رحلتي في الحياة والبحث عن شهادة الدكتوراة...

                                   

                         ليث رؤف

رحلتي في الحياة والبحث عن شهادة الدكتوراة!!! الحلقات 4 و 5 و 6

الطز الرابعة بالدكتوراة.

جاء عام 1974 وذهبنا كالعادة للمعالجة والتصييف في لندن مع فاطمتي ولبيبة الصغيرة, وجاء لزيارتي من سوانزي صديقي وأخي عباس الصائغ, وكان يحضر للدكتوراة في جامعة سوانزي بويلز البريطانية وأخذني مع الأهل لرؤية مقاطعة ويلز والعاصمة كارديف والمدن والريف الخلاب وصحبنا إلى مباني الجامعة ورغبت بزيارة القسم المدني والتعرف إلناس هناك عسى أن تحصل لي فرصة جديدة لدراسة الدكتوراة !!! بعد إنتظار ساعات طويلة أمام مكتب رئيس قسم الأبحاث والدراسات المدنية ولأن جدول البروفيسور مشحونا للشهر القادم كله أقنعت السكرتيرة بعنادي العراقي بأن تخبر البروفيسور بطلب مقابلة عاجلة!!!

قالت لي بعد إستشارة البروفيسور, خمسة دقائق فقط! وافقت فورا وقدمت نفسي للأستاذ وبقيت واقفا فطلب مني الجلوس وصرنا نتحدث والسكرتيرة تروح وتغدو ونحن نتحدث ونتسامر ومرت ساعتان وأنا اقول له بأن السكريرة أعطتني بكل صرامة خمسة دقائق ويمدد لي وهو يضحك!! أخيرا إتفقت معه بأن الدكتوراة يجب أن تكون مع قسم آخر وليس عنده لأنه إختصاصي في علم تحليل العناصر المنتهية وهي طريقة تحليل عددي لإيجاد حلول تقريبية للمعادلات التفاضلية الجزئية  بالإضافة إلى الحلول التكاملية والتي كان هو مخترعها قبل أن يهاجر من بولندا.

طلبت منه أخيرا وبكلمات مباشرة بأن يطلب من رئيس قسم الهندسة الصناعية مقابلتي بالواسطة, بعد أن توثقت علاقتي الشخصية معه وصرنا نتبادل القفشات والمزاح, والسكرتيرة كانت ستنفجر من الغضب , كيف أصبحت الخمس دقائق أكثر من ساعتين بعدئذ يتوسط لي لدى قسم آخر وأبقى معهم للسادسة مساء الذين ألقيت عليهم قنبلة من العيار الثقيل وطرحت عليهم أفكاري وقلت لهم بكامل العنجهية العراقية الروسية المزدوجة وطلبت منهم أن يعطوني منحة دراسية مجانية لأرسل لهم بالمراسلة البحوث التي أقوم عليها بالتخطيط لتوسعة منطقة الشعيبة الصناعية والموانئ التابعة لها في الكويت. وكنت أطبق المثل الكويتي طرار ويتشرَّط!!! والعراقي - هَمْ نِزِل وهم يدبچ فوق السطح !! بالطبع جوابهم فوراً كان بكل عنجهية الإنكليز, كلا . أعطيتهم مهلة ليتصلوا بي تلفونيا إن غيروا رأيهم!!! ولم أسمع منهم أبدا أي جواب. وهكذا كان الطز بالدكتوراة للمرة الرابعة.

الطز الخامسة للدكتوراة:

بقيت مسألة الدكتوراة تؤرقني بين الحين والآخر لعدة أعوام وأخيرا في عام 1975 قررت نهائيا العودة لسوانزي لألتحق مع صديقي عباس وأنهي هذه الملعونة شهادة الدكتوراة.

وقبل مدة كتبت هذه الرسالة لشاب عزيز طلب إستشارتي حول دراسة الدكتوراة في روسيا.

عزيزي, شهادة الدكتوراة هذه الأيام مهمة جداً وتفتح أبواب كثيرة أمام المهندس والباحث الذي يريد التقدم في العلم والرقي في المكانة الإجتماعية.

وهاك واحدة من رحلاتي مع الدكتوراة أحدثك عنها علَّك تستفيد!

في يوم من الأيام دق الناقوس في رأسي للعودة لقضية الدكتوراة فزرت الصديق العزيز (المهندس براك المنديل رحمه الله) ودخلت عليه في مكتبه في شركة الفيافي في الكويت وبعد تبادلنا التحايا والترحيب العراقي البصراوي المعهود, شربت القهوة وأخبرته بأنني جئت لأستشيره في موضوع مهم وسألته:

براك أنت عندك ماجستير من بريطانيا وناجح في عملك ولديك شركة مقاولات وتدرِّس في المدارس التكنولوجية في الكويت أتوجه لك بسؤال: هل تنصحني بتحصيل شهادة الدكتوراة في سوانزي؟؟؟ وقد كنت مزمعا الذهاب إلى هناك وأدخل في بحث دكتوراة وأحصل على الشهادة, خاصة وقد فاتتني عدة فرص أتيحت لي ولم أستغلها في التوجه نحو البحث العلمي وتحصيل شهادة أعلى من الماجستير.

إستعدل براك في جلسته وبعد صفنة قصيرة قال لي سؤالك قيِّم ويحتاج إلى تفكير حتى أرد عليك!!! وسكت مرة ثانية لثوان أحسست بأنها ساعات وتنهد وصاح بصوت عالٍ: أنجيلا (سكرتيرته) التي فتحت الباب بسرعة كأنها تنتظر اللحظة التي سيناديها وأطلت برأسها الهندي الدقيق الملامح وقالت له نعم سيد براك؟؟

قال لها بجديته المصطنعة والمعهودة (وهو يرتل بالراء) بأن تنادي الدكتور عبد المعطي مَرَقَة وكان يعمل لديه كمدير في أحد المشاريع المهمة بتمديد كوابل الكهرباء.

حاضر سيدي أجابته بسرعة أنجيلا وسدت باب الغرفة علينا.

ظل براك مطرقا ولم يتفوه بكلمة وكأنه يستجمع أفكاره كعادته ولم أكن لأريد أن أقطع عليه تفكيره.

طُرق الباب فأجاب براك , أدخل, وأطل من فتحة الباب الدكتور عبد المعطي وسأل, نعم سيد براك؟

رفع رأسه وسأله عن المشاريع وتنفيذها والمشاكل وعديد من الأسئلة التي تتعلق بالمشروع وكان الدكتور عبد المعطي يجيبه وبسرعة وبكل دقة في التفاصيل التي سأل عنها وفجأة قال له براك, شكرا دكتور يمكنك الذهاب ولطفا أغلق الباب خلفك. ذهب الدكتورعبد المعطي وقهقهت بصوت عال وقلت له براك, وصلت الرسالة!!!

فتعجب من سرعة البديهة لدي ووسألني ماذا إفتهمت؟؟

قلت له بإمكان رجل الأعمال الناجح أن يبرز ويُشَغِّل عدة أشخاص من حملة الدكتوراة إذا كان بالفعل ناجحاً بإدارة عمله وليس بسبب شهادته.

أشكرك يا عزيزي براك, وخرجت من مكتبه وأنا أكرر في نفسي طز بالدكتوراة لخامس مرة !!!

ولكن !!!! هل كنت محقا بجوابي ؟؟؟ أعتقد الآن كلا ثم كلا. لأنني تندمت وتندمت مرات كثيرة بعدها, ولهذا تكملة في مقال آخر.

رجل الأعمال الناجح لإستطاعته وتمكنه من إدارة العمل بصورة خلَّاقة و يكون  مختصاُ بإدارة الأعمال بالإضافة لشهادته الهندسية. بينما الدكتور المهندس الناجح موظف يعمل لدى رجال الأعمال الناجحين لتطوير العمل والرقي بمواصفاته وحسن تنفيذه وفائدته للمجتمع, والأفضل أن تتعلم كيف تكون دكتور في إدارة الأعمال وتصبح رجلا ودكتورا ناجحا وقادرا على إدارة مجموعة من الدكاترة المهندسين, وإذا لم تستطع ذلك فأمامك الطريق لأن تكون دكتور مهندس تعمل في ألأبحاث وتخدم العلم ورجال الأعمال الناجحين الآخرين.

أما عن نفسي فقد بقيت مهندسا ناجحا في عملي لدى رجال الأعمال الآخرين ولم تعطني هذه (الخبرة والعلم والأمان والإخلاص) من المال أكثر مما أعطاني هؤلاء الرجال أصحاب العمل, بل أقول بكل ثقة لقد أخذ مني أصحاب رؤوس الأموال كل الأرباح التي حققتها بنجاحاتي!!!

ياولدي لك أن تختار ما تستطيع أن تعمل لصالح المجتمع وتؤدي رسالة للوطن وليس كما يريد لك الآخرون مهما كانوا من المحبين.

لا تنسى مصاريف الدراسة في الوقت الحاضر ومن أين تأتي وكيف؟؟؟ ولك أن تقرر بنفسك وبدون ضغوط من آخرين.

الطز السادسة والأخيرة بالدكتوراة.

كنا في الكويت حينها و قبل أحداث إحتلال نظام هدام إحتلال الكويت, إقترح علي العزيز ثامر أبو حيدر العبيدي المشاركة معهم في العمل على بناء الديوان الأميري وبدأت عملي الجديد ضمن طاقم الإشراف على المباني المصنعة (البريكاست) وكنت أؤدي الواجب بطريقة حسنة وأخطط للقادم من الحياة بعد أن أخذت الهجرة إلى كندا منذ عامين ليأسي من عراق البعثفاشية.

أيقظتني فاطمتي مذعورة وهزتني تريد إفاقتي من النوم فجر ذات يوم أسود وقالت لي لقد هجم نظام هدام العراق علينا. هجم الحثالة فجر اليوم وأطاحوا بكل ما كان للعراق من آمال لبناء مستقبل بعد حرب الثماني سنوات ضد جيراننا الإيرانيين. ما العمل وكيف وأين المفر الآن؟ أسئلة كثيرة جالت ببالي في الدقائق اللاحقة وكنت أبحث عن إجابات في عقلي لوحدي وهدير القنابل والقذائف تدوي من قصر الأمير القريب من بيتنا, وبدون إستشارة أحد خاصة فاطمتي قررت الرحيل بكلمة واحدة وحازمة. أخذت كافة الوثائق والجوازات وما خف حمله وغلا ثمنه وحملت خالتي أم فاطمة المقعدة الله يرحمها على ظهري ونزلت لسيارتي وهربت إلى بيت أقاربي في السالمية إبتعادا عن مسكني الذي يعرفه رجال السلطة العراقية. ثم تنقلت من بيت لآخر وأخيرا وصلت بغداد وغادرتها في 9-10- 1990 بالطائرة إلى كندا عبر عمان.عانينا في الفترة القصيرة الأولى من شظف العيش على الإعانات قررت بعدها محاولة صبغ شهادتي الجامعية مرة أخرى بصبغة كندية لأستطيع العوم في بحر من الإنكليز وفي بلادهم.

إتصل بي صديقي وزميلي الدكتور سعد عبد السلام وهو يبحث عني ونصحني بمراجعة زميل له كان في الجامعة في إنكلترة حيث درسوا معا للدكتوراة في لفبرة. وهكذا بناء على نصيحتهم دخلت جامعة كونكورديا لدراسة الدكتوراة عام 1992 ولي من العمر ثمانية وأربعون عام.

بدأت الدراسة في الكورسات الأولية ثم إنتقلت إلى البحث في قوانين العمل في شمال أمريكا وكان يلقي علينا المحاضرات مهندس ظليع بإدارة المشاريع من أصل إيطالي, إسمه بريمياني ويعمل بإدارة أحد أكبر المشاريع في حينها في مونتريال (1000 شارع لوغاشيتير).

أحدى أساسيات الدراسة في الجامعة هو البحث العلمي وهكذا طلب بريمياني من الدارسين أن يعملوا بحثا عن خسران ساعات العمل من جراء الإضرابات في العالم الأمريكي. فشمرت عن ساعدي وتحركت بكل نشاط وحيوية للعمل على هذا البحث الهام بالنسبة لموضوع إدارة الأعمال الهندسية والبناء. طرقت أبواب المؤسسات والهيئات الحكومية والأهلية وآرشيف الحكومة والجرائد المحلية والعالمية وكتبت البحث في أكثر من سبعين صفحة من القطع الكبير وقدمته للأستاذ مع باقي الطلبة وبعد كم يوم جاء بريمياني للصف وأعلن نتائج الدرجات وأعطى كل طالب بحثه لمعرفة نقاط القوة والضعف وأخذ الملاحظات ما عدا بحثي الذي لم يسلمه لي ولم أسأل عنه لإعتقادي بخلوه من الأخطاء خاصة وإن النتيجة كانت النجاح.

بعد إنتهاء الدرس طلب مني بريمياني البقاء وسألني بعد خروج الطلبة, لماذا لم تسألني عن بحثك؟؟ فقلت له مادار بخلدي لأنني أديت واجبي بكل دقة وبحثي كان شبه كامل, ولكنه طلب مني زيارته في موقع العمل في اليوم التالي للإطلاع على البحث وملاحظاته. بدا طلبه لي هذا غريبا جدا!!! في اليوم التالي ذهبت إليه في مقر عمله وكان موقعا ضخما بكل معنى الكلمة ودار بي في المشروع وأطلعني على الكثير من تفاصيله وأخيرا في أحد الأدوار وصلنا إلى مكتبه الفخم حيث جلسنا وناولني البحث وعليه علامة النجاح بملاحظات لغوية بسيطة وقال لي. إذا أردت أن تنهي دراستك وتحصل على الشهادة فيجب عليك الإبتعاد عن مثل هذه البحوث لأنها تجيب الأجل. ولم يشأ أن يرجع البحث إلى الجامعة كيلا يسبب لي الأذى من إخواني في الوطن الجديد (الأنكلوسكسون) حيث طعنت بهم وبقوانينهم وسياساتهم وكل خصائصهم غير العلمية من واقع أرقامهم وجرائدهم وأرشيفاتهم التي كانوا وما زالوا يحكمون العالم كله بقوتهم وهم يطالبون بالمزيد من حكوماتهم على حساب الشعوب الأخرى. وخرجت بنتائج تقول إن معدل الساعات المفقودة للعامل الإنكليزي هي الأعلى في العالم ويليه الإيطالي ثم ثم ثم وأخيرا الألماني والياباني (صفر بالمائة). بسبب النزعة الكولونيالية الإستعمارية بكافة أشكالها والغرور الأنكلوسكسوني التي إستمر للقرنين الماضيين جعلت من العمال الأنكلوسكسون (بريطانيا وأمريكا وكندا وأستراليا وجنوب أفريقيا وآخرهم أقلهم نيوزيلندا) أكسل عمال في العالم وأكثرهم مطالبة وإضراب بين عمال العالم الآخرين.

بناء على هذه النتائج أعلنت الطز الأخيرة في الدكتوراة وقررت محاربة الإستعمار والهيمنة الأنكلوسكسونية في العالم إلى آخر العمر.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

916 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع