شيوع الأميّة الدينية

                                         

                             زينب حفني


اعتاد عدد من البلدان العربية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف سنويّاً، وتُعتبر مصر من الدول الرائدة في إشاعة مظاهر الاحتفال، ويظهر ذلك جليّاً بالأحياء الشعبيّة وعلى الأخص منطقة الحسين.

وقد انتهز الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي هذه الذكرى الدينيّة ليعرج في خطبته التي ألقاها، على الخطاب الديني الرائج مطالباً الأزهر الشريف بتطويره في ظل تنامي ظاهرة العنف والإرهاب بكافة أرجاء العالم. الأزهر تبنّى على الفور دعوة الرئيس السيسي من خلال دار الإفتاء التي أعلنت نيتها تقديم الخدمات الشرعيّة والافتائيّة للمجتمع المصري بصورة عصرية تُناسب الواقع المعيش.

من المعروف أن الوسطيّة التي قام عليها الإسلام في باكورة دعوته قد تقلصت كثيراً عن السابق، وأصبح بعض الناس بمجتمعاتنا العربية والإسلاميّة يتعاملون فيما بينهم بمنطق إن لم تكن معي فأنتَ تقف ضدّي، متغافلين عن كون التنوع الفكري خُلق من أجل إثراء البشريّة ولتمكينها من الولوج إلى بوّابة التحضّر ومن أعلى سماته التسامح وتقبّل معتقد الآخر برحابة صدر والتعايش المشترك.

هناك من يُحمّل الأزهر المسؤولية كاملة فيما آلت إليه المجتمعات العربية، وذلك بسبب تغاضيه عن الخطاب السلفي المتشدد الذي أدّى إلى تسيّد هذا الفكر المتشدد عقوداً ليست بالقصيرة، وقد ساهمت حينها الأموال المتدفقة في تقوية شوكة هذه الفئة إلى أن أصبحت لها قاعدة شعبية كبيرة داخل المجتمع المصري.

كانت السعودية أول من اكتوى بنار هذا الفكر المتطرّف، الذي كان آخره الهجوم الذي وقع على يد تنظيم «داعش» بالحدود الشمالية وأدّى إلى مقتل ثلاثة جنود، مما يؤكّد أن الأمر لم يعد مزحة ثقيلة بل أضحى واقعاً مريراً، متمنية أن تنهج السعودية نهج مصر في الدعوة لتجديد الخطاب الديني المتشدد الذي سيطر سيطرة تامة على مقدرات المجتمع السعودي عقوداً طويلة!

بلاشك هناك أخطاء جسيمة وقعت في الماضي، من أهمها فتح المجال لدعاة متطرفين لمخاطبة الناس باسم الدين وهم غير مؤهلين لذلك، وإفساح المجال لهم لتمرير فتاواهم المتطرفة القائمة على الأهواء الشخصيّة، مما يستوجب حجبهم عن المجتمع وعدم إعطائهم الفرصة لبث سمومهم عبر منابر المساجد أو قنوات التلفاز أو الندوات المفتوحة! إضافة إلى تنبيههم لعدم إطلاق فتاوى تكفيريّة بحق البعض وأن كل هذا سيؤدي إلى ترسيخ ثقافة العنف غير المبرر!

كل الأمم تعثّرت في طريقها وسقطت مرّات ومرّات إلى أن وجدت طريقها الصحيح، فتجدها تتحدّث عن تاريخها بشفافيّة ووضوح بدون أن تُداري وجهها خجلاً من ماضيها، لتعي الأجيال القادمة كل ما يتعلّق بتاريخ أجدادها وحتّى تتمكّن من بناء مستقبل مستنير لأوطانها.

تاريخنا الإسلامي مليء بالأخطاء ولكننا نصرُّ على تقديسه وننظر بريبة لكل من يسعى للتنقيب في دفاتره ووضع إصبعه على مَواطن الزلل! وإذا كنّا حقّا صادقي النيّة في طرْق أبواب التجديد الديني، علينا أن نناقش أخطاءنا على الملأ من فوق منابرنا ومن خلال القنوات الإعلاميّة ووضعها ضمن مناهجنا التعليميّة، لأجل الأجيال القادمة التي عندما تتلفت حولها لتختار أي الطرق تسلك، ستضع نصب أعينها زمرة الأخطاء التي وقع فيها أجدادها.

في بعض الأحيان قد أفتح كتاباً تاريخيّاً يتحدّث عن تاريخنا الإسلامي، فأشعر بكم من الأكاذيب المحشوة فيه، متناسين أن أجمل ما في تاريخ الشعوب الأخطاء التي ارتكبتها، لأن الأمم لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بعد أن واجهت واقعها ببسالة واعترفت أمام أجيالها الجديدة بأن لكل عصر شمساً مُغايرة تُناسب الأجيال التي وُلدت فيها. لقد مرّت قرون وما زلنا متمسكين بالقشور ولا أدري متّى ستحدث معجزة التجديد!

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

607 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع