بقلم اسماعيل مصطفى
سوق الومبي
يقع سوق الومبي القديم وسط البيوت وكان يتميز باحتوائه على كل ما تحتاجه المحلّة من أغذية ومن بينها السمك بأنواعه كالبنّي والصبور والشانگ والشبوط والگطان والزوري وغيرها، والروبيان، ومختلف أصناف التمور كالبرحي والساير والبريم والچمري والحبابوك، والنبق بأنواعه المتعددة والبمبر، وكذلك طيور الماء التي يتم اصطيادها من الأهوار القريبة من البصرة كهور الحمّار.
ويحتوي سوق الومبي على أماكن خاصة لبيع الخضروات بمختلف أنواعها وأصنافها، بالاضافة الى الچمة "الكمأَة" والبطّيخ والعنجور والرقّي "خصوصاً رقّي سامراء الذي يتماز بضخامته وحلاوته"، إلى جانب المأكولات الشعبية كالخرّيط* الذي يُنتج من طبخ قصب السكّر، وكذلك "الهيس" وهي نوع من الحلاوة التي تصنع من التمر ويضاف له قليل من الطحين والهيل وحبّة الحلوة"، وعسلّية أم العسل، وشعر بنات، وشيصمله "شيخ اسم الله"، كما يُباع الطلِّيع "الذي يُلقّح به النخيل" وغير ذلك من الأطعمة والمأكولات.
وتجدر الإشارة إلى أن أكثر الباعة في سوق الومبي كانوا يبسّطون ويفرشون بضائعهم على الأرض لعدم توّفر دكاكين بسبب العوز الماديّ من جهة، ولبساطة الحياة من جهة أخرى. ولم يكن لهذا السوق سقف، وكان الناس يبيعون ويشترون تحت أشعة الشمس الحارقة صيفاً وفي الجو البارد والممطر شتاءً.
ومن الأمور الملفتة في سوق الومبي هي أنه يبدأ من الصباح الباكر وينتهي عند الظهيرة أو أكثر قليلاً ولايستمر إلى العصر أو الليل سوى بعض الباعة كباعة الرقّي والبطّيخ.
وكان القصّاب في سوق الومبي لايمتلك سوى خشبة كبيرة وساطور "طبر" وسكاكين، وتكون أرضية دكّانه من التراب "غير مبلّطة"، وعندما كنّا صغاراً كنّا نخاف الذهاب إلى القصّاب لأنّ الكلاب والقطط المتوحشة تحيط به من كل جانب علّها تحصل على عظم أو بقايا لحم "جلافيط".
وكان الكثير من العوائل يشتري اللحم بأسعار زهيدة لاتتجاوز في بعض الأحيان الـ 60 فلساً لأن معظمهم لاطاقة له على شرائه بأكثر من هذا السعر، وهذا لايعني أنه لم تكن في الومبي عوائل ثريّة أو ميسورة الحال؛ بل كان البعض يشتري الخروف بكامله أو القوزي "الحمل الذي يُستخرج من بطن أمه في وقت ذبحها".
وغالبية بيوت أهالي الومبي كان فيها تنانير مصنوعة من الطين المفخور لغرض تهيئة الخبز وشواء السمك والباذنجان الذي يطلق عليه باللهجة العاميّة اسم "البيتنجان".
وكان الحطب عبارة عن سعف وكرب النخيل "الكرب جذع النخل اليابس" أو "المطّال" الذي يُصنع من روث البقر والذي يعرف أيضاً باسم"السرجين" وذلك بعد وضعه في الشمس لعدّة أيام كي يتصلب.
ولا ننسى أن نشير هنا إلى أن الطبّاخات التي كانت تستخدمها بيوت الومبي (قبل خمسة أو ستّة عقود من الزمن) كانت تعمل بالنفط الذي يوضع في دبّة زجاجية صغيرة تقوم بالتقطير في أنبوب تتفرع منه أنابيب أصغر إلى شعلات الطبّاخ. والكثير من البيوت كان يستخدم "الچولة" أو "البريمز" في الطبخ.
كما كان معظم الناس ورغم الوضع الماديّ البسيط لايشتري السكّر والتمن "كالبسمتي والعنبر" بالكيلوّات وإنّما بالگواني، كما يشتري الدهن "ماركة الراعي الشهيرة" بالتنك وليس بالكيلوّات، وهكذا الشاي، حيث يتم جلبه بصناديق خشبية مغلّفة من الداخل بالقصدير، وكان يستورد من دول أخرى بينها "الهند" لاسيّما "الشاي السيلاني" بنكهته الطيبة المعروفة.
وكانت الفرش "البسط" التي يستخدمها الناس مصنوعة من الجوت ويسمى أيضاً "الكمبار"، كما يقوم الكثير منهم باستخدام أصواف الخِراف أو الماعز للجلوس عليها بعد رشّها بالملح وتعريضها للشمس مدة من الزمن.
ويقوم بعض البيوت بتعريض الأسماك لحرارة الشمس لغرض تجفيفها والاحتفاظ بها إلى مواسم أخرى من أجل تهيئة أكلات مخصوصة من بينها "الگباب" و"المسموطة" و"التثخانة" وغيرها. والكثير من الناس يأكلون الثروب "بيض السمك" بعد قليه بالدهن.
المحروگ صبعة
هذه الأكلة تصنع من الخبز والماء فقط، حيث يوضع الخبز في الماء ويُطبخ على النار ويضاف لهما القليل من الدهن والملح، وهي أكلة الفقراء والمعوزين، لكن الكثير من الناس تتناول هذه الأكلة لا لسبب العوز المادي؛ بل لكونها أكلة تراثية يجتمعون لتناولها في ماعون كبير يسمى "الصفرية".
التشريبة
أكلة يتم تناولها في الغالب في وقت الإفطار من أيام شهر رمضان المبارك وهي عبارة عن الخبز المقطّع مضافاً إليه الحمّص والبصل والثّوم و"نومي بصرة" واللحم وهي أكلة معروفة جداً في البصرة بشكل عام.
وتضم مائدة الإفطار أنواع أخرى من المأكولات بينها الكاستر والمحلّبي والشوربة "خصوصاً شوربة العدس الأحمر" و"الشعثة"، و"العصيدة"* وهي من الحلويات أو الأكلات الشعبية المشهورة، وتختلف مكوّناتها من منطقة لأخرى لكنها تُصنع في الغالب من طحين القمح.
ومن الأكلات الأخرى الحامض شلغم، والتمن بالطماطة أو ما يعرف بـ"التمن الأحمر"، وشيلان الزهرة، وخبز العبّاس، والداطلي "العرموط" وغيرها.
الگركيعان
كانت في الومبي الكثير من العادات والتقاليد الموروثة من أجيال سابقة من بينها "الگرگيعان" وهو تقليد يقوم الناس خلاله "خصوصاً الأطفال" بلبس ثياب خاصة وتعليق كيس من القماش في رقابهم ومسك قطع صغيرة من الخشب والقيام بضربها ببعضها بأيديهم من أجل إصدار أصوات خاصّة وهم يرددون أقوالاً مأثورة من بينها (ماجينة يا ماجينة حلّ الچيس واطّينة، تطّونة ونطّيكم بيت مكة نودّيكم) و (ياهل السطوح تطّونة لو نروح) و (الله يخلي فلان) وفلان هو ابن العائلة التي يتم طرق بابها من قبل الأطفال، حيث يوّزع في هذه المناسبة مختلف أنواع الحلويات و"الحامض حلو" والچكليت والحمّص والكشمش وصابيع العروس والنُقل والگرگري، ويضع بعض الناس داخل هذه التشكيلة نقوداً معدنيّة أو ورقيّة كي يفرح بها الأطفال.
---------------------
* ينفرد أبناء مناطق الأهوار جنوب العراق عن غيرهم بصناعة (الخرّيط) وهي مادة غذائية ودوائية تستخلص من نبات البردي الذي لا ينبت إلّا وسط مياه الأهوار، وتستخدم هذه المادة النادرة في معالجة الكثير من الأمراض وأبرزها أوجاع القولون.
1002 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع