حزب الدعوة ودولة السويد

                                                

                                   إبراهيم الزبيدي

منذ زمن بعيد قررت أن أتغاضى عن زلات لسان نوري المالكي أو أحد أعضاء بطانته، وأن ألوذ بالصمت العميق في كل مرة تهزني فيها صرعة جديدة يطلقها هو أو أحد أعضاء خليطه الغريب. وكنت أقول لنفسي إنها ليست الصرعة الوحيدة في العراق الديمقراطي الجديد، وإن جماعة حزب الدعوة ودولة القانون ليست وحدها المتخصصة بصناعة القفشات، بل إن كل أصحاب الحل والربط في المنطقة الصفراء صاغة ٌ مبرزون في صناعة المضحات وكذلك المبكيات. ولكن حين تكون المصيبة أكبر من أن تبتلع أخالف نفسي وأعود لأكتب من جديد.

تقول كتب التاريخ والسياسة والاجتماع إن الحاكم القوي الواثق من نفسه ومن شعبيته ومن قدرة نظامه على مواجهة الزلازل والبراكين لا ينزل إلى أسفل، ولا يهبط إلى حضيض، بل يبقى محلقا في الأعالي، متساميا عن الصغائر وتوافه الأمور. ولكن الصغير يظل صغيرا حتى لو ارتفع إلى أعالي السماء، والكبير كبيرا حتى وهو في أسفل السافلين.

وتقول ايضا إن الزعامة فعلٌ أولا وثانيا وثالثا، وليست كلاما أرعن يلقى على عواهنه في الرائحة والغادية، دون حساب. والمثل العربي يقول، لسانك حصانك.

وأخونا المالكي من النوع الذي يكثر من الكلام الكبير ولكنه لا يفعل سوى الشيء الصغير. فهو لا يتقي هُزء الهازئين فيصمت ويداهن ضحاياه المدرجين على لائحة انتقامه، في انتظار أن يتصيدهم، واحدا بعد واحد، بصمت ودون ضجيج، كما كان يفعل سلفه الراحل بالمعارضين.

ولصاحبنا المالكي في كل يوم سقطة، ويظنها واحدة من صفات القائد الهمام، وهو يعلم وخصومه يعلمون بأنه لم يكن قويا، ولن يكون في يوم من الأيام. فعلى رأسه يتدلى أكثر من سيف، أولها وأكثرُها ذبحا هو السيف الإيراني، يليه الأمريكي، وبعد ذلك تجيء سيوف خصومه العراقيين وجيرانه العرب المتأهبين للقتال.

نحن لا نطالبه بأن يكون نلسن مانديلا ولا شارل ديغول ولا حتى سوار الذهب، ولكننا نريد منه أن يرتفع إلى مستوى رياض الأسعد مؤسس الجيش السوري الحر ومدربه وقائده الأعلى. فحين أزاحه رفاقه عن الرئاسة ولم يمنحوه أي موقع قيادي آخر لم يغضب، ولم يقل (ما ننطيها)، ولم يلجأ للسلاح، ولم يتآمر، ولم يؤسس جيشا بديلا منافسا لجيشه القديم، ولم يطلق ولو كلمة سوء واحدة ضد رفاقه، بل تلقى الأمر بوطنية عالية، ونزل إلى الميدان مقاتلا عاديا كغيره من المقاتلين إلى أن فقد ساقه في الميدان.

أما عندنا، في ظل الديمقراطية المغشوشة، فحين يدعو البرلمان رئيس الحكومة للمناقشة، متشبها بالديمقراطيات الحقيقية، يرفض الحضور، ويهين المجلس، ويطلب حضور (البعض المؤتمن) فقط من النواب إلى مكتبه، وبموعد مسبق يحدده السيد الرئيس.

لم يكن ليفعل ذلك لو لم يكن يعرف حقيقة هذا البرلمان ووزن أولياء أموره الأربعة شركائه في دولة الشراكة الوطنية التي أصبح لا يحبها ولا يطيق كلاما عنها، من الأساس.

ولأنه ميال بطبعه إلى المكاسرة والمشاكسة، ولأنه لا يملك من القيادة شيئا يذكر فهو يدير الوطن كما كان يدير دكانه البائس في دمشق، حين كان ضيفا على حافظ أسد وولده بشار.

وفوق ذلك كله، لو أنه حصر شتائمه وتحدياته وألفاظه الجارحة بمعارضيه السياسيين وحدهم لهان الأمر، وإن كان معيبا، ولكنه يتخطاهم دائما ويمد شتائمه المقذعة إلى طوائفهم وقومياتهم وأديانهم، وهو في غنى

عن هذا الخبط الذي لا يجلب له ولحزبه ودولته سوى نقمة المزيد من المواطنين، ولا يلحق بالوطن وروح الإلفة المتوارثة بين طوائفه وشرائحه ومكوناته سوى الكسر والضمور لأجيال طويلة قادمة، وقد لا تعود إلى عهدها القديم إلى أبد الآبدين.

إن هذا حال الجاهل إذا حكم، والجائع إذا شبع، والخواف إذا اقتدر. وصاحبنا قفز في غفلة، وبكرم إيران وأمريكا، وبفضل المحاصصة وخيراتها، من مقعده الخلفي وراء ابراهيم الجعفري ليصبح، فجأة، صاحب السلطة القوي والوحيد في الوزارة والبرلمان والأمن والجيش والشرطة والمخابرات والتجارة والصناعة والهندسة والأدب والثقافة والفنون.

والمشكلة أنه ليس الهازل الوحيد في حزب الدعوة أو دولة القانون، بل إن حوارييه الآخرين على نوله يغزلون. فنوادر عزت الشابندر وسامي العسكري وعلي الأديب وحسن السنيد وعباس البياتي وحيدر العبادي متلاحقة ولا تتوقف.

وآخرها ما أعلنه المدعو وليد الحلي القيادي في حزب الدعوة حين قال "إن العراق حقق خلال العشر سنوات الماضية منجزات أكبر مما شهده من انجازات خلال القرن العشرين كله"!!!. واضاف في كلمة ألقاها في الندوة الأسبوعية التي أقيمت في مكتبه في الحلة إن" أهم المنجزات الرئيسة التي تحققت في العراق خلال الأعوام العشرة الماضية تمثلت في استرداد السيادة الوطنية العراقية الكاملة، وتحقيق الكرامة الإنسانية، والتمتع بالحرية، وضمان الحقوق، والبدء بمشروع اقتصاد قوي واعد، والنجاح في إقامة علاقات إقليمية ودولية أفضل من ذي قبل، بالإضافة إلى خلاص الشعب العراقي من نظرية الحزب الواحد، وإنهاء حزب البعث، وإبدال الديكتاتورية بالآليات الديمقراطية في الانتخابات، وتصويت الشعب وباختياره الحر على أول دستور عراقي".

وأضاف، إن" هناك ملفات لا زالت في طريق الانجاز منها: ملف الخدمات، وعلى رأسها الكهرباء، وملف الأعمار والإسكان، وملف البطالة، والقضاء على الفقر والحرمان، ودعم المتقاعدين. واضاف إن" هوية العراق الجديدة تتلخص بمبدأ (العراق لكل العراقيين) ومن دون تمييز، وهو ما نص عليه الدستور العراقي، وهذا الطرح لم يتوافق مع بعض الكيانات التي أخذت تطرح الشعارات الطائفية، وتسعى لإسقاط العملية السياسية، وإلغاء الدستور وما شابه ذلك، كبدائل للعراق الجديد الذي تريده". إن المؤكد أن هذا الرجل أراد أن يرفه عن العراقيين بهذا الحكاية المسلية. إنه يتحدث عن السويد، ولكن بدون ماء ولا كهرباء ولا غذاء ولا دواء، ولا موسيقى ولا غناء، وبصحافة ممنوعة من الكلام، وباعتقال كيفي وتعذيب، وإعدام أحيانا، بالخطأ، ثم الاعتذار للضحية البريء، وبالتسامح مع المختلسين، وعدم محاسبة مزور شهادة، وإعفائم من رد الأموال التي سرقها بتلك الشهادة المزورة، وبحكومة تنفق أموال الدولة وجهود موظفيها على تعميق الكراهية بين طوائفها وشرائحها ومكوناتها، وتفتح الوطن لحبايبنا الإيرانيين على مصاريعها، خدمة للدين وللولي الفقيه، وتوزع الأسلاب والعطايا والوزارات والسفارات على الأقارب والمحاسيب، وبقضاء يعمل وفق ظروف الطقس، وتبعا لاتجاهات الريح، فيحكم اليوم على متهم بخمس عشرة سنة سجن، ثم يلغي حكمه عليه غدا بجرة قلم بأمر السيد الرئيس.

ولو حسبنا ما أنفقه المالكي على شؤونه الخاصة وعلى حزبه ودولة قانونه، وعلى حماياته وحمايات أفراد بطانته، ومكافآتهم وهداياهم، ولو أضفنا إليها ما أهدره على مشاريع ومقاولات فاشلة، لوجدنا أنه كلف العراق ثروات طائلة لو أنفق نصفُها على الصومال لأصبحت كوريا أو اليابان، ولو أنفقها على شعبه المسكين، مدارس ومشافي ومزارع وحدائق ومتنزهات ومساكن وسيارات وشركات وقروضا وإعانات ومسارح وملاهي وملاعب ومراقص لوجد العراقيين، لا في طويريج وحدها، بل حتى في أربيل والسليمانية والرمادي وتكريت والبصرة وغيرها، يحملونه على أعناقهم، ويضمونه في عيونهم وقلوبهم، ولأورثوا دولته لولي عهده الأمين (مولاي أحمد المالكي) حفظه الله ورعاه. ولكن شجر الصبير لا يحمل أعنابا، والجرادة لا تحمل حمل جمل، والفيل لا يعزف على بيانو.

إنني أستطيع من الآن أن أبشركم بأن يحصد مختار العصر أصوات المحافظات الجنوبية كلها، بفضل رجاله الميامين في القوات المسلحة والأمن والشرطة والمخابرات والحمايات، وبعض رؤساء العشائر المرتشين.

لذلك فهو حين أعلن مؤخرا أن قائمته سوف تفوز بالأغلبية الساحقة لم يأت بجديد، فهو يعرف ما دبر، ويعرف أنه سينال ما يريد.

وحتى لو حدث ما ليس في حسبانه، وفوجيء بالشيعة التنورين المستقلين والديمقراطيين والشيوعيين والصدريين والمجلسيين وأتباع المرجعية المأمورين بعدم التصويت له ولأعوانه يحصدون أصوات الأكثرية، فسوف يعترض ويطعن ويزعم بحدوث تزوير وتلاعب، ويصر على إعادة الاقتراع، ثم يرفض الفائزون وتقع الواقعة، ويبقى الحال على حاله، ويظل هو رئيسا، ولو كره الكارهون.

وهذا متوقع إلى حد كبير. فالمحافظات الجنوبية لا تختلف عن الغربية والشمالية في قلة الأمن والخدمات والعدالة. والنقمة بلغت حدها الأقصى، وقد تفشل وظائف الدولة وأموالها المسروقة في قهر إردة الناخبين، وقد تعجز عن إرغامهم على انتخاب من لا يريدون.

وأظن، وبعض الظن ليس إثما في حالة العراق اليوم، أن شرارة النقمة سوف تندلع في محافظات الجنوب بأكثر مما فعلت في محافظات الغرب والشمال.

يومها سيقول السيد الرئيس عن المتظاهرين الشيعة ما قاله عن المتظاهرين السنة، فقاعات مأجورة مدفوعة الثمن. وقد يحصل على حكم قضائي باستخدام القوة ضدهم دفاعا عن كرامة الوطن ووحدته وأمنه وسيادته. ويومها سيفعل بأهله العجب العجاب.

ترى ما سر هذا الحظ السيء الذي لصق بالشعب العراقي (العظيم)؟. فمن أول أيام دولته هذه وهو يعيش في شظف عيش وقلة أمن وفي خوف دائم من اعتقال وتهجير واغتيال؟

ألا يأتي يوم والعراق ليس فيه مفخخات ولا مهاترات ولا فساد ولا مزورو شهادات ولا بعث ولا دعوة ولا هم يحزنون؟؟

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

714 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع