي.
بقي الاب وابنته ينتظرون اياماً طويلة وفي خلالها اتصل فؤاد بامل عدة مرات كي يقف على مجريات الامور هناك. وباليوم الرابع وصل مندوب شركة دي اتش ال امام الشقة وضغط على جرس الباب. ركضت ديزي وفؤاد الى الباب ليجدوا المندوب حاملاً طرداً مغلفاً بالنايلون. ابتسما بوجهه واخذا الطرد منه ليدخلا الشقة ويفتحاها بشغف كبير. لم يتمكن فؤاد من فهم الوثائق الاصلية باللغة العربية بالرغم من انه يقرأ القرآن لكنه بحث عن الترجمة وصار يقرأها بسكون ثم عندما وصل الى الجزء المهم صار يقرأ بصوت مرتفع باللغة التركية ليقول: "وقد تم التأكد من ان سبب الوفاة كان بسبب نقص الاوكسجين عن رئة الطفلة حينما كانت في الخارج بصحبة مربيتها المدعوة سهيلة والملقبة بام معروف. لذلك اعتبرت الشرطة ان الوفاة نجمت عن اسباب مرضية.
ديزي : يا سلام، سهام بريئة.
فؤاد : وهل كانت لديك اي شكوك يا ديزي؟
ديزي : ابداً يا والدي لكن البغال الذين صدقوا ذلك هم الذين سيعضون على شفاههم عندما يقرأون هذه التقارير.
فؤاد : دعينا لا نضيع المزيد من الوقت. هيا نذهب ونخرج سهام من الحبس.
ركب الاب وابنته السيارة وتوجهوا الى مركز الشرطة حيث احتجزت سهام. دخلا من الباب الرئيسي وتوجها مباشرة الى مكتب الملازم فاروق. طرق فؤاد الباب فاذن له فدخلا.
فؤاد : السلام عليكم اخي فاروق. لقد جئنا بالادلة اللازمة لتبرئة سهام.
فاروق : مع شديد الاسف استاذي، اليوم رحلت المتهمة للنيابة العامة لغرض الاستجواب. بامكانك تقديم الادلة هناك.
فؤاد : شكراً جزيلاً اخي فاروق، ساذهب الآن فوراً الى النيابة.
خرج فؤاد وابنته من مركز الشرطة وركبا السيارة وتوجهوا الى النيابة العامة فسأل بالاستعلامات ليدله على النائب العام بالطابق الاول. طرق الباب ودخل مع ابنته فوجد النائب العام يستعد للبدء باستجواب سهام قال،
فاروق : سيادة النائب ارجوك تريث قبل ان تبدأ باستجواب سهام.
فؤاد : لماذا؟ هل انت محاميها؟
فاروق : كلا حضرة النائب، انا جارها ولكن استلمت اليوم الادلة اللازمة التي ستبرئ سهام، تفضل.
وضع كل المستندات فوق الطاولة فالتقطها النائب العام وقال،
النائب العام : بامكانك الخروج الآن. ساطلع على الادلة.
فؤاد : حسناً حضرة النائب.
امسك بيد ابنته وخرج من باب المكتب فاصبح وجها لوجه مع سهام. كان منظرها بائساً والحزن كان يملأ وجهها. لكنها عندما رأت فؤاد وديزي ابتسمت وقالت،
سهام : لقد فرحت لانني رأيتكما. ربما سوف لن اراكما ثانية.
فؤاد : وهل كنت ساسمح بذلك؟ لقد وصلت كل الادلة من بغداد وقد قدمتها للتو للنائب العام. سيطلقون سراحك بعد قليل.
سهام : اتمنى ذلك.
دخلت سهام مكبلة بالسلاسل الى مكتب النائب العام يتأبطها شرطي فوقفت امامه بينما كان ينظر الى الادلة. رفع رأسه وطلب من الشرطي ان يفك اصفاد سهام ويبتعد عنها. نظر الى وجهها وابتسم قال،
النائب العام : هذه الادلة تؤكد على انك بريئة من كل التهم التي نسبت اليك وانك دخلت الى تركيا بصيغة قانونية لا غبار عليها. لذلك ساطلق سراحك فوراً.
سهام : سيدي النائب اسمح لي ان اسألك سؤالاً مهماً. ماذا عن الذين قدموا عني البلاغ الكاذب؟
النائب العام : بتركيا لدينا نظام قضائي متميز وسوف لن ندع اي انسان يحاول ان يظلل العدالة ببلاغات كيدية. سوف نطلب من الشرطة احضارهم والتحري عن مصادرهم ثم احالتهم الى المحكمة.
سهام : شكراً لك حضرة النائب.
النائب العام : بامكانك الخروج الآن فانت حرة طليقة.
خرجت سهام من مكتب المدعي العام لترى فؤاد وديزي ينظرون بوجهها والسعادة تكاد تتدفق من اعينهم. ركضت ديزي واحنضنت سهام فامسكت بها سهام وحملتها وراحت تمطرها قبلاً. بعدها انزلتها وذهبت عند فؤاد واحتظنته بحرارة. خرج الثلاثة تغمرهم سعادة كبيرة فرجعوا مباشرة الى البيت. اوقف فؤاد السيارة بالمراب وصعدوا بالمصعد الى الطابق الاول فنزل فؤاد وابنته منه وقبل ان يغلق باب المصعد قال،
فؤاد : نحن ننتظرك عندنا لنحتفل بحريتك يا سهام.
سهام : اجل، ساخذ حماماً ساخناً ثم اتي الى شقتكم.
تقربت منه ديزي وهمست بأذنها، "ارتدي فستاناً مثيراً، افهمت؟". هزت سهام رأسها معلنة موافقتها على اقتراح ديزي. اكملت الصعود بالمصعد الى الطابق الحادي عشر ودخلت شقتها التي اشتاقت اليها كثيراً. توجهت مباشرة الى الحمام لتأخذ دوشاً ساخناً تغسل به كل فترة الاحتجاز. بعد ان اكملت حمامها ذهبت لغرفة النوم وصارت ترتدي قميص الـ (تي-شرت) لكنها تذكرت ما قالته ديزي فعادت وخلعت الـ (تي-شرت) وارتدت مكانه فستاناً وردياً ذو فتحة واسعة من الصدر ثم لبست حذاءاً فضياً عالياً ووضعت العطور على رقبتها ومعصمها ثم وضعت احمر الشفاه وقالت، "ارجو ان يعجبكِ ذلك يا مودموزيل ديزي". ركبت المصعد وضغطت على الزر رقم 1. وقف المصعد في الطابق الاول فخرجت منه وتوجهت الى باب شقة فؤاد وقبل ان تضغط على زر الجرس لاحظت الباب مفتوح، دفعته ودخلت لتجد ان غرفة الصالة خالية. كانت تلك حالة غريبة. قبل قليل استدعوها كي تأتي الى عندهم لكنهم تركوا شقتهم وغادروا. يا ترى ما الذي يجري؟ دخلت الشقة وصارت تنادي، "فؤاد، ديزي، فؤاد، ديزي" ولما وصلت الصالون واصبحت بوسطه سمعت اصوات الجميع يقولون، "مفاجئــــــــــــــــــة". نظرت حولها لتجد ديزي وصديقتها امل يحيطانها من كلا الجانبين. اما فؤاد فقد وقف امامها يبتسم. قالت، "هل اعددتم مفاجئة لي بسبب خروجي من السجن؟" فقالت لها ديزي،
ديزي : لقد رتب ابي كل شيء. الكيكة، والعصير ودعوة الخالة امل من بغداد وكل شيء.
نظرت سهام الى صاحبتها وراحت تعانقها وتقول،
سهام : متى جئت يا امل؟ لماذا لم يخبروني انك هنا بتركيا؟ حبيبتي امّولة اشكرك على العمل الذي قمت به.
امل : هذا واجبي يا سهام.
فجأة سمعوا فؤاد يقول، "هيا ليبتعد الجميع عن سهام". فتراجعت امل وديزي الى الخلف كي يفسحوا له المجال. تقدم فؤاد عندها واخرج علبة حمراء قطيفة وركع امامها ثم فتح العلبة ليظهر خاتم الماس كبير بريقه يبهر الرائي. قال، "يا سهام هل تقبلين الزواج مني؟". صدمت سهام لانها لم تكن تتوقع هذا العرض ابداً. بقيت ملجمة لا تقوى على الكلام. نظرت بوجه فؤاد فوجدته يبتسم وهو يتوقع منها ردة فعل. ادارت رأسها لامل فوجدتها تبتسم وتهز برأسها لتلمح لها بالقبول. ادارت رأسها الى يسارها لترى ديزي ترفع كلتا ابهامها لتحثها على القبول. عادت ونظرت الى فؤاد وقالت،
سهام : موافقة.
ديزي : بامكانك الآن ان تعطي خطيبك قبلة ساخنة.
نظر فؤاد الى ابنته وقال،
فؤاد : هذا عيب يا ديزي، انت لا زلت صغيرة على هذه الامور. لا تحرجي سهام.
ديزي : اولاً انا لست صغيرة. ثانياً انا ارى القبل الساخنة بكل الافلام الرومانسية التي اتابعها كل يوم. وانا متأكدة ان سهام تتحرق لتقبيلك قبلة طويلة الامد لكنها تخجل الاعتراف بذلك.
تقربت سهام من فؤاد وامسكت بوجهه لتقبله قبلة جميلة فتفاعل معها بكل حنان وسط تصفيق ديزي وامل.
بعدها طلب الجميع منه ان يقوم بالعزف. احضر عوده وصار يعزف مقطوعة من اغنية "انت عمري". فدخلت الالحان قلوبهم وتصاعدت اصدائها لتخرج الى السماء فتضفي عليهم صفاءاً ومحبة.
<<<<<<<<<<
بعد مرور ثلاثة اشهر صدر حكم المحكمة بحق الارا سليم اوغلو بالحبس لمدة سنة كاملة وذلك لحياكة مؤامرة تلويث سمعة انسانة فاضلة. حكمت المحكمة ايضاً على فتنت سرهار الموظفة بالقنصلية التركية ببغداد باعفائها من وظيفتها وعدم العودة الى بغداد ثانية وذلك لخيانتها معلومات المراجعين لديها. وحكمت المحكمة على پريدا سلجوق مديرة المدرسة بالحبس لمدة ستة اشهر مع ايقاف التنفيذ واعفائها من وظيفتها بالمدرسة. وحكمت المحكمة كذلك بالتعويض بقيمة 70000 ليرة تركية الى سهام لفقدانها عملها بسبب تلك القضية.
دخلت ديزي على غرفة نوم والدها فوجدته محتظناً زوجته سهام وغارقاً بنوم عميق. قالت وكأنها تغني، "صباح الخير ايها العريسين الجميلين".
فتحت سهام عينيها فرأت ديزي واقفة فوق رأسها. فتحت ذراعيها كي تحتظنها وتقبلها قبلة جميلة من وجنتها فقالت،
ديزي : هيا قومي يا سهام، لقد اعددت لكما افطاراً رائعاً.
سهام : اشم رائحة البيض. هل اعددت بيضاً؟
ديزي : اعددت لك بيض عيون كما تحبين يا سهام ولابي البيض المسلوق.
كانت الرائحة تثير غثيان سهام فركضت الى الحمام وصارت تستفرغ هناك. لحقت بها ديزي وقالت،
ديزي : دعينا نذهب للصيدلية ونشتري لك العصاة السحرية كي نتأكد.
سهام : كم انت محتالة وذكية. ساجهز نفسي وساخرج معك بعد قليل.
ديزي : انا انتظرك بالاسفل. دعي زوجك نائماً فنذهب نحن النساء كي نستطيع ان نزف له الخبر السعيد فيما بعد.
بعد نصف ساعة رجعت سهام وديزي من الصيدلية فدخلت سهام الحمام واجرت الفحص ثم خرجت بوجه متجهم لتسألها ديزي،
ديزي : هل حصلت على خط واحد فقط يا سهام؟
سهام : بل خطان يا حبيبتي.
ديزي : هــــــــي هــــــــي يا سلام ستصبح لي اخت، ستصبح لي اخت استيقظ يا فؤاد بيك، استيقظ يا فؤاد باشا، سوف تصبح لك ثلاث نساء بالبيت.
وهكذا حصلت سهام على فرصة ثانية بالحياة.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

742 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع