يقطع المساواة وسنينها

                                                  

                             د.نوف علي المطيري

شهدت العقود الأخيرة في العالم العربي والإسلامي مطالبات متكررة من قبل الحركات النسوية بمساواة المرأة بالرجل وفي جميع الميادين وتحريرها - كما يزعمون - من عبودية الرجل الذي يريدها أن تتفرغ لخدمته وتربية أطفالها تماشيا مع الصورة البراقة التي رسمها الغرب لنسائه بأنهن سعيدات بعد أن انتزعن "حقوقهن" وتحررن من العبودية والاستكانة وإذلال الرجال وتم إيهام المرأة العربية بأنها قادرة على القيام بكل الأدوار سواء داخل أو خارج المنزل وبكفاءة عالية كما تفعل المرأة الغربية وكأن تلك النسوة يتحدثن عن مواكبة الموضة وشراء ماركات عالمية وليس عن حياة بشر ومسؤوليات متعددة ومستقبل أجيال كاملة واستنسخنا التجارب من خلف البحار دون الاكتراث بأهمية التروي عند التعاطي مع تجارب الغير وضرورة دراستها والتمعن في إيجابياتها وسلبياتها قبل الدعوة للسير على خطى المرأة الغربية خاصة أن اللبيب من يستفيد من أخطاء من سبقوه.

وتجاهلت الحركات النسوية في العالم العربي وهي تتغنى بإنجازات الناشطات في مجال حقوق المرأة كيف انتهت حياة معظم الناشطات الغربيات كأمثال سيمون دي بوفوار وجيرمين غرير وغيرهن كثير وحيدات وبلا أطفال. وتناست وهي تنادي بكسر القيود والثورة ضد الحجاب والمطالبة بالمساواة مع الرجال في كل شيء أن العديد من رائدات الحركات التحررية في الغرب قد تراجعن عن معظم تلك الأفكار التحررية ومنهن الكاتبة البريطانية – الاسترالية جيرمين غرير صاحبة كتاب "الأنثى الخصي" فالكاتبة التي اشتهرت بأنها من أكثر النساء اللواتي أسهمن في بلورة اتجاهات الحركة النسوية في الغرب تراجعت وبعد ربع قرن عن معظم أفكارها حيث ترى الآن أنها مع الحرية وليس المساواة مع الرجل. وأن حصول المرأة على حقوقها ليس معناه التضحية بأنوثتها أو بالعلامات الفارقة التي تميزها عن الرجل وقد توصلت لتلك الحقيقة متأخرة وبعد أن أيقنت أنها كانت تطارد السراب وأن إشباع غريزة الأمومة لا يعادلها أي مكاسب قد تحققها المرأة خارج منزلها. وأن الأمومة لم تكن يوما من الأيام وسيلة استعباد للنساء كما كانت تظن في السابق.

 قضية المساواة وتحرر النساء من سيطرة الرجال والتي كانت الشغل الشاغل لرائدات الحركات التحررية في الغرب ثبت فشلها والمرأة الغربية الآن تدفع ثمن تلك المطالبات وأصبحت مجبرة على القيام بعدة ادوار في ظل غياب الرجل الذي يمكن أن يخفف عنها الأعباء خاصة المادية ويساعدها في تربية الأطفال وأجزم أنه لو عاد الزمان بتلك النسوة مرة أخرى وخيرن أي الطريقين يسلكن المساواة والحرية أم الزواج والاستقرار وإنجاب الأطفال لاخترن الزوج والأسرة بدلا من مطاردة وهم المساواة الذي حرمهن الأمومة والاستقرار ولرددن "يقطع المساواة وسنينها " فأي إنجاز أو تكريم يمكن أن يعوض المرأة عن الزواج وإنجاب الأطفال؟!

الحرية..المساواة مصطلحات فضفاضة يحملها الإنسان ما يشاء من معاني لتخدم مصالحه وأهدافه وأكثر ضحايا تلك المصطلحات هم النساء اللاتي يتم استغلال مشاكلهن ومطالبهن بالحياة الكريمة من قبل بنات جنسهن - سواء من إعلاميات أو ناشطات حقوقيات- لنيل الشهرة والمال. والعجيب أن كثير من السيدات العربيات اللاتي يدعين أنهن ناشطات حقوقيات ومناصرات لحقوق المرأة "المهضومة" لا يمتلكن عند الحديث عن الحرية والمساواة مع الرجال معنى محدد للحرية أو المساواة التي يطالبن بها ويرددن كالببغاوات شعارات الغرب الرنانة حول الحريات وكسر القيود دون الاكتراث بالفوارق الدينية والاجتماعية التي تميزنا عن الغرب.

أنا هنا لا أنكر أن الكثير من النساء في عالمنا العربي يعانين الأمرين جراء اضطهاد أشباه الرجال أو حرمانهن من حقوقهن خاصة حق العمل ولكن هذا الحق لا يقدم على الزواج ورعاية الأبناء ويجب أن يتناسب مع ظروف المرأة وطبيعتها الجسمانية ولا يحرمها من منزلها ورعاية أطفالها والعناية بزوجها.

على من يسمين أنفسهن بناشطات حقوقيات ومدافعات عن حقوق المرأة العربية قبل الحديث عن الغرب وتمجيد إنجازات المرأة الغربية والحديث عن المساواة المزعومة المطالبة بخفض ساعات العمل للمرأة المتزوجة والمرأة التي ترعى أطفالها مع احتفاظهن بالراتب كاملا. فالمرأة بحاجة لمن يهتم لمشاكلها وهمومها ويطالب بحقوقها الفعلية ويتحدث عن الآثار السلبية لعمل المرأة المتزوجة لساعات طويلة أو بنظام الورديات"الشفت" كما يحدث مع الطبيبات والممرضات والعاملات في الدور الإيوائية وغيرها من المهن التي تحرم فيها المرأة من مشاهدة عائلتها والعناية بأطفالها بسبب طبيعة العمل فتوكل مهمة العناية بأطفالها للجيران أو الخادمة مما قد يؤثر سلبا على علاقتها بالزوج والأطفال وقد ينتهي بها الأمر مطلقة ووحيدة. فيا أيها الناشطات هذه عينة من الهموم والقضايا التي تشغل بال المرأة العربية التي تدعين الدفاع عن قضاياها فهل تنبرين للمطالبة بها أم أنها قضايا "لا تؤكل عيش" بالنسبة لكن؟!

د.نوف علي المطيري

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

540 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع