الانتخابات الأميركية وتداعياتها في أوربا

                                                   

                          د.ضرغام الدباغ

الانتخابات الأميركية وتداعياتها في أوربا

تهتم ألمانيا وعموم أوربا، بل والعالم بأسره بالانتخابات الأمريكية ونتائجها، رغم أن النتائج سوف لن تكون حاسمة بتقديري، ودليلي على ذلك، أن لا شيئ جوهري يتغير في السياسة الأمريكية الداخلية منها والخارجية كنتيجة مباشرة للانتخابات، وإذا كان ثمة تغير سيحدث، فذلك ليس بسبب تغير الأسم (أسم الرئيس)، ولا سياسة الحزب الحاكم (الجمهوري أو الديمقراطي)، والتاريخ الأمريكي يؤكد ما نذهب إليه في هذا التقييم.

وإذا كان ثمة تغير سيحدث، فذلك سيكون نتيجة مباشرة وغير مباشرة، لمجمل التطورات السياسية الداخلية والخارجية على الصعيد الاقتصادي بالدرجة الأولى، وحسابات المعطيات الهامة على مسرح السياسة الدولية.
يتبادل الجمهوريون والديمقراطيون الحكم بشكل متوال منذ عام 1853 (16 عاماً7 عام)، ولم يشذ عن القاعدة منذ انتخاب الرئيس الأول، سوى عشرة رؤساء (الرئيس الأول جورج واشنطن: 1789 / 1797). يمثلون :
1. رئيس مستقل (الرئيس الأول).
1. رئيس من الحزب الفيدرالي.
4. رئيس من الحزب اليميني.
4. رئيس من الحزب الجمهوري الديمقراطي
16. رئيس من الحزب الديمقراطي.
19. رئيس من الحزب الجمهوري.

وغالباً يعاد انتخاب الرئيس لولاية ثانية إلا ما ندر (بسبب الوفاة أو الاغتيال، أو الاستقالة).
وقانون انتخاب الرئيس الأمريكي معقد بدرجة قد لا يفهمه المواطن الأمريكي العادي، وأما الترشيح لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية فمعقد غاية التعقيد، يمر بمراحل عديدة أبتداء من طرح أسمه كمحتمل للترشيح من قبل دوائر سياسية / أمنية ذات قيمة اعتبارية عالية، ومراقبة ردود الأفعال على طرح أسمه، ويتم تداول الأسماء المقترحة سراً، ثم تبرز للعلن، وتجري مراقبة دقيقة لردود الأفعال وأصداء الترشيح، وتجمع المعلومات التفصيلية عنه وعن انحداره العرقي والديني والعائلي الشخصي.
وهناك عرف (قاعدة متعارف عليها) أن لا يصل إلى منصب الرئيس إلا من فئة واسب (WASP) وهي اختصار لكلمات : أبيض، أنكلو سكسون، بروتستنانت. وقد نفذ هذا العرف في تاريخ الولايات المتحدة الانتخابي طيلة 167 عاماً، وقد خرقت هذه القاعدة مرتين: الأولى في ولاية الرئيس الأمريكي الرابع والأربعون الكاثوليكي جون كندي الذي اغتيل في 22 / تشرين الثاني / نوفمبر / 1963. وفي ولاية الرئيس السادس والخمسون بارك أوباما، الذي ينحدر من أب أفريقي (كينيا) وأم أمريكية بيضاء.
وبتقديري (وقد تخصصت بدراسة الولايات المتحدة واستراتيجياتها) أن السياسة الأمريكية تنبع من المصالح الأمريكية، والرئيس الأمريكي مطبق لها ومنفذها، ولكن ليس هو من يضع حدودها القصوى والدنيا، فهذه ترسم بدقة تامة من قبل جهات متعددة، ويعهد بتنفيذها إلى جهات متعددة على رأسها الرئيس الذي يمثل المصالح الأمريكية، وكل هذه يحددها الدستور والتقاليد التي ترسخت عبر ممارسات 167 عاماً، لذلك لست ممن يميلون لإلقاء تبعة هذا الفعل وتلك السياسة على ولاية رئيس بعينه. ومن ذلك السياسة الأمريكية حيال أوربا التي يتبرم منها الأوربيون، بتقديري هي ليست من ابتكار الرئيس ترامب، فجذور الأزمة بين ضفتي الأطلسي (الولايات المتحدة / أوربا) موجودة وقديمة، وسياسة القيادة من الخلف (Drive behind)، كانت قد أقرت منذ عهد أوباما، الحفاظ على نقاط أرتكاز، ولكن " لندع الأوربيين يقومون بواجبهم في الحفاظ على أوربا والشرق الأوسط كخاصرة الأتحاد الأوربي " .
وقد احتدمت واشتدت العلاقات والنقاشات منذ عهد الرئيس أوباما، وأصبحت تمثل أزمة ناضجة للانفجار (وقد كتبنا في المركز العربي الألماني عدة تقارير بهذا الصدد)، ومن المحتمل كان اختيار دونالد ترامب كشخصية تصادمية، مناسبة لحل الأزمات المتراكمة للولايات المتحدة، فمثل ترامب البلدوزر المطلوب، وبتقديري أن هذه السياسة الأمريكية سوف تتواصل، سواء على يد ترامب أو على يد بايدن، بنعومة أو خشونة وبهذا المستوى أو ذاك فذلك ما تقرره دوائر الأمن القومي والمخابرات الأمريكية (CIA) والبنتاغون والخارجية.
اليوم والولايات المتحدة مقبلة على الانتخابات الرئاسية، ما هي مستحقات العلاقات الأمريكية ــ الأوربية .. لقد تصاعدت قائمة المطالب الأوربية حيال ما تظهره الولايات المتحدة للسياسات الأوربية، ولكن أبرز نقاط الخلاف (وهي غير بسيطة) :
ــ الخلاف حول التخصيصات العسكرية في إطار تحالف الناتو.
ــ الخلاف حول الاتفاق النووي مع إيران.
ــ البيئة.
ــ المهاجرون واللاجئون.
ــ مشروع خط أنابيب "نوردستريم "
ــ قلق أوروبا على حرية التجارة.
ــ قلق صناع السيارات الأوربية والتحذير من حرب تجارية مع واشنطن.
ــ فشل قمة مجموعة السبع، فشل الحلول التوافقية.


ولا تخفي أوربا رغبتها العارمة من انتصار المرشح جو بايدن على ترامب، على أنل أن يكون هناك تخفيفاً وتنفيسا للاحتقان الخفي في العلاقات. وقد عبرت أمنيات الأوربيين بموقفهم من المناظرتان بين المرشحان وكما يلي :
1. في افتتاح المناظرة التي أقيمت قبل 12 يوماً على الانتخابات، هاجم بايدن الرئيس الأمريكي بشأن إدارته للأزمة الناجمة عن وباء كوفيد-19 قائلاً إن: "شخصاً مسؤولاً عن هذا العدد الكبير من الوفيات يجب ألا يكون قادراً على البقاء رئيساً للولايات المتحدة". وتوقّع بايدن أن تواجه البلاد "شتاء قاتماً" بسبب الجائحة التي حصدت لغاية اليوم حياة أكثر من 222 ألف شخص في الولايات المتّحدة.

2. العنصرية: وفي تبادل ناري للحديث حول التمييز العرقي، قال جو بايدن إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "يصب الوقود على كل حريق عنصري"وقال ترامب عندما سئل عن الاحتجاجات المتعلقة بالعدالة الجنائية في الولايات المتحدة: "أنا أقل شخص عنصري في هذه الغرفة". ورد بايدن قائلاً إن ترامب من بين "أكثر الرؤساء عنصرية في التاريخ الحديث".

3. الهجرة ...هاجم المرشح الديموقراطي خصمه بشأن الهجرة، متهماً إياه بانتهاج سياسة "إجرامية" حيال المهاجرين من الأطفال. وكانت منظمة حقوقية ووثائق قضائية كشفت أنّ السلطات الأمريكية فشلت في تحديد أماكن ذوي 545 طفلاً مهاجراً فصلوا عن عائلاتهم عند الحدود الأميركية بموجب سياسات الهجرة المتشدّدة التي بدأت إدارة ترامب بتطبيقها في أيار/مايو 2018. وقال بايدن: "هؤلاء الأطفال لوحدهم، ليس لديهم أي مكان يذهبون إليه (...) هذا سلوك إجرامي".

4. جائحة كورونا... ألمح الرئيس ترامب إلى أن الولايات المتحدة تجاوزت المحنة الأكبر في وباء كورونا، وهذا غير صحيح. فالأرقام الرسمية تبين للمرة الثالثة تزايدا كبيرا في عدد الإصابات الجديدة: فيوم الخميس (22 تشرين الأول/ أكتوبر 2020) أي في يوم المناظرة سجلت مؤسسة الصحة الأمريكية عن أكثر من 65 ألف إصابة بعدوى فيروس كورونا.

5. التأمين الصحي ... جو بايدن لا يخطط لإلغاء التأمين الخاص. فمخطط بايدن للتأمين الصحي من شأنه إيجاد إمكانية لألئك الذين يريدون الحصول على التأمين العام. ومن يرغب في الحفاظ على تأمينه الخاص، يمكنه فعل ذلك. وفي عام 2018 كان نحو 218 مليون شخص في الولايات المتحدة الأمريكية لديهم تأمين صحي خاص، فيما كان 111 مليون شخص لديهم تأمين عام.
ثم يخشى الأوربيون أن تتواصل سياسة اليمين في الولايات المتحدة، وانتقال العدوى الموجودة أصلا في بيئة غير خامدة في أوربا، فتنال جرعة منعشة منشطة. ولسان حال الإدارة الأمريكية يقول للأوربيين، ها أنتم لا تعرفون تصريف أزماتكم بدون الرعاية الأوربية، ولا شك أن محاول أوربا أن تلعب دوراً كبيرا في الأزمات الأوربية وفي حوضها، سيكلف الكثير جدا من الجهد والنفقات، وربما الصراعات العسكرية التي إذا ما اندلعت فسيحرق لهيبها امكانات وقدرات وأوربا ليست في وضع اقتصادي مريح للقيام بمناورات مكلفة ... فمشكلة الديون الأوربية لم تتعافى منها دول الاتحاد الأوربي، كما أن وضع كورونا أضاف للمشكلة مفردات أخرى ... ناهيك عن ملامح أزمة اقتصادية عالمية، ستكون أجواء التوتر تصعيداً
وبرأي الأوربيين أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد ألحق الكثير من الضرر بالعلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية. وبقاؤه أربع سنوات إضافية سيكون بمثابة كابوس بالنسبة إلى الكثيرين من الساسة في الاتحاد الأوروبي.
أما في حال فرض جو بايدن نفسه في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، فستكون هناك آمال بالنسبة للعلاقات بين ضفتي الأطلسي. ولكن ليس هناك أحد بهذه السذاجة ليعتقد أنه ستحصل عودة إلى وقت ما قبل ترامب. لكن الأمل يسود في أن الأمور قد تتحسن، كما يقول مدير مركز الدراسات الأوروبية في بروكسل.
وإذا لم ينجح مرشح الديمقراطيين في الحل محل الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، فإن الخبراء الأوربيون يخشون أن تسوء العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي أكثر. "ربما سيعمل في فترة حكم ثانية على ممارسة مزيد من الضغط على أوروبا أكثر من الفترة الأولى. لقد وصف أوروبا كشر أكبر من فاعلين آخرين في العالم. وهذا ما قاله علنا علما بأنه قال الكثير في السنوات الأربع الأخيرة ".
وستكون العلاقات موضع شد وجذب، فكلا الطرفان : الولايات المتحدة وأوربا، يحتاج كل منهما الآخر، فالولايات المتحدة تحتاج أوربا في مواجهاتها مع الصين وروسيا.

رئيس مثل جو بايدن لن يفعل كل شيء بطريقة مختلفة، كما يعتقد الخبراء الأوربيون، لكن يمكن الانطلاق من أنه سيعتمد على الحلفاء التقليديين وسيستمع إليهم ويبحث عن جوانب مشتركة، "سيان من يفوز في نوفمبر/ تشرين الثاني، وجب علينا الاستثمار في التعاون. لدينا مجال تحرك في بعض الموضوعات مثل إصلاح منظمة التجارة العالمية. هنا يمكن لنا عزف نفس النغمة".
في دراسة أجراها في الصيف "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" في بروكسل، قيل إن الأوروبيين فقدوا الثقة في الحليف الوثيق سابقا الولايات المتحدة الأمريكية. ولاسيما "التدبير الفوضوي لوباء كورونا من طرف الرئيس ترامب ساهم في أجواء قاتمة".
وينطلق الباحثون في المجلس الأوروبي من أن الفائز الانتخابي جو بايدن سيبحث عن التقارب مع الأوروبيين. وهم يتوقعون أن تنضم الولايات المتحدة مجددا لاتفاقية باريس لحماية المناخ ومنظمة الصحة العالمية. وحكومة تحت بايدن ستعمل على تقوية الناتو كحلف حتى ولو أن الديمقراطيين مثل الجمهوريين يضغطون لرفع ميزانيات الدفاع الأوروبية. وسبق للرئيس باراك أوباما والكثير من أسلافه أن طالبوا بنفقات عسكرية أكبر. وفي حال انتخاب ترامب لفترة حكم ثانية، يتنبأ مستشاره الأمني السابق جون بولتون بأنه يجب على الناتو أن يتهيأ لما هو أسوء. فحسب بولتون هدد ترامب حتى بانسحاب من الناتو، ما سيعني نهاية الحلف.
وعلى إثر ذلك أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الناتو يعاني من "موت دماغي" وعبر عن طلبات للحصول على "سيادة أوروبية" أكبر. وحتى زعماء حكومات آخرين في الاتحاد الأوروبي يرون دورا جيوستراتيجيا أكبر للاتحاد الأوروبي في علاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية، على خلاف دونالد ترامب. فرئيسة المفوضية الأوروبية، أورزولا فون دير لاين تتمنى خصوصا عودة إلى نظام مبني على قواعد. "الحقيقة هي أن إصلاح النظام المتعدد الأطراف بات ملحا أكثر من ذي قبل، فنظامنا العالمي يعاني من شلل متسلل". وتفيد فون دير لاين أن قوى كبيرة تنسحب من مؤسسات دولية أو "تأخذها رهينة لمصالحها الذاتية".
والأمل السائد في بروكسل هو أن تتحقق هذه الأشياء مع رئيس مثل جو بايدن. لكن يحذر الخبراء الأوربيون من أوهام. فالموقف الناعم الذي عاملت به أوروبا إلى حد ما الصين حتى الآن لن يروق لرئيس ديمقراطي. "قد يتمثل أحد التحديات في أن تتعاون حكومة بايدن الجديدة في موضوعات دولية في حماية المناخ وفي منظمة التجارة العالمية، لكنها ستطلب في المقابل من أوروبا أن يكون لها ظهور أقوى تجاه الصين". وحتى مع بايدن في سدة السلطة قد تطالب الولايات المتحدة بتحمل فرض عقوبات، مثلا على شركة هواوي للتكنولوجيا دون نقاش والقيام برد على استفزازات عسكرية في بحر الصين الجنوبي.
وبعد الانتخابات يعتزم الأوروبيون، كيفما كان الرئيس الأمريكي، التحدث عن العلاقات التجارية. ومازال يسود تهديد ترامب الرامي إلى فرض رسوم جمركية عالية على السيارات وبضائع أخرى عبر الأطلسي. ولقد اتفق في يوليو/ تموز 2018 مع الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية جان كلود يونكر على نوع من وقف إطلاق النار، لكن النزاع يبقى بدون حل. وحينها أشاد دونالد ترامب بشكل مفاجئ بالاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري للولايات المتحدة. وفي الحملة الانتخابية لم يلعب الموضوع أي دور لدى ترامب ولا بايدن.
وتأمل غالبية رؤساء حكومات ودول الاتحاد الأوروبي في فوز جو بايدن كرجل ليبرالي ليس له شحناء في خطابه. فالعلاقة بين المستشارة أنغيلا ميركل والرئيس دونالد ترامب لم تكن ودية. وبولندا ودول أوروبية شرقية أخرى لها حكومات شعبوية كانت لها علاقة أفضل مع ترامب.
وفي النهاية سيقف الاتحاد الأوروبي في صف واحد لتمثيل مصالحه تجاه الولايات المتحدة بصرف النظر عمن من الرجلين سيجلس في المكتب البيضاوي، كما يعتبر أحد الخبراء.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

779 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع