الشعب الكلداني يرحب بالقانون القاضي بمنع إكراه العراقي على تغيير قوميته
بقلم : د. حبيب تومي / القوش
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
يكاد العصر الراهن بأفكاره الإنسانية المتنورة يضع اللمسات الأخيرة لدفن كل انواع الأفكار الشمولية الإقصائية إن كانت قومية او دينية او اثنية او مذهبية او سياسية ، والمكان المناسب لتلك الأفكار الشوفينية كان مزبلة التاريخ ، وبئس المصير ، لكونها سببت للإنسانية الكثير من الحروب والماسي والأهوال ، فأصبح ترويج تلك الأفكار الإقصائية يعني الخروج عن النمط المعتاد . فاليوم ثمة افكار جديدة لإعادة تعريف الأشياء ، فتلك الأفكار التي كانت توصف بأنها أفكار ثورية ملهمة لم تعد اليوم كذلك فهي أفكار عنصرية إقصائية يخجل اصحابها من ترويجها في الدول الديمقراطية .
نحن المخضرمون عانينا من الفكر الديني المسيّس الذي يستخدم المقدس لتحقيق اهداف غير مقدسة ، كما تحملنا كابوس الفكر القومي العروبي الذي حاول الإجهاز على كل التنوعات في الوطن العربي ليمحي كل اثر للثقافات واللغات والقوميات والأطياف غير العربية ، بغية بعث مفهوم الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة ، وهكذا كان تعريب كل ما ليس عربي في الرقعة الجغرافية الواسعة من المحيط الى الخليج ، فكانت كل الإمكانيات تسخر من اجل خلق مجتمع عربي متجانس لا شائبة تشوبه ، إن كل من يخالف ذلك التجانس هو عميل الأستعمار واسرائيل لأنه يسعى الى تفرقة الأمة العربية الواحدة .
وفي ظل ذلك التيار القومي الثائرالمتسم بالعنف والإكراه لكل من يعارض او يخالف النظرية القومية حاولت الشرائح القومية غير العربية، والضعيفة منها بالذات ،والتي لا حول ولا قوة لها من مسايرة الظرف وتحملت الضيم والتسليم بالأمر الواقع ، والبعض الأخر قاوم بضراوة عملية التعريب والصهر وكان الأكراد من الأقوام التي لم تنحي للعاصفة ،فقاومت وناضلت ضد عملية الصهر القومي وكان نضالهم المسلح الذي تبلور تحت زعامة القائد الكوردي المعاصر ملا مصطفى البارزاني .
إن ما هو معروف ان الفكر القومي العروبي يتسم بشئ من المغالاة فهو لا يصور ولا يقبل وجود افكار او مشاعر او حركات قومية غير عربية ، لكن الفكر القومي العربي كان يقبل الأختلاف الديني وكان ثمة قبول محدود للمسيحيين واليهود والمندائيين والإيزيدية في الإطار الديني ، ويتمتع هؤلاء بقدر مناسب من الحرية الأجتماعية والدينية ، إلا في بعض الظروف الأستثنائية ، فعلى سبيل المثال استمر ذلك القبول لليهود طالما بقي هؤلاء مؤطرين في البعد الديني والطائفة الدينية اليهودية ، ولكن هبوب رياح الفكر القومي على اوروبا كان له التأثير على الفكر القومي اليهودي لتبعث عندهم الروح القومية الذي تزعمته الحركة الصهيونية العالمية ، والتي نادت بوطن قومي يهودي على اساس قومي وليس على اساس ديني ، وجرى جمع شتات وشظايا اللغة العبرية المنتشرة في دول الشتات ، وجرى بعثها من جديد في الدولة العبرية الحديثة ، اسرائيل ، فتقاطر اليهود الى اسرائيل من مختلف اقطار العالم تحت تأثير النزعة القومية اليهودية ، وقد جذب الشعار شرائح كثيرة من الشباب اليهودي الى تلك الأرض لتكوين الدولة الأسرائليةوالتطوع للدفاع عنها .وهكذا كان الهجرة اليهودية الى اسرائيل من مختلف اقطار العالم بما فيها القادمين من الدول العربية والعراق بشكل خاص وذلك ابتداءاً من اواخر عام 1948 او اوائل عام 1949 م .
وكما مر آنفاً فإن الفكر القومي العربي يشجع بشكل واضح الوجود الديني منه المسيحي والأيزيدي والمندائي واليهودي وبالطبع الإسلامي ، وحتى حين منح الحقوق السياسية للمكونات العراقية فقد منحت كوتا على اساس ديني فكان هنالك كوتا مسيحية بدلاً من الكوتا القومية ، وقد هللت الأحزاب الآشورية للكوتا الدينية المسيحية وخامرتهم نشوة جامحة حين تصور وجودهم قريبين من مراكز صنع القرار ، مخمورين بنشوة النصر ووضع زمام مصير المسيحيين بايديهم ، وأهم من كل ذلك حرمان الكلدانيين من حقوقهم القومية لتخلو الساحة لهم للهيمنة على مصائر المسيحيين قاطبة ، فالكوتا القومية كانت تعني ان حصة الأسد هي من نصيب الشعب الكلداني وقواه السياسية والقومية ، ومع الأسف إن ما ترشح من سير الأحداث والوقائع فإن الفكر الآشوري الذي تجسده الأحزاب الآشورية القومية لم تكن اقل مغالاةً وتعصباً من الفكر القومي العروبي الإقصائي .
قبل ايام وافق البرلمان العراقي على قانون يكاد يكون مخصصاً لمناصرة الشعب الكلداني المظلوم في العراق ، لقد كانت التفاتة مهمة من قبل مجلس النواب حينما اصدر قانون منع اكراه العراقي على تغيير قوميته ، وهذا القانون ينطبق على الشعب الكلداني فقط، فالجميع حقوقهم مضمونة باستثناء الشعب الكلداني المظلوم الذي تسلب حقوقه في وطنه العراقي .
الشعب الكلداني يجب ان يكون سيد نفسه وإن لا يكون خاضعاً او تابعاً لكائن من كان تحت تبريرات مؤدلجة من خلق مجتمع مسيحي متجانس ( ذريعة وحدة شعبنا لسلب حقوق الكلدان والسريان ) ، إن وحدة المسيحيين لا تعني إلغاء القومية الكلدانية ، وتبديلها بتسمية قطارية مشوهة ، وذلك تحت تأثير احزاب آشورية قريبة من مصدر صناعة القرار ، هكذا جاء هذا القانون منصفاً للشعب الكلداني ، حيث تجري محاولات يائسة لإلغاء تاريخ ووجود الشعب الكلداني .
إنها مفارقة غريبة ان تجامل احزاب عربية وكوردية الأحزاب الآشورية ، وأن تصدق الكذبة الساذجة التي تقول ان الكلدانية هي مذهب مسيحي ، حقاً إنها مفارقة عجيبة ان تصدق تلك الأحزاب العريقة والمعروفة بنضالها ان تصدق مثل هذه الكذبة وان تقبل تلك النكتة المقرفة ، التي تبعث على التقيوء .
لقد صدر يوم الأثنين 12 تشرين الثاني 2012
(( رئاسة الجمهورية بناءاً على ما اقره مجلس النواب وصادق عليه رئيس الجمهورية واستناداً الى احكام البند (أولا) من المادة (61) والبند (ثالثا) من المادة (73) من الدستور
صدر القانون الاتي :
رقم ( ) لسنــة2012
قانون منع اكراه العراقي على تغيير قوميته
المادة ـ 1 ـ يمنع اكراه العراقي على تغيير قوميته الى قومية أخرى لأي سبب كان سواء كان الاكراه مادياً أو معنوياُ.
المادة ـ 2 ـ يعاقب بالسجن كل من خالف أحكام المادة (1) من هذا القانون.
المادة ـ 3 ـ يلغى قرار مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم 850 في 27/11/1988.
المادة ـ 4 ـ ينفذ هذا القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
الأسباب الموجبــــة
ترسيخاً لمبدأ المواطنة والمساواة وكون القرار يتعارض مع الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور.
شــرع هذا القانــون )) .
ان الأسباب الموجبة الواردة في هذا القانون واضحة وضوح الشمس فإن إجبار او إكراه فرد او قوم على تغيير قوميته يعتبر مخالفاً للوائح حقوق الإنسان ويتنافى مع مبادئ العدالة والمساواة بين المواطنين .
مع هذا القانون الواضح هل ستتعظ الأحزاب الآشورية ، في مقدمتها حركة الزوعا والمجلس الشعبي والحزب الوطني الآشوري وغيرها من الأحزاب القومية ؟ هل ستتخلى هذه الأحزاب عن مغالتها القومية الإقصائية بحق الشعب الكلداني وقوميته الكلدانية الأصيلة ؟ أم ستظل على نهجها الأقصائي مخالفة القوانين العراقية .
وماذا عن الأحزاب الكلدانية المنزوية تحت لواء ما يسمى بتجمع احزاب شعبنا المسيحي من الكلدان والسريان والآشوريين ، هل ستبقى هذه الأحزاب تلهث وراء سراب إلغاء القومية الكلدانية من الدستور العراقي بعد ان عملوا على إلغائها من مسودة دستور اقليم كوردستان ؟
اليوم رغم الظلم والإجحاف بحق الشعب الكلداني بسلب حقوقه القومية والهيمنة على حصته من الثروة الوطنية بحجة وحدة شعبنا ، ونحن شعب واحد .. الخ فلهم كل الثروة ولاشئ للشعب الكلداني ومنظماته واحزابه سوى لمن ينكر قوميته الكلدانية ودائماً نقرأ عن تبريرات لهذه المواقف الغريبة فالفكر الإقصائي دائماً يجد له حجج ومبررات .
حزب البعث العربي الأشتراكي كانت له أطروحة الأمة العربية الواحدة ذات رسالة خالدة من المحيط الى الخليج ، وكمال اتاتورك جعل كل من يعيش ضمن الجغرافية التركية بأنه من القومية التركية فالأكراد مثلاً هم اتراك الجبال لا اكثر وكانت الذريعة ايضاً هي خلق مجتمع متجانس ، واليوم الأحزاب الآشورية ومن يسير في ركبها تبعث لنا نفس النظرية الأقصائية بحجة إننا شعب واحد ونحن شعب مضطهد فكلنا قومية واحدة وسوف تهبط النعم علينا حينما نعترف بالوجود الآشوري قومية لنا جميعاً ، وننفي او نقزم المكونات الأخرى الأصيلة كالشعب الكلداني العريق إذ توصف القومية الكلدانية العراقية بأنها عبارة عن مذهب كنسي لا اكثر .
أقول :
ثمة دائرة واسعة ، وتتسع بمرور الأيام ، من الكلدان الغيارى ، بينهم كتاب ومفكرين وأساتذة ورجال دين وأكاديميين وشعراء وأدباء وفنانين وأطباء ومهندسين وفلاحين وطلاب وعمال .. وثمة منظمات مجتمع مدني ومنظمات خيرية وإنسانية وأحزاب كلدانية قومية وسياسية ، وهنالك الطبقة الصامتة من الشعب الكلداني كل هؤلاء يعتزون ويفتخرون بقوميتهم الكلدانية . ألا ينبغي مراعاة مشاعر هؤلاء جميعاً ؟
اليس الإنسان حراً في معتقده وفي انتمائه الديني والسياسي والمذهبي والقومي ؟
فلماذا محاولات إلغاء التاريخ ؟
وماذا بعد سن هذا القانون الواضح الذي يحمي المواطن من الفكر الإقصائي ؟
وماذا عن الأحزاب الكلدانية التي خضعت لذلك الفكر الإقصائي هل سيسلكون اسلوب النعامة وكأن الأمر لا يخصهم ؟
نتمنى ان يكون هذا القانون العراقي الأصيل فاتحة خير بنننا بحيث يجري التفاهم والأحترام المتبادل وقبول الآخر ( الكلداني) الذي يفتخر بقوميته الكلدانية .
تحية للبرلمان العراقي وهو يقرر هذا القانون الذي يحترم إنسانية الأنسان العراقي ، ويحترم شعبنا الكلداني ومشاعره القومية الكلدانية .
د . حبيب تومي / في 28 / 11 / 12
593 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع