الكهرباء ومناقصة اخترقت الحصار

                                               

                    سحبان فيصل محجوب

الكهرباء ومناقصة اخترقت الحصار

في ظروف الحصار الاقتصادي الجائر، الذي فرض على العراق، بداية تسعينيات القرن الماضي، وحتى سنة ٢٠٠٣، سنة الاحتلال البغيض وما رافقه من إجراءات قاسية منعت المؤسسات الحكومية من توفير الكثير من المواد والأجهزة بوساطة استيرادها تحت ذريعة (الاستخدام المزدوج).
هذه الحالة ألقت بتداعياتها المؤثرة على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، والتي تضطلع بها هذه المؤسسات، بدأ تنفيذ بنود مذكرة التفاهم تحت عنوان (النفط مقابل الغذاء والدواء)، منذ العام ١٩٩٦، ورصدت لها تخصيصات محددة لمراحل تنفيذها ولكل ستة أشهر بالتعاقب، توزع هذه التخصيصات على وزارات الدولة بالاستناد إلى الأولويات المثبتة في قوائم الاحتياجات الضرورية لتأمين ما يمكن في سد النقص الحاصل لمتطلبات عمل هذه الوزارات، التي تقدم خدماتها للمواطن العراقي .
كما هو معروف، فإن الأداء الفاعل لخدمة الكهرباء يعتمد على العديد من الإمكانات الأساس وشروط محددة منها توافر منظومة اتصالات لاسلكية خاصة تعمل بكفاءة عالية لتلبية متطلبات التواصل بين مراكز الشكاوى وفرق الصيانة العاملة في معالجة العوارض والأعطال الطارئة في شبكات التوزيع الكهربائية، كما هي من ضرورات العمل الآمن لمراكز السيطرة والتشغيل والمحطات الكهربائية، إذ تعدّ هذه المنظومة وسيلة بديلة واحتياطاً لما هو متوفر من شبكة اتصالات سلكية، عبر خطوط نقل الطاقة الكهربائية.
وبالنظر لتقادم أجهزة الاتصالات المستخدمة في دوائر الكهرباء وتعرضها لأعطال وتوقفات مستمرة، سعى المعنيون في كهرباء بغداد والمحافظات، منذ العام ١٩٩٦ إلى (البدء بتنفيذ الاستيرادات عبر موارد مذكرة التفاهم) على توفير أجهزة لاسلكية حديثة لدعم عمل فرق الصيانة المتنقلة في معالجة شكاوى المواطنين، جرى تنظيم العشرات من طلبات الشراء الخارجية الخاصة بهذه الأجهزة وعلى الرغم من تثبيت الغرض من الشراء وتحديد الجهة المستفيدة منها وعرض الحاجة الملحة إليها، إلا أن هذه الطلبات كلها كانت تجابه بالرفض المتكرر عند عرضها على ما تسمى (لجنة العقوبات) المخولة حصراً بالموافقة على تنفيذ طلبات الشراء المختلفة حيث كان رفضها يستند إلى ذرائع واهنة بعيدة عن المنطق، وبقيت الحاجة هذه معلقة حتى العام ٢٠٠١ عندما أعلنت هيئة الكهرباء عن مناقصات تجهيز مواد تخص عمل المنظومة الكهربائية واستدرجت العديد منها.
استدعيت ممثلي هذه الشركات (حينها كنت الوزير المكلف بإدارة هيئة الكهرباء) واشترطت عليهم تجهيز منظومة اتصالات كاملة (على وفق جدول كميات ومواصفات كانت الأقسام الفنية المعنية قد أعدتها)، في حالة إحالة الهيئة إحدى المناقصات عليها ويجري تنظيم عقد جانبي يتمتع بسرية تامة مع الشركة المعنية يتضمن شروط وضمانات التجهيز ولا يعرض على لجنة العقوبات الدولية، منها إيصال الشركة المجهزة الأجهزة الخاصة بالمنظومة بالوسيلة، التي تختارها، إلى العراق، ويقع على جانبنا التسلم عند أي منفذ من منافذ الدخول إلى العراق.
إن نجاح أي شركة في تنفيذ هذا العقد سيضمن لها الفوز بإحالة إحدى المناقصات المعلنة، منحت الشركات مهلة (أسبوع واحد) لإعلامنا باستعدادها للقبول بهذا العرض، وفي خضم سعير التنافس الحميم بين الشركات، أعلمتنا إحدى الشركات السورية بقدرتها على تنفيذ التجهيز، بالرغم من معرفة هذه الشركة أن ذلك يعد خرقاً لإجراءات الحصار، قد يعرضها إلى عقوبات تؤثر سلباً على عملها التجاري مستقبلاً، إلا أن حافز ضمان الفوز بإحالة إحدى المناقصات عليها كان دافعاً لها لقبول المخاطر والمغامرة بتنفيذ هذا الاتفاق، بالإضافة إلى ما أعربت عنه الشركة من دوافعها الإنسانية والأخلاقية والقومية (بوصفها شركة عربية) والتي دعتها الى القبول في توظيف إمكانياتها لتوفير المواد الضرورية للمواطن العراقي مساهمة صادقة منها في تفتيت الحصار الاقتصادي المفروض العراق وكسره، وكلف حينها المهندس نافع عبد السادة بمتابعة تنفيذ الاتفاق.
أخيراً وصلت الأجهزة كافة بوسائل تمويه لجأت إليها الشركة لا تجلب شكوك المراقبين الدوليين، وحال وصول هذه الأجهزة تم تنصيبها في المواقع المحددة لها وكان لها دور في تطوير إداء خدمة الكهرباء وتحسينه والاستجابة السريعة لشكاوى المواطنين.
كانت هذه المحاولة الناجحة تحدياً تم تجسيده في ظروف استثنائية بالغة الصعوبة باتجاه تأمين ما يمكن من متطلبات العمل الحاكمة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1067 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع