أيام فاتت...

                                           

                                                   خالد القشطيني

        

لا يتذكر أكثرنا أن الإنجليز كانوا هم الذين أدخلوا كرة القدم إلى عالمنا. يروي المؤرخ عباس العزاوي أن العراقيين رأوها لأول مرة بعد الحرب العظمى، حيث لاحظوا فرق الجيش البريطاني تتبارى في ما بينها، فافتتنوا بها وأخذوا يقلدونها. كانت هناك فرقتان رئيسيتان، فرقة الهوسبيتال (أي المستشفى) وفرقة الهيتش كيو H Q أي المقر العام.

وانقسم الجمهور لمجموعتين، مجموعة أنصار الهوسبيتال ومجموعة الهيتش كيو. ودخل الطرفان على عادة العراقيين في خصام مستمر كثيرا، مما أسفر عن مصادمات حادة بينهم أعطت صورة ظريفة للعراق.. الإنجليز يلعبون والعراقيون يتجادلون ويتخاصمون. وبمرور الزمن تعلموا اللعب منهم، وأخذوا يصنعون الكرة من الخرق والجرائد، حتى تصدق عليهم الإنجليز فأعطوهم كرة حقيقية وعلموهم كيف ينفخونها.

برز لاعبون جيدون شكلوا فرقا في ما بينهم، ثم استنجدوا باللاعبين الإنجليز ليشتركوا معهم ويعلموهم تكتيكات اللعب، حتى أصبح عددهم أكثر من عدد العراقيين في الفريق الواحد. فصدر قرار بعدم السماح بأكثر من لاعب إنجليزي واحد في كل فريق، وهو ما كان متعارفا عليه في حكم البلاد.. لكل وزارة مستشار إنجليزي واحد، ولكل فريق كرة قدم لاعب إنجليزي واحد.

لكن الجماهير لاحظت أن فريق الجيش العراقي كان فيه لاعبان إنجليزيان، فثارت ثائرتها وهتفت بسقوط الجيش العراقي. وعبثا حاول رئيس أركان الجيش العراقي إقناع الجمهور بأن هذا اللاعب الثاني لم يكن بريطانياً قط، بل عراقي صميم من محلة قهوة عرب. كل ما في الأمر أنه كان أبيض البشرة، أشقر الشعر، أزرق العينين، كالكثير من بعض العراقيين، لا سيما الكرد منهم. بل وذكروا اسمه وحسبه ونسبه، فخري عمر. ثم جاءوا به ليكلم الناس بالعربية، فتكلمها بطلاقة، فاعتقدوا فورا أنه جاسوس. وكلما أبدع وبرع في تسجيل الأهداف، ازداد إيمانهم بأنه جاسوس إنجليزي. لكن أعضاء فريقه الذين كانوا يعرفونه كعريف مشاة في الجيش لم يصدقوا بهذه الإشاعات، وأطلقوا عليه لقب فخري اللندني. وكانوا يكافئونه بإعطائه برتقالتين في الاستراحة بدلا من برتقالة واحدة كبقية اللاعبين لمجرد كونه يشبه الإنجليز.

لم يذكر المؤرخون ما إذا كان فريق فخري اللندني قد جاء بعدد من الأشقياء لحراسته بعد اللعب وعندما يسجل عدة أهداف ضد الفريق المقابل، أم لا. لكنهم ذكروا أن كل حكم كان يعتبر مسؤولا عن حماية نفسه من الضرب والانتقام عندما يصدر قرارا مجحفا. ولهذا اعتاد حكام الكرة أن يأتوا معهم بعدد كاف من الأشقياء الأشداء لحراستهم. شارك في تلك الفرق عدد من الشباب كنجيب الراوي، ممن أصبحوا في ما بعد شخصيات بارزة في السياسة، مما يفسر إبداعهم في الغش واللف والدوران مما تعلموه في لعب الكرة.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

769 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع