يسرى سعيد ثابت في الذكرى الأولى لرحيلها - الجزء الأول

                                                       

              الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط

   

 يسرى سعيد ثابت في الذكرى الأولى لرحيلها - الجزء الأول

هناك أسماء ذكورية كثيرة تصادفنا عند التحدث عن تاريخ العراق في مختلف المجالات، في حين أن هناك قِلة من الأسماء النسوية المقابلة. ومن الأسماء النسوية التي شغلت حيزا إعلاميا واسعا في القرن العشرين الشهيدة حفصة العُمري (1937-1959) والمناضلة يسرى سعيد ثابت (1937-2021) والمهندسة المعمارية زَها حديد (1950–2016)؛ رحمهن الله جميعا.

على ساحة النضال العروبي برز إسمان نسويان لامعان: جميلة بوحيرد، من مواليد 1935، وهي مُقاوِمة جزائرية، ومن المناضلات اللاتي ساهمن بشكل مباشر في الثورة الجزائرية أثناء الاستعمار الفرنسي في أواخر القرن العشرين. وقد تم تكريمها تكريما يليق بها من بلدها ورئيس جمهورية الجزائر في العام 2020.

وعلى الساحة العراقية كانت الفتاة القومية، والطالبة الجامعية يسرى سعيد ثابت التي ضربت أروع الأمثلة في الشجاعة والإقدام في العام الملتهب 1959. ثم غادرت العراق هي وشقيقها وزوجها ليقضوا بقية حياتهم خارج أرض الوطن متنقلين بين البلدان العربية وأوربا، ولتكون محطتها الأخيرة أرض رفيقتها جميلة بوحيرد.

في مثل هذه الأيام من العام الماضي، وتحديدا في الأول من يناير 2021، رحلت نخلة عراقية باسقة ومناضلة معروفة هي السيدة "يسرى سعيد ثابت" جراء إصابتها بجلطة رئوية لترقد في الجزائر مؤقتا لحين نقل جثمانها إلى الأرض التي أوصت أن تكون مستقرا لها.

لقد رحلت "يسرى سعيد ثابت" بعد مسيرة مضنية لم تحصل منها على أي مكاسب مادية أو معنوية تاركة تاريخياً نضالياً مشهوداً ترك بصماته الناصعة في تاريخ الحركة الوطنية العراقية في النصف الثاني من القرن العشرين.

ويسرى سعيد ثابت من أسرة عروبية إسلامية وطنية بامتياز، وهي من عائلة (ثابت) الموصلية المعروفة، نسبة إلى جدهم (ثابت بن نعمان بن سليمان).

لقد قدَّمت هذه العائلة عددا من أبنائها قرابين بسبب نهجها الوطني والقومي، منهم لؤي ثابت الذي أُعتقل هو وشقيقه أسامه مع قيادي الاعتصام الشهير في الإعدادية الشرقية في الموصل عام 1956 احتجاجا على موقف حكومة نوري السعيد من العدوان الثلاثي على مصر، ونُقلوا إلى معسكر راوندوز وعُذبوا هناك وتوفي على أثر ذلك الشهيد لؤي ثابت وأصيب شقيقه أسامه بانهيار عصبي شديد عانى منه طول حياته.

وشاركت (زاهرة ثابت) أخوها (عُدي ثابت) وباقي شباب محلة الثلمي في مظاهرات إبان فترة حركة الشواف عام 1959، كما اُستشهد باسل ثابت ويعرب ثابت في تلك الحركة.

وإجلالا للمواقف الوطنية لهذه العائلة الكريمة فقد قال عنها الشاعر الدكتور طالب البغدادي:

الموصل الحدباء موصلنا التي ... هي للعروبة زابها والمنبعُ
يا (آل ثابت) بوركت أمجادكم ... لكم القوافي ساجدات رُكَّعُ


والد (يسرى سعيد ثابت) هو الشخصية الوطنية المعروفة، وأحد أقطاب الحركة الوطنية (سعيد الحاج ثابت). وهو من رجالات الحركة العربية القومية ومن رفاق الملك فيصل الأول ومعروف بنضاله ضد الاحتلال الإنكليزي وبجهوده من أجل القضية الفلسطينية، وهو من أسس لجنة الإنقاذ الفلسطيني.

ووالدتها هي السيدة (نبيهة مريود)، وهي سيدة سورية وأخت الثائر السوري الشهيد (أحمد مريود) والتي قَدِمت من سوريا إلى العراق إثر طردها مع عائلتها من قبل الاحتلال الفرنسي.

وأما شقيقها فهو الثائر العروبي الكبير إياد سعيد ثابت (1930-2015) والذي سطعَ اسمه في سماء العراق بعد حادث محاولة اغتيال الزعيم عبدالكريم قاسم في منطقة رأس القرية يوم 7 تشرين الأول 1959.

    

سعيد الحاج ثابت (1883-1941):
سعيد الحاج ثابت شخصية وطنية عراقية معروفة، والده الحاج ثابت النعمان من التجار المعروفين في الموصل. مال سعيد إلى السياسة وانخرط في العمل القومي بعد مجيء حزب الاتحاد والترقّي وتطبيقه سياسة (التتريك). فأخذ يقوم بدور فاعل ضد سلطات الاتحاديين.

لقد كتب والي بغداد العثماني وأحد زعماء جمعية الاتحاد والترقي أحمد جمال باشا (1873-1922) إلى والي الموصل رسالة يطلب فيها إنزال العقاب بسعيد الحاج ثابت، وقد تدخل الوجيه مصطفى الصابونجي (1880-1954م) لإطلاق سراحه من السجن.

أسهم سعيد الحاج ثابت في تأسيس ( النادي الأدبي ) في الموصل في آب 1913، وكان هذا النادي واجهة ثقافية لعمل سياسي ضد سياسة التتريك، وكان من قادته إبراهيم عطارباشي وعلي جودة الأيوبي ومولود مخلص.

وبعد احتلال الإنكليز للموصل سنة 1918 بدأ سعيد الحاج ثابت وعدد من رفاقه بالتخطيط لتأسيس حزب سري جديد يعمل ضد الإنكليز، والذي توحَّد لاحقاً مع جمعية (العلم السرية) بعد سقوط حكومة دمشق العربية على يد الفرنسيين وخروج الملك فيصل من سوريا.

وساهم سعيد الحاج ثابت بتأسيس مؤسسات ثقافية ذات أهداف وطنية: المدرسة الإسلامية، ومدرسة دار النجاح الأهلية. وبعد اندلاع ثورة تلعفر في 4 حزيران 1920، كان سعيد الحاج ثابت وعدد من رفاقه يعملون على إنشاء مركز مقاومة ضد الإنكليز في قضاء (الحضر).

وبعد وصول الملك فيصل الأول (1883-1933) إلى العراق وتأسيس الدولة العراقية عام 1920، عاد سعيد الحاج ثابت إلى الموصل وبدأ نشاطه السياسي بمعارضة مسودة معاهدة 1922 البريطانية الجائرة.

لقد وصف المفتش الإداري البريطاني للواء الموصل في تقريره الذي رفعه إلى مستشار وزارة الداخلية سعيد الحاج ثابت بأنه من (الوطنيين المتطرفين). وقال متصرف اللواء: "إن سعيد الحاج ثابت تزعم اجتماعاً حاشداً في جامع (قضيب البان) حضره عدد كبير من أهالي الموصل، وكان الهدف من الاجتماع معارضة الانتخابات وتحريض الناس على عدم التصويت.. ".


ولم يقف سعيد الحاج ثابت عند هذا الحد، بل قاد المظاهرات للاحتجاج على تدخل الحكومة. فما كان من الحكومة إلا أن اعتقلته لبضعة أيام مع (مكي الشربتي) ثم أمرت وزارة الداخلية بدعوته إلى بغداد ومنعته من العودة إلى الموصل ريثما تنتهي الانتخابات وينعقد المجلس التأسيسي في 27 آذار 1924.

وكان لسعيد الحاج ثابت دور في تأسيس (حزب الاستقلال العراقي) في الموصل في الأول من ايلول 1924. وكان من أهدافه هذا الحزب تحقيق الاستقلال التام للعراق وتنشيط حركة الوحدة العربية. كما أصدر الحزب جريدة العهد ودراسة موثقة عن قضية الموصل طبعت سنة 1925.

ولم يكن نشاط سعيد الحاج ثابت مقتصراً على حدود مدينته، بل عمل في العاصمة بغداد. وكانت صلاته واسعة مع قادة الحركة الوطنية أمثال ياسين الهاشمي.

وكان سعيد الحاج ثابت من أبرز مؤسسي (حزب الشعب) وعضواً في هيئته الادارية، كما انتمى إلى (الحزب الوطني) في فترته الثانية (30 حزيران 1928)، وكان لهذا الحزب أثره المهم في قيادة حركة المعارضة عام 1928.

لقد اُنتخب سعيد الحاج ثابت نائباً عام 1925 ممثلاً لحزب الشعب. إلا أنه ومنذ الدورة الرابعة خاض الانتخابات على أنه (مستقل). واشترك في المؤتمر الإسلامي العام الذي عُقد في القدس عام 1931. وقد أُعيد انتخابه للنيابة عام 1933 و 1934، وجُدد انتخابه في الدورة النيابية السادسة.

ومن مواقف سعيد الحاج ثابت المشهودة داخل البرلمان أنه هاجم معاهدة 1930 وانتقد ارتباط نوري السعيد ببريطانيا.

وكان لسعيد الحاج ثابت مساهمة كبيرة في قضية فلسطين، وقد أرسل في 21 آذار 1928 احتجاجاً إلى الحكومة طالب فيه إعادة الطلبة المفصولين الذين تظاهروا ضد زيارة الداعية الصهيوني (موند).

وقابل سعيد الحاج ثابت الملك فيصل ونوري السعيد ضمن وفـد ضم: مولود مخلص، وثابت عبد النور، مطالباً الحكومة البريطانية رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني. وشارك في أعمال المؤتمر الإسلامي العام الذي عُقد في القدس في كانون الأول 1931. كما حضر الاجتماع القومي العربي الأول في القدس مع (50) شخصية عربية قومية، وقد انعقد هذا التجمّع على هامش المؤتمر الإسلامي العام.

وفي العام 1935 ترأس سعيد الحاج ثابت وفداً عراقياً ضم عشرة شخصيات مهمة مع عدد من الطلبة وزار فلسطين وشهد اجتماعات جماهيرية وأعرب عن استعداد العراق لمساندة عرب فلسطين. وقد ضم الوفد مولود مخلص ومحمود الملاح وآخرون.

وفي صيف 1936 تولى سعيد الحاج ثابت رئاسة لجنة الدفاع عن فلسطين وكان لها دور مهم في شرح أبعاد القضية الفلسطينية.

وخلال أحداث الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 عقد الموصليون اجتماعاً جماهيرياً في الجامع النوري الكبير يوم 7 مايس 1936 لمساندة شعب فلسطين. وقد القى سعيد الحاج ثابت وبشير الصقّال والدكتور عبد الجبار الجومرد خطباً مؤثرة وقصيدة حماسية للدكتور الجومرد.

كما كان لسعيد الحاج ثابت دور بارز في دعم نضال الشعب السوري ضد المستعمرين الفرنسيين. فأسهم في تأسيس (لجنة إسعاف منكوبي سوريا ) التي تشكلت بعد اندلاع الثورة السورية الكبرى سنة 1925. وهاجم في جلسة 18 آذار 1940 سياسة فرنسا القمعية في سوريا، ودعا إلى دعم نضال السوريين من أجل التحرر والاستقلال.

لقد ظل سعيد الحاج ثابت واقفاً في الميدان الوطني والقومي حتى وافته المنية في الثامن من تشرين الأول عام 1941 وهو لما يزل نائباً عن الموصل في مجلس النواب.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1014 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع