بغدادنا ... التي كانت ( ست البلاد )

                                            

                                            عبدالوهاب عبدالستار الجواري

              

بغداد ما أشتبكت عليك الاعصر            الاذوت ووريق عمرك اخضر
مرت بك الدنيا وصبحك مشمس          ودجت عليك وليل وجهك مقمر
وقست عليك الحادثات فراعها             أن أحتمالك من أذاها اكبر
               المرحوم السيد مصطفى جمال الدين

ويقول الدكتور احمد عبدالستار الجواري في مقدمة اطروحته لشهادة الدكتوراه التي حصل عليها في عام 1953 من جامعة القاهره تحت عنوان ( الشعر في بغداد حتى نهاية القرن الثالث الهجري ) ........
((وقد تخيرت بغداد موضوعا لبحثي من أجل أسباب عدة منها اني واحد من ابناء بغداد ... وقد شعرت وانا ابحث في الموضوع واجمع شتاته أن أنتسابي الى بغداد ونشأتي فيها وتذوقي لحياتها قد أعانني على فهم جوانب مهمة من الوان حياتها القديمة , ويسر لي أن احيا بين اهلها الاقدمين , وأن المس بعض مظاهر الحركة في الحياة الاجتماعيه والعقلية والادبية من خلال ما كنت اقرأ في كتب التاريخ .... وبغداد كانت منذ انشائها مجمع الحياة العربية والاسلامية ومصدر الاشعاع في العلم والحياة الاجتماعية ومنار الحضارة ومركز التوجيه فيها ))
 أما أصل أسمها ( بغداد )فأن اقدم ما عرفه المؤرخون عن بغداد .. ذكر أسمها في بعض الالواح المكتوبة بالمسمارية .. واقدم هذه الالواح عهدا وابعدها زمنا يبدو انه كتب في عهد حمورابي ملك العموريين في بابل في القرن الثامن عشر قبل الميلاد وقد كتب اسم بغداد في اللوح على شكلين : (بكدادا  bagdada وبكدادو bagdadu ..)..

هذا من وجهة النظر الادبية والتاريخية لمن يريد أن يقيم مكانة بغداد .... وفي هذا المقام لانرثي بغداد لانها لن تموت وهذا ما قدره الله تعالى لها ... لكن , مانهدف اليه هو لفت الانتباه والانظار الى ما يجري من تعد على هذه المدينة التي كانت حاضرة الدنيا ومن أبسط الواجبات نحوها الاهتمام بها شكلا وموضوعا بكل مايتوفر من اسباب لذلك وفاء لمكانتها عبر التاريخ وترسيخا لمكانتها بين بلدان العالم .. ويكفيها انها تحتفظ بأسمها منذ اربعة الاف عام ..
ونحن الذين نتحدث اليوم بحرقة عن بغدادنا التي تناوشتها يد العدوان بلؤم .. الامر الذي خلف جروحا بروحها لا بوجهها فقط .. نواجه واقعا مؤلما تعيشه مدينتنا الخالدة الذكر في اوراق التاريخ  وفي الحقيقه.. ترى هل تعود بغداد الى ما كانت عليه ..  من زهو وفخار بما فيها من مغاني والق حضاري يفرح النفس ..
فهل تعود بغداد لايامها التي شهدناها  يوم كان شارع الرشيد يشار اليه بما فيه من مظاهر الرقي والتقدم المتمثلة بمطاعمه ومقاهيه وسينماته ومحلاته المختلفه التي تقدم للشاري مايرغب به وبمستويات عالية الجوده وهل يعود الالق لمناطق بغداد التي كانت تزخر بروادها وشوارعها المظللة باشجار تتعانق مع بعضها ....
لقد آلمني ما يكتب عن واقع بغداد الحالي فبغداد التي اعرفها والتي عشت فيها اجمل ايامي رغم تنقلي في كثير من البلدان الا انني لم اطق الغياب عنها في اصعب الاحوال اكثر من سنة واحده متمتعا باجازتي مع الاصحاب والخلان الذين كانت تجمعنا بغداد بهم ..... اين هم الان ..... ( كل واحد تحت نجمه ) كما يقول المثل البغدادي...
ست البلاد...... شاءت ظروف العمل أن أذهب الى السويد وهناك وبسبب ظروف العمل تعرفت بصديق فلسطيني من ابناء الداخل ... جاء للسويد بتشجيع من خاله الذي كان من اكبر تجار الخضر والفواكه في (سفيريا) اسم السويد الاصلي .... وفي احدى المرات حدثني ( عصام) انه كان يعمل في فلسطين لدى صاحب محل خضروات من يهود العراق اسمه (عزرا ) وكان المحل قسمان  على جانبي السوق واحد يديره عصام والاخر عزرا .... قال عصام .. عندما اريد احرك مشاعر عزرا اضع شريط الكاسيت الذي يحوي اغاني ناظم الغزالي وأبدأ بتشغيله وارفع درجة الصوت ليكون بمقدور عزرا السماع ... وما ان يبدأ ناظم رحمه الله بالتغريد الا ووجدت عزرا منخرطا بالبكاء وهو يردد ( لك خي عصام بغداد ست البلاد )..
ومرة اخرى تلعب الصدف لعبتها فأعثر على كتاب ( بيت في بغداد ) لدى احد العراقيين المهاجرين للسويد وكان قد دعاني لاكلة ( باميه ) واثناء تقليبي للكتب الموجودة عنده عثرت على ذلك الكتاب الذي مازلت احتفظ به وهو لمؤلفه ( اسحق بار موشيه )ومن منشورات رابطه الجامعيين اليود النازحين من العراق عام 1983 وكتب بشكل روايه تتحدث عن احوال اليهود العراقيين وكيف كانوا سعيدين بعيشهم في بلدهم  الذي امتاز بتعايش ابنائه على اختلاف مللهم ودياناتهم وكيف كانت بغداد تزهو بما فيها من وسائل الحياة الهنية وهو نفسه الكاتب الذي كتب ( قصة الخروج ) التي تناول فيها رواية كيفية خروج العراقيين اليهود من العراق.. ولست هنا بمعرض عرض وجهات نظرهم او الترويج لها او الدفاع عنها  .. وانما ربط المسائل ببعضها للحديث عن  ( بغدادي ) التي كانت بالامس ست البلاد ......
ولم لم تكن كذلك لم انشغل بالكتابة عنها زمرة من ابنائها النجب .. فكتب .. السيد عباس بغدادي كتابه الرائع ( بغداد في العشرينات ) .. والحاج امين المميز ( بغداد هكذا عرفتها ) وجلال الحنفي في الكثير مماكتب  ... وكثيرون غيرهم مما لاتسف الذاكرة بتدوين اسمائهم .... ولم يقف الوفاء لبغداد من ابنائها عن حد الكتابة فقط فقد تولت كاميرات مصوريها المبدعين رصد دقائق حياتها واماكنها  حيث خلد ( آرشاك وبابل ومحمد رمزي واحمد القباني ذلك في صور التقطها شكلت بمجملها توثيقا مبدعا لبغداد الخالده ... كما كان لفنانيها التشكليين حصتهم في نقل مافي حيوات بغداد بريشهم المتفننه الى لوحات لاتقدر بثمن  ..

البكاء على بغدادنا
ما دفعني لكتابة هذا الموضوع كثرة ما قرأت عن بغداد هذه الايام وكلها كتابات تراجيديه حزينة لما آل اليه وضع مدينتا جراء ما ارتكب بحقها من عدوان وما تلاه من اعتداأت على جوهر واقعها  .. فالست ميسون هادي خماس .. تكتب تحت عنوا ن ( شارع الرشيد جوهرة في فحام ) والسيده هيفاء زنكنه تكتب ( كل عام وانت بخير يا اكثر المدن حزنا ) وعلي السوداني  يترنم بمقامات بغداديه  تروي حكايات عن جلسات الغربة في عمان..وعبدالجبار العتابي يروي لقرائه حكاية الجسرالمعلق  .. المعلق على صدور السياسيين والمغلق بوجه المواطنيين  ... وعلي عبدالامير  يستعيد بغداده الشخصية في عملن بكتابه الصادر حديثا بعنوان ....
(حنين بغدادي ... دفاع عن جرح غائر لايندمل أسمه العراق ) وفاروق يسف يذكره فقد عفيفه اسكندر الموجع بما في بغداده من حزن وألم ..
ترى هل سيأتي اليوم الذي نعود للكتابة فيه عن بغدادنا التي عادت كما كانت ( ست البلاد )
عبدالوهاب عبدالستار الجواري
في 10 كانون الثاني 2013

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

904 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع