فاتورة دعم ربيع التغيير

                                                 

                      د. نسرين مراد

من الصعوبة بمكان إحداث زحزحة للأنظمة السياسية العربية عن كراسيها، لولا الدعم الخارجي، وخصوصا الغربي الفاعل، بل الحاسم لحركات التغيير. يأخذ الدعم الغربي عدة أشكال، منها ما هو مباشر ومنها ما هو متخفٍّ غير مباشر، ضمني أو معنوي.

نزع الدعم أو التعاطف السياسي مع النظام المستهدَف شعبياً، كافٍ لإعطاء الضوء الأخضر للشعوب للمضي قدماً للإطاحة بذلك النظام. من الأنظمة المطاح بها ما أخذت الشعوب ضوءاً أخضر من القوى الخارجية عن طريق تصريحات سياسية أو إعلامية من قادة غربيين ضد تلك الأنظمة. تدخّل الغرب عسكرياً وسياسياً وإعلامياً ومالياً، لتسريع الإطاحة ببعض الأنظمة الأخرى. الدعم الخارجي، وخصوصا الغربي، كان مطلوباً بحدة وحاسماً في الإطاحة بالأنظمة المستبدة، المدعومة أصلاً من القوى الخارجية نفسها.

مقابل الدعم الغربي الحاسم والفعال، لا بد من تقديم تنازلات، ثمناً للنجاح المدوي للحراك. القوى الغربية ليست جمعيات خيريةً أو بيوت كرم مجاني. يتمثل المقابل بتنازلات في السياسات الخارجية والداخلية، وفي مجالات الاقتصاد والثقافة والتعليم.

التغيير في نظر القوى الغربية، يجب أن يكون في اتجاه جلب الدول الحديثة المستحدَثة للسير في الفلك أو المدار الغربي، وخصوصا الرأسمالي الليبرالي المتحرِّر من "رواسب التاريخ". ما لم تسر الأمور هكذا فإن بقايا الأنظمة السابقة مستعدة للانقضاض على الأنظمة الحديثة، تمزقها شر ممزق وتجعلها أثراً بعد عين، وبسرعة قد لا تخطر على بال أحد. ما كان يقوم به المندوبون والممثلون السياسيون الأجانب على خجل وبالتخفي في الماضي، أصبحوا يقومون به علناً وعلى رؤوس الأشهاد. بات لديهم من الأنصار والأتباع والمتحمسين العلنيين، ما يقودهم نحو الخبايا ونقاط الضعف والقوة في التأثُّر والتأثير.

طبيعي أن الفاتورة تدفعها الشعوب الحالية والأجيال اللاحقة، تدفعها عن طريق العبث بتركيبتها الديمغرافية الهشة، وخططها الاستراتيجية المستقبلية. بسبب حالة الفقر والحاجة والعوز، فالموارد الطبيعية تُباع في المزاد العلني ولفترة طويلة. في مقدمة تلك الموارد البترول الذي كان مؤمماً، ولو اسمياً.

الآن يباع خاماً طبيعياً للشركات الكونية، بأثمان لو تعلم الشعوب بحقيقة أمرها ربما ستندم على ما فعلته بالأنظمة السابقة الفاسدة المستبدة. المواقع الاستراتيجية والممرات الدولية الحيوية والقواعد العسكرية، تأخذ الدور التالي.

الجميع الآن يتهافتون نحو إعلان الحرب على المجموعات الإرهابية، التي تعمل مثل طائر العنقاء أو الشيطان أو الجن الخفي. الأنظمة الجديدة تسابق القديمة في التعاون لتوطيد العلاقة مع القوى الخارجية في الأوطان، تحت شعار مكافحة الإرهاب، شبحاً كان الإرهاب أم حقيقةً.

التبعات الثقافية والتعليمية والإعلامية، تأتي على عقول الأجيال الحالية والمستقبلية. مناهج التعليم يجب تغييرها وتعديلها، كي ترضي أو تتطابق مع الأيديولوجية الحديثة الطامحة نحو اللحاق بالفكر الغربي المتقدم!

 الإعلام يجب أن يتوخى الحيطة والحذر، ويحاول جر الأجيال في اتجاه التبعية للثقافات المستوردة وليبرالية السوق. الشركات الخاصة العملاقة، باتت تتحكم في الصغيرة قبل الكبيرة. الفضل يعود لجيوش أو أجيال من الممتنّين والمدينين للدعم الغربي، للتخلص من أنظمة دكتاتورية مستبدة. حقيقةً أنظمة دكتاتورية ما كانت لتفعل ما كانت تفعله، لولا الدعم الخارجي العسكري والسياسي والإعلامي لها.

فاتورة التغيير باهظة، فهي تأتي على العقول والجيوب والمدخرات، والمواقع الاستراتيجية والتاريخ والجغرافيا والحضارة وأساليب العيش. المجتمعات العربية عانت الأمرّين من الفساد والتخلف والفوضى، والسكون شبه الأبدي على أيدي الأنظمة السابقة. الآن تتخذ مساراً يجعلها تقفز أو تتخطى مراحل تاريخيةً في التطور، كان لا بد من المرور بها للحفاظ على نوعية وطبيعية وأصالة وسلامة ورصانة المسيرة.

العربي اليوم يقتني حاسوباً وخلوياً محمولين، في الوقت الذي هو فيه عاجز عن إنتاج علكة أو معجون أسنان، أو سكّين يقطع به الخضار والفاكهة والحلوى. يجب على المرء أن يكون متفائلاً، ثمة واقعياً في النظرة والتعاطي مع الأمور.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

783 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع