وقفات تأملية في طريقة إدارة الدولة

                                                                 

                                       بقلم: سالم ايليا

أبدأ وقفات تأملي بمقولة للكاتب والفيلسوف جورج برنارد شو: " السلطة لا تفسد الرجال، إنما الأغبياء إن وضعوا في السلطة فإنهم يفسدونها".

فلو تمعنّا في مقولة الكاتب الساخر "برنارد شو" لأستطعنا أن نحدد الخلل الحاصل في معظم مراحل إدارة السلطة في العراق، لذا إرتأيتُ أن أعطي نماذج حياتية واقعية وقعت وحدثت معي خلال فترة إغترابي في البلد الذي قبلني مواطناً (كاملاً) فيه!!، بعد أن عزّ علي مغادرة وطني الأم الذي ما أزال أحمل بين طيّات أضلعي هوىً مكبوتاً اليه وفراقاً لم تندملُ جراحه ما حييت، وحيثُ أتمنى أن أراه وأكتب عنه بمشاعر الفخر والزهو بالمكانة التي تليق به.
الوقفة الأولى
ثروة الشعب للشعب:
في سنة 2003م وتحديداً في الشهر الرابع إستلم كل مواطن كان يعيش في ولاية البرتا االواقعة في الغرب الكندي والغنية بالبترول رسالة من الحكومة المحلية تعلمهم فيها عن وجود فائض مالي من ميزانية الإقليم للعام المنصرم (2002م)، وطلبت الحكومة من مواطنيها التأشير في المربع المناسب للمقترحات المدونة في الرسالة أو أي مقترح آخر يراه المواطنون مناسباً لصرف تلك الأموال والبالغة ملياري دولار كندي (على ما أتذكر) وإعادة الرسالة بالبريد للجهة المعنونة على الظرف، وحسب ما ذكرت وسائل الإعلام المحلية المرئية والمقروءة والمسموعة فقد تنوعت مقترحات الشعب بين صرف جزء من الأموال على الصحة وعلى التعليم والجزء الآخر يتم توزيعه على المواطنين في الإقليم بشكل نقدي (كاش)!! ، وبالفعل أرسلت الحكومة المحلية بعد عدّة أشهر لكل مواطن في الإقليم حتى الرضيع صك بمبلغ (400) دولار كندي، وصرفت الباقي على الخدمات التي  طلبها الشعب.
الوقفة الثانية   
خدمات:
في أحد ايام الشتاء القاسية (كانون الثاني) من سنة 2005 في الغرب الكندي وتحديداً في عاصمة إقليم البرتا، كانت هنالك عاصفة ثلجية مع إنخفاض لدرجات الحرارة الى أقل من (35) درجة مئوية تحت الصفر ومع تأثير سرعة الريح كانت درجات الحرارة قد وصلت الى أقل من (45) درجة مئوية تحت الصفر أو أدنى!!، إستيقظتُ من النوم بحدود الساعة الثالثة صباحاً على صوت الريح لأتفاجأ بإنقطاع التيار الكهربائي، فإتصلتُ بشركة الكهرباء وقبل ان اتفوه بكلمة واحدة أجابتني الفتاة الخافرة مستفسرة عن منطقة سكني، وقبل ان اجيبها بشكل مفصّل أكملت هي عنوان الحي السكني والشارع ـ ـ الخ من المعلومات، فأجبتها مؤيداً كلامها، عندها أعتذرت لي على إحتراق محولة الحي نتيجة العاصفة الثلجية والتي تغذي أكثر من ثلاثمئة وحدة سكنية وقالت بان هنالك فريق عمل يعمل على إستبدالها، نظرتُ من خلال النافذة فوجدتُ بان هطول الثلوج الغزيرة مع الريح العالية جعلت درجة الرؤية تكاد تكون صفر، وعلى الرغم من انني عملتُ في الحقول النفطية تحت نفس الظروف، إلا انني كنتُ أشكك في إمكانية فريق العمل لإكمال مهمته الليلية هذه، فبدأتُ بإتخاذ الإجراءات اللازمة لإبقاء البيت دافئاً لأطول فترة ممكنة لعلمي بان جهاز التدفئة المركزي قد توقف كلياً عن العمل، وبعد حوالي الساعتين من الزمن اتصلتُ بالفتاة مرة أخرى، فاخبرتني بان فريق العمل على وشك الإنتهاء من نصب المحولة الجديدة، صراحة لم أصدق ما ذكرتهُ!!، وفي الساعة السادسة وعشرة دقائق صباحاً عاد التيار الكهربائي (أي بعد ثلاث ساعات وعشر دقائق من أول اتصال لي بشركة الكهرباء)، عندها عدّت الى سريري لأكمال نومي!! - - - رن جرس الهاتف الساعة العاشرة والنصف صباحاً، وحيثُ كنتُ ما ازال في فراشي تفاجئت بالمتكلم الذي لم يكن إلا احد افراد خدمة الزبائن لشركة الكهرباء (customers service)، فقدم لي اعتذاره لما حصل وسألني إن كان لديّ دقائق من الوقت ليسألني بضعة أسئلة كانت جميعها تدور في مجال الخدمة المقدمة من شركتهم، وهل انني راضٍ عن فترة إصلاح العطل؟، وهل لديّ اي مقترحات لتطوير خدمتهم؟، وغيرها من الأسئلة ثمّ ختم أسئلته بسؤالي إن كان قد حصل اي ضرر مادي في بيتي نتيجة العطل ليتم تعويضي؟!!، أو حتى لو كان هنالك اي تلف للمواد الغذائية في الثلاجة فسيتم تعويضي؟!!، سرحت قليلاً قبل ان أجيبه بكلمة "كلا شكراً" حيثُ كنتُ افكر بالمواد الغذائية المجمدة التي كانت والدتي رعاها الله تصرف الكثير من الوقت والجهد والمال لاعدادها والتي كانت ترميها في سلّة القمامة لتلفها نتيجة التوقفات المتكررة والطويلة للتيار الكهربائي في العراق، وقبل أن ينهي المكالمة سألته عن سبب اتصالهم بي فقط؟، فاجاب قائلاً: "سيدي - - - أنا وزملائي بدأنا بالإتصال بالمشتركين الذين اتصلوا بنا أولاً والذين يزيد عددهم على المئة مشترك ومن ثمّ بكل المشتركين الذين شملهم انقطاع التيار الكهربائي للتأكد من عدم حصول أي ضرر على ممتلكاتهم"، وأعْتذرَ مرة أخرى على الإزعاج!!، ثم انهى المكالمة بتقديم التحية المعتادة!!.
الوقفة الثالثة
عدالة الحُكم:
إستلمتُ عبر صندوق البريد رسالة من مكتب إدارة المحلفين في الأقليم في السابع من آب لسنة 2013م يبلغوني فيها بانه قد تمّ إختياري كأحد المحلفين في إحدى القضايا المطروحة أمام المحاكم وحددوا لي خمسة أيام كحد أقصى لإرسال موافقتي أو إعتذاري مع بيان الأسباب في حالة إعتذاري، وحيثُ أنني كنتُ أعمل في أقصى شمال الولاية وبعيداً عن منطقة سكني التي تتواجد فيها المحكمة، لذا قررت الإعتذار وكان لزاماً عليّ الإتصال بهم ومن ثمّ الذهاب الى مكتبهم عند عودتي للمدينة للتوقيع على طلب الإعتذار رسمياً مع بيان السبب المقنع الذي ربما يتم رفضه، وفي هذه الحالة يكون لزاماً عليّ قبول دعوتهم!!.
لقد حدد القانون الكندي حضور ستة محلفين للقضايا المدنية، وإثنا عشر محلّف للقضايا الجنائية، يتم إختيارهم من عامة الشعب للأشخاص الذين تزيد أعمارهم على الثامنة عشر  ووفقاً لسيرة حياتهم وسلوكهم، وذلك للمشاركة في جلسات القضايا وللإستماع الى تفاصيلها ومن ثمّ المشاركة في إصدار الأحكام القضائية فيها وذلك لضمان العدالة في المحاكم الكندية!!.
الوقفة الرابعة
ديمقراطية:
في الثاني عشر من شهر تشرين الأول من السنة الحالية (2015) والمصادف الأثنين وهو أول أيام الأسبوع وفي تمام الساعة السادسة وخمس دقائق مساءاً رن جرس الهاتف في المنزل، وبما أنني كنتُ مشغولاً في كتابة احدى المقالات قررتُ عدم الإجابة على المتصل بعد أن تأكدتُ من ان الرقم لم يكن لأحد المعارف أو الأصدقاء، حيثُ غالباً ما يتصل البعض من شركات الإعلانات بعد إنتهاء الدوام الرسمي للترويج لبضائعهم (اتصال شركات الإعلانات بعد انتهاء الدوام الرسمي لضمان وجود احد افراد العائلة للتكلم معه)، المهم تحول الهاتف بعد رنّات عديدة الى جهاز الرد الآلي (Answering machine)، فتفاجئت بصوت يدعي إنه وزير المالية للإقليم "جو سيسي" بشحمه ولحمه!!، يدعوني للمشاركة معه في مناقشة عبر الهاتف للوصول الى أفضل الطرق في كيفية صرف ميزانية العام المقبل!!، وهل هنالك في تصوري أي مقترحات بهذا الشأن، تاركاً لي رقم هاتف مكتبه المباشر، قائلاً انه متواجد في المكتب لغاية الساعة الثامنة والنصف مساءاً!!، كما ترك عنوان بريده الألكتروني وكل التفاصيل الأخرى!!، ثمّ انهى مكالمته بالتحية المعتادة "طاب مساؤك"، الحقيقة لم أستوعب هذا الأمر!!، وبدأت الأسئلة تراودني لربما هنالك خطأ ما، حيثُ لم يكن لي معرفة مسبقة حتى بإسم وزير المالية للإقليم لعدم حاجتي اليه وبُعده عن مجال تخصصي المهني، فبحثتُ في الكمبيوتر (كوكول) عن كل ما جاء في رسالته المسجلة للتأكد من إسمه ورقم هاتف مكتبه وكل المعلومات التي تركها، فوجدتها متطابقة تماماً لما سجله جهاز الرد الآلي حتى صوته الذي تعرفت عليه من خلال لقاءه بالصحفيين لعرض خطته للسنة المقبلة ومن خلال اليوتوب!!، بقيتُ لفترةٍ قصيرةٍ في ذهول تام وحيرة، هل اتصل به أم لا؟ وما علاقتي انا "عبد الله الفقير" والمواطن البسيط المهاجر بطريقة صرف ميزانية واحد من أغنى الأقاليم في كندا؟!!، لكنني أدركت بعدها من إنني أعيش في بلد ديمقراطي حقيقي يتشاور فيه الوزير مع مواطنيه للوصول الى أفضل الصيغ لإدارة الدولة.


       

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

702 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع