( العلمنة ).. الحل لمشاكل العراق ؟

                                        

                                                   داود البصري

لقد بات واضحا و بشكل لالبس فيه من أن تطورات الأوضاع الميدانية في العراق باتت تتجه نحو نهايات حرب طائفية أهلية شبه حتمية مالم تتدخل الأطراف الدولية الفاعلة للجم الموقف وفرملة التدهور  في العملية السياسية التي هي في محصلتها نتاج جهد أمريكي وغربي كان له الوقع الحاسم في تغيير الأمور في العراق ،

ففي التاسع من نيسان عام 2003 لم يسقط نظام صدام حسين الشمولي ، بل أن من سقط حقيقة و بشكل رهيب هو الدولة العراقية بمؤسساتها التي تأسست عام 1921 وراكمت ألأجيال العراقية المختلفة جهودا جبارة من اجل قيام عراقي ديمقراطي حر و مستقل يساهم في ضمان ودعم ألأمن و السلام ألإقليمي ويعزز المكانة الحضارية للشعب العراقي في الشرق القديم ، فالآلة العسكرية الأمريكية الجبارة لم تدك حصون نظام متهاوي وساقط ميدانيا وعمليا منذ هزيمته المرة في حرب تحرير الكويت عام 1991، بل أنها ضربت في الصميم كل معادلات التوازن المجتمعي ، و اسست لشروخ عميقة في المجتمع العراقي طوليا و عرضيا و أستحضرت كل عفاريت التاريخ وشياطينه وفتنه السوداء لتتجسد في ارض السواد و تحيلها لنقطة سوداء قاتمة بعد أن سلطت عليه مجموعة من الأحزاب و الجماعات الفاشلة العقيمة بفكرها السراديبي المتخلف وروحها العدوانية وقياداتها المتأزمة من اهل ( البطون التي جاعت ثم شبعت )! ، لقد كان من الممكن جدا إنهاء نظام صدام حسين بطريقة الإنقلاب العسكري ثم البدء بتنفيذ برنامج تطبيعي متدرج لتحفيز القوى الوطنية العراقية وبدء ممارسة ديمقراطية تكون مدروسة ومخطط لها سلفا مع مراعاة التوازن المجتمعي و الطائفي و العشائري في مجتمع هش كالمجتمع العراقي ، وحيث كان من الضروري جدا إبعاد شبح الطائفية السوداء وتأسيس الدولة العراقية على أسس علمانية بحتة تراعي مصالح الجميع ولا تقف حجر عثرة أمام الحرية الملتزمة بضوابط الأمن والسلم الأهلي ؟ إلا ان ماحصل كان كارثة حقيقية مخطط لها سلفا وليست إعتباطية أبدا ، لقد أطلق ألأمريكان كل العفاريت من القمقم العراقي ، لتظهر الوجوه الكالحة ، وتتصدر الأفكار البائسة ، وكان ذلك أبشع نهاية للحلم الأمريكي في العراق وحيث يزرع العراقيون اليوم الحصاد المر للبذور الأمريكية المسمومة التي قسمت الشعب العراقي وعمقت الجهل و الفشل وسلمت العراق بقضه وقضيضه للذئب الإيراني الذي يفعل اليوم مشروعه الطائفي المريض مستعينا بحلفائه وأدواته التي صنعها خلال المراحل الماضية من عمر إدارة الصراع الإقليمي ، العراق يزحف بشكل واضح نحو قيام كيانات دينية وطائفية تحرص على تثبيت منطلقاتها رغم الجعجعة الدائمة حول الديمقراطية والدستور ، ومالم ينتبه المجتمع العراقي لخطواته المستقبلية جيدا فإن التقسيم الطائفي و العرقي يلوح بأعلامه وبيارقه و يؤشر لعراق مفكك جديد يستحضر كل سخافات التاريخ السوداء .        

لقد كان واضحا و معلوما منذ البداية بأن هيمنة الأحزاب و الجماعات الدينية والطائفية لن تؤدي إلا إلى الكارثة وهاهي قد وقعت فعلا عبر الصيحات الطائفية و إنحياز السياسيين الطارئين و الفاشلين للإنضواء تحت راية تلكم الشعارات التدميرية ، لابد من عمل عاجل وسريع لتثبيت علمانية مسؤولة وناجحة وضامنة لمصالح الجميع دونما عقد ولا أوهام ولا قناعات مسبقة ، فالطائفية بركان مدمر للجميع وهي وصفة خاسرة وبضاعة فاسدة قد تخدع بعض الناس لبعض الوقت ولكن الإصرار على ركوب عربتها فيه الدمار الشامل و المؤكد ، من الواضح إن نوري المالكي بات يأخذ العباد لزواياه الطائفية النتنة عبر تحريض أتباع حزب الدعوة و النظام الإيراني في العراق بإخراج تظاهرات شعبية مضادة لتظاهرات المعارضة المتزايدة وحتى ضمن الوسط الشيعي نفسه وهو مايذكرنا بأجواء نهاية الخمسينيات في العراق وأيام إحتدام الوطيس بين الشيوعيين العراقيين والأحزاب البعثية والقومية والصراع على موضوع الوحدة العربية أو الإتحاد العربي!! ،مما سبب مجازر بشرية مهولة وحملات رهيبة من الإنتقام المتبادل وظهور وتجسد شعار ( ماكو مؤامرة تصير و الحبال موجودة )! و إرشيف التاريخ العراقي المعاصر يحتفظ بسجلات سوداء ودموية لتلكم المرحلة ، رغم أن المرحلة الراهنة أشد دموية وبؤسا وفظاعة ، الإيغال في الفعل الطائفي سيؤدي حتميا لتنشيط ملف التقسيم الذي باتت أصداؤه تتردد بشدة هذه الأيام ويغني على أنغامه أهل الولاء الإيراني من متحجري العقل الطائفي المريض ، ولا داعي لأن نؤكد بأن تقسيم العراق فيما لو تم سيكون إشارة الإنطلاق لرسم خارطة تقسيمية جديدة لدول الشرق القديم بأسره ، معركة الحرية في العراق شرسة وصعبة و متداخلة ، ولن يحل إشكالياتها المعقدة سوى التوجه الجدي والهادف لتبني  أسلوب علمنة الدولة العراقية و الإعتماد على الكفاءات بعيدا عن أساليب المحاصصة التي حولت الحلاقين و الميكانيكية لقادة لأجهزة الدولة مما أدى للفشل الكبير ، لاحياة مع الطائفية المتخلفة ، فالطائفيون عالة على التاريخ ، ونقطة سوداء في تاريخ الشعوب الحرة.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

774 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع