"رجم ثريا" فيلم يفضح الرياء الديني في التعدي على حقوق المرأة .

                                                     

                               علي المسعود

  

"رجم ثريا" فيلم يفضح الرياء الديني في التعدي على حقوق المرأة .

أثيرت قضية الرجم على نطاق واسع عالميا وإسلاميا مؤخّرا نتيجة توثيق عشرات حالات الرجم لنساء ورجال في بعض المناطق والدول التي تقول أنها تطبق الشريعة الإسلاميةـ وقد قام بتنفيذ هذه الجرائم تنظيم داعش في سوريا والعراق، وطالبان في أفغانستان وباكستان، والقاعدة في الصومال، بينما كانت الدولة الأولى عالميا في تطبيقه هي إيران فقد تم تعديل قانون العقوبات الإيراني بعد الثورة الإسلامية عام 1979 وأدرجت فيه أحكام الجلد والرجم وبتر الأعضاء. وتقول اللجنة الدولية ضد الرجم ومقرها ألمانيا أنه تم تطبيق 150 عملية رجم في إيران بين العامين 1980 و 2010 ، وهذا الرقم قد يكون أقل من الحقيقي لأن هذه الأحكام يتم تنفيذها أحيانا في بلدات نائية لا تصل أخبارها لبقية العالم، كلما كانت ظروف المجتمع بائسة وكلما انتشر الفقر والجهل والظلم سادت مشاعر الغضب والانتقام وانتشرت ثقافة الكراهية ووجد التطرف البيئة المناسبة لنموّه . وكلما تحسنت أحوال المجتمع وحل الرخاء والازدهار وانتشرت المعرفة والثقافة سادت مشاعر المحبة والتعاطف والتسامح والغفران، لذلك فإن مكافحة الفكر المتطرف عملية شاملة لها جوانب ثقافية ودينية وفكرية كما أن لها جوانب سياسية واقتصادية . وفي عام 2016 قضت محكمة إيرانية بسجن الكاتبة والناشطة في مجال حقوق الإنسان " جولروخ إبرهيمي إيراي" 6 سنوات لكتابتها رواية عن عقوبة الرجم، ووجهت المحكمة للكاتبة الإيرانية تهمة "ازدراء مقدسات إسلامية"على الرغم من أن روايتها لم تنشر بعد، وتصف إيراي في روايتها رد فعل شابة إيرانية شاهدت فيلم "رجم ثريا"، الذي يتناول قصة حقيقية لإمرأة قتلت رجما، حيث يتملك الشابة الغضب الشديد وتحرق نسخة من القرآن الكريم . فيلم “رجم ثريا” المأخوذ عن قصة واقعية كان مؤلفها شاهداً على جزء من أحداثها، الفيلم مأخوذ إذن من رواية فريدون صاحب جام " الصحفيّ الفرنسيّ – الإيرانيّ وإبن السفير الإيراني السابق لفرنسا والذي صدر حكم الإعدام بحقه في إيران بتهمة انتقاد الحكومة الإيرانية في كتاباته، إذ عاش في الخفاء في فرنسا إلى أن توفي العام 2008ــ ويعتبر فريدون ساهيبجام"أول صحفي يتناول جرائم إيران ضد المجتمع البهائي في إيران، وكذالك تناول الاستغلال السافر للأطفال في الجيش الإيراني خلال الحرب التي استمرت ثمانية أعوام بين إيران والعراق. الفيلم هو قصّة حقيقية لمقتل ثريا مانوتشهري البالغة من العمر 35 عاماً، وهي أمّ الأطفال الأربعة والتي حُكم عليها بالموت رجماً بعد اتّهامهما بالزنى زوراُ من قبل زوجها ، وروى فريدوني قصة رجم ثريا في كتاب عام 1994 ، وفي عام 2008 وهو العام الّذي تُوفِّي فيه "فريدون صاحب جام"، خرج إلى النور الفيلم المقتبس عن روايته ، جاء فريدوني الى ايران ليغطي الاوضاع السياسية الايرانية بعد انتقال الحكم من الشاه الى خامنئي 1979 وتعطلت سيارته قرب كوباي وهي الصدفة التي جعلته يدخل القرية لاصلاح سيارته واكمال رحلته الصحفية ، قصة من هذه القصص، نقلها الصحافي الإيراني الأصل، الفرنسي الجنسية “فريدون صاحب جام”، من خلال رواية تحمل عنوان “رجم ثريا”، والتي أثارت جدلًا كبيرًا وقتذاك، وأضحت الأكثر مبيعًا، وقد ترجمت الرواية نفسها إلى ثلاثين لغة حول العالم، بما فيها اللغة العربية، والتي قام بها المترجم التونسي وليد سليمان عن دار”مسكيلياني” للنشر، والذي قال عن سبب اختياره لترجمة هذه الرواية بالذات أن "كل كاتب مطالب في اعتقادي بأن يقف في وجه الاستبداد بكل أشكاله، من هذا المنطلق وجدتُ في الرواية عملًا فنيا يستحق الترجمة لأنه يتناول جملة من القضايا المُلّحة التي لا يعاني منها المجتمع الايراني فقط، بل العديد من المجتمعات العربية والإسلامية"، ثم تحولت الرواية إلى فيلم سينمائي أنتج الفيلم في أواخر عام 2008، واستقبلته دور العرض الأمريكية في يونيو من العام 2009 ، بإنتاج وإخراج أمريكي اخرجه وكتب السيناريو له المخرج الامريكي ( الايراني الاصول) سيريوس نوراستيه وتقوم ببطولة الفيلم الممثلة الإيرانية الأصل شوهريا اجهدشلو الذي قامت بدور زهرة وجيم كافيزيل الذي قام بدور الصحفي والممثلة الايرانية الاصل ايضا موزهان مارنو وجسدت دور ثريا، وتم تمثيل الفيلم في احدى القرى المغربية. تجري الأحداث عام 1986 في ظل التغير الكبير الذي تشهده إيران إثر نجاح الثورة الإسلامية وسقوط نظام الشاه وتصاعد سلطات الملالي ورجال الدين وسيادة حكم العرف والتقاليد مقابل غياب القضاء و تضاءل سلطة الدولة على مناطق الريف المنسية، يبدأ الفيلم بجملة واضحة للغاية، تقول هذه االجملة “لا تتصرف كالمنافق، الذي يظن أنه يستطيع إخفاء حيله، بينما يجهر بالقرآن” وهي جملة مأخوذة عن "حفيظ" وهو شاعر إيراني مشهور عاش في القرن الرابع عشر، وهي تعد كاشفة للغاية عن مسار واتجاه الفيلم والموجه لأولئك الذين يدعون التدين، وهم في حقيقة الأمر ليسوا سوى منافقين. يبدأ الفيلم بمشهد ذهاب الخالة زهرة إلى مكان جثمان القتيلة ثريّا، لتلملم بقايا عظامها بعد أن نهشتها الكلاب، وذلك لأنّ أهل القرية رفضوا دفنها باعتبارها رمزٌ للشرّ والنجاسة، فحتّى حدّ الرجم لم يخلّصها من ذنبها المزعوم. ثمّ تغسل الخالة عظامها في النهر وتعيد دفنها من جديد، لتظهر صورة الخميني مباشرة في المشهد التالي، وهي إدانة واضحة لنظام أزهق أرواحًا كثيرة من أجل أن ينفرد بالسلطة المطلقة، ثمّ تلتقي الخالة زهرة الصحفيَّ " فريدون صاحب جام" الذي تتعطل سيارته في إحدى القرى الإيرانية النائية فيتعرف على"زهرة" التي تحاول الحديث إليه من دون علم أهالي القرية، فتتبعه في غفلة عن عيون أهل القرية كي تسجّل شهادتها عن حادثة الرجم، وفي سرية تامة تروي له قصة ابنة أختها ثريا وظروف موتها الدموية. "أريدك أن تأخذ صوتي معك" هكذا بدأت السيدة زهرة بالحديث إلى صحفي بدا عليه التردد لسماع قصتها، وكان قد سألها:" هل أنت مجنونة؟"، لكنها ردت عليه بحزم: "استمع قصتي أولاً وستعرف من هو المجنون أنا.. أم هم"، لم يكن يدري الصحفي فريدون مايدور في راس زهرة بالضبط ، لكنها كانت تعرف انه سيخرج من عندها بقصة رائعة ينقلها للعالم. حينها يدير فريدوني ساهيب جام الصحفي الفرنسي من أصل إيراني جهاز تسجيله لـيوثق القصة التي لم تكن لتظهر للعالم لولا الصدفة التي قادته إلى كوباي وهي قرية نائية لمحافظة كرمان بايران، يحدّثنا الفيلم عن ثريا وزوجها عليّ الذي يريد تطليقها ليتزوج فتاة أصغر في الرابعة عشر من عمرها – ابنة طبيبٍ ثري حكمت عليه الثورة بالإعدام، فقايض ابنته بحبل المشنقة الملتف حول رقبته. إلا أنّه لا يمكن لهذا المشروع أن يتمَّ دون موافقة الزوجة التي ترفض خوفاً على ابنتيها من الجوع والتشرّد ، يعرض (عليّ ) على زوجته أن تحتفظ بالبنتين والبيت وقطعة صغيرة من الأرض، فيما يأخذ هو الصبيّين دون أن يدفع لها أية نفقة ، أمام رفض ثريّا لهذا الطلاق، وبعد أن رفضت ثريا الطلاق منهُ أكثر من مرّة، كان علي يفكر طيلة الوقت برفقة الملا حسن – في طريقة للتخلص من ثريا دون أن يدفع لها شيئًا. الملا حسن رفض في البداية مساعدة علي، إلا أنّ علي هدَّدَهُ بفضح حقيقته أمام أهل القرية إن لم يساعده. حيث إنّ الملا حسن، وقبل وصوله إلى قرية كوباي، كان سجينًا جنائيًا في السجن الذي كان يعمل به علي جنديًا في ما يسمى الحرس الثوري. عندئذٍ قبل الملا حسن مساعدة علي في التخلص من ثريا؛ لأنهُ هو الآخر كان يفكر في طريقة للانتقام منها بعد أن رفضت عرضه أيضًا بأن تتزوجه زواجًا مؤقتًا بعد طلاقها من علي ، يلجأ زوجها “الحارس الثوري"، إلى التآمر عليها بالتعاون مع كل من الملا ومحافظ القرية، فيدبّرون لها عملاً عند رجلٍ أرمل وسرعان ما يلفقون لها تهمة الزنا مع هذا الرجل. وحكم الزنا العرفيّ هو الرجم، وتتعرض ثريا للظلم وكل جرمها انها حاولت الحفاظ على بناتها من الضياع في ظل رغبة زوج قاسي(علي) - وهو احد جنود الحرس الثوري - يبحث عن رغباته والزواج بفتاة في الـ 14 وهي ابنه احد المسجونين و المحكوم عليه بالاعدام. يظهر الملا " مُحسن".. الملا المبارك كما يصفوه في القرية ورجل الدين الاكثر مهابة لدى الناس في كوبايي ، يحاول رجل الدين ان يقنع ثريا بان تقبل ان يطلقها زوجها ويترك لها البيت والحقل لتعيش منهم ، لكنه يقدم لها عرضا بان يقدم على خطبتها ويتزوجها (زواج المتعة) في نفس الوقت كونه لن يُسمح له شرعا ان يتردد على زيارتها وهنا يكون قد اوجد لها مخرجا دينيا - حد قوله، لكنه يجابة بالرفض والطرد من قبل الخالة زهرة. يوم بعد آخر كانت معالم المؤامرة تصبح أكثر وضوحًا، حيث إنّ علي قرر تلفيق تهمة لزوجته وهي ممارسة الزنى مع هاشم في منزله. ولكن لكي يتم الأمر كما خطط لهُ علي، كان يلزَمُهُ شهادة هاشم أيضًا. هاشم الذي رفض في البداية أيضًا مساعدة علي، إلا أنّهُ وافق بعد ذلك؛ بعد أن هدَّدَه علي بأن يلقى ذات المصير الذي ستلقاهُ ثريا، وأن يجعل من ابنه الوحيد يتيمًا ومجنونًا. وبأن يلقي بابنه في مصحة نفسية أو في السجن بعد مقتله، ينجح علي في إقناع سكّان قرية كوبايي ومحافظها بأنّ زوجتهُ خانتهُ مع هاشم في منزله، فشهد زورا وبهتانا ضد ثريا «لا تتصرف كالمنافق و أنت تجهر بالقرآن أمام الناس» هكذا دافعت زهرة خالة ثريا عنها وهي تسمع ما يصبه فوق رأسها الملا حسن من اتهامات لا تقوَى على إثبات عكسها ، وما هي إلا دقائق قليلة حتى كان الحكم بالرجم جاهزا وبالإجماع،عبثا حاولت زهرة أن تهرب بثريا من القرية؛ فعند كل قارعة طريق يقف الرجال المشحونين بنار الشرف لترقبهم، تفرغت ثريا لتوديع ابنتيها فأهدت الأولى قلادة فضية وأوصتها بألا تخلعها عن رقبتها يوما، وأهدت الثانية خاتم زواجها الذي ورثته عن أمها وأوصتها بأن تورثه لابنتها حينما تكبر وتتزوج، أما وصيتها لخالتها فكانت بأن تخبر ابنتيها بحقيقة أمهما فلا يشعران بالخزي من ذكراها، فوعدت الخالة المكلومة بأن يعرف العالم كله من خلالها حقيقة رجم ثريا،وفي الوقت الذي كانت فيه ثريا تودع طفلتيها، انهمك أطفال القرية الملعونة في جمع حجارة الرجم، بينما أحضر الزوج المدّعي لفة من الحبال كي توثق بها ثريا أثناء رجمها خوفا من هربها. وكان الملا حسن يستلقي في استرخاء تحت يدي الحلاق كي يهذب له شاربه ولحيته،وبينما كانت الخالة تهتم بثريا وكأنها عروس فتصفف شعرها وتلبسها أجمل رداء أبيض لديها قبل أن تغلفها بعباية سوداء وكأنها تعلن الحداد عليها، كانت تلك الأخيرة تتمتم: «لست خائفة من الموت وإنما من الموت بالحجارة… من ألم الرجم ظلما، وبتعالي صيحات الرجال «الله أكبر» علمت ثريا بأن موعد تنفيذ الحكم الجائر قد حان، وقبل أن تنهار الدمعة المتحجرة في عينها شدّت خالتها من أزرها بكلمة حاسمة « قفي» فوقفت ثريا وسارت على قدميها بخطى ثابتة لمصيرها المحتوم، وفي طريقها لتنفيذ الحكم لمحت ثريا القبر الذي يحفره لها رجال القرية، فوطأته بعينيها قبل قدميها ولم تفق سوى على صوت محافظ القرية وهو يأمر خالتها بأن تنزع عنها العباءة،ابتسمت لخالتها زهرة وكأنها تشجعها على أن تفعل، وبنبرة صوت هادئة قالت : «عاهدت نفسي على ألا ابكي .. فلا تبكين أنت الأخرى»، فردت الخالة بابتسامة ونبرة صوت مماثلة «الله والجنة في انتظارك… اذكري الله بملء قلبك). المشاهد تتنامى بشكل مؤلم ومؤثر ومدهش لأحداث ليلة واحدة فقط ترويها السيدة زهرة خالة ثريا التي أقيم عليها حد الرجم بالحجارة حتى الموت بعد إن يتهمها زوجها بالزنا لأنها رفضت الطلاق بدون أن يدفع لها النفقة، فكانت ثريا ضحية مؤامرة بين الزوج والملا رجل الدين الفاسد وعمدة القرية إبراهيم المتخاذل الذي صادق على الحكم بناءً على أقوال الشهود وهو يعرف مالذي يريده الزوج ويعرف إن ما يحدث كان مؤامرة ، اثناء تنفيذ الحد طاشت ثلاثة حجارة القاها رمضاني والد ثريا ولم تصبها حينها صرخت احدى النساء :"ابراهيم انها علامة من الله ثريا بريئة".. التفت ابراهيم الى الخلف الا ان الملا رجل الدين وزوجها (علي ) لم يسمحا له بالتراجع واخذ زوجها حجرة ملأت قبضة يده ورمى بها بقوة أصابت جبهة ثريا، صارخاً "الله أكبر الله أكبر"،لتتوالى الحجارة ، وعند غروب الشمس تحول جسد ثريا لكتلة مصبوغة بالأحمر تتناثر فوقها حبّات الحجارة، وحدها خصلات شعر رأسها ظلت تتطاير وكأنها تأبى أن تغادر الحياة، وبينما كانت زهرة تجمع ما أبقته الكلاب من جثة ثريا بعدما رفض راجموها دفنها، كان أهل القرية يحتفلون بفعلتهم على أنغام الموسيقى وقرع طبول النصر ، لكن الخالة زهرة لم تنس أبدا وعدها لثريا بأن العالم كله سيعرف حقيقة ما حدث لها يوما، فوضعها القدر في طريق صحفي فرنسي تعطلت سيارته فلجأ إلى أقرب ميكانيكي «هاشم» شاهد الإثبات، فتتبعته خلسة عن عيون أهل القرية وسجلّت معه تفاصيل القصة وعاونته على الهرب من قبضة الملا حسن الذي عرف بسره، لتتحول مأساة ثريا إلى أيقونة يستدعيها المدافعون عن حقوق المرأة و الإنسان كلما كرر المجرمون جريمتهم بتفاصيلها البشعة نفسها على مر العصور و الأزمان، بعد خروج الصحفي فريدون من بيت زهرا ليصل الى سيارته التي اصلحها له هاشم الذي توفت زوجته الليلة الماضية وهو الشاهد ضد ثريا بعد ان هدده الملا وعلي.. إعترض الملا والعمدة الصحفي فريدون خوفاً من ان يكون لديه شيء يدينهم من زهرا لياخذ الملا حسن الحقيبة واتلف الشريط المسجل، ليذهب الصحفي متوعداً بفضحهم، ماضياً بسيارته بسرعة لتلتقيه زهرا بالنسخة الاصلية للشريط بعد ان ظن الملا والعمدة انهم انتصروا.. ليجن جنونهم ويطاردون السيارة لكنه مضى وكانت زهرة تصرخ: "الان العالم كله سيعرف القصة". ووفت زهرة بوعدها لثريا انها ستجعل العالم يعرف براءتها . ويعد مشهد وصول فرقة سيرك جوالة في لحظة تجمهر الناس للاستماع إلى الحكم على ثريا، أقوى مشاهد الفيلم وأكثرها دلالة على مفارقات الحياة ، صمت قصير يسود المكان فيما يطلق المهرجون بالوناتهم وموسيقاهم داعين الناس للابتهاج ونسيان الهموم وعيون الناس تائهة والسادة الكبار يشيرون للمهرجين بالرحيل فورا، فيما نفر من الأطفال يتحلقون حول عربة المهرجين وهي تنسحب بهدوء مخلفة وراءها وجوها عبوسة شديدة القسوة. رحيل قسري للفرح يسلم الميدان البشري لرائحة الموت..فلا احد في هذه البلدة راغب بعد الآن في الضحك، وأصعب ما في الفيلم مشهد الرجم الذي يبدو بلا نهاية، وكأنّ المخرج يتقصّد الإطالة واستخدام الحركة البطيئة لنحسّ بقسوة قلوب البشر، لنحس مع ثريا بألمها من هذه القسوة، ذلك الألم الذي لم تستطع التعبير عنه إلا بعبارة واحدة " كيف يمكنكم فعل ذلك بي؟، كيف يمكنكم فعل ذلك بأيّ كان؟"، ولكي يبلغ بنا الألم مداه الأقصى بعد أن يشارك أطفال ثريا في رجمها، يا لهذه الوحشية! .

فيلم “رجم ثريا” هو من أهمّ أفلام القضايا في العقد الأخير، إنْ صحّ استخدام التعبير. والقضية هنا ليست في الدفاع عن حقوق المرأة المسلوبة وإدانة عقوبة الرجم فحسب، وإنما تتعداها إلى أبعد من ذلك، إلى فضح مجتمعاتنا الشرقية الذكورية، إلى فضح التآمر الصامت بين الناس ضد إنسان بريء، إلى إدانة الخبث والرياء الدينيّ والتستر خلف الدين والتقاليد لتنفيذ مخططات جهنمية . فما فعلت شيء يستحق هذا العذاب والإهانة من اناس قست قلوبهم فكانت اقسى من الحجارة الصلبة تشج جبين حقوق الإنسان المرهونة بعمامة رجل دين قذر اقرب ما يمكن ان نشبهه بالدجال باسم الحفاظ على الأخلاق واقامة شرع الله وهو ابعد ما يكون عنه. ويمكن النظر إلى هذه القرية الصغيرة، باعتبارها نسخة مصغرة من إيران والدول الخاضعة للحكم الإسلامي، حيث تُعاني النساء، في ظل سيادة النظرة الدونية لهن، والتعامل معهن باعتبارهن في منزلة أدنى من الرجال على مختلف المستويات، لذلك فالتمييز والعنف ضدهن مشرعن بالقانون والأحكام المصبوغة بالدين. فيلم ‏«‏رجم ثريا‏»هو عبارة عن صرخة كل نساءالعالم الاسلامي.

أجاد المخرج “سايروس نوراسته” في النصف الثاني من الفيلم في أن يعكس الوحشية التي تسود هذه القرية، وإلى أي مدى بلغ الاستبداد باسم الدين، وعلى الرغم مما قد يبدو إطالة أو بطء في وتيرة الأحداث، لكن ذلك عبر بصدق ونقل الصورة المؤلمة بواقعية شديدة، من خلال استعراضه لتأهب أهالي القرية لتطبيق الحد عليها، وكيف صدقوا دون تبين الاتهامات التي وُجهت إليها، وكيف تحولت لحظات الرجم إلى مشهد احتفالي يُدعى إليه الجميع ليلبي، والأهم كيف تبدو السلطة السياسية ممثلة في “إبراهيم” محافظ القرية، ضعيفة وهشة ومنصاعة أمام السلطة الدينية ممثلة في المُلا “حسن"، وفي هذا العالم الذي تغيب فيه الإنسانية، يصبح طبيعيًا، أن يسارع الأطفال إلى جمع الحجارة، استعدادًا للرجم، ويهلل الرجال مرددين “الله أكبر” ثم يهتفون “الإعدام” وهم يقودون من اتُهمت بالزنا زورًا إلى الرجم، وكأن نصرًا تحقق، والأنكى أن يقف بين الراجمين، الأب والزوج والأبناء الذكور، ويشاركون في رجمها، وبعد أن يفرغوا الدماء، وينفذوا المجزرة، دون أن يمس أحدهم أي شعور بالذنب، يقضون الليلة يحتفلون، بعد أن حضرت إحدى فرق عروض الشارع إلى قريتهم، وكأن شيئًا لم يحدث، قصص كثيرة في هذه البقعة من الأرض، تتشابه مع قصة “ثريا”، حيث تُقتَل النساء وتستباح دماؤهن، لأجل أن يحيا الرجال، متمتعين بكامل السلطة ووافر القوة، ومن أبرز هذه القصص، قصة مهندسة الديكور الإيرانية “ريحانة جباري”، التي أُعدِمت في أكتوبر من العام 2014، بعد اتهامها بقتل رجل يدعي “مرتضي سربندي”، كانت قد اتهمته بمحاولة اغتصابها قبل عدة سنوات، واعترفت بقتله دفاعًا عن نفسها، لكن المحكمة الإيرانية لم تأخذ بكلامها ونفذت الإعدام، وفي وصية تسلمتها أمها قالت «كانت جثتي ستُرمى في زاوية ما من المدينة، وبعد أيام كانت الشرطة ستقتادك إلى زاوية المكتب لتتعرفي على جثتي، وهناك ستعرفين أنني تعرضت للاغتصاب أيضًا، ولن يُعرف القاتل أبدًا، لأننا لا نملك ثروتهم وسلطتهم.

فيلم «رجم ثريا» ذهبت بطولته إلى الممثلة الإيرانية «شهرة اغداشلو» والتي غادرت إيران فور انطلاق الثورة عام 79 نحو أميركا، لتجد فيها ملاذا آمنا خصوصا بعد ترشيحها لجائزة الأوسكار عن دورها في فيلم «منزل الرمل» عام 2003، ويقاسمها البطولة الأميركي «جيم كافيزل» الذي شارك مع «ميل جيبسون» في فيلم «آلام المسيح» الذي أثار ضجة في الأوساط الدينية قبل أعوام قليلة، وأخرجه الأميركي سيريوس نوراستيه الذي يضم سجله الإخراجي ثلاثة أفلام سينمائية فقط . الفيلم يتضمن مشاهد صعبة، لاسيما عندما ينتهي الحال بثريا في مشهد الرجم حتى الموت، والذي قدمه المخرج للمشاهد بأدق تفاصيله بداية من الشروط الواجبة في الحجارة التي يجب أن تكون صغيرة حتى لا تتسبب في الوفاة بسهولة وسرعة ليستمر العذاب لساعات، ونهاية بنقل كل مشاعر الألم التي يمثلها هذا العقاب، وكشف المخرج الأميركي( من أصول إيرانية) سيريوس نوراستيه، أحداثا حقيقية عن حالة الفساد الديني، التي أصابت المجتمع الإيراني، حيث صور أوضح أن التدين الظاهرى والشكلي كان أحد أسباب الارتقاء الانتهازي المحكوم بالمرجعيات الدينية في المجتمع ، فأحد أبطال الفيلم «الشيخ حسن» كان معتادًا على الإجرام قبل الثورة، وبعد الثورة ارتدى العباءة الدينية وأصبح مرجعا دينيا في قريته، يوزع الأحكام القضائية والفقهية كيفما يشاء ،كذالك جاء الفيلم كاشفًا للواقع الذي عايشته المرأة الإيرانية في مرحلة ما بعد الثورة الإيرانية؛ حيث تآكلت مساحة الحرية التي كانت ممنوحة لها في زمن الشاه، وأصبح ينظر لها نظرة دونية، باعتبارها سلعة جنسية تباع وتشتري . ولهذا السبب إحتجت إيران على رواية للكاتب الإيراني فريدون صاحب جام واصدرت علية حكما بالاعدام ، وعلى الفيلم المخرج الأميركي كيريوس نورستيه وعرضه ، وقد أثار العديد من ردود الأفعال ليس في إيران الّتي أنكرت الحادثة من أساسها، بل في عديد الدول الّتي مازالت تحكم بالرجم على المرأة الزانية، بل كاد يتسبّب في أزمة ديبلوماسيّة بين إيران وتركيا، بسبب عرضه في القاعات السينمائيّة في تركيا ، حتى إنها طلبت رسمياً من تركيا، قبل عامين، وقف عروضه في دور السينما في إسطنبول وأنقرة ـ بالرغم من أن الفيلم لا يهدف إلى الإساءة إلى الإسلام كما يروج البعض. بما في ذلك السلطات الإيرانية. إنما هو فضح رجال الدين الذين يتمتعون بسلطات رهيبة جدًا في إيران، بغض النظر عن ماضيهم وما قاموا بفعله سابقًا، تمامًا كالملا حسن . في الختام ، لم تنتهي جرائم المجتمع العربي بحق المرأة، ولن تنتهي إلّا بانتزاع الحق نزعًا، وألامل الوحيد في قوتنا، صرخاتنا الرافضة للقمع، فضحنا لكل انتهاك للحقوق المراة، والمقاومة والنضال المستمرين . ويبقى السؤال المهم: هل يتصرف بعض رجال الدين بالشرع كما يحلو لهم، وفقًا لأهوائهم الخاصة، يبيحون هذا ويحرمون ذاك، طالما الحالة تخدم مصلحتهم أو مصلحة أشخاص يهمهم أمرهم؟.

علي المسعود

المملكة المتحدة

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

805 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع