هيلاري كلينتون والمرأة في العالم

                                          

                           د. منار الشوربجي

رغم الكثير من العروض التي حظي بها كتاب هيلاري كلينتون الجديد »الاختيارات الصعبة«، إلا أن أيا منها لم يلق بالا لما ذكرته عن تفاعل المرأة معها حول العالم. فهيلاري كلينتون من أكثر السياسيين إثارة للجدل في بلادها. والمفارقة هي أن بعض الأسباب التي تثير الجدل حولها في أميركا هي نفسها التي تجعلها شخصية ملهمة للكثيرين خارج بلادها.

ففى أميركا تجد القليلين فقط هم الذين يتخذون من هيلاري كلينتون موقفا محايدا. فلو سألت أميركيا عن موقفه منها فستتلقى في الأغلب إجابة حدية، أي إيجابية للغاية أو سلبية للغاية. ورغم أن هناك أسبابا شتى لمواقف الأميركيين من هيلاري، إلا أن أحدها بلا شك يظل أن هناك من لا يرتاحون لوجود امرأة قوية وذكية في موقع السلطة، حتى في أميركا.

وهيلاري كلينتون بلا شك ظاهرة. فهي زوجة الرئيس السابق بيل كلينتون، الذي روج في حملته الانتخابية علنا عام 1992 أن انتخابه رئيسا معناه انتخابهما معا، تحت شعار »انتخبني، تأخذ اثنين بدلاً من واحد«. وحين تولى كلينتون كانت هيلاري فعلا مشاركة في صنع القرار السياسي طوال فترة رئاسته التي امتدت ثمانية أعوام.

فكان ذلك في ذاته أحد مصادر الموقف السلبي لقطاع واسع من الأميركيين منها. فهي حطمت الصورة التقليدية للسيدة الأولى. وبدلا من أن تقف وراء زوجها بخطوة، كما فعلت السيدات الأول في تاريخ أميركا بمن في ذلك ميشيل أوباما بالمناسبة، وقفت هيلاري إلى جانب زوجها، كتفا بكتف. لكن الحقيقة أن دور هيلاري السياسي وقت حكم زوجها مثل سابقة خطيرة من زاوية أخرى. فالدستور الأميركي لا ينص على أي دور للسيدة الأولى ومن ثم فلا توجد وسيلة لمحاسبتها.

وهيلاري بعد انتهاء مدتي كلينتون ورحيله من البيت الأبيض، لم تعتبر أن دورها السياسى قد انتهى بانتهاء دوره. على العكس تماما، فهى اعتبرت أن مستقبلها السياسي قد بدأ لتوه، فقد انتخبت لعضوية مجلس الشيوخ، ثم رشحت نفسها للرئاسة وخاضت معركة انتخابية مريرة هزمها فيها أوباما قبل أن يطلب منها لاحقا أن تتولى وزارة الخارجية في إدارته. وقد قبلت هيلاري كلينتون منصب وزيرة الخارجية لتكون ثالث امرأة تتولى الوزارة بعد مادلين أولبرايت وكوندوليزا رايس.

وكل هذه الأدوار السياسية جعلت من هيلاري شخصية شديدة الجدلية في بلادها. المفارقة الجديرة بالتأمل هي أنها خارج بلادها تحاط بإعجاب النساء الذين يجدون فيها امرأة قوية.

وهيلاري كلينتون تعلم جيدا أنها شخصية مثيرة للجدل. فهي حكت في كتابها ببساطة عن فيلم شهير »الاختراق« شاهدته مع فريق العمل التابع لها كوزيرة للخارجية على متن طائرة العودة من رحلة عمل خارجية. كان الفيلم يحكي عن عميل لمكتب التحقيقات الفيدرالي تجسس لصالح الروس في الثمانينات والتسعينات. وفي أحد المشاهد يقول هانسن، الشخصية الرئيسية في الفيلم، »لا أثق في امرأة ترتدي بزة..الرجال هم الذين يرتدون البنطال. فالعالم لا يحتاج المزيد من هيلاري كلينتون« وأضافت هيلاري »فضجت الطائرة بالضحك«.

لكن صفحات الكتاب تعج بتفاعل نساء العالم مع هيلاري كلينتون.

فهي تروي مثلا أنها في زيارتها لجامعة إهوا فى كوريا الجنوبية كوزيرة للخارجية، وقفت الطالبات صفا وراء الميكروفون انتظارا لإلقاء الأسئلة عليها. ولم تكن أي من تلك الأسئلة عن السياسة الخارجية الأميريية وانما عما إذا كان من الصعب عليها التعامل مع زعماء العالم »الذكوريين«، فضلا عن أسئلة شخصية مثل سؤال يطالبها أن تحكي عن ابنتها تشيلزي.

وكان من بين تلك الأسئلة سؤال عن الحب، تكرر بالمناسبة في تركيا، كما جاء في موضع آخر من كتابها. وقد علقت كلينتون قائلة »بدا لي أن الطالبات تواصلن معي على مستوى شخصي بل وشعرن بالراحة والثقة في أن يتحدثن معي كصديقة أو معلمة لا كمسؤولة حكومية أتت من دولة بعيدة«.

وفي لاهور بباكستان، قالت هيلارى كلينتون إن الجو العام في لقائها بطلاب الجامعات كان متوترا. ثم قامت فتاة أعربت عن »تقديرها لهيلاري كملهمة للنساء حول العالم« ثم أعقبت ذلك فورا بسؤال عن الطائرات بدون طيار التي تقتل المدنيين الباكستانيين. سألتها الفتاة إذا كانت تلك الضربات الجوية مهمة إلى هذا الحد فلماذا لا تشرك الولايات المتحدة الجيش الباكستاني في التكنولوجيا وتمده بالمعلومات الاستخباراتية وتتركه يتولى الأمر. اعترفت هيلاري في كتابها بأنها قدمت للفتاة إجابة دبلوماسية عن سؤالها ولم تتطرق للحقيقة.

وحكت هيلاري أيضا عن طالبات جامعة دار الحكمة في جدة اللاتي »سألنني عن كل شيء« من النووي الإيراني للرعاية الصحية في أميركا لمحنة الشعب الفلسطيني.

اللافت للانتباه أن هيلاري كلينتون لم تعلق إطلاقا على اختلاف طبيعة تفاعل النساء معها من منطقة لأخرى ومن دولة لأخرى، حسب سياسة بلادها فيها.

فمن الواضح أن إعجاب النساء بها في الدول التي تعانى من السياسة الأميركية لا يتعدى في كثير من الأحيان حدود المجاملة وأدب الحديث، رغم أن هيلاري كلينتون من الشخصيات المركبة التي تستحق التأمل، فضلا عن أنها امرأة خاضت بصلابة معارك شخصية وسياسية لم تحط من عزيمتها.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

864 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع