الأنكليز اسسوا لنا الدولة العراقية الحديثة ونحن ( العراقيون ) نمزقها

                                     

                                           الدكتور/ حبيب تومي

الأنكليز اسسوا لنا الدولة العراقية الحديثة ونحن ( العراقيون ) نمزقها
بقلم : د. حبيب تومي / اوسلو
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الأنكليز قرأوا التاريخ العراقي وحفروا واكتشفوا اثاره وتبين لهم ان في هذه الأرض قامت حضارات راقية مزدهرة ، وأردوا إحياء شئ من ذلك التاريخ بتأسيس دولة عراقية ديمقراطية حضارية ، وبالطبع كان تكوين الدولة العراقية الموحدة التي تضمنت ولاية الموصل الغنية بالنفظ يخدم مصالحهم الأقتصادية وبنفس الوقت يخدم مصلحة الوطن العراقي ، وبعد ذلك تصدى للانكليز القوميون العرب بغية إرجاع امجاد الأمة العربية بتوحيدها من المحيط الى الخليج ، وهكذا كانت الأديولوجية العربية هي التي هيمنت على مخيلة الجماهير العربية ، بإعادة امجاد الأمة العربية الإسلامية التي اشتهرت بفتوحاتها ، وبقوافل غنائمها من الشعوب المقهورة .
المهم تحرر العراق من الهيمنة البريطانية والدول التي كنا نطلق عليها الدول الأستعمارية وخرجنا من حلف بغداد ، واصبحنا احرار ، وبعد ان تحرر وطننا لم نبادر الى الوحدة العربية التي رفعنا شعاراتها ، بل اكتفينا بالسعي الى القصر الجمهوري والهيمنة على كرسي الحكم املاً في السيطرة على السلطة التي اصبحت من نصيب الضباط المحنكين المغامرين المتآمرين الغادرين بحلفاء الأمس ، والروايات كثيرة في التاريخ العراقي منذ ثورة 14 تموز عام 1958 حينما اطاح عبد الكريم برؤسائه الذين ائتمنوه على حياتهم ، ثم جاء دوره لتدور عليه الدوائر ليغدر به حلفائه كما غدر برؤسائه . عموماً ان المسلمين قرأوا الفاتحة ونحن المسيحيون صلينا ابانا الذي على الديمقراطية الغربية وبدأنا نتغنى بالثوريات والشعارات الرنانة ، اجل كنا مخمورين بتلك الشعارات وصدقناها وعملنا من اجلها  .
 ، قد اتعبتنا الأوضاع المتواترة في العراق منذ اواسط الخمسينات من القرن الماضي  حيث توالت الحكومات ، وكلما جاء حاكم اردنا رحيلة لأنه ربما ياتي بعده من هو افضل منه ، وسرعان ما تتبدد توقعاتنا فيأتي حاكم نستحيف على رحيل الحاكم قبله ، وربما كان ثمة بعض الأستثناءات لهذه القاعدة ، لكن السبب كان يعزى الى ان هؤلاء الحكام وصلوا الى سدة الحكم عن طريق الأنقلابات العسكرية ، وليس عن طريق صناديق الأقتراع .
بعد سقوط النظام في نيسان 2003 كان يغمرنا التفاؤل بأن سفينة العراق هذه المرة سوف ترسو على بر الأمان لكي نستفيد من التجارب الماضية ولا نقع بنفس الأخطاء ، ولكي يصار الى تدشين عملية البناء والتطور والتقدم ، خاصة وان العراق يملك جملة اسباب مشجعة تؤهله لكي يشغل مكانة رفيعة من التقدم والرقي بين الأمم ، بفضل ما يمكله من الثروات الطبيعية والبشرية والثقافية والتاريخ الحضاري ..
ليس لنا اي تحفظ على من يحكم العراق ، مهما كان دينه او مذهبه او عشيرته او اسمه او قريته ، إنما الذي يهمنا بالذي يقود العراق هو ان يكون عراقياً مخلصاً وموالياً لوطنه العراقي ، قبل ولائه لمذهبه او عشيرته او حزبه او قبيلته .. شرطنا الوحيد على الذي انتخبناه ان يعمل على استتباب الأمن والسلام المجتمعي وأن يعمل على بناء البلد ويخدم شعبه بكل اخلاص، ودون تفرقة او تمييز .
 لقد افرزت صناديق الأقتراع ان القائمة العراقية حصلت على اعلى نسبة من الأصوات لكن في نهاية المطاف ، وبعد تحالفات تسنم المالكي من دولة القانون مقاليد السلطة ، ومع ذلك اردنا ان تستمر العملية الديمقراطية والبناء ، وبعد اشهر من المحادثات الماراثونية المضنية تشكلت حكومة التراضي بين كل الفرقاء ، ما عدا شعبنا الكلداني ، لأنه لا يرتبط بأي دولة مجاورة ، ولم يأت على الدبابة الأمريكية فقد ظلت حقوقة مهمشة في وطن الكلدان ( العراق ) ومع ذلك كنا ننتظر تجربة عراقية نموذجية ، لكن الذي حدث ، ان العملية السياسية تراوحت مكانها :
 ـ البلد بقي مسرحاً مفتوحاً للعمليات الإرهابية .
ـ الفساد بقي مستشرياً في اوصال الدولة ، رغم ان الجميع يرفع شعار محاربة الفساد .
ـ انعدام او ضعف الخدمات العامة المقدمة للمواطن ، من قبيل الكهرباء والماء الصافي والخدمات الصحية ، ورفع القمامة ، وتصريف المياه الثقيلة ومياه الأمطار ، وقد رأينا كيف طافت شوارع بغداد بمياه الأمطار بعد زخة شديدة من المطر وتحولت الشوارع الى ممرات مائية ، وكانت خدمات امانة العاصمة مصدر تندر للمواطنين رغم ما حصل من صعاب ومشاكل للناس .
ـ التلكؤ في العمل بالقضاء على البطالة بجدية ، وتم تعويض ذلك بخلق وظائف غير مجدية بهدف امتصاص نقمة الشعب ، وهذه تعتبر بطالة مقنعة إن لم يكن ثمة انتاج .
ـ المظاهرات الأخيرة في في بعض المحافظات العراقية والتي يصار الى إطلاق لفظة ( المحافظات السنية ) عليها ، وهذه مشكلة تضاف الى المشاكل العراقية المستعصية .
ـ وأخيراً نشير الى الملف المتأزم بين أقليم كوردستان والحكومة العراقية المركزية ، منها ما يخص إنتاج النفط وتصديره من الأقليم ومستحقات الشركات الأجنبية المنتجة له . وملفات تخصيصات البيشمركة وحصة اقليم كوردستان من الميزانية العراقية ، وأخيراً كانت التوتر حول المناطق المتنازع عليها .
نحن هنا ليس عملنا التهجم على الحكومة ، لكن لا يمكن السكوت ايضاً عن الأخطاء المرتكبة ، نعم تشكل صناديق الأقتراع الخطوة الأولى نحو الديمقراطية ، وتأملنا في الخطوة الثانية من الديمقراطية تحقيق العدالة والمساواة والكرامة الأنسانية ، ولم يتحقق شئ من ذلك وفي الحقيقة لا يلوح في الأفق ما يشير الى تحقيق تلك التمنيات ، وهي مشروعة وواقعية ، وقد مرت عشر سنوات دون ان ننتقل نحو الخطوة الثانية من الديمقراطية ، وهذه هي الكابينة الثانية  لرئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي دون ان نشهد اي تحسن في الأوضاع ، بل ما نراه هو الأنتقال من ازمة الى ازمة اخرى مرة مع اقليم كوردستان وأخرى مع غيرهم  .
إن العراق اليوم مهدد بالأنقسام ، فإن الضغط على الأكراد بشكل مستمر ، قد يدفعم الى الأستقلال اكثر فأكثر . ومع السنة نشاهد ان وتيرة التوتر تزداد يوماً بعد آخر ، والمظاهرات تتصاعد ، والهوة تتسع مع الحكومة التي لها طابع شيعي ، وحين التمعن في الموقف يظهر جلياً ليس قليلاً من التماهي في عنصر الجغرافيا بين المكونات الرئيسية ، الشيعة العرب والسنة العرب ، والكورد . وكل مكون من هؤلاء متحصن في موقعه الجغرافي وإن التقسيم الجغرافي سوف يتكرس بمرور الزمن ليسحب اليه العنصر السياسي ثم الأقتصادي وهلم جراً . وهكذا نجد ان الدولة العراقية الحديثة التي اسسها الأنكليز آيلة نحو الأنقسام والتفكك .
 باستطاعة دولة رئيس الوزراء وكتلته الواسعة انهاء هذه الأزمات بالطرق الأصولية بما يحقق مصالح الجميع بمسك العصا من وسطها دون خلق توترات مع هذا الجانب او ذاك ، كما ان المالكي يملك مقومات هذا الضبط حيث له علاقات جيدة مع الدول المهتمة جداً بالشأن العراقي مثل أميركا وايران ، وكذلك يملك بيده صلاحيات واسعة كموقع رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الداخلية والقائد العام للقوات المسلحة ، وغيرها من المسؤوليات المهمة .
 إن الدولة العراقية الحديثة التي تأسست على يد الأنكليز عام 1921 ، تصل اليوم الى مرحلة الشيخوخة ، إذ ان العقلية الثأرية الأنتقامية ، قد اوصلت العراق الى هذه المرحلة ، وعلاج المشكلة العويصة هو بأن ننظر الى المسألة بعيون عراقية اصيلة ، وبمفهوم ديمقراطي تعايشي ، فبلدنا فيه كل مقومات التقدم والأزدهار ، فلماذا نعمل على تدميره وتفكيكه ؟
 فهل تلتفت حكومتنا وتتحمل مسؤوليتها التاريخية ، وهي تمسك بيدها مفاتيح حل الأزمات ، أم انها سوف تستمر بعقلية هزيمة الآخر والتغلب عليه ؟  ولينقسم العراق وبمفهوم عليّ وعلى اعدائي .
وباعتقادي المتواضع ان من يعمل بأجندة اجنبية سوف يعمل على تفكيك العراق ، ومن يعمل باجندة وطنية عراقية سوف يضع مصلحة وطنه العراقي امام حدقي عينيه ويعمل المستحيل لصيانه وحدته وديمومته نحو التقدم والأزدهار .
د . حبيب تومي / اوسلو في 09 / 01 /13

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

645 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع