قصة قصيرة - النهاية البشعة / الجزء الاول

                                                           

                               بقلم أحمد فخري

قصة قصيرة - النهاية البشعة /الجزء الاول

 

سار مايكل بالشارع المؤدي الى منزله يعاني من شدة العطش، ولما وصل المنزل وقف على عتبة بابه وهو بحالة سكر شديدة يتأرجح خارجها يحاول ادخال المفتاح بثقبه. بقي يحاول مرات عدة حتى تمكن في الآخر من دسه بالثقب وفتح الباب ليدخل غرفة الصالة فيجد الظلام مخيمٌ عليها. ضغط زر النور ليضيء الغرفة. استدار يساراً ودخل المطبخ وفتح الثلاجة فلم يجد فيها ماءاً بارداً يروي عطشه. ملأ كأساً من الحنفية وفتح المجمدة أخرج قطعة ثلجٍ منها ورماها بكأسه وراح يشرب منه. رجع الى الصالة دون ان يغلق باب المجمدة ورائه. فتش عن قنينة الخمر التي تركها بالامس فعثر عليها فوق المنضدة بالقرب من الاريكة، فتحها وراح يحتسي من فمها حتى خوت تماماً فوضعها على الطاولة. جلس على الاريكة قليلاً ثم استلقى عليها ونام على الفور. لم يكن يعي ما حوله ولا ما هي تداعيات افعاله حتى اليوم التالي حين استيقظت زوجته خوانا وراحت تراقب زوجها النائم على الاريكة تفوح منه رائحة الخمر التي ملأت الصالة. دخلت المطبخ فشاهدت باب المجمدة مفتوحاً لاقصى ما يمكن وقد ذاب منها كل الثلج وفاحت رائحة الاطعمة المتعفنة. بدأت تخرج اكياس الاطعمة وتتخلص منها بسلّة المهملات حتى رمتها برمتها. نظّفَت الثلاجة ثم عادت وملأت الزجاجة بماء عذب لترجعها الى مكانها وتغلق الباب من جديد. دخلت الصالة ونادت على زوجها الذي مازال يشخر على الاريكة يصدر اصواتاً اشبه باصوات آلة قص الحشائش،

خوانا : مايكل استيقظ يا مايكل. يبدو انك سكرت بالامس كعادتك.
مايكل : اجل فعلت. وما ضير في ذلك؟ هل يتحتم علي طلب الاذن منك كي استمتع بوقتي مع اصحابي؟
خوانا : وأي يوم لم تسكر فيه يا رجل؟ تعود للبيت كل ليلة متأخراً تخرج منك روائح البول والخمر وكأنك متشرد.
مايكل : كفاك ثرثرة يا امرأة. رأسي يؤلمني كثيراً وانتِ تثرثرين امامي. الا تعرفين مدى معاناتي من الالم ايتها العاهر القذرة؟ اغربي عن وجهي واجلبي دواءاً للصداع.
خوانا : كيف تنعتني بالعاهر وانا زوجتك؟ اليس لديك ذرة من الشرف والاخلاق؟ هل وصلتَ الى قعر حوض النتانة؟
مايكل : تعالي الى هنا ودعيني اريك حوض النتانة يا وضيعة.
امسك بيدها وسحبها اليه ثم صفعها صفعة قوية ادت الى سيلان الدم من شفتيها، تبعها بصفعات متتالية ولكمات قوية حتى تراجعت للخلف تحاول ان تتفادى ضرباته القاسية فتعثرت قدمها بالسجادة وسقطت على الارض ركلها ركلة قوية على خصرها احست وكأن جسدها ينفجر من شدة الالم. لم يكتفي بذلك بل انزل سرواله الى كاحليه وصار يتبول عليها مغطياً كامل جسدها بشكل مهين. صار يصرخ عليها ويقول،
مايكل : انا الغبي الذي تزوجت منك ايتها الساقطة فانت لا نفع فيك سوى في السرير. انت دمرت حياتي كلها والآن تنكدين عليّ عيشتي. تستائين لو رأيتني اقضي لحظاتاً بهيجة مع اصدقائي.
خوانا : إذا كنت مستاءاً مني بهذا الشكل، فلماذا لا تمنحني الطلاق وترتاح من همي؟ وقتها ستستطيع ان تفعل ما يحلو لك.
مايكل : هذا آخر شيء تحلمين به يا ساقطة. سابقى اذلكِ وارميك على الارض طالما تعامليني بهذه السفالة. سوف لن ادعك تتمتعين بالحرية وتمارسين الجنس مع كل من هب ودب. سابقى قابعاً على قلبك حتى تموتين.
خرج من الدار وتوارى بعيداً. اتكأت خوانا بساق الطاولة كي تنتصب واقفة على اقدامها. كانت تبكي بحرقة وتمسك بخصرها من شدة الالم. دخلت الحمام ونظرت الى شكلها بالمرآة فهالها ما رأت. لقد حول وجهها الى شيء بشع اشبه بالخريطة يملأه الدم والكدمات بكل مكان. كان جفن عينها اليسرى مقفلٌ تماماً لا تقوى على فتحه. انصبغ وجهها بالزراق بعدة اماكن على شكل بقع متفاوتة الحجم. سكبت الماء على وجهها لكن بكائها لم يتوقف فاختلطت دمعاتها بقطرات الماء. بقيت تئن وتبكي ثم عادت الى الصالة لتجلس على الاريكة وهي لا تزال تبكي. امسكت بسماعة الهاتف لتتصل باختها كارولين فسمعت الهاتف يرن حتى رفعت السماعة وقالت،
كارولين : من الطالب؟
خوانا : انا خوانا .
كارولين : اي خوانا؟
خوانا : ما بالك يا كار؟ انا اختك خوانا، هل نسيتِ صوتي؟
كارولين : بل انتِ التي نسيتِ جميع افراد عائلتك منذ ان تزوجت بذلك الشرير الخبيث. الا تتذكرين؟
خوانا : اجل اتذكر ولكن انا في مأزق الآن يا كار واحتاج لمساعدتك.
كارولين : الآن تريدين مساعدتي اليس كذلك؟ عندما قلت لك ان مايكل خّمير مدمن على الكحول، ماذا اجبتني وقتها؟ دعيني اذكركِ، قلتِ بانني اغار منك ولا اريد لك الخير لانني متزوجة من رجل عجوز بعمر والدي. اليس ذلك ما قلتهِ؟ هيا تكلمي.
خوانا : يا كار انا اكاد اموت الآن وليس لدي احد غيرك. ارجوكِ اسمعي مني.
كارولين : لماذا؟ ما الذي فعله بك هذه المرة؟ هل خانكِ مع امرأة ثانية؟ هل سرق اموالك وشرب بها خمراً او خسرها على طاولة القمار؟
خوانا : البارحة رجع الى البيت منتشياً بعد منتصف الليل ثم نام على الاريكة بالصالون. وعندما ايقظته هذا الصباح قام بضربي ضرباً مبرحاً فاسقطني ارضاً ثم قام بركلي.
هنا تغيرت نبرة اختها عندما سمعت كل ذلك قالت،
كارولين : ركلك هذا الوضيع؟ هل انت بخير؟
خوانا : انتِ لن تصدقي ما فعله بعد ذلك. عندما اشبعني ضرباً وركلاً وسباباً قام بالتبول علي كما يتبول الكلب على الشجرة.
كارولين : يا الهي هذا وسافل حقير قذر. ذلك شيء لا يصدق ابداً.
خوانا : انقذيني يا كار ارجوكِ، لا اعلم ماذا افعل. لقد نفذت جعبتي من الافكار، ارجوك انقذيني بالله عليكِ. إن كان لاخوّتنا اي قيمة عندك فانا لازلت اختك. لقد اخطأت الخيار في السابق وانا احتاج لنجدتك الآن ارجوكِ.
كارولين : ولماذا لا تذهبين الى مركز الشرطة وترفعين عليه دعوة الاعتداء الاسري؟ سوف يؤدبونه ويمنعونه من التقرب منك.
خوانا : لا يمكنني فعل ذلك لان افراد الشرطة جميعهم اصدقاء مايكل، انهم كانوا يعملون سوياً قبل ان يطرد من سلك الشرطة. لذلك فهم سوف لن يقفوا الى جانبي وبالتأكيد سوف يخبروه بشكوايَ فيعود ويزيدني ضرباً وقد يقتلني هذه المرة.
كارولين : لا حول ولا قوة الا بالله. هذا شيء مؤلم حقاً. لا اعلم ماذا اقول ولا اعلم ماذا استطيع تقديمه لكِ. اسمعي مني يا خوانا، بامكانك ان تأتي الى عندي هنا ببيتي. ما قولك؟
خوانا : سوف يجدني ويحطم جمجمتي بلا شك انه يعلم انك القريبة الوحيدة لديَ وهو يعرف اين تسكنين يا كار.
كارولين : كلا، ذلك ليس صحيحاً لانني بعد ان توفى المرحوم زوجي خوزي وترك لي البيت الذي كنا نسكن به بلوس انجيلوس، قمت ببيعه وانتقلت الى ساكرامينتو وبما انني كنت احمل اسم كارولين غيرته الى اسم جديد وهو امينة لذلك سوف لن يتمكن من الوصول الي. فقط اركبي طائرة وتعالي الى ساكرامينتو وستسكنين عندي بأمان.
خوانا : لكنني... اقصد انا... انا لا املك المال لاشتري تذكرة الطائرة. هل بامكانك ان تعيريني المبلغ وسارده اليك باسرع وقت ممكن؟
كارولين : حسناً ساشتري لكِ التذكرة عبر الانترنت وساتصل بك بعد قليل كي اعطيك التفاصيل.
خوانا : شكراً لك يا كار ام انك تفضلين ان اناديك امينة؟
امينة : اجل اسمي امينة الآن. ساعود واتصل بك لاحقاً.
وضعت خوانا سماعة الهاتف وذهبت الى المطبخ كي تعد لنفسها فنجاناً من القهوة، وعندما بحثت عن الحليب في الثلاجة وجدته قد اصيب بالتلف هو الآخر فرمته بصفيحة المهملات. حملت كأس القهوة وعادت به الى الصالون. جلست على الاريكة وقرّبت الفنجان من فمها لتترشف منه. حال ملامسة الفنجان لشفتها شعرت بألم شديد من اثر الجروح التي تركها زوجها فصرخت وابعدت الفنجان بسرعة عن فمها لتسقط بعض قطرات القهوة على صدرها فتشعر بحرقة هناك. بقيت تشرب قهوتها حتى سمعت رنين الهاتف من جديد، رفعت السماعة وقالت بلهفة،
خوانا : الو امينة؟
مايكل : من هو امينة ايتها العاهر؟ هل هو قوادك الجديد؟
خوانا : كنت سانطق باسمك يا ظالم لكنك تركت جروحاً كبيراً بفمي فلم استطع نطق اسمك بشكل صحيح.
مايكل : دعك من هذا الهراء الآن يا قمامة. اريدك ان تُعِدّي وليمة مشرفة لاصدقائي. فقد دعيتهم على الطعام اليوم. سوف نصل الساعة الرابعة بعد ان ينتهوا من عملهم. افهمت؟
خوانا : اجل، اجل فهمت يا مايكل على الرحب والسعة. دعهم يأتون وساعد لهم طعاماً شهياً.
اغلق الخط معها فوضعت السماعة وهي ترتعد من شدة الخوف من ظلم ذلك الحقير المتسلط. "إذا رجع للبيت ومعه اصحابه فسوف يضربني من جديد لانني لم اعد الطعام كما امرني. ارجو ان تبعث اختي امينة تذكرة الطائرة قبل ذلك الوقت كي اتمكن من الهرب". بقيت جالسة لاكثر من نصف ساعة ولم يرن هاتفها. امسكت بالسماعة وطلبت رقم اختها فوجدته مشغولاً. اغلقت الخط ثم عادت وطلبت الرقم ثانية لكن الخط ما زال مشغولاً. قررت ان تنتظر قليلاً وتعود لتتصل بها. لكنها فور وضعها للسماعة رن الهاتف فرفعته وقالت،
خوانا : نعم من المتصل؟
امينة : انا امينة يا خوانا. اسمعيني جيداً. لقد حصلت لك على تذكرة من مطار ميامي. ستغيرين الطائرة بمطار لاس فيگاس ثم ستواصلين الرحلة الى مطار ساكرامينتو. الرحلة برمتها ستدوم حوالي 9 ساعات. سارسل لك كل التفاصيل على هاتفك النقال...
قاطعتها خوانا وقالت،
خوانا : انا لا املك هاتفاً نقالاً. يقول مايكل ان الهاتف سيفسد افكاري وسيلهيني عن خدمته.
كارولين : حسناً سجلي عندك بالورقة، سأملي عليك تفاصيل الرحلة.
خوانا : انتظري حتى اعثر على قلم وورقة لو سمحتِ.
احضرت قلما وورقة من المطبخ ثم عادت ورفعت السماعة قالت،
خوانا : انا جاهزة تفضلي.
كارولين : الاقلاع من مطار ميامي اليوم الساعة 2.15 مساءاً. ستغيرين الطائرة لدى مكارن وتصلين هنا الساعة الحادية عشر ليلاً.
خوانا : سامحيني ولكن من هي مكارن؟
امينة: مكارن هو اسم مطار فيگاس.
خوانا : طيب امينة، لقد سجلت كل المعلومات.
امينة: هل لديك المال الكافي للذهاب الى المطار؟
خوانا : اجل ساركب الحافلة، لا تقلقي.
امينة: إذاً عليك ان تتحركي الآن قبل ان يرجع ذلك الوغد السافل.
خوانا : سارتدي ملابسي وانطلق فوراً.
ارجعت سماعة الهاتف وانتفظت تجري الى غرفة نومها بالطابق العلوي لتغير ملابسها على عجالة قبل عودة زوجها لانه بالتأكيد سوف لن يسمح لها بالمغادرة إذا عرف انها ستتركه دون عودة. دخلت الحمام وقامت بطلاء وجهها بمساحيق (الفاونديشن) كي تغطي الكدمات التي تركها لها ذلك المعتوه. ارتدت ملابسها وجمعت بعض الاواعي لتضعها في حقيبة سفر صغيرة. نظرت الى ساعتها فوجدتها تشير الى العاشرة. سحبت الحقيبة ورائها وخرجت من البيت مسرعة. اقفلت الباب ورائها ونظرت اليه من الخارج قالت، "وداعاً ايها البيت المشؤوم. سوف لن اشتاق اليك. لقد عشت اتعس ايام حياتي فيك". بصقت عليه ومشت بعيداً باتجاه موقف الحافلات لتنتظر هناك حتى مرت منها جارتها الفضولية سرسي فسألتها،
سرسي : ما هذا يا خوانا؟ هل انت مسافرة؟
خوانا : اي سفر هذا؟ كلا حبيبتي انا ذاهبة الى المدينة كي اصلح هذه الحقيبة فالعجلة لا تعمل جيداً. ساعود بعد ساعة تقريباً.
سرسي : ربما انت تكذبين عليّ ولا تريدين ان اعرف بسفركِ. هل انت هاربة من زوجك السيد مايكل؟ لقد سمعتكما تتشاجران هذا الصباح وقلت لنفسي ربما ترومين الهرب منه.
خوانا : سيبقى مايكل زوجي وانا احبه حباً جماً. لا تنسي فالشجار بين الازواج يقع دائماً اليس كذلك؟ الم يعريك زوجك من جميع ملابسك ويكيل لك الضرب بالاسبوع المنصرم؟
سرسي : لماذا تذكريني بذلك الحدث المؤلم؟
خوانا : ولماذا تحشرين انفك بكل صغيرة وكبيرة ايتها البوم البغيضة.
لم يعجبها كلام خوانا فتركتها وسارت بعيداً. ما هي الا دقائق حتى وقفت الحافلة امامها فركبتها وتوارت عن انظار جارتها الفضولية سرسي. بقيت الحافلة تسير لاكثر من 25 دقيقة حتى نزلت من الحافلة لتغيرها وتركب حافلة ثانية تأخذها الى المطار. بعد سير دام 20 دقيقة توقفت الحافلة امام المطار فهبطت منها ودخلت المبنى الرئيسي لكنها تفاجأت بحجمه الكبير. فهي لم تسافر بحياتها بالطائرة سوى مرة واحدة عندما كان عمرها 7 سنوات. وقتها اخذها ابوها الى مدينة دزني. كانت تلك اجمل ايام حياتها لانها شعرت انها تعيش حياة طفولة سعيدة. نظرت حولها بالمطار فوجدت الناس يسيرون بكل الاتجاهات مشيت نحو مكتب كتب عليه (الاستعلامات). تحدثت مع الفتاة الواقفة خلفه وسألتها عن رحلتها فادلتها الى البوابة التي بالطابق العلوي. كانت تشعر بتوتر شديد لانها على يقين لو علم زوجها بسفرها فلسوف يلحق بها ويقتلها امام الملأ بداخل المطار انه مجنون ولا يترك مجالاً للتفكير الرشيد عندما يغضب. بقيت تسير وتتلفت خلفها حتى وقفت امام مكتب التذاكر. قدمت المعلومات للموظفة وقالت ان لديها تذكرة الى ساكرامينتو. تفحصت الموظفة شاشة الحاسوب وقالت،
الموظفة : رحلتك الساعة 2.15 والساعة الآن هي الحادية عشرة. لقد جئتِ مبكرة جداً.
خوانا : اجل اعلم ذلك لكني اريد ان ادخل الآن للداخل رجاءاً.
الموظفة : طيب، الاسم الكامل؟
خوانا : خوانا انريكيز.
الموظفة : الديكِ بطاقة شخصية او رخصة قيادة؟
خوانا : اجل تفضلي.
تفحصتها جيداً ثم ارجعتها اليها وقالت،
الموظفة : لقيت الحجز. هل لديك امتعة؟
خوانا : معي هذه الحقيبة الصغيرة.
الموظفة : لا بأس إذاً. هل ستسافرين بصحبة شخص آخر؟
خوانا : كلا، لماذا تسألين ؟
الموظفة : لاحظتك تتطلعين الى الخلف كثيراً وكأنك تتوقعين مجيء مسافر آخر كي يلتحق بك.
خوانا : كلا، انا اسافر وحدي لكني اخاف من الطائرة كثيراً فهي اول رحلة لي بحياتي.
الموظفة : لا تخافي سيدتي، انها كممارسة الجنس للمرة الاولى تكون مخيفة بالبداية ثم تعتادين عليها ثم تحبينها هاهاها. رحلة سعيدة آمنة.
اخذت منها بطاقة ركوب الطائرة وسارت باتجاه بوابة المغادرة. كان التوتر بادياً عليها بشكل ملحوظ وهي تتلفت خلفها وتمسح كل صالات المطار بناظريها اثناء السير نحو البوابة. اوقفتها موظفة ثانية وسألتها،
الموظفة : الصعود؟
خوانا : ماذا؟
الموظفة : بطاقة الصعود للطائرة التي بيدك لو سمحتِ؟
خوانا : اجل، اجل انا اسفة، تفضلي.
تفحصت البطاقة ثم ارجعتها لخوانا فسارت وهي لا تزال تتلفت خلفها حتى دخلت البوابة ثم ابتعدت باتجاه المقهى. جلست بزاوية بعيدة هناك تمعن النظر بالمكان وتنظر الى مداخل البوابات لعل زوجها يلحق بها ويمنعها من الفرار.
النادل : هل استطيع مساعدتكِ؟
خوانا : هل تعتقد انني احتاج الى المساعدة؟
النادل : اقصد هل تريدين تناول شيئاً؟
خوانا : آسفة جداً اسأت فهمك. نعم آتني بفنجان قهوة لو سمحت.
النادل : بالتأكيد سيدتي.
توارى النادل بعيداً وبقيت خوانا تتخبط بافكارها ومخاوفها تنظر الى اي رجل يمر من جانبها. تظل تتفحص كل الوجوه من حولها حتى عاد النادل حاملاً معه فنجان القهوة. وضعه على الطاولة ثم اعطاها الفاتورة. تمعنت النظر فيها وصاحت،
خوانا : هـــــــــــــل جننت؟ قهوة بـ 15.20 دولاراً؟
النادل : هذا هو سعرها بالمطار سيدتي. انا آسف.
خوانا : لكنني لا احتكم على اكثر من 20 دولاراً. لا اريد القهوة لقد غيرت رأيي.
النادل : انا سجلت القهوة في الآلة الحاسبة ولو لم تدفعيها انتِ فسوف يجعلوني ادفع ثمنها من جيبي. انا آسف سيدتي.
خوانا : حسناً خذ الـ 20 وارجعلي الباقي لو سمحت.
وضع الباقي في صحن صغير وتركه على طاولتها. رفعت الفنجان ووضعته على فمها فشعرت بالالم مرة ثانية لما لامس الفنجان شفتها المجروحة الا انها تحملته وترشفت قليلاً منه فتذوقت طعمها اللذيذ لتبتسم وتقول، "صحيح انها لذيذة جداً لكنها تعادل ثلاث مرات ثمن تنورتي التي ارتديها الآن فقد اشتريتها بـ 5 دولارات من متجر الملابس المستعملة".
بقيت جالسة بمكانها تستمتع بشرب القهوة تراقب مدخل البوابة بحذر كبير وتخطط لما ستفعله وكيف ستتوارى إذا ما دخل عليها مايكل. فجأة رأت زوجها مايكل قادماً اليها من بعيد فتعرفت عليه وبدأ العرق البارد يتصبب من جبينها. ركضت بعيداً دون ان تأخذ حقيبتها معها فركض النادل ورائها وهو يصيح حقيبتك، حقيبتك يا سيدتي. توقفت قليلاً واستدارت فاصطدمت بزوجها وقالت،
خوانا : مـــــــــــايكل؟
نظر اليها الرجل وقال،
الرجل : من هو مايكل، سيدتي انا اسمي جمال.
خوانا : انا آسفة، تخيلتك شخصاً آخر. سامحني.
وصل اليها النادل وسلمها الحقيبة وقال،
النادل : لقد نسيتِ حقيبتك سيدتي.
خوانا : شكراً لك.
اخذت الحقيبة وسارت بها وهي ترتعد من شدة الخوف، صارت تفكر بافضل طريقة تتوارى فيها عن الانظار. في خضم ذلك خطرت لها فكرة الدخول الى دورة المياه والاختباء بداخلها في احدى الكابينات حتى يحين موعد الاقلاع. دخلت دورة المياه واغلقت على نفسها باب الكبينة لتجلس على كرسي المرحاض ممسكة بحقيبتها امامها. بقيت هناك حتى الواحدة والنصف حين قررت الخروج كي لا يفوتها موعد الطائرة. سارت نحو بوابة الاقلاع وابرزت بطاقة الصعود فقطعتها الموظفة وارجعت لها ذيل البطاقة. امسكت به ودخلت الممر الزجاجي الذي يؤدي الى باب الطائرة. قدمت الذيل للمضيفة التي وقفت ترحب بالركاب بداخل الطائرة قالت،
المضيفة : 34C
خوانا : اين يقع ذلك؟
المضيفة : بآخر الطائرة، سوف تساعدك زميلتي المضيفة الثانية الواقفة بالمؤخرة.
سارت خوانا بالممشى لترى باقي الركاب يخلعون معاطفهم ويجلسون على كراسيهم فيغلقون احزمة المقاعد. تذكرت حزام المقعد الذي ربطه الممثل بروس والس لحبيبته بلقطة رومانسية في احدى الافلام التي سبق ان شاهدتها على التلفاز. بقيت تتفحص ارقام المقاعد حتى وصلت الى الرقم 34 نظرت الى الجانبين فوجدت لوحة بالاعلى مكتوب عليها ABC أذاً لا بد ان يكون هذا. جلست على الكرسي الوسطي وربطت حزام المقعد. فجأة تجمدت وكادت تتبول على نفسها من الخوف لما وقف رجل طويل الى جانبها فتخيلته زوجها قالت،
خوانا : مايــــــــــــــــكل؟
الرجل : كلا سيدتي انا اسمي جاك. هل تتوقعين مسافراً آخراً يجلس الى جانبكِ؟
خوانا : انا آسفة. كلا، كلا انا مجنونة وكنت اهذي فقط.
جاك : اتسمحين لي بالجلوس الى جانبك إذاً؟
خوانا : ولماذا لا تجلس بمكان آخر في الطائرة؟
جاك : لانك تجلسين في المقعد المخصص لي 34B.
خوانا : اقدم لك اعتذاري، انا غبية.
وقفت وتركت مكانها لتنتقل الى الكرسي المجاور بمحاذاة الممشى قالت،
خوانا : تفضل سيدي.
جاك : إذا كنت تريدين الجلوس عليه فلا مانع لدي.
خوانا : لا، لا ابداً انا ارتكبت خطئاً وحسب.
جاك : هل انتِ ذاهبة الى لاس فيگاس ؟
خوانا : كلا، انا ساغير الطائرة هناك لاذهب بعدها الى ساكرامينتو.
جاك : ما هذه الصدفة؟ انا ايضاً ذاهبٌ الى ساكرامينتو.
خوانا : اجل لكني متعبة جداً واريد ان انام لو سمحت.
جاك : تفضلي، لم يكن هدفي ازعاجك ابداً سيدتي.
ارجعت الكرسي الى الخلف ووضعت رأسها على مسند الكرسي لتغمض عينيها. راحت تمسح على زنديها لانها كانت تشعر بالبرد فلاحظ جليسها ذلك قال،
جاك : هل تريدين بطانية سيدتي؟
خوانا : شكراً، انا لا اريد من امتعتك شيئاً فقد تحتاجها انت.
جاك : البطانية ليست من امتعتي انها جُعِلَت للمسافرين.
وقف وفتح خزانة الحقائب فوق الكرسي، سحب منها بطانية مغلفة بكيس بلاستيكي شفاف ثم اعطاها لخوانا. نظرت اليها ونظرت بوجهه فشعرت بالخجل قالت،
خوانا : لم اكن اعلم بهذه البطانيات. انا آسفة. اجل... شكراً لك انها حقاً تبعث بالدفئ الفوري بالرغم من انها غير سميكة.
جاك : لا شكر على واجب. بالمناسبة انا جاك سامويل دانيالز بخدمتك سيدتي.
خوانا : اسمك لا يُنسى ابداً. هاهاها.
الرجل : اجل الكل يقول ذلك، وانت؟
خوانا : انا اسمي تيا ماريا. هاهاها، كلا انا امازحك اسمي... اسمي... انا اسمي امينة.
خوانا : تشرفت بمعرفتك يا امينة. بامكانك النوم الآن. اعدك باني ساكون هادءاً ولن اصدر اي اصوات تقلق نومك.
تغطت بالبطانية جيداً ثم اغلقت عيناها فاسلمت لنوم فوري لان الجلوس بمراحيض المطار كان قد اتعبها كثيراً وتسبب لها بالم في الظهر. وبينما هي نائمة جائها صوت نسوي يقول، "عصير ام قهوة؟". فتحت عيناها لترى المضيفة واقفة بالممر وامامها عربة ملئى بالكثير من المشروبات سألتها،
خوانا : هل هو مجاني؟
المضيفة : اجل سيدتي.
خوانا : إذاً اعطني عصير برتقال لو سمحتِ.
صبت لها كأساً واعطتها اياه فامسكت به بيدها. مد جليسها يده وفتح لها الصينية الملتصقة بالكرسي امامها فهبطت امام خوانا. ابتسمت بوجهه وشكرته ثم وضعت كأسها عليها. نظر جاك الى المضيفة وقال،
جاك : كأس من الماء لو سمحتِ.
اعطته كأسه فمد يده وفتح صينيته ثم وضع عليها كأس الماء.
خوانا : هل نُمْتُ كثيراً؟
جاك : ليس كثيراً فقط 20 دقيقة.
خوانا : اشعر بنشاط كبير وكانني نمت ساعات طوال. كنت بامس الحاجة لتلك القيلولة القصيرة.
جاك : ربما كنت متعبة كثيراً من الجري وراء اطفالك.
خوانا : انا ليس لدي اطفال. انا متزوجة فقط.
جاك : إذاً انت ذاهبة للقاء زوجك بساكرامينتو اليس كذلك؟
خوانا : اختي. اسافر لالتقي باختي التي لم التقيها منذ امد بعيد. وانت؟
جاك : انا ارمل. جئت الى هنا لاحضر مؤتمراً حقوقياً والآن في طريق العودة الى بيتي بساكرامينتو. انا مثلك تماماً، لم انجب اولاداً.
خوانا : لماذا حقوقياً؟ هل انت محامي؟
جاك : اجل انا مستشار قانوني سيدتي وهذه بطاقتي الشخصية.
امسكت ببطاقته وتفحصتها لتقرأ،
>المستشار القانوني جاك سامويل دانيالز جونيور<.
خوانا : يا سلام ومن هو سينيور؟
جاك : انه جد والدي جسبر نيوتون جاك دانيالز هو الرجل الذي اسس مصانع الويسكي بولاية تنسي.
خوانا : يا الهي، سكير آخر.
جاك : لماذا تقولين ذلك؟ انا لا اشرب الكحول ابداً.
خوانا : انا آسفة. زوجي السابق كان سكيراً.
جاك : إذاً انت مطلقة او ارملة؟
خوانا : لا هذا ولا ذاك، انا منفصلة عن زوجي الى ما لا نهاية.
جاك : لا افهم عليكِ.
خوانا : لا يهم. اترك الامر على ذلك.
شرب المزيد من كأس الماء الذي امامه ثم قال،
جاك : يبدو انك مررت باوقات عصيبة مع زوجكِ.
خوانا : وكيف عرفت ذلك؟ هل ارسلك مايكل لتتجسس عليّ؟
جاك : على رسلك سيدتي. الم تقولي انك منفصلة عن زوجك الى ما لا نهاية؟ وهذا يعني انك مستاءة منه اليس كذلك؟
خوانا : اجل انا آسفة جداً. نعم هذا ماحصل ولكن وقع ذلك هذا الصباح فقط. لذا قررت ان اتركه واذهب الى اختي بساكرامينتو هرباً من ظلمه وجبروته.
جاك : هل كان يعتدي عليك بالضرب؟
امسكت المنديل الورقي الذي سحبته من تحت عصير البرتقال وقامت بازالة بعض المساحيق التي تغطي وجهها ثم ادارت رأسها اليه. نظر الى وجهها وفتح عينيه لاقصى درجة وفتح فمه من هول ما رأى قالت،
خوانا : هذا جزء بسيط من هدايا الوداع التي منحني اياها هذا الصباح. هل أعجبكَ شكلي يا سيد جاك؟ كان يحبسني بالبيت ولا يسمح لي بالخروج الا بالضرورة القصوى. كان لا يسمح لي بامتلاك هاتفٍ نقال تخيل؟ ارى جميع الناس يمسكون بهواتف نقالة وانا محرومة منها.
جاك : يا الهي، هذا وحش كاسر ومجرم خطير. انه يستحق ان يزج بالسجن او بمصح للامراض العقلية.
خوانا : لا هذا ولا ذاك. هو لديه (كارت بلانش) ولا يستطيع احد ان يمسه؟
جاك : لماذا؟ هل هو سيناتور او دبلماسي او قاضي مثلاً؟
خوانا : كلا، انه شرطي سابق. وهذا يعني ان لديه سطوة كبيرة لديهم لان جميع افراد الشرطة بالمركز كانوا زملائه قبل ان يطرد من وظيفته. لكنه بقيَ على اتصال دائم بهم لذلك فهم يلبون له كل طلباته وكأنه مازال على رأس عمله. تخيل، قبل ستة اشهر طرقت علينا الباب احدى جاراتنا وقالت ان رجالاً ثلاثة قاموا باختطاف ابنتها الصغيرة وطلبت من زوجي المساعدة. رفع زوجي الهاتف وعمل بعض الاتصالات، وما هي الا ساعات ورجعت ابنتها الى احضانها وزج الخاطفون بالسجن. صدقني انه لا يقهر.
جاك : ليس هناك شخص لا يقهر. ولا هناك شخص فوق القانون ابداً. بامريكا لدينا قانون، والقانون فوق الجميع. الا سمعتِ بالـ IA؟
خوانا : ومن هو الـ IA، هل هو قاضي؟
جاك : كلا انها مجموعة من الشرطة بداخل كل مخافر الشرطة تسمى (الشؤون الداخلية) مهمتها تتطلب مراقبة اداء افراد الشرطة وتحرص على عدم السماح لهم كي يستغلوا مواقعهم في ظلم الناس. انهم صارمون جداً ولا يسمحون لاي شرطي ان يتمادى ويتجاوز حدود عمله فيسبب الماً للمواطنين. انهم بمثابة الشرطة على الشرطة.
خوانا : واين اجد الشؤون الداخلية هذه؟
جاك : إذا اردتِ فانا استطيع ان اساعدك حينما نصل الى ساكرامينتو.
خوانا : حسناً. ولكني كذبت عليك يا استاذ جاك سامحني. ان اسمي خوانا وليس امينة.
جاك : هذا لا يهم. انا اقدّر حرصك الشديد كي لا يلحق بك الاذى من زوجك المستبد لذا فانتِ تتصرفين بحذر كبير مع الاغراب. لكن بما انني اصبحت محاميك الخاص فبامكانك ان تثقي بي من الآن وصاعداً يا خوانا.
خوانا : شكراً لك سيد جاك.
جاك : نادني جاك بدون القاب.
خوانا : شكراً، ولكن لدي مشكلة اخرى يا جاك.
جاك : اعدك بحل جميع مشاكلك، ما هي المشكلة الاخرى؟
خوانا : ليس لدي عمل، لذلك سوف لن اتمكن من دفع اجورك.
جاك : بامكاني ان اعمل معك بشكل (پروبونو). اي بدون اجور. ها؟ هل رضيتِ الآن؟
ابتسمت بوجهه ثم قالت،
خوانا : بما ان الامور كذلك فاشتري لي الطعام لاني جائعة ولم اتناول فطوري.
جاك : الطعام مجاني بالطائرة وسوف يقدم بعد قليل. هل لديك اقوال اخرى؟
خوانا : كلا حضرة المحامي. اعدك بان اقول الحق كل الحق فليساعدني الله.
ضحك الاثنان وصاروا يدردشون بكل الامور ونسوا الوقت حتى رأوا المضيفات يقدمن الطعام بمقدمة الطائرة وصارت الروائح الزكية تصل الى انوفهم فابتسمت وقالت،
خوانا : لقد حضر الطعام. انا اكاد اموت من الجوع.
جاك : اتمنى ان لا تموتي فانا بالكاد حصلت على زبونة جديدة استرزق منها.
ضحك الاثنان من جديد فشعرت خوانا بسعادة كبيرة وارتاحت تجاه ذلك الرجل اللطيف. تحسرت وقالت، "لماذا لم يكون هذا الرجل هو زوجي؟ انا اعلم انه يكبرني بالسن فهو على الاقل 40 او 45 سنة لكنه وسيم جداً ويعاملني بلطف وحنان. اوف ماذا اعمل بحظي التعيس؟".
وضعت المضيفة صينيتي طعام على منضدتهما فصار الاثنان يتناولان طعامهما الا ان حديثهما لم يتوقف إذ سألها،
جاك : قلتِ ان اسمك خوانا. هل هو مكسيكي؟
خوانا : كلا، انا من كولومبيا. هاجر والدي في الثلاثينات من القرن المنصرم الى امريكا. وانا ولدت هنا، اقصد بميامي.
جاك : وهل تتكلمين الاسبانية؟
خوانا : اجل اتكلمها بلهجة الكاستليانو وليس بلهجة اسبانيا. مع اننا لا نحب اسبانيا لانها كانت بلداً مستعمراً. نحن نعتز بجذورنا الكولومبية. هل تفهم الاسبانية يا جاك؟
جاك : انا اعرف بعض الكلمات فقط، لكني لا استطيع ان اتكلم بشكل جيد.
خوانا : لا عليك، الاسبانية لغة سهلة وجميلة، ساعلمك اياها فيما بعد.
جاك : تاكويردو سنيورا.
خوانا : ارأيت يا محتال؟ انت تعرف تلك الجملة واستعملتها بموضعها الصحيح.
جاك : لا ابداً. كان لدي موكل كان يقولها كل ما اقترحت عليه شيء. حتى لما قلت له بان قضيته خاسرة وعليه ان يتقبل الحكم بالغرامة سكت قليلاً ثم قال، "تاكويردو سنيور".
ضحكت خوانا من كل قلبها وشعرت بالسعادة التي صار يخلقها ذلك المحامي اللبق. سكت الاثنان بعض الوقت ثم قالت،
خوانا : كم من الوقت مر على رحلتنا؟
جاك : مرت ساعتان الا قليلاً. ما زال امامنا الكثير حتى نصل الى لاس فيگاس.
خوانا : هذا شيء مفرح فانا اود لو ان الرحلة لا تنتهي.
جاك : لماذا؟ هل أعجبك اداء الطيار لانه منحنا رحلة سلسة من دون مطبات؟
خوانا : بل اعجبتني صحبتك يا جاك، انت انسان لطيف المعشر.
جاك : (موݘاس گراسياس).
خوانا : على الرحب والسعة.
كانت تلك الرحلة بمثابة الدعم المعنوي الذي تحتاجه خوانا بالحاح كي تنسى الآلام التي تسببها ذلك اللعين. فالسنوات التي قضتها معه كانت تشكل طوقاً من حديد التف حول عنقها وجعلها تنسى معنى الراحة النفسية والعشرة الطيبة والاخلق النبيلة. سكت الاثنان عن الكلام وبقيت تسبح بافكارها لتقارن بين جاك وبين زوجها مايكل. كانت تعوم باحلام اليقظة وتتحدث الى نفسها بشكل منطقي فهي تعلم تماماً ان جاك انسان يحمل الكم الهائل من الثقافة وذلك النسب الرفيع، لا يمكن ان يفكر بواحدة مثلها فهي بالكاد اكملت الثانوية العامة وقد انحدرت من عائلة كانت تعيش فوق خط الفقر بقليل. لقد كان والدها يملك مزرعة للابقار في السابق وكانت اموره المادية فوق الاعتيادية يربي ابنتيه خوانا وكارولين. لكن الحظ انتكس معه لتصاب ماشيته بجنون البقر مما تطلب قتلهم جميعاً. وهذا ما دفعه لبيع مزرعته بكل معداتها حتى يسدد الديون المستحقة للبنك. ترك المزرعة وانتقل الى مدينة ميامي ليعمل كمساعد لدى احد الاطباء البيطريين. كانت تربية خوانا واختها صعبة جداً لان امهما ما لبثت ان ماتت لتتركهما بعهدة والدهما الذي كان منقسماً بين عمله في العيادة وبين تسديد طلبات بناته التي كانت في تزايد مستمر. الى ان التقت بزوجها مايكل الذي استحوذ على قلبها فاحبته حباً جماً. لقد كان يقف امام مدرستها فتتهامس عن وسامته جميع الطالبات ويتمنين ان يصبح من نصيبهن. وعندما دنا منها ليتحدث معها اول مرة شعرت وكأنها قد فازت بجائزة اللوتو. كان يأخذها بجولات طويلة في سيارة الشرطة ويجعلها تضغط على كل الازرار بداخل السيارة فتصدر الاصوات المدوية. مارست الجنس معه للمرة الاولى بالمقعد الخلفي لسيارته ومنحته حبها بدون اي قيد او شرط. كان مايكل ودوداً سمحاً انيساً عطوفاً يعتني بها يونفذ لها كل شيء قبل الزواج وبعده. حتى جائت زيارة والدها الى بيتهم بعد مرور عام كاملٍ على زواجهما. وقتها كان مايكل يُسمِع اباها كلاماً عنصرياً ويسأله عن سبب عدم لبسه البطانية التي يلبسها اللاتينيون بالارياف فوق ملابسهم. لاحظت وقتها كيف تألم والدها من ذلك السؤال وكيف اجابه بدملوماسية عالية حفاظاً على علاقة ابنته مع زوجها. الا انه تمادى اكثر عندما قال بانه هو السبب في وفاة امها لانه يسكر عند تناوله (التيكيلا) كل يوم. مع ان والدها كان لا يشرب الخمر ابداً. خرج من بيتها وهو بغاية الحزن مما دفعها كي تعاتب زوجها عتاباً قاسياً وهذا ما عرضها لتذوق اول توبيخ ظالم منه. وما هي الا ايام وتطور التوبيخ الى صفعات ثم تطورت الصفعات لتصبح ضرباً مبرحاً. لم تشأ تركه لانها تجادلت كثيراً مع اختها الكبرى كارولين، فاختها لم تكن راضية على زواجها من مايكل. وعندما توفى والدها، لم يأذن لها زوجها بحضور مراسيم دفنه.
<<<<<<
بعيداً عن الطائرة وبمكان آخر في ميامي جلس مايكل في سيارة شرطة بصحبة ثلاثة من زملائه القدامى. اوقفوا السيارة امام منزله وادخلهم بيته ليجد كل شيء مازال بحالة يرثى لها. كانت آثار المعركة التي دارت بينه وبين زوجته لاتزال واضحة للعيان. الطاولة المقلوبة، المزهرية المكسرة والزجاج المتناثر بكل الارجاء على الارض. نظر الى زملائه وقال بخجل، "لا تبالوا يا اصدقاء فقد كان بيني وبين زوجتي سوء تفاهم بسيط. لكنها ستنزل الآن من غرفة النوم بعد قليل وسترتب المكان بسرعة مذهلة". دعى ضيوفه للجلوس وصعد للطابق العلوي كي يستدعي زوجته فلم يجدها بغرفة النوم. فتش عنها بكل الطابق فلم يفلح. عاد الى غرفة النوم وفتح دولاب الملابس ليجده خالياً من اغلب ملابسها فعرف انها قد رحلت. رجع لزملائه واراد ان يحتفظ بماء الوجه قال،
مايكل : انا آسف يا شباب، لقد تركت لي زوجتي ورقة في غرفة النوم تقول فيها ان والدتها مريضة وعليها ان تذهب لتبقى معها.
زميله الاول : لكنك قلت لنا سابقاً ان والدتها متوفاة اليس كذلك؟
مايكل : اجل هذا صحيح. والدها تزوج من امرأة ثانية لتصبح زوجة ابيها بمثابة امها فهي انسانة حنونة تحبها كثيراً. لذلك كانت تناديها امي.
زميله الثاني : ربما عليك ان تزور والدتها انت الآخر. دعنا نتركك الآن وسوف نلتقيك بفرصة اخرى.
مايكل : اجل هذا افضل. انا اعتذر منكم يا شباب.
ودع زملائه الى خارج الدار وبقي يبتسم ويشير اليهم بيده حتى توارت سيارتهم بعيداً. استدار ودخل منزله وهو يستشيط غضباً. "اين ذهبت تلك الغبية؟ اين تكون قد ذهبت يا ارى؟ ربما راحت الى فندق بميامي. انا لم اسمح لها ان تملك اي نقود كي لا تتجبر عليّ. فاين ستذهب؟ صعد الى غرفة النوم وصار يدور فيها كالثور الهائج حتى خطرت له فكرة. اراد ان يعرف إن كانت قد اخذت حقيبة السفر معها ام انها وضعت ملابسها باحدى الاكياس البلاستيكية. نظر للاعلى ليجد الحقيبة مفقودة من فوق الدولاب. رجع الى الطابق السفلي يستشيط غضباً، صار يضرب الاثاث والبيبان بقبضة يده ثم خرج من البيت ليسأل جارتهم سرسي لانه يعرف عز المعرفة ان جارتهم هذه انسانة فضولية نسناسة تتجسس على كل الجوار لا عجب انه كان يطلق عليها لقب (رادار الحي) لذا اراد ان يسألها إن رأت زوجته. رن جرس بابها ففتحت له وقالت،
سرسي : هل جئت لتسألني عن هروب زوجتك؟
مايكل : اجل، وكيف عرفت ذلك؟
سرسي : شاهدتها هذا الصباح وهي تترك المنزل وتسحب ورائها حقيبة سفر.
مايكل : هل اخبرتكِ اين كانت ذاهبة؟
سرسي : اجل، قالت انها ستتطلق منك لانها تريد ان تبقى مع عشيقها. انه طبيبها الذي تتوارد عليه بين الحين والآخرعند غيابك وقد اخبرتني انه كان يمارس الجنس معها كلما تذهب لعيادته بحجة الفحوصات. والآن اصبحت حاملاً منه.
مايكل : تلك السافلة النتنة ساقتلها. هل قالت لكِ اين ستذهب؟
سرسي : كلا، ولكن ابحث عن طبيبها وسوف تجدها هناك لتزني معه.
رجع مايكل للدار وفتح علبة القهوة التي بالمطبخ كي يخرج منها المال لكنه وجدها خاوية. علم وقتها ان خوانا قد اخذت كل ما تبقى من داخلها. رفع الهاتف واتصل باحد اصدقائه ليطلب منه ان يأتي لاخذه بالسيارة. جاء صاحبه واخذه ليرجع به الى مخفر الشرطة. دخلا المكتب قال،
مايكل : شكراً لانك جئت واحضرتني بهذه السرعة فانا اعيش بدوامة كبيرة واتمنى ان تستطيع مساعدتي.
جون : صدقني يا مايك سافعل كل ما بوسعي كي اقف معك. والآن كيف استطيع مساعدتك؟
مايكل : اريدك ان تبحث عن طبيب زوجتي وعنوانه.
جون : لماذا؟
مايكل : لقد هربت معه تلك الزانية وقد حملت منه.
جون : حسناً سافعل، انتظر.
فتح جون حاسوبه وراح يكبس على الازرار ثم سأل عن اسمها ورقم الحماية الاجتماعية لزوجته فكتب مايكل البيانات على ورقه ومدها لصديقه. ادخل الرقم في الحاسوب ثم قال،
جون : زوجتك تتردد على طبيبة وليس طبيب. انها سيدة بالستينات من العمر تدعى ماريان سليتر، هذا هو عنوانها. ولكن قل لي، من اخبرك بهذه المعلومة؟
مايكل : اخبرتني جارتنا اللعينة. انها نمامة وتتجسس على الجميع.
جون : وهذا يعني انك لا تستطيع الوثوق بمعلوماتها.
مايكل : وماذا اعمل إذاً يا جون؟ زوجتي هربت من البيت.
جون : هل تشاجرتما قبلها؟
مايكل : كلا انه لم يكن شجاراً بالمعنى الصحيح. تستطيع ان تقول انه كان اختلافاً بالرأي ولم يستوجب ان تغادر البيت بسببه.
جون : اختلافاً بالرأي يا مايكل؟ هل انسيت السبب الذي طُرِدّت من اجله من المعل بالشرطة؟ الم يكن استعمال القوة المفرطة ضد المشتبه بهم؟
مايكل : اجل هذا كان في الماضي. اما هذي فهي زوجتي ولا اضع اصبعاً وحداً عليها فانا احبها حباً جماً.
جون : حسناً دعني اٍسألك عنها، هل لديها عائلة، اقارب، اصدقاء حميمين؟
مايكل : لا، لا اعتقد ذلك. لحظة واحدة. لديها اخت في لوس انجيلوس اسمها، اسمها... اجل اسمها كارولين انريكيز.
جون : اهي متزوجة؟
مايكل : اجل كانت متزوجة والآن توفى زوجها واسمه خوزي انريكيز.
جون : لحظة واحدة دعني ابحث بالامر.
راح جون يكبس ازرار حاسوبه ويحرك الفارة ثم نظر الى مايكل وقال،
جون : ليس هناك اثر لكارولين انريكيز في لوس انجيلوس. لقد وجدت زوجها خوزي انريكيز والحالة (متوفي) لكن كارولين انريكيز غير موجودة.
مايكل : ربما انتقلت الى ولاية ثانية. ماذا نعمل؟
جون : ساحاول البحث بجميع الولايات. اذهب انت الى خارج المكتب واحضر لنا كأسين من القهوة لان البحث سيطول في جميع الولايات الخمسين.
خرج مايكل من المكتب ثم رجع بعد قليل حاملاً كأسين بلاستيكيين من القهوة. وضع واحداً فوق مكتب صديقه جون ثم جلس يترشف قهوته ويأمل ان يعثر صاحبه عليها. وبعد قليل قال جون.
مايكل : لقد عثرت على الكثير ممن يحملون اللقب انريكيز بعدة ولايات. لكن كارولين انريكيز لم تكن منهم.
جون : هل لي ان انظر الى القائمة؟
مايكل : اجل، ساطبعها لك على الورق كي تتفحصها. القائمة مرتبة حسب الولايات.
كبس جون على فارته فراحت الطابعة تنسخ قائمة بـ 6 اسماء موزعين على 3 ولايات. اعطى القائمة لصاحبه فقام بتفحصها.
ايزابيل انريكيز سانت لويس مزوري
ميلاني انريكيز سانت لويس مزوري
هادلي انريكيز لوس انجيلوس كاليفورنيا
امينة انريكيز ساكرامينتو كاليفورنيا
ماريانا انريكيز بروفيدانس ماساݘوستس
صوفي انريكيز بروفيدانس ماساݘوستس
بعد ان قرأها جيداً قال،
مايكل : ليس هناك اي واحدة تشير الى اختها كارولين اللعينة. ساحتفض بهذه القائمة. شكراً لمساعدتك يا جون.
جون : انتظر لحظة يا مايك، عليك ان تمسك اعصابك ولا تلجأ للعنف افهمت؟
مايكل : لا، لا اطمئن يا جون انا ذاهبٌ لاعتذر منها واعيدها لبيتها. ولكن هل لك ان تسلفني بعض المال؟
جون : كم تحتاج؟
مايكل : ثلاثة آلاف دولار.
جون : سامحني فهذا مبلغ كبير. استطيع اعطائك 1500 دولار.
مايكل : حسناً هذا لطف منك. ساعيده اليك باسرع وقت.
خرج الصديقان لاقرب صراف آلي بجوار احدى المصارف فاخرج منه حزمة النقود اعطاها لمايكل ثم ودعه وعاد الى مركز الشرطة.
ركب مايكل الحافلة العمومية ورجع بها الى بيته. في الطريق اثناء جلوسه بالحافلة تفحص قائمة الاسماء ثانيةً فلم يتمكن من ايجاد اي شيئ يدل على اخت زوجته. وصل المنزل فوجده على نفس حالة الفوضى التي كان عليها اثر الشجار. رفس الكرسي المقلوب بقدمه وجلس على الاريكة ثم اخرج القائمة من جديد وصار يدقق بها. بقي على هذا الحال طويلاً ثم قرر ان ياخذ كل اسم على حدة ويحاول لفظه. قال، ايزابيل انريكيز، ايزابيل انريكيز لا، انه لا يدق اي اجراس في ذهني. نظر الى الثاني وقال هادلي انريكيز، هادلي انريكيز. حتى هذا لا يعنيلي شيئاً. نظر الى الثالث وتلفظه، امينة انريكيز، امينة انريكيز. اين سمعت بهذا الاسم؟ دعني اتذكر. ذهب للثلاجة وبحث عن علبة جعة فلم يجد فيها شيئاً، لعن زوجته وعاد الى الاريكة ليجلس عليها قال، "امينة امينة امينة، اين سمعت بهذا الاسم مؤخراً؟ ساصاب بالجنون إن لم اتذكر الاسم اللعين. تسطح على الاريكة ليأخذ قيلولة قصيرة ثم استيقظ بعدها وراح يكرر اسم امينة برأسه ويحاول ان يتذكر. فجأة صاح باعلى صوته، "تذكرت. عندما اتصلت بالعاهر زوجتي نادتني امينة قبل ان تسمع صوتي. وعندما سألتها عنها قالت بانها كانت ستنطق باسمي لكنها قالت امينة عن طريق الخطأ. وجدت تلك العاهر انها ذهبت عند اختها. لقد غيرت كارولين اسمها الى امينة، كم انا غبي". رفع الهاتف واتصل بصاحبه جون قال،
مايكل : جون وجدتها، انها بساكرامينتو، هل لك ان تملي عليّ العنوان كاملاً لرابع اسم بالقائمة انه امينة انريكيز؟
جون : لحظة واحدة لو سمحت... حسناً وجدته، سجل عندك، 5335 كوليدج اوك درايڨ رقم 105 ساكرامنتو.
مايكل : شكراً جون. انت افضل صديق عندي. وداعاً.
جون : توقف يا مايك اسمع. لا تلجأ للعنف مطلقاً مفهوم؟
مايكل : اجل، اجل طبعاً وهل انا مجنون؟ انها زوجتي.
اغلق الهاتف مع جون وقال، "ساحطم آخر عظمة بجسدها ثم ادفنها بمكانها".
<<<<<<
على ارتفاع 31 الف قدم اعلن قبطان الطائرة عن الشروع باستعدادات الهبوط في مطار لاس فيگاس متمنياً للمسافرين وصولاً طيباً. اغلقت خوانا حزام الامان وضغطت على الزر الذي يرجع كرسيها الى الموضع العامودي. الا ان الكرسي لم يستجب وبقي عالقاً بوضعه المتسطح فتطوع جاك ليساعدها لارجاعه. تقرب منها ومد يده اليسرى ليضغط بها على الزر وبيده اليمنى امسك بظهر الكرسي فصار يسحبه بقوة. بتلك الوضعية اصبح وجهه يقابل وجهها تماماً فشعر برغبة ملحة كي يقبلها لان الاحساس كان شديداً لا يقاوم. تقدم بشفتيه وقبل شفتيها لكنها سحبت رأسها للوراء كي لا تبادله القبلة. شعر جاك بحرج كبير وقال،
جاك : انا جداً آسف، لم اكن بوعي حينما اردت ان... اقصد انني تصرفت بكل غباء وقمت بـ...
قاطعته وقالت،
خوانا : لا عليك يا جاك. نحن بالكاد نعرف بعضنا البعض ولم تصل علاقتنا الى هذه الحميمية.
قالت ذلك وهي تشعر انها تود لو تطلق على رأسها الرصاص. لقد كانت تتحرق لتقبيله اكثر منه لكنها كانت تخاف من ان ينعتها بالرخص وقلة الشرف كما كان يفعل زوجها مايكل.
جاك : اجل انتِ محقة تماماً يا خوانا. لا اعلم ماذا دهاني! لماذا تصرفت بتلك الرعونية وعدم المسؤولية وكأنني مراهق طائش؟
خوانا : انه امر بسيط يا جاك لا تبالي. ربما ستتطور علاقتنا اكثر بالمستقبل، ليكن لديك الايمان.
جاك : اجل، اجل، عندك الحق.
نزلت الطائرة بمطار لاس فيگاس وخرج المسافرين منها فالتصقت خوانا بجاك كالعلكة لانها تجهل اجراءات تغيير الطائرات. وبما انه سيذهب الى نفس وجهتها ساكرامينتو، لذلك ارادت ان لا يغرب عن وجهها مهما كلف الامر. كان منظر المطار مبهراً فهي لم ترى صالات بهذا الحجم ولا بهذا التنسيق الجميل. كانت اللوحات الفنية الموضوعة على الجدران اكثر اثارة فهي لم ترى في حياتها مطارات كثيرة، سألته،
خوانا : اين نحن الآن؟
جاك : نحن بصالة الترانزيت. يجب علينا البقاء هنا ساعتان وربع ثم نواصل رحلتنا بعدها. هل تريدين تناول القهوة؟
خوانا : اجل اتمنى ذلك، هذا لطف منك.
جلس الاثنان في احدى المقاهي المنتشرة بكل الارجاء واحضر لها قهوة امريكية ثم جلس امامها يترشف من قهوته قال،
جاك : ارجوك يا خوانا سامحيني على ما بدر مني في الطائرة فقد تصرفت بكل سذاجة.
خوانا : لا تقل ذلك يا جاك، انا ساكون كاذبة لو قلت لك انني لم ارغب بتقبيلك. لكن الوقت مبكر جداً حتى ادخل بعلاقة جديدة ولم افارق زوجي سوى منذ بضع ساعات. مع انه ودعني بضرب قاسي مبرح الا انه كان وداعاً نهائياً.
جاك : ان ما تقولينه يفرحني كثيراً يا خوانا ويبعث الامل في صدري. انا اشعر بجاذبية قوية جداً كالمغناطيس تشدني اليك وهو ما دفعني كي... اقصد انني قمت بـ...
خوانا : لا مشكلة يا عزيزي، والآن متى سنحلق من جديد؟ هل سيعلنون عن اقلاع رحلتنا بالمذياع؟
جاك : كلا، سوف ننظر الى اللوحة التي امامنا هناك ونتابع رحلة ساكرامنتو.
خوانا : هذا شيء مطمئن.
بقي الاثنان يتحدثان بشتى المواضيع لتصبح الاجواء بينهما اكثر مسترخية حتى حان موعد التحاقهما بالرحلة الثانية كي تأخذهما الى وجهتهما المشتركة. ركبا الطائرة ثانية لكن اماكنهما اختلفت هذه المرة لذا اتفق جاك مع المسافر الجالس الى جانب خوانا كي يتبادلا الكراسي. فعاد وجلس الى يمينها هذه المرة. اقلعت الطائرة فاخبرهم القبطان عبر المذياع ان الرحلة ستدوم ساعة واربعون دقيقة. حزنت خوانا لهذا الخبر لانها كانت تأمل ان تدوم الرحلة عدة ساعات كي تستمتع بصحبة جاك. هذا الرجل الذي يصعب الحصول بمثل طيبته واخلاقه النبيلة وعلمه الواسع ووسامته اللا محدودة. لكن الحظ لا يخدم الانسان دائماً. ما لبثت ان اقلعت الطائرة الا وسمعوا قبطان الطائرة يعلن عن وصولهم الى المحطة B في مطار ساكرامنتو. نزل الاثنان يسحبان الحقائب خلفهم سألته،
خوانا : هل لك ان تكتب لي رقم هاتفك يا جاك؟
جاك : لقد اعطيتك بطاقتي الشخصية وهي تحتوي على جميع ارقام هواتفي. اتصلي بي متى ما شئتِ فانا ساتوق لمعرفة امورك.
خوانا : سافعل ذلك، كن على ثقة.
هنا سألها، عن وجهتها قالت،
خوانا : انا ذاهبة الى كوليدج اوك درايڨ.
جاك : يا محاسن الصدف، منزلي قريب جداً من هذه المنطقة، دعيني اوصلك معي ما رأيك؟
فكرت خوانا قليلاً ثم تذكرت انها لا تملك الكثير من المال ولا تعرف ارقام الحافلات بساكرامينتو لذا سيكون من السهل عليها ان تقبل دعوته. قالت،
خوانا : اجل انا موافقة.
جلست بجانبه في سيارة الاجرى ينتابها شعور جنوني كبير، كانت تتخيل نفسها تقفز فوقه لتجلس امامه على حجره وتقبله قبلاً ساخنة فيقوم بتعريتها من جميع ملابسها بداخل سيارة الاجرة ويضاجعها بحنان ورقة فتستمتع بنشوة كبيرة...
فجأة قاطع احلامها السائق حين قال،
السائق : 5335 كوليدج اوك درايڨ.
جاك : هذا هو العنوان اختك اليس كذلك؟
خوانا : اجل، اجل شكراً. ساتصل بك يا جاك. شكراً جزيلاً على كل شيء.
جاك : ارجوكِ احرصي على ذلك فانا انتظر مكالمتك.
خوانا : لا تقلق سافعل، كن على ثقة.
فتحت الباب ونزلت منها ثم لوحت بيدها لجاك فمشت السيارة وبقيت خوانا مع حقيبتها واقفة على الرصيف. ادارت رأسها يميناً فوجدت اختها امينة مقبلةً نحوها. ركضت اليها، احتضنتها وصارت تبكي بكاءاً مراً. صارت اختها تطبب على ظهرها وتقول،
امينة : لا عليك عزيزتي لا عليك، كفِّ عن البكاء، انت بامان الآن. انا هنا وسوف اقف بصفك واحميكِ، لا تبكي.
خوانا : لقد صفعني، ضربني، سقطت على الارض تبول علي لقد...
قاطعتها وقالت،
امينة : دعينا ندخل للداخل ونكمل حديثنا هناك.
امسكت بحقيبة اختها وسارت باتجاه الباب فلحقت بها خوانا تمسح دمعوها، تجففها بكم معطفها. دخلا الصالة ففوجئت بجماله وترتيبه واثاثه الوثير. جلست على اريكة بيضاء فذهبت اختها امينة الى المطبخ ثم عادت بعد قليل حاملة كوباً فخارياً كبيراً تتصاعد منه الابخرة قالت،
امينة : احضرت لك كوباً من البابنج. سيهدئ اعصابك ويريحك من تعب الطريق.
اخذت الكوب بيدها وترشفت منه فغمرها الدفئ والشعور بالنشاط قالت،
خوانا : انا جداً شاكرة لافضالك يا... يا... يا امينة.
امينة : اجل غيرت اسمي بعد ان غيرت ديني.
خوانا : وما هو دينك الآن وكيف توصلت لهذا الدين؟
امينة : بعد رحيل زوجي المرحوم خوزي، كنت ابكي كثيراً وازور قبره كل يوم حتى التقيت برجل بالمقبرة اسمر البشرة اسمه سدهارتا. قدم لي الدعم النفسي وصار يزورني في بيتي وينصحني نصائح تبعث الطمأنينة في قلبي ثم دعاني كي اعتنق دينه وقال انني ساصبح من مريدي بوذا. فاعتنقت البوذية لامد قصير حتى بدأت التسائلات تدور بذهني لان البوذية لم تكن تؤمن بالله كخالق. كانت تدعو للاخلاق الحميدة النبيلة وعمل الخير وتقديم المساعدة للآخرين لكنها لم تكن تشبع نهمي لمعرفة الكثير عن الله خالق الكون. وفجأة التقيت بسيدة باكستانية مسلمة تدعى سهيلة كانت تدرس معي دروس الطبخ. كانت تحدثني عن الاسلام طويلاً وأسألها فتجيبني باسهاب حتى اقتنعت تماماً هذه المرة واهتديت الى الاسلام. وقتها غيرت اسمي من كارولين الى امينة.
خوانا : انا فرحة من اجلك لانك وجدت السلام بداخلك.
امينة : دعك مني وحدثيني عن مشاكلك مع زوجك اللعين.
بدأت خوانا تحدث اختها عن المشاكل مع مايكل منذ ان بدأت زيارة والدهما وحتى صباح اليوم الذي ركبت فيه الطائرة وجائت الى هنا. استمعت امينة اليها وكانت بين الحين والحين تحتضنها وتطبطب على ظهرها وتتكلم كلاماً مبهماً كـ (لا حول ولا قوة الا بالله) و (انا لله وانا اليه راجعون). كانت خوانا تعرف ان تلك الكلمات كانت جزئاً من صلوات المسلمين. فجأة وقفت امينة وقالت،
امينة : اسمحي لي يا اختي، ساقيم صلاة العشاء واعود اليك فوراً.
خوانا : هل استطيع ان اتفرج عليك؟
امينة : حسناً إن كنت ترغبين بذلك، اتبعيني.
صعدت امينة الى الطابق العلوي ودخلت الحمام لتغتسل وهي تردد ادعية معينة فكانت خوانا تنظر اليها بفضول شديد ثم فرغت منها وراحت تجفف يديها واقدامها فسألتها،
خوانا : هل انتهيت من الصلاة؟
امينة : كلا يا عزيزتي، هذا يسمى الوضوء وهو بمثابة التجهيز للصلاة وهو يشبه التعميد. اما الصلاة فساقوم بها الآن. يجب ان لا تتحدثي معي اثناء تأديتها.
فرشت سجادة الصلاة بوسط غرفة نومها وتوجهت بها الى زاوية الغرفة وصارت تقوم وتقعد وتقوم وتقعد ثانية. بقيت خوانا تتابع حركاتها تتراكم برأسها مئات التسائلات عما تعمله اختها بصلاتها. وعندما انتهت امينة من آخر ركعة، جلست على الارض وصارت تدمدم مع نفسها ثم ادارت رأسها يميناً ثم يساراً ثم نظرت الى اختها وابتسمت،
خوانا : هل انتهيت؟
امينة : اجل، ان الصلاة لدينا تمثل اللقاء بالله. نسلم وجهنا ومشاعرنا نحوه ونردد كلمات من القرآن خمس مرات باليوم.
خوانا : الا يكون ذلك مملاً؟ تعملينها خمس مرات وترددين نفس الصلوات كل مرة؟
امينة : ليس بالضرورة، فالمسلمون يحفظون الكثير من السور التي يرددونها بصلواتهم. لكني جديدة على الدين لذلك فإن رصيدي من السور هو 5 فقط لا غير. لكنني اقوم بحفض المزيد كلما سنحت لي الفرصة.
خوانا : اعتقد ان ذلك كثير على اي انسان. انا لا اريد ان اغير ديني.
امينة : وانا لم اطلب منك ذلك. انت سألتيني اسئلة وانا اجبتك عليها. والآن لماذا لا تخبريني عما حصل بينك وبين زوجك بالتفصيل؟
شرعت خوانا بالحديث عن جميع تراكمات المشكلة بينها وبين زوجها منذ ان زارها والدهم وحتى اليوم فسكتت امينة ثم قالت،
امينة : لا حول ولا قوة الا بالله. هذا شيء مؤلم حقاً. يجب عليك ان تتطلقي منه فوراً فهو لن ينصلح ابداً.
خوانا : لكنني اخاف منه كثيراً يا كار اقصد يا امينة. انا متأكدة انه لو امسك بي الآن فانه سوف يقتلني صدقيني.
امينة : دع عنك تلك المخاوف واخبريني، من الرجل الوسيم الذي اوصلك بسيارة الاجرة؟ هل هو نصر جديد؟
خوانا : ابداً، انه مسافر كان يجلس بجانبي على كرسي الطائرة فتعرفت عليه لانه محامي وقد يساعدني في دعوى الطلاق من مايكل. لقد زودني ببطاقته الشخصية كي اتصل به عندما اود البدء باجرائات الطلاق.
امينة : جيد جداً.
خوانا : وانت يا امينة، ماذا تفعلين وكيف تعيشين الآن؟
امينة : لقد ترك لي المرحوم زوجي المنزل وبعض المال في المصرف. بقيت اعتاش منه بالبداية لكنني علمت انه آلٌ للزوال لذلك انتقلت الى هنا واشتريت هذا البيت بثمن البيت القديم ثم وجدت عملاً بمعملٍ صغير لصنع وتعليب المنتجات الغذائية للحيوانات بالقرب من منزلي هذا. اعمل به خمسة ايام بالاسبوع وصاحب المعمل يحبني ويثق بي كثيراً. احيانا اقوم بفتح المعمل بنفسي وبآخر اليوم اغلقه بنفسي لانه زودني بمفاتيح المعمل.
خوانا : ربما تستطيعين توظيفي فيه مستقبلاً.
امينة : بالوقت الحالي لدينا 11 عاملٍ وعاملة. بالامكان ان اتحدث معه كي يوظفك معي بالمعمل. ولكن ليس الآن لانك متعبة ومتألمة من المواجهة بينك وبين زوجك مايكل.
خوانا : اجل لديك الحق. اتمنى لو اجلس معك ساعات طوال وندردش كثيراً لكنني اشعر بتعب كبير حبيبتي.
امينة : بالتأكيد يا عمري. سانزل للاسفل واجلب لك حقيبتك بينما تدخلين الى الحمام وتغتسلي. هناك خزانة بداخل الحمام ستجدين فيها كل ما يلزمك.
دخلت خوانا الحمام وفتحت الدوش لتستمتع بالرذاذ الساخن الذي راح يتساقط على جسدها المنهك فيمنحها انتعاشةً كبيرة. خرجت من الحمام ودخلت غرفة نوم اختها امينة فلم تجدها هناك نادت عليها لتسمع صوتها يأتي من الغرفة المجاورة. لحقت بها ودخلت تلك الغرفة فرأت اختها تعدّ السرير قالت،
امينة : من الآن وصاعداً ستكون هذه غرفتك يا خوانا. اخرجت ملابسك من الحقيبة ووضعتها بداخل الدولاب. ارجوك اطلبي مني اي شيء ولا تترددي.
خوانا : لا اعلم كيف ارد لك جميلك يا امينة.
امينة : ما هذا الكلام يا فتاة؟ انت اختي وهذا واجب عليّ. نامي الآن وسنتحدث في الغد.
اغلقت الباب ورائها فسارت خوانا الى الدولاب لتتفحص جيب معطفها. ولما وجدت بطاقة جاك ابتسمت وقالت، "حمداً لله، انها مازالت بمكانها". اغلقت باب الدولاب ودخلت السرير لتطفئ النور لكنها لم تتمكن من الخلود للنوم لانها وجدت نفسها تفكر بجاك لا ارادياً. لم تعرف السبب لكنها كانت تشعر بسعادة مع افكارها. بقيت تفكر فيه كثيراً حتى غلبها النعاس فنامت بعمق. وفي تمام الخامسة فجراً سمعت اصواتاً تأتيها من الغرفة المجاورة فاستغربت كثيراً. بقيت تسمع الاصوات حتى سكنت. قررت ان ترجع وتنام ثانية. في تمام الساعة الثامنة سمعت طرقاً على الباب فقالت بصوت عالٍ، "ادخلي يا امينة، انا صاحية".
امينة : كيف كان نومك؟
خوانا : كان هادئاً جداً شكراً لك حبيبتي ولكن سمعتك تتحركين بوقت الفجر، هل قلقت واصابك الارق؟
امينة : كلا، استيقضت على صلاة الفجر، اديتها ثم رجعت لاكمل نومي.
خوانا : اجل، اجل. فهمت. والآن ماذا ستفطريني؟ هل لديك شرائح البايكون مع البيض؟
امينة : لدي بايكون ولكن ليس من لحم الخنزير، انه من لحم الديك الرومي. طعمه لذيذ وسوف لن تجدين اي فرق بينهما.
خوانا : اجل تذكرت، المسلمون كاليهود لا يأكلون لحم الخنزير. وهل هناك اشياءاً اخرى عليّ فعلها او تجنبها امامك كي لا أجعلها منافية لدينك؟
امينة : ابداً، تصرفي كما لو كنت ببيتك. (مي كاسا سو كاسا).
خوانا : ذكرتني بالاسبانية. لم اتحدث بها منذ امد بعيد لكنني ذكرت بعض الكلمات مع المحامي في الطائرة.
امينة : يا سلام، يبدو ان هناك الكثير من الامور لم تحدثيني عنها مع ذلك الروميو الذي خطفك من اقدامك من على سطح الارض. هل ستخبريني ام عليّ سحب الكلام منك بمقاطع قصيرة مجزأة؟
خوانا : لا ابداً ساخبرك بكل شيء عندما نجلس على طاولة الافطار. اذهبي انت وساغسل اسناني لالتحق بك.
يا ترى هل سيتمكن زوجها مايكل من العثور عليها في بيت اختها؟ هل ستتطور علاقتها مع المحامي جاك، ام انها كانت علاقة عابرة؟ هل ستنقلب اختها ضدها وتتغير معاملتها؟ ستعرف الاجوبة على كل هذه التسائلات في الجزء الثاني من النهاية البشعة.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

747 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع