قصة قصيرة - الاعصار / الجزء الاول

                                              

                           بقلم أحمد فخري

قصة قصيرة -الاعصار /الجزء الاول 

وقف مازن وصديقيه مصطفى في وسط الساحة الرملية بمنطقة زيونة ينتظرون صديقهم الثالث رعد كي يجلب معه الكرة فيتمكنون من اللعب سوياً. انتظر كثيراً ثم نظر بوجه زميله وقال،

مازن : انه سوف لن يأتي دعنا نعود لبيوتنا.
مصطفى : لكنني متحمس جداً واريد ان العب كرة القدم. كيف نرجع الآن بعد ان انتظرنا كل هذا الوقت؟
مازن : اذا لم تكن لدينا كرة فكيف سنلعب بدونها يا ذكي؟ بالاضافة الى ذلك فرعد هو صاحب الكرة. لا تنسى ان اياد سوف لن يتمكن من المجيء اليوم لان والده طلب منه أخذ سيارته ليصلحها في الشيخ عمر ولم يرجع لحد الآن. وبهذا نحن نفتقد لافضل اللاعبين لدينا.

مصطفى : إذاً دعنا ننتظره قليلاً ربما تأخر لسبب ما.
مازن : قال انه سيحضر مع الخامسة مساءاً والآن قاربت السادسة ولم يأتي بعد. الظلام بدأ يخيم علينا. كيف سنلعب دون ان نرى الكرة. هل سنتحسسها كالعميان؟
مصطفى : انا اقول ربما سيأتي بعد قليل فيتسنى لنا اللعب ولو لنصف ساعة على الاقل قبل ان يحل الظلام.
فجأة لاح لهم خيال رعد حاملاً بيده كرة (گريگر). ولما اصبح بالقرب منهم قال،
رعد : انا آسف يا شباب. كنت في طريقي اليكم لكنني لمحت سيارة (أ.ع) واقفة بآخر شارعنا فتواريت عنها لساعة كاملة حتى مضت في طريقها، بعدها جئتكم لنلعب الكرة.
مصطفى : الى متى ستبقى متخفياً من الانضباطية؟ يجب ان تحل الامر يا رعودي.
رعد : لماذا تتكلم معي بهذه الطريقة؟ الا تتذكر ما حصل؟ لقد خدمت بالكويت بالـ 90 ثم تسرحت من الجيش فتنفست الصعداء وقررت ان ابدأ حياة جديدة. والآن وبعد مرور 4 سنوات عادوا واستدعوا مواليدي فبُعِثَت سريتي الى الجنوب باتجاه الكويت. انا سئمت من هذه الحياة يا مصطفى انا من مواليد 72، اصبح عمري 22 سنة ولازلت استلم مصروفي من والدتي. هل هذا عدل يا ناس؟ على العموم لا تقلقوا من اجلي فانا دائماً احمل بلاغ الالتحاق بوحدتي بجيبي وإذا ما باغتتني وامسكت بي دورية بامكاني ان اعرض عليهم البلاغ واخبرهم باني في طريقي الى مركز تجنيد الكرادة.
مازن : طيب وما هو الحل عندك على المدى البعيد؟ هل ستبقى متخفياً مدى الحياة؟ ام انك تنتظر عفواً عاماً من صدام فتعود لممارسة حياتك الطبيعية؟
رعد : لا يا اخي. انا افكر بالهجرة الى الخارج.
مازن : وماذا ستعمل بالخارج؟ هل سيوظفوك مهندساً ام خبيراً ستراتيجياً؟ يا رجل كن واقعياً فانت لا تحمل سوى شهادة الاعدادية وبمعدل 65 والأنكى من ذلك هو فرعك الادبي. ماذا ستعمل بالخارج؟ شاعراً، ام رسام ام محلل سياسي؟
رعد : انت تعلم ان لغتي الانكليزية اكثر من جيدة لان والدي رحمه الله كان يعمل بالسفارة البريطانية لمدة 30 عاماً وقد فرض علينا ان نتحدث الانكليزية بالبيت. حتى اختي الصغيرة ذات 14 سنة تتكلمها كما لو كانت من ولادة لندن.
مازن : انا متأكد من ان (الگرعة وام الشعر) تتكلم الانكليزية ببريطانيا لكنهم يبحثون عن اختصاصات نادرة.
رعد : حبيبي انا افكر بالهجرة بشكل جدي مع اني لم اصل الى قراري النهائي بعد. واظن يا صديقي اني ساقوم باللعب هناك لدى احدى الفرق من الدرجة الثانية ثم اتدرج حتى اصل الى اللعب مع ماشيستر ينايتد. لذلك اعتبروا لعبتنا اليوم هي الاخيرة.
مصطفى : إذاً يجب عليك توزيع نواظير ليلية على افراد الفريق لان الظلام قد حل وسوف لا نعرف الفرق ما بين الهدف وخطوط التماس.
فجأة شاهدوا من بعيد ثلاثة شبان مشاكسين متجهين نحوهم فقلقوا جداً، قال مازن،
مازن : اسرع، اسرع، دعنا نرحل من هنا فها هو جواد (شرگو) جاء مع عصابته ليتنمر علينا.
رعد : خسئ جواد وكل السفلة الذين معه هل يجرؤ احد على التحرش بنا وانا موجود معكم؟
مصطفى : حبيبي رعدوي، هذا الكلب سيدخلنا بمشاكل نحن في غنى عنها تذكر انك هارب من العسكرية ومن الافضل ان تفر الآن والا تدخلنا بشجار معهم.
رعد : اذا كنتم خائفين فاذهبوا الى بيوتكم، ساجابههم وحدي وسالقنهم درساً لن ينسوه ابداً. ليس رعد الذي يفر من المعركة.
وصلت اليهم العصابة فقال زعيمها،
جواد : اهلاً اهلاً اهلاً التمت الحبايب كلها. ماذا تعملن هنا ايتها الزانيات؟ هل جئتن لتلعبن الـ (توكي)؟
رعد : ليس هناك زانيات سوى الكلاب التي امامي يا متخلف. ماذا تريد؟ ولماذا جئت لتضايقنا؟
جواد : جئت لالقنكم درساً لن تنسوه ابداً فانتم لا تعرفون مع من تتورطون.
هجم جواد وافراد العصابة عليهم فامسك رعد بيد جواد وراح يدور به ثم لكمه لكم اخرج الدم من فمه وطرحه ارضاً ثم نزل على ركبتيه واكمل فيه الضرب واللكم الى ان جائته ركلة على خصره من قبل احد افراد الشلة الشريرة اسقطته ارضاً على ظهره. وقف رعد ثانية فرأى جواد يتكئ على صاحبه لينتصب فوثب عليه رعد كالنمر ولكمه بقوة فعاد وسقط ارضاً. استدار ولكم صاحبه لكمة قوية ليتدفق الدم من فمه ويسقط هو الآخر. اقبل نحوه العضو الثالث من العصابة فلكمه عدة لكمات متتالية حتى هرب منه وصار يجري بعيداً. تبعه رعد وراح يجري ورائه مخلفاً باقي افراد العصابة مستلقين على الارض. توقف رعد من ملاحقة العضو الثالث والتفت الى اصحابه فوجدهم قد غادروا المكان فعلاُ قال لنفسه، "لم اكن اعوّل عليكم ايها الجبناء. لقد هربتم من المعركة". رجع واخذ معطفه ويعود الى منزله ليجد والدته تنتظره بالباب والشر يتطاير من عينيها.
والدته : ما هذه الحالة التي انت فيها؟ لماذا يسيل الدم من فمك؟ هل تشاجرت من جديد؟ كنت اعرف انني خلفت ولداً عاقاً متشرداً بلا دراسة ولا عمل وهارب من الخدمة العسكرية. اسفي عليك لانك ابن ذلك الرجل العظيم الصالح. حمداً لله لانه توفى، كان سيصاب بسكتة قلبية لو رآك بهذه الحالة.
رعد : تمهلي يا امي. ما هي عظمة الوالد رحمه الله؟ لقد كان فرّاشاً بالسفارة البريطانية. لماذا تعطيه اكثر مما يستحق؟
والدته : خسئت يا كلب يا متشرد. كيف تتجرأ ان تتكلم عن ابوك بهذه الصورة؟ ثق انني سابلغ الانضباط العسكري عنك كي يأخذوك ويجعلوا منك رجلاً. سيبعثوك الى الجبهة مع باقي الجنود الفاشلين من امثالك.
رعد : كنت متردداً بقراري، والآن اصبحت متأكداً منه.
والدته : ماذا؟ ما هو قرارك وما هو الشيء الذي اصبحت متأكداً منه؟
رعد : دعك من ذلك يا امي الآن. هيا ندخل لانني اشعر بالجوع واريد ان اتناول وجبة العشاء.
بعد اسبوعين ودع رعد امه واخبرها انه ذاهب برحلة قصيرة لزيارة عمته بكركوك كي يبقى عندها ويتخفى من ايدي الانضباط العسكري. لكن الحقيقه كان ينوي الذهاب بدون عودة. ركب حافلة حمراء اقلته الى مركز الحافلات الرئيسية بالباب المعظم ثم ركب من هناك حافلة اخرى لتأخذه الى الرمادي. نزل بالرمادي وتوجه الى بيت احد اصدقائه الذي وعده ان يهربه عن طريق الصحراء الى الاردن.
بعد مرور ثلاثة اشهر في باريس عاصمة فرنسا
جاء المهرب ونادى رعد قائلاً،
المهرب : انت يا عراقي، هل ستأتي معنا ام لا؟
رعد : انا متردد يا سيد ڨالي. كيف تريدني ان انبطح بداخل خزان للوقود؟
ڨالي : لقد قلت لك سابقاً، خزان الوقود مقسم الى نصفين. النصف العلوي يحوي الوقود اما النصف السفلي فستكون انت نائماً فيه حتى تصل الشاحنة الى انكلترا. ها، ما رأيك؟
رعد : لدي سؤال اخير يا مسيو ڨالي، هل سنعبر من خلال النفق الذي بين انكلترا وفرنسا؟
ڨالي : كلا سنعبر من خلال النفق الذي بين النيجر وتانزانيا. كفاك اسئلة يا معتوه. هل انت آتي معنا ام لا؟
رعد : حسناً ماذا اعمل، امري بيدك. دعني ادخل خزان الوقود وامري الى الله.
دخل رعد بداخل خزان الوقود بصعوبة كبيرة فسمك الحيز يكاد يكفي لجسده فقط وهذا ما جعله يشعر بالخوف الكبير على حياته. ولكن ليس لديه خيار آخر، فالمعاناة التي عاناها خلال الاشهر الثلاثة السابقة من جوع وتشرد وضياع كانت كفيلة بان تجعله يجازف بحياته بهذه الطريقة المتهورة. يجب عليه ان يصل الى انكلترا باي ثمن ويحقق امنيته كي يصبح نجماً من نجوم الكرة الانكليزية. سوف يصبح اسمه على كل لسان وربما سيستدعيه صدام ليكرمه لانه سيرفع اسم العراق عالياً. "يا الهي لقد تركوا لي ثقباً صغيراً اتنفسه منه. ماذا لو انغلق هذا الثقب فهو مواجه للشارع وبالامكان ان ينغلق عندما يتطاير عليه الطين ويغلقه". صار يشعر بضيق التنفس ولا يقدر ان يفعل شيئاً ازاء ذلك. حتى لو طرق على المعدن فسائق الشاحنة سوف لن يسمعه. "ماذا اعمل يا ربي؟ انقذني يا الهي". بقي رعد يعاني لاكثر من ساعتين كان يسمع بالخارج وقوف الشاحنة ثم سيرها ثم وقوفها ثانية. لم يشأ ان يعمل ضجيجاً او طرقاً اثناء الوقوف مخافة ان تكون شرطة الجمارك بالقرب من الشاحنة ليتفحصوها فينكشف امرة ويرجع ادراجه للعراق فيعدم هذه المرة. "يا سلام يا حبيبي، هارب من العراق وهارب من الجيش ما اجمل ذلك! سيعدموني بساحة التحرير لا ليس بالتحرير بل بساحة الجندي المجهول وسيسموني الجبان، الخائن، الخنزير، العميل، المتخاذل وكل الاسماء الجميلة التي ستستنبطها وسائل الاعلام العراقية. سيضعون صورتي بالصفحة الاولى للثورة والجمهورية. سيعلن الخبر على تلفزيون بغداد والشباب. اسكت اسكت يا رعد. يجب ان تصبر وتقاوم. لم يبقى الكثير وتصبح اشهر لاعب كرة قدم بالعالم". بقي صاحبنا يعاني لساعات طوال حتى سمع صوت خطوات سائق الشاحنة يقرب منه ويفتح البوابة،
السائق : هيا اخرج، لقد وصلنا انكلترا.
زحف رعد من جحره واخرج اقدامه اولاً ثم تبعها بباقي جسده فرأسه. لم يتمكن النظر الى الخارج لان ظلام الجحر اسدل بصره وتطلب بضع دقائق حتى استعاد قابليته للنظر. جلس على قارعة الطريق كي يتمكن من استعادة اوضاعه المزرية. سمع صوت الشاحنة تتركه وتسير بعيداً غامرةً وجهه بدخان اسود كثيف. بقي يصارع مع نفسه يحاول فتح جفنيه رويداً رويداً كي يتمكن الابصار حتى فتحها اخيراً ونظر ليجد الشاحنة قد اصبحت بعيدةً كعلبة الكبريت. ادار رأسه وراح يتفقد المكان فوجده خط سريع ليس الا، تمر به العربات كالبرق. سوف لن يتمكن من التأشير لاي عربة منها لانها سوف لن تتوقف لذلك قرر السير على قدميه ولكن بأي اتجاه سيسير؟ يمين ام يسار؟ حلل فيما بينه وقال، "ان الشاحنة آتية من الدوفر ومتجهة الى لندن. لذلك يجب علي ان اسير بنفس اتجاه الشاحنة". بقي يسير لاكثر من ساعة حتى وقفت سيارة شرطة امامه ونزل الشرطي وقال،
الشرطي : ما اسمك؟ ماذا تعمل هنا؟ ولماذا تسير على قدميك؟
رعد : حمداً لله سيدي الشرطي لانك جئت لتنقذني، انا اسمي رعد سالم. كنت راكباً مع بعض الشبان بسيارتهم الذاهبة الى لندن ولكنهم اختلفوا معي عندما كنا نتناقش بخصوص كرة القدم. طعنوا بفريقي المفضل وقالوا ان فريق فولهام هو اسوأ فريق بالعالم فلم اوافقهم الرأي وناقشتهم ثم احتد النقاش ووصل الى السباب لذلك اوقفوا السيارة وانزلوني بوسط الطريق.
الشرطي : اين تسكن؟
رعد : اسكن بلندن طبعاً.
الشرطي : اين بلندن؟
رعد : بشارع يدعى بورتابيللو رود. هل تعرفه؟
الشرطي : وهل هناك شخص بالعالم لا يعرفه؟
رعد : اجل يا سيدي انت بالتأكيد تتحدث عن الكارنيفال. فبتلك الفترة يحرمونا النوم لمدة 3 ايام.
الشرطي : كلامك صحيح. كنت اسكن هناك قبل ان ادخل مدرسة الشرطة. تعال واركب معنا سوف نأخذك الى لندن.
رعد : هذا كرم منك سيدي. شكراً.
ركب رعد سيارة الشرطة ضحك بسريرته وقال، "رحمك الله يا ابي، انت بالقبر ولازلت تعتني بي. فلولا القصة التي تركتها لي بمكتبتك لما تمكنت من ان اكذب عليهم واقول انني اسكن ببورتابيللو رود. بقي رعد هادئاً طوال الطريق حتى سأله الشرطي الثاني خلف المقود،
الشرطي : اين تعمل يا سيدي؟
رعد : انا لاعب متدرب لدى فريق فلهام. في يوم من الايام ساصبح نجماً لكرة القدم وسوف تروني على شاشات التلفاز وتقولون لاولادكم، "قمنا بتقديم العون لهذا البطل".
الشرطي : يبدو انك واثق من نفسك كونك ستصبح نجماً. ولكن قل لي من اين اصلك؟
رعد : والداي كانا من العراق. جاءا الى بريطانيا قبل ان الد وسكنا بعدة مدن حتى استقرّينا بلندن.
الشرطي : انت شاب موهوب يا رعد. اتمنى ان تبرز بفريق توتنهام هوت سپورز.
رعد : قصدك فريق فولهام سيدي، شكراً.
دخلت سيارة الشرطة بلندن وصارت تتجول بشوارعها حتى مروا بساحة الطرف الاغر. تفحصها رعد وقال شيئاً بصوت خافت فسأله الشرطي،
الشرطي : ماذا قلت؟
رعد : سيدي كلما ارى تمثال القائد نيلسون اشعر بالفخر لانني بريطانياً.
الشرطي : اتريد الحق؟ انا لم افكر بذلك ابداً مع اني امر من هذا النصب مئة مرة باليوم. والآن قل لي، اين تريد ان تهبط يا روودي.
رعد : اسمي رعد وليس روودي. بامكانك انزالي باي مكان، باستطاعتي ان اجد طريقي الى بيتي من هناك.
توقفت سيارة الشرطة باحدى الشوارع المتفرعة من ساحة الطرف الاغر فنزل رعد منها. تمنوا له حظاً اوفر بتدريباته ثم تركوه ورحلوا. سار رعد بشوارع لم يكن يعهدها من قبل. راح ينظر الى المباني القديمة ويرى الحافلات الحمراء ذات الطابقين. والسيارات السوداء التي تكاد تكون من ايام العصر الحجري وضعت فوقها كلمة (تاكسي). استغرب رعد وقال، "اين بريطانيا بلد التطور والتجديد؟ لماذا يسمحون لهذه المركبات القديمة ان تسير بشوارعها؟ ربما يحبون الانتيكات، لا اعلم. بقي يسير بالشوارع حتى دق جرس معدته ينذره بجوع قاتل. اراد ان يأكل ولكن بماذا؟ كل الذي معه هو 100 فرنك فرنسي تبقت بجيبه من الـ 3000 فرنك التي اعطاها للمهرب بفرنسا. بقي يسير ويتفحص اليافطات فرأى واحدة تحمل علامة الحصان الاسود كتب تحتها بنك للويدز بانك. استغرب للاسم وقال لماذا يضعون لامين لاسم البنك؟ المهم هذا شأنهم، دعني ادخل واصرف الفرنكات التي بجيبي كي اتمكن من تناول الطعام. دخل البنك فوجد اشخاصاً يقفون بالطابور. وقف خلفهم وراح ينتظر حتى وصل دوره للشباك، رأى شابة شقراء تجلس خلفه قال لها،
رعد : هل بامكاني تصريف هذه الفرنكات لو سمحت؟
الشابة : اجل سيدي، سعر الصرف 920 اي انك ستحصل على 9 باوندات وعشرين پنساً.
رعد : اجل هذا يناسبني سيدتي.
استلم المبلغ منها وخرج من البنك ليواصل السير حتى وجد مطعماً كبيراً فيه علامة m صفراء خارجه فدخله. حاول ان يقرأ قائمة الاسعار فلم يفهمها بشكل دقيق لانه رأى صورة لشطيرة الهامبركر وبجانبها بطاطس مقلية وكأس مشروب كولا كتب بجانبها 3.34 لم يفهم ان كان المبلغ يشمل جميعها ام ان المبلغ لكل واحد منها فسأل الفتاة التي تقف خلف المنضدة فضحكت وقالت، "لا طبعاً. انها جميعاً بهذا المبلغ ولكن هل تريده صغيراً ام متوسط الحجم؟" قال، صغيراً، اي انني سادفع 3.34 فقط. عادت وسألته، "ستتناول طعامك هنا ام بالخارج؟" قال "هنا". تكلمت بالمذياع واخذت منه النقود. اعطته صينية بلاستيكية حمراء حملها وسار وجلس على احدى الطاولات، اختار واحدة بالقرب من الشباك وبدأ يأكل وجبته قال بسره، "ما اطيب هذه الشطيرة ان طعمها يشبه همبوركر ابو يونان ببغداد". راح يتناول طعامه وينظر من الشباك فاثار انتباهه رجلٌ يحمل طبلاً كبيراً على ظهره ويمسك بقيثارة بيديه وينفخ بالهارمونيكا المثبتة باسلاك كي تتموضع امام فمه. كان يعزف على الآلات ويغني ما بين النفخة والنفخة على الهارمونيكا. اعجب جداً بما رأى فقرر ان يذهب الى ذلك الفنان بعد ان ينتهي من طعامه ويراقبه عن كثب لان ذلك كان شيئاً مذهلاً لم يرى مثله من قبل. اكمل وجبته وشعر بالشبع بعد ان شرب الكولا ثم خرج وتوجه نحو العازف فصار يراقبه ويتفحص قرعه للطبل وكيف صممت آلته بحيث يرفس قدمه الايسر فتنسحب عتلة مربوطة على رجله لتطرق على الطبل المثبت على ظهره وهناك عتلة ثانية مربوطة على قدمه الايمن تطرق على آلة البريكوشن فتصدر اصواتاً معدنية. كان ذلك مبهرٌ بالنسبة له. بقي واقفاً يراقبه حتى اكمل اغنيته فتحدث معه وقال،
رعد : انت حقاً بارع جداً يا سيدي. انا لم ارى شخصاً يفعل ذلك من قبل. انت تغني وتعزف على اربع آلات موسيقية بآن واحد ناهيك عن الغناء.
العازف : ومن الذي يقدّر ذلك؟ انظر الى قبعتي التي على الارض؟ لن تجد فيها اكثر من پاوند واحد فقط بعد ان انبح صوتي. ولكن قل لي، هل تسكن بلندن؟
رعد : اجل انا اسكن هنا منذ زمن بعيد جداً. لماذا تسأل؟
العازف : ان هذا الفن يسمى اوركيسترا الرجل الواحد. وهناك الكثير من امثالي ممن يعزفون بنفس طريقتي. فكيف لم تشاهدهم من قبل؟
رعد : ربما لانني لا انزل الى وسط المدينة لانني لا املك الكثير من المال وليس لدي عمل.
العازف : إذاً ابقى معي وسوف استدعيك لتناول المشروب بعد ان اكمل الوصلة التالية.
بما انهما اصبحا صديقين لذا رأى من الافضل ان يكذب على الرجل فقال،
رعد : حسناً اشكرك على الدعوة، انا اسمي رعد سالم، انا بريطاني الجنسية لكن اصلي من العراق.
العازف : بامكانك ان تناديني ستيف وهو مختصر لـ ستيفن.
رعد : اتشرف بك ستيف. انت جداً صدوق لم اكن اتخيل ذلك من...
ستيفن : من متسول اليس كذلك؟
رعد : كلا، اردت ان اقول لم اكن اتخيلها من رجل غريب لم اكن اعرفه من قبل.
ستيفن : لا عليك يا رعد. دعني اغني الآن.
بدأ ستيفن يغني اغنية للمغني الشهير ليو ساير اغنية (انا اوركيسترا الرجل الواحد). بقي رعد يستمع الى كلماتها التي تصف المغني على انه فقير وانه اصبح نحيفاً من الفقر الذي يعاني منه بحيث اصبحت قبعته تكبر عليه وتضيع فيها الدريهمات القليلة التي يرميها له المارّة. كان يشعر بتقارب كبير نحو ذلك الرجل وقرر ان يصاحبه لانه طيب القلب. وعندما اكمل اغنيته الاخيرة التقط القبعة فرأى فيها جنيهين وبضع بنسات قال،
ستيفن : يبدو انهم احبو هذه الاغنية وهي من حصتك لانني غنيتها لك. خذها مني يا رجل.
رعد : ابدً هذا مستحيل. الا يكفي انك ستدعوني كي نشرب سوياً؟ دعني اساعدك بحمل آلاتك.
حمل رعد الطبل فوجده ثقيلاً قال، كيف يتحمل هذا الشاب المسكين ارتداء الطبل على ظهره طوال اليوم. انه حقاً رجل مناضل. قاده ستيفن الى حانة وطلب لنفسه باينت بيرة ثم نظر الى رعد وسأله،
ستيفن : وانت ماذا تشرب؟
رعد : اريد كولا.
بدأ يضحك لانه استغرب من طلب رعد وقال،
ستيفن : الا تريد شرب مشروب حقيقي؟ لا تقلق ابداً من الثمن فانا ادعوك له.
رعد : حقاً صديقي، انا لا اشرب الكحول واحب شرب الكولا.
ستيفن : كما تشاء.
طلب له كولا واخذا كاسيهما ليجلسا على طاولة مستديرة صغيرة بآخر البار فسأله،
ستيفن : أين تسكن بالضبط يا رعد؟
رعد : بالحقيقة والواقع انا... انا... ليس لدي سكن محدد. انا انام بالشارع.
ستيفن : يا سلام انت بلا مأوى. انا كنت متشرداً مثلك يا رعد لفترة طويلة اءكل ما يلفضه الناس حتى التقيت بالسيد ماي. كان هذا السيد رائعاً مع انه لم يعطني النقود بل اصطحبني الى بيته وآواني هناك واطعمني ثم صار ينصحني كثيراً. وعندما قلت له انني اعزف على القيثارة سألني إن سبق لي وعزفت اوركيسترا الرجل الواحد فاجبته كلا فاقترح عليّ ان اتعلمها لانها ستجعلني اجني منها قوت يومي وهي بالآخر افضل من التسكع والنوم بالشوارع. والآن انا اسكن وحدي بغرفة. صحيح انها ليست غرفة مرفهة وكبيرة لكنها منحتني سقفاً فوق رأسي واصبحت لا اشعر ببرودة الجو كما كنت انام سابقاً بالشوارع ملتحفاً الجرائد والعلب الكارتونية.
رعد : انها حقاً قصة مؤثرة. إذاً دعني اكون صادقاً معك. انا جئت للتو الى بريطانيا. انا لاجئ غير شرعي وقد عبرت من فرنسا الى الدوفر بالشاحنة وقد قامت الشرطة بايصالي الى لندن بعد ان كذبت عليهم واخبرتهم بانني احمل الجنسية البريطانية.
ستيفن : إذاً واجبي الوطني يحتم عليّ ان ابلغ عنك السلطات كي يرجعوك الى بلدك.
نظر رعد الى ستيفن بتعجب كبير. كيف سيبلغ عنه وقد وثق به واخبره بسره. ضحك ستيفن بصوت مرتفع وقال،
ستيفن : انا امازحك يا رجل. انت صديقي وانا لا اشي باصدقائي. انت ستسكن عندي بغرفتي المتواضعة حتى تجد لنفسك مخرجاً من ازمتك.
رعد : لقد ارعبتني يا رجل. على العموم انا شاكرٌ لافضالك دعني ارحل الآن.
ستيفن : توقف يا رجل توقف، انا كنت امازحك وحسب. اعرف انك بحالة نفسية سيئة وانا مارست عليك روح النكتة الغبية التي اتحلى بها. ارجوك ابقى معي وستنام عندي بغرفتي. صدقني انت بامان معي.
رعد : حسناً اعتبر الامر قد انتهى. سابقى معك.
سار الرجلان لساعات طويلة حتى دخلا عمارة متوسطة الحجم صعدا السلم للطابق الاول. فتح ستيفن باب غرفته وادخل ضيفه معه. تفحص رعد الغرفة فوجدها صغيرة جداً لا تتعدى 10 امتار مربعة. لكنه لم يملك خياراً آخر وهي بالطبع كما قال ستيفن افضل من النوم بالشوارع. كانت الغرفة تحتوي على سرير واحد فقط ودولاب خشبي صغير ومغسلة وزاوية صغيرة للطبخ. اخرج ستيفن مخدة وبعض الاغطية من الدولاب واعطاها لرعد ففرشها على الارض ليرقد عليها.
ستيفن : لقد سكنت بهذه الغرفة للاشهر الخمسة الماضية. جئت مع صديقي السيد ماي واجرها لي بنقوده ثم بعد ان اصبحت اكسب النقود من الغناء صرت ادفع الايجار بنفسي. هل لديك اخوان واخوات؟
رعد لم يجبه على سؤاله. عاد وسأله،
ستيفن : هل لديك اخوان واخوات بالعراق يا رعد؟ سألتك فلماذا لا تجبني؟
رفع رأسه فرأى رعد قد غرق بنومه فابتسم وقال، "ليلة سعيدي يا صديقي".
استيقض رعد باليوم التالي على رائحة البيض لتتحفز شهيته وتتحرك عصاراته. انتصب واقفاً فرأى صاحبه ستيفن واقفاً امام طباخه الكهربائي الصغير ذو الفتحتين يقلي بيضاً بمقلاة صغيرة.
رعد : صباح الخير.
ستيفن : صباح الخير رعد. هل نمت نوماً هانئاً؟
رعد : لم انم بهذا الشكل الرائع منذ ان غادرت بلدي. هل تعد الافطار؟
ستيفن : ارجو ان يعجبك البيض. لقد عملت ابريق شاي كذلك. ساحضر البيض الآن، تعال وخذ معك الابريق والكاسات.
جلس الشابان على الارض يتناولان الافطار فسأله،
ستيفن : ماذا تنوي فعله اليوم؟
رعد : اريد ان اذهب وابحث عن نادي لكرة القدم يدعى فولهام. هل تعرف عنوانه؟
ستيفن : بالطبع اعرفه، انه يدعى كريڨن كوتاج وهو ملعب قديم اسس بالقرن الماضي ومكتب الفريق بداخل الملعب. هذا الملعب بمنطقة فولهام. هناك حافلات كثيرة تستطيع اخذك الى هناك اعتقد الحافلات 31 و16 تأخذانك الى هناك. ولكن انا اقترح عليك ان...
سمعا طرقاً على الباب فارتعب رعد وقال،
رعد : ما هذا؟ من الطارق؟ هل تتوقع زيارة احد؟ يا الهي ربما جائت الشرطة.
ستيفن : لا تخف يا عزيزي لا تخف، الطارق هو السيد ماي على الارجح، جاء ليطمئن عليّ. سافتح له الباب، انتظر.
فتح ستيفن الباب بينما تابعه رعد بنظره تملأه الريبة كي يرى من الطارق فرأى رجلاً اسيوياً كبير السن نحيف البنية. قام ستيفن بادخاله الغرفة وقال،
ستيفن : يا سيد ماي اريد ان اعرفك على صديقي الجديد رعد.
انتصب رعد من على الارض ومد يده اليمنى لماي كي يصافحه لكن ماي ركع له اولاً ثم رفع رأسه واخذ بيد رعد. جلس الجميع على سرير ستيفن فسأله رعد،
رعد : هل انت من الصين؟
ماي : بل ان اصلي من تايلندا والآن اسكن بريطانياً منذ 40 سنة. وانت، ماذا عنك؟
رعد : انا من العراق، هل تعرفها؟
ماي : اجل وهل هناك انسان لا يعرفها. انتم لديكم اكبر نهرين بالعالم ديكو وفريكو.
قاطعه رعد وقال،
رعد : تقصد دجلة والفرات.
ماي : اجل، اعذرني على لفضي فانا الفضها بالتايلندي. ولديكم آثار لحضارات ترجع لآلاف السنين. كانت لديكم الحضارة السومرية والبابلي والآشورية والاكدية.
رعد : يبدو انك تعرف بلدي جيداً.
تطوع ستيفن ليخبر رعد،
ستيفن : الاستاذ ماي كان بروفيسوراً بعلم الفيزياء بجامعة الملكة ميري بلندن قبل ان يتقاعد. وهو انسان مثقف جداً.
ماي : انت تأتي من بلد عظيم يا سيد رعد. ولكن لماذا جئت الى هنا؟
رعد : انا يا سيدي سئمت الحياة ببلدي. لدينا زعيمٌ للبلاد يحب الحروب كثيراً. ادخلنا بحرب مع بلد جارنا لمدة 8 سنوات ثم اقتحم احدى البلدان الجارة الصغيرة. والآن يريد ان يقتحمها من جديد. جئت الى هنا كي التحق باحدى فرق كرة القدم لانني بارع فيها.
ماي : هذا شيء مثير جداً. وهل كنت تلعب للفريق الوطني العراقي؟
رعد : بالحقيقة لا. كنت العب مع زملائي بالشارع لكنني واثق من نفسي لانني اعتقد اني استطيع ان انتمي الى افضل الفرق الانكليزية. لذلك ادلني ستيفن على مقر نادي فلهام.
ماي : اتمنى لك كل التوفيق واتمنى ان تنتمي لافضل الفرق ويتألق اسمك بكل المحافل الدولية.
ستيفن : آسف على المقاطعة ولكن قل لي سيد ماي هل تمكنت من عمل مخطط جديد للحمّالات؟
ماي : اجل تعال ودعني اشرحها لك.
رعد : عن اي مخطط تتحدثون؟
ستيفن : السيد ماي كان قد صمم لي الحمالات التي تمسك بآلاتي الموسيقية. لكن وزن الطبل ثقيلٌ جداً ويضغط على ظهري فيسبب لي الآلام اثناء العزف. وبما أن السيد ماي هو الذي صمم لي الحمالات بالمرة الاولى. طلبت منه ان يطورها كي يخفف الالم عن ظهري.
ماي : واليوم انا جئت واحضرت التطوير معي وسوف نقوم ببناء الحمالات الجديدة في معملي بالقبو الذي ببيتي. تعالوا معي.
رعد : ارجو ان تعذراني يا سيد ماي، سوف لن اتي معكما لاني ذاهبٌ الى العنوان الذي حصلت عليه من ستيفن ساقابل مدير الفريق.
ماي : إذاً لا يسعنا سوى ان نتمنى لك حظاً اوفر في مسعاك. وكما يقول بوذا "إذا كانت الكارما هو مبتغاك فهدفك سيكون قريباً وستصل اليه بكل الطرق حتى لو كان بعيداً".
رعد : شكراً لك سيدي.
خرج رعد من غرفة ستيفن ليبحث عن الحافلة التي ستقله الى مقر فريق فلهام. في البداية لم يتمكن من ايجاد موقف الحافلات لكنه سأل بعض المارة بالشارع فأدلوه على الموقف. وقف وانتظر هناك ثم ركب الحافلة وجلس بجانب رجل عجوز يبدو من ملامحه انه هندي. نظر بوجهه فابتسم الهندي وسأل،
الهندي : هل انت عربي؟
رعد : اجل انا عراقي. خرجت اليوم لاقابل مدير نادي فلهام لكرة القدم لانني ساصبح لاعباً لديهم.
الهندي : هذا شيء رائع. عندما تصبح مشهوراً ساراك بالتلفاز وساخبر احفادي بانني التقيتك مرة وجلست الى جانبك بالحافلة. انا اسمي سوامي وانت؟
رعد : اسمي رعد. دعني اسألك سيدي، هل تعرف موقع النادي؟
سوامي : ومن لا يعرفه؟ لا تقلق يا ولدي. سانبئك عنه عندما نصل اليه.
رعد : شكراً لك سيدي.
بقيت الحافلة تسير لفترة طويلة حتى بدأت الشكوك تراود رعد، "ربما نسي العجوز ان يخبرني بالمكان او ربما هو مصاب بالخرف ولا يعرف اساساً اين يقع النادي. يجب ان اسأله عن اسم المبنى فإذا عرف الاسم فهذا يعني انه على دراية به. اجل سأسأله كي ارتاح لانني اشك اننا ربما نكون قد مررنا منه ولم انزل من الحافلة وقد يسبب ذلك تأخري". فجأة قال الهندي،
سوامي : ها قد وصلنا الى مقر النادي. اضغط على الزر الاحمر وانزل بالموقف القادم ستجد المقر امامك.
ضغط رعد على الزر فدق الجرس ووقفت الحافلة لينزل منها بعد ان شكر الرجل العجوز. سار قليلاً حتى نظر امامه فشاهد مبنى المقر.

       

                         مقر نادي فلهام بلندن

دخل رعد الباب الرئيسي ليرى رجلاً يكنس الارض سأله عن مكتب مدير النادي فاشار باصبعه على المكتب. طرق الباب ليسمع صوتاً يقول، "ادخل"
رعد : صباح الخير سيدي.
فالون بورك : تفضل، ماذا تريد؟
رعد : انا اسمي رعد واريد ان اصبح لاعباً بناديكم.
فالون بورك : باي فريق كنت تلعب سابقاً؟
رعد : بالحقيقة انا لم يحالفني الحظ ان العب مع اي فريق سابقاً لكنني كنت العب مع زملائي بالعراق بشكل مستمر وكنت افضل منهم جميعاً. انا اعرف انكم تدربون اللاعبين الجدد لذا بامكاني ان اتدرب لديكم كما تريدون.
فالون بورك : يبدو لي انك كبير على هذا النوع من التدريب. كم هو عمرك؟
رعد : عمري 22 سنة.
فالون بورك : انت لا تنفعنا لانك كبير في السن. الشباب الذين يأتون الينا لغرض التدريب تكون متوسط اعمارهم 14 سنة.
رعد : اجل لكنك يجب ان تراني وانا العب. فانا بارع جداً وسريع جداً ستعجبك حركاتي ولياقتي.
فالون بورك : حسناً سنجربك. رجاءاً اجلس خارج مكتبي حتى يأتي مدرب الفريق كي يختبرك.
رعد : شكراً لك سيدي. سوف لن تندم على تجريبي.
خرج رعد من مكتب المدير وهو بغاية السعادة. جلس على اريكة خشبية وبقي يفكر، "سوف يرون كم انا بارع وفنان. يجب علي ان لا اخطأ ابداً. يجب ان اكون سريعاً في الجري وان اثبت لهم انني قادرٌ على ان اكون افضل من لاعبيهم. وعندما اصبح محترفاً ربما سيشتريني فريق ليفربول بملايين الدولارات. لحظة واحدة، هم لا يتعاملوا بالدولارات. ستكون بملايين الجنيهات". بقي جالساً لاكثر من ساعة حتى جائه رجل طويل يرتدي ملابس تبدو راقية وثمينة جداً. حياه بايمائة من رأسه ثم دخل مكتب المدير. وبعد قليل خرج ثانية وبانكليزية مكسرة قال لرعد،
كليمانت : انا اسمي كليمانت واعمل كمدرب ثاني للفريق.
رعد : وانا اسمي رعد سيدي.
كليمانت : اخبرني السيد فالون انك تريد ان تجتاز اختبار اللاعبين.
رعد : اجل هذا صحيح.
كليمانت : تعال معي لو سمحت.
سار المدرب بالممر وتبعه رعد حتى خرجا خارج المبنى حيث ساحة متواضعة لكرة القدم فرأى رجلين واقفين بوسط الملعب. طلب المدرب من رعد ان يقوم باجراء تمارين الاحماء فراح رعد يمط ساقيه ثم صار يلف ويحرك يده وخصره وراح يركض من بداية الملعب وحتى نهايته ثم يعود ويرجع ادراجه. وعندما فرغ من الاحماء عاد للمدرب وقال له،
كليمانت : حسناً سوف تريني كيف تلعب مع هؤلاء الرجلين هناك. سنبدأ برمي الكرة ثم المراوغة ثم التسديد.
رعد : حسنا سيدي.
ركض رعد باتجاه الرجلين فراحوا يراوغونه ويضعونه بالوسط ثم يداعبونه كما يداعب القط الفار. لكن رعد كان مصراً لان يأخذ الكرة منهم وفعلاً تمكن من خطف الكرة من احد اللاعبين مرة واحدة لكنه عاد فاستعادها منه ثانية. بعد ان اكملا فحص المراوغة طلبوا منه رمي الكرة بيده فحملها ورفعها فوق رأسه وقذف بها بعيداً الى اللاعب الاول. اعادو رمي الكرة اليه وطلبوا منه قذفها نحو اللاعب الثاني ففعل. بعدها اخذاه الى الهدف ووضعوا الكرة كي يقوم بالتسديد ففعل لكن الذي كان يحمي الهدف امسك بالكرة. اعاد الكرة لرعد كي يقوم بالتسديد للمرة الثانية والثالثة حتى اصبح العدد 20 ضربة لم يسجل بها رعد ولا حتى هدفاً واحداً. جاء اليه المدرب وقال له،
كليمانت : حسناً يا رعد تعال معي الى المكتب.
تبعه الى المكتب فجلس المدرب ورعد امام المدير ليسأل،
فالون بورك : ها، كيف وجدت رعد؟
كليمانت : انه بطيئ جداً ولا يحسن المراوغة. تسديده للاهداف صفر ولياقته معدومة. بالمختصر، هو لا ينفعنا.
رعد : كيف تقول ذلك؟ الم اقم بخطف الكرة من هذين اللاعبين المحترفين. انت رأيت ذلك، الم ترى ذلك بنفسك سيدي؟
كليمانت : الرجلين الذين كنت تراوغهما ليسوا بمحترفين. انهما عمال نظافة بالنادي. لا تنسى اننا لو وضعناك امام اي طفل من الاطفال الجدد الذين يتدربون عندنا فانهم سوف يتفوقون عليك بكل سهولة. انا آسف سيد رعد، لا تنسى ان عمرك كبير. انت لا يمكن ان تتدرب معنا بالنادي.
رعد : هل تعتقد ان لدي اي فرصة بنادي آخر يا سيدي؟
كليمانت : بامكانك المحاولة بنوادي اخرى. نادينا هو نادي من الترتيب الثاني. ربما ستجد من يأخذك من الترتيب العاشر.
رعد : لكن ليس هناك غير 4 تراتيب.
كليمانت : هذا صحيح.
رعد : شكراً لكم.
خرج رعد من النادي وهو غاضب، حزين ومحبط جداً يجرجر اقدامه في السير وافكار كثيرة تدور حول رأسه كالغمامة السوداء الممطرة. بقي يؤنب نفسه ويحقرها، "كيف اعتقدت انني رأيت نفسي لاعباً امام هؤلاء المحترفين؟ كم انا غبي واهبل. اعتمدت على لعبي بالساحات الرملية مع بعض الشباب بحينا فتصورت انني ساكون بمستوى اللاعبين المحترفين. وحتى الاطفال بامكانهم ان يفوزوا عليّ لاني ضحكت على نفسي وتصورت انني ساكون شيئاً عظيماً لكنني لا شيء انا فاشل انا غبي". وصل رعد موقف الحافلات فركب من هناك وعاد ادراجه الى بيت صديقه ستيفن. طرق الباب ففتح له ستيفن وابتسم ابتسامة عريضة،
ستيفن : هل اقول مبروك؟
رعد : اي مبروك هذا يا رجل؟ لقد فشلت بالاختبار. لقد جعلت من نفسي اضحوكة للنادي. فانا كبير في السن وبطيء ولا اسدد جيداً وليس عندي مرونة. تخيل يا ستيفن، جعلوني اخوض الاختبار مع عمال نظافة ولم افوز عليهم. انا فاشل وقد جئت كل هذه المسافة من بلدي الى هنا بدون فائدة.
ستيفن : لا تقنط يا صاحبي، بامكانك ان تقدّم على نوادي اخرى. فلهام ليس النادي الوحيد بانكلترى فنحن لدينا...
قاطعه رعد وقال،
رعد : لديكم مئات النوادي اعلم ذلك، لكنني دون مستوى ادناهم من الترتيب العاشر. هذا ما قاله لي المدرب.
ستيفن : اسمع يا رعد، لا عليك انسى الموضوع الآن. دعنا نتناول الغداء ثم نذهب هذا المساء ونقابل صديقي السيد ماي لكي نحتسي البيرة سوياً فقد قرر ان يدعينا نحن الاثنين احتفالاً بك.
رعد : دعنا نرى.
ستيفن : لا ارجوك قل انك ستأتي.
رعد : حسناً ساذهب.
بمساء ذلك اليوم خرج ستيفن ورعد قاصدين البار الذي بحيهم فدخلوه ليجدو السيد ماي قد سبقهم وجلس على احدى الطاولات بالقرب من النافذة وكأساً كبيرأً من الجعة امامه.
ستيفن : تحياتي سيد ماي.
رعد : : تحياتي سيد ماي.
ستيفن : : تحياتي يا اولاد كيف حالكم اليوم؟
رعد : انا لست بخير لقد اصبت بخيبة امل كبيرة بمسعايَ.
ستيفن : الحديث سيطول لذلك ساذهب لاجلب المشروب، ماذا تريد يا رعد؟
رعد : لا اريد الكولا اليوم لقد سإمتها. هل هناك شيء آخر؟
ستيفن : هناك مشروب الليمون وهو شائع ببريطانيا. طعمه يشبه السفن آپ.
رعد : حسناً ساجرب مشروب الليمون.
ستيفن : وما هي الكلمة السحرية؟
رعد : لا اعرفها. هل يتطلب مني معرفة كلمة سحرية؟
ستيفن : يا رجل الكلمة السحرية هي (رجاءاً). نحن نستعملها بكثرة ببريطانيا.
رعد : سامحني يا رجل. دعني اقولها الآن، رجاءاً.
ذهب ستيفن لاحضار المشروب بينما جلس رعد يتحدث مع السيد ماي،
رعد : اليوم كان يوماً سيئاً جداً لي. اختبروني بنادي فلهام وقد فشلت فشلاً ذريعاً. انا محبط جداً ولا اعرف ماذا افعل.
ماي : ولماذا كل هذا اليأس؟ الا تعرف ان كل انسان لديه خاصية مميزة تجعله مختلفاً عن الآخرين. يجب عليك ان تبحث بداخلك كي تعثر عليها.
رعد : لكن ليس لدي اي شهادة تذكر ولا اجيد سوى لعب كرة القدم. لقد تخيلت انني ساكون مميزاً بها لكن تأملاتي قد ذهبت ادراج الريح.
ماي : ابحث بداخلك وبعمق اكثر وتأمل مع روحك فسوف تجد الجواهر المكنونة.
رعد : اي جواهر هذه يا سيد ما...
فجأة سمعوا اصوات شجار تأتي من البار. وقف رعد كي يستكشف الامر فرأى رجلان يضربان صاحبه ستيفن فقال للسيد ماي،
رعد : عذراً، يجب علي ان اذهب لنجدة ستيفن.
ابتسم ماي وقال له،
ماي : افعل ما يجب عليك فعله.
سار رعد مسرعاً الى البار فرأى رجلان ضخمان يمسك احدهما بصديقه ستيفن بينما يقوم الثاني بتسديد اللكمات على بطنه ورأسه. صرخ رعد وقال، "توقفوا". استدار الرجل الاول ونظر الى رعد ثم ابتسم بوجهه وقال، "اليوم لدينا حفلة جميلة، تعال ايها المعتوه ودعني افصل رأسك عن جسدك". تقدم الرجل نحو رعد لكن رعد وثب عليه كالنمر ولكمه لكمة قوية كادت تكسر فكه فسقط على الارض. نظر الى الثاني فرآه يترك ستيفن ويهجم عليه فقفز رعد بالهواء وهبط برأسية على جمجمة الرجل فاصيب بالدوار وراح يتأرجح ثم سقط فوق صاحبه. امسك رعد بيد صديقه ستيفن وقال "هيا نهرب". رجعا الى ماي وقال،
رعد : نحن هاربون قبل ان تأتي الشرطة.
ماي : انا آتي معكم.
خرج الثلاثة يركضون من البار ثم استداروا الى شارع فرعي ودخلوا بناية صغيرة فسأل،
رعد : اين نحن؟
ستيفن : انه منزل السيد ماي، لا تقلق، تعال معنا.
ماي : كنت اود ان ارحب بك بشكل افضل ببيتي لكنها مع ذلك فرصة جميلة لاننا خلصنا من قبضة الشرطة.
قادهما ماي بداخل بيته حتى ادخلهما الى الصالة فجلسا على اريكة وثيرة بينما قابلهم ماي على كرسي وقال،
ماي : لقد كنت تقاتل كالنمر يا رعد. اعجبني اسلوبك في القتال. هل سبق وان تدربت على احدى فنون الدفاع عن النفس؟
رعد : اتقصد الكراتيه مثل (بروس لي وجاكي شان وجيت لي)، كلا. انا فقط اتشاجر عندما يقتضي الامر خصوصاً عندما ادافع عن نفسي او عن اصدقائي.
ماي : لكنك لم تعرف إن كان صديقك ستيفن هو المعتدي او الضحية. هرعت لنجدته دون ان تسأله عن سبب الشجار.
رعد : اجل هرعت لنجدته اولاً لان القتال كان غير متكافئ ولان صاحبي لا يقوى عليه فهو هزيل. ساقوم بعدها بالتحقق معه كي اعرف سبب الشجار.
ستيفن : شكراً يا صديقي. لقد اراد الرجلان ان يشتريا المشروب قبلي فاعترضت.
ماي : ان شعورك هذا نبيلٌ جداً يا رعد واسلوبك القتالي يجعلني اعجب بذكائك. فالانسان يقاتل بعقله.
رعد : وكيف يقاتل بعقله يا استاذ ماي؟ انا اعرف ان القتال هو باليد.
ماي : كلا انت مخطئ. دعني اشرح لك بمثال بسيط انت تعرفه جيداً. لما تكون وراء مقود السيارة فانت تقودها باستعمال رجليك ويديك وتستعمل عينك لترى بها الطريق اليس كذلك؟
رعد : اجل هذا شيء بديهي.
ستيفن : وهل هناك طريقة مختلفة لقيادة السيارة يا سيد ماي؟
ماي : اسمعا مني يا اولادي. الذي يقود السيارة هو دماغك. فهو الذي يبعث الاوامر لاطرافك وعينك كي ينفذا القرارات التي يتخذها (الدماغ) والتي تنبني عليه الكثير من المعطيات. فهو الذي يعلم بقوانين السير ليقوم بتنظيم السرعة كي لا يتجاوزها، يختار انسب مستوى للسرعة كي يوفر السلامة للمركبة فيقودها ببطئ عندما تستدير السيارة خوفاً من ان تنقلب. كذلك يعرف مدى وكم يجب ان يضغط على المكابح كي يتفادى الاصطدام بالمركبات الاخرى او المشاة. كل ذلك يأتي من الدماغ والاطراف هي مجرد عبد مطيع لقراراته.
رعد : حقيقة يا سيد ماي لم افكر بكل هذه التفاصيل ابداً. كنت اجلس وراء المقود واقود فقط لكنك اليوم قد وضحت لي اموراً لم اكن افكر بها ابداً. شكراً.
ستيفن : يا رعد انت لا تعلم الاستاذ ماي فهو فيلسوف.
ماي : لا تبالغوا بمدحي فقد اعتقد انك تذمني.
رعد : حاشى لله. نحن فقط معجبان بتحليلاتك المنطقية لكل شيء.
ماي : والآن اكرر سؤالي، لماذا لا تتدرب على فنون القتال الاسيوية؟
رعد : نحن نقول بالعراق انها لا تطعم خبزاً. فنحن نرى بالتلفاز ان الذين يلعبون هذه الفنون يكونون مفلسين دائماً.
ماي : يقول المعلم الاكبر بوذا "الافلاس هو الافلاس الروحي لا الافلاس من الدراهم"
رعد : اجل ولكن دون ان يكون بجيبنا دراهم فسوف لن ناكل اليس كذلك؟
ماي : هل الطعام هو كل شيء بالحياة؟ هل تعلم ان بوذا عندما ترك قصر والده الملك وذهب كي يعيش وحده بالغابة صار يجلس وحيداً ويتأمل. وبدأ يقلل الطعام. هل تصدق انه قلل طعامه شيئاً فشيئاً حتى وصل الى تناول حبة رز واحدة باليوم؟
كل ذلك من اجل الوصول الى التنوير. او ما نسميه (النيرڨانا). الا تقولون عندكم بفلسفتكم العربية (من طلب السمو سهر طوال الليل)؟ ثم تعال هنا واخبرني، من قال لك ان القتال لا يجني المال؟
رعد : كيف ذلك؟ هل ساصبح حارساً شخصياً لرجل اعمال غني فيصرف لي مرتباً ضخماً؟
ماي : اجل هذا ممكن، ولكني اقصد لو انك اصبحت مقاتلاً مشهوراً تخوض مباريات عالمية فستكسب الكثير من الدراهم، إن كان هذا هو مبتغاك.
رعد : وكيف ساكسب كل هذه الدراهم؟
ماي : عندما تتدرب طبعاً.
رعد : لكني سمعت ان النوادي التي تدرب فنون القتاليه مكلفة جداً.
ستيفن : اجل هذا صحيح.
ماي : ليس صحيح ابداً. لو انك تدربت لدى معلم واحد يريدك ان تصبح نجماً كبيراً فهو لن يرجو منك اي نقود.
رعد : ومن اين ساجد ذلك المعلم الكريم؟
ماي : انت تنظر اليه الآن.
رعد : انت؟ هل هذا صحيح؟ أانت معلم بالكاراتيه؟
ستيفن : كلا. انه معلم بالملاكمة التايلندية وتسمى احياناً ملاكمة الركل (كيك بوكسينغ) فالاستاذ ماي خبير فيها.
رعد : ظننت انك قلت بروفيسور بعلم الفيزياء.
ستيفن : اجل وهو ايضاً معلم كبير بملاكمة الركل.
ماي : ما رأيك إذاً يا رعد؟
رعد : بالحقيقة انا جئت الى بريطانيا ولدي هدف محدد هو ان اكون لاعباً مشهوراً ومحترفاً لكرة القدم لكن لعبة الملاكمة هي شيء بعيد عن طموحاتي.
ستيفن : انها ليست الملاكمة بل هي ملاكمة الركل وهذه تختلف كثيراً.
ماي : انا لا اريد ان اضع ضغوطاً عليك يا رعد. فكر بعرضي واخبرني بقرارك اليوم غداً اوبعد شهر. ليس هناك سقف زمني للعرض.
رعد : شكراً لك يا سيد ماي انا اتشرف بعرضك ويؤسفني ان ارفض هذه الفرصة المغرية.
بقي الشابان لدى السيد ماي حتى المساء ليدخل الى المطبخ ويهيئ لهما وجبة تايلندية دسمة. وعندما جهزت استدعاهما الى صالة الطعام فشاهد ضيفاه طعاماً مغرياً جداً تفوح منه الروائح التي تسحب الفرد كالمغناطيس. جلسوا على الطاولة المستديرة وتناولوا وجبة العشاء بالرغم من حرارة الطعام اللاذعة لكنهما اعجبا بها كثيراً. بعدها وقف الضيفان وشكرا السيد ماي ليخرجا عائدين الى غرفة ستيفن سيراً على الاقدام. وفي الطريق سأل،
ستيفن : ما هو برنامجك ليوم الغد؟
رعد : لقد حصلت مشكوراً من السيد ماي على عناوين فرق (ارسينال) و(QPR) و(كرستال پالاس). ساقوم بزيارتهم جميعاً.
ستيفن : وبعدها؟
رعد : بعدها سازور (ݘلسي) ثم (ويستهام ينايتد) بايام أخر.
ستيفن : ممتاز انا افرح لك كثيراً لانك تريد ان تحقق احلامك باي ثمن. الانسان بلا طموح هو انسان فاشل.
رعد : باليوم الذي اصبح لاعباً محترفاً ساذهب الى نادي فلهام الذي رفضني وسيعرفون كم انهم خسروني بغبائهم.
ستيفن : لا تستطيع ان تلومهم يا رعد فهم يريدون الافضل لفريقهم. انها مسألة العرض والطلب. والعرض بمثل هذه الحالات كبير جداً لان هناك الكثير من الشباب ممن يريدون اللعب بهذه النوادي لذلك هم يختارون الافضل بلا شك.

هل سيعثر رعد على النادي الذي سيدربه ويحقق احلامه؟ ستعرفون ذلك في الجزء الثاني من قصة الاعصار.

  

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

793 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع