الصراع العربي الإسرائيلي - حرب ١٩٦٧- ودور الجيش العراقي فيه – الجزء الأول

الصراع العربي الاسرائيلي - حرب ١٩٦٧- ودور الجيش العراقي فيه – الجزء الاول

عند الحديث عن الحرب العربية الإسرائيلية التي اندلعت في (5 حزيران عام 1967) لابد من التطرق للمسار السياسي والبعد التاريخي للصراع اليهودي العربي في فلسطين وقد حاولت جاهداً في بحثي هذا أن اسميَ الأشياء بمسمياتها والأحداث بوقائعها كما حصلت لنكون على دراية وفهم حقيقين لما وصلت اليه ابعاد هذا الصراع من نتائج مخيبة للآمال ومأساوية على الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة في الخسائر البشرية والمادية ولأجل إعطاء القارئ الكريم فكرة موجزة لهذا الصراع ضمن فواصل محددة: -

1- كانت فلسطين ضمن حدود الدولة العثمانية وعند قيام الحرب العالمية الأولىٰ وهزيمة الجيش العثماني في عام (1917) احتلت من قِبل الجيش البريطاني ووضعت تحت الانتداب المباشر للحكومة البريطانية.
2- بالتزامن مع هذه الاحداث أصدرت الحكومة البريطانية وفي نفس العام بياناً يضمن دعماً لتأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وسمي هذا البيان بوعد بلفور نسبة الى وزير الخارجي البريطاني (آثر جيمس بلفور) الذي اشتهر بوعده هذا ومحاولاته إنجازه لاحقا وأصبح هذا الاسم محل اعتزاز وفخر لدىٰ اليهود ومحل كره وحقد لدىٰ العرب.
3- كانت العلاقات بين العرب واليهود في فلسطين طيلة فترة الانتداب البريطاني متوترة وشهدت صدامات مسلحة بين الطرفين نجم عنها الكثير من الضحايا والتهجير العرقي للفلسطينيين من مدنهم وقراهم نحو المناطق التي يتواجد فيها العرب وكانت نشاطات اليهود الموجهة ضد العرب تلقىٰ دعماً غير مباشراً من الحكومة البريطانية وأذرعها في فلسطين.
4- بدأت الحرب العربية الإسرائيلية (1947-1949) وهي الحرب الاولىٰ في هذا الصراع بعد انسحاب القوات البريطانية من الأراضي الفلسطينية بالتدريج وكان آخر الجنود المنسحبين من ميناء حيفا في (14 مايس 1948).
5- بالتزامن مع انسحاب القوات البريطانية أعلن القادة اليهود عن تأسيس دولة إسرائيل وكان قبل ذلك في (30 تشرين الثاني 1947) قررت الأمم المتحدة التصويت على انهاء بريطانيا لانتدابها على فلسطين وتقسيمها الى دولة عربية ودولة يهودية وتدويل القدس وجوبه هذا القرار بالرفض من قبل القادة الفلسطينيين وقادة الدول العربية فيما حظيَ بموافقة القادة اليهود.
6- الجيش الإسرائيلي الذي تشكل من الميليشيات اليهودية شرع في نهاية (آذار 1948) بالهجوم على الفلسطينيين والجيوش العربية من مصر وسوريا والأردن والعراق ولبنان والسعودية التي حشدت من اجل افشال المساعي اليهودية في تأسيس دولة إسرائيل وحصلت حملات ومعارك بين الطرفين كانت نتائجها لصالح الإسرائيليين الذين استطاعوا



السيطرة والاستحواذ على اغلب المناطق والأراضي الفلسطينية باستثناء الضفة الغربية والقدس الشرقية اللتين اصبحتا تحت سيطرة الحكومة الأردنية فيما أصبحت غزة تحت سيطرة الحكومة المصرية استمرت الحال على ضوء هذا الوضع القائم بعد الحرب وتزامن معه فتح باب الهجرة لليهود من مختلف دول العام للقدوم الى دولة إسرائيل بما فيهم يهود الدول العربية وبالمقابل القيام بحملات تهجير للفلسطينيين الى الدول العربية والدول الاخرىٰ، نتائج هذه الحرب لصالح إسرائيل اثارت تساؤلات كثيرة ومحيرة عندما استطاع الجيش الإسرائيلي الحديث التكوين في مجابهة جيوش ستة دول عربية (مصر، سوريا، الاردن، لبنان، السعودية، العراق) مضى على تشكيلها فترة طويلة بكامل العدة والعدد بالإضافة الى الشعب الفلسطيني صاحب القضية الأساسية والذين لم يتمكنوا من الوقوف بحزم وإرادة قوية لمنع تنفيذ المخطط الإسرائيلي في السيطرة على الأراضي الفلسطينية وتأسيس دولة إسرائيل كما انهم أي الدول العربية المعنية بمواجهة إسرائيل قد تغاضت واهملت البحث و دراسة أسباب النكبة وتشخيص عوامل الضعف في القرار العربي ومعالجة السلبيات من كافة النواحي والاستعداد لقادم الأيام وما تحمله من مخاطر جمة على مستقبل القضية الفلسطينية بعد أن تقوىٰ وتطورت إمكانيات إسرائيل من كافة النواحي على الخصوص في مجال تعزيز قوتها العسكرية ،



القادة الفلسطينيون والحكام العرب لاهم وحدوا صفوفهم وسخروا امكانياتهم واستعدوا للحرب المقبلة التي لا شك بوقوعها حتماً على ضوء الوقائع والظروف السائدة ولاهم جنحوا للتفاهم والحوار والقناعة بما هو متوفر من سلوك وحلول تحفظ ماء الوجه وحسب المثل الكردي (( تحمل نصف الضرر خير من تحمل الضرر كله)) وهذا يقودنا الى التطرق الى موقف الرئيس التونسي (الحبيب بورقيبة) من القضية الفلسطينية عندما زار في (3 آذار 1965) القدس الشرقية وأريحا وتفقد مخيمات اللاجئين فيها وكانت هذه المناطق في حينها تحت سيادة الحكومة الأردنية والقىٰ هناك خطابه التاريخي الشهير الذي دعا فيه الفلسطينيين والعرب للتصرف بحكمة والتخلي عن سياسة (الكل او لا شيء ) والانسياق مع الشعارات الحماسية والعاطفية دون تقدير صحيح للوقائع والعواقب التي نجمت عن الرفض الفلسطيني والعربي لقرار الأمم المتحدة آنف الذكر الداعي الى تقسيم فلسطين الى دولتين عربية و يهودية وتدويل القدس وعلى اثر هذا الخطاب هاجت وماجت الدنيا وانهالت على الرئيس التونسي (بورقيبة) وتونس حملات الإدانة والشجب والاستنكار من كل مكان في العالم العربي دون استثناء كرد فعل على النصيحة التي قدمها هذا الرجل وفق قراءته للواقع وتقديره لما يجري في المنطقة والعالم ومستقبل القضية الفلسطينية التي لا يمكن ان تحل بالأوهام،



وهنا نكون قد أنهينا الحديث عن الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام (1948) بعد ان اوجزنا في ذكر تفاصيلها ونتائجها بما تحقق للجانب الإسرائيلي من نجاح ومكاسب وللجانب الفلسطيني والعربي من فشل وخسائر امتدت تداعياتها على الحرب العربية الإسرائيلية الثالثة عام (1967) والتي نأتي الآن على ذكر تفاصيلها ونتائجها التي زادت في الطين بله كما يقول المثل العربي وقبل ذلك لابد من التنويه بأن مجموع الحروب العربية الإسرائيلية قد بلغ خمسة حروب وهي على التوالي: -
1- 1948 نكبة فلسطين
2- 1956 حرب السويس
3- 1967 نكسة فلسطين
4- 1973 حرب رمضان
5- 1982 حرب لبنان
المهم في هذه الحروب من حيث قوتها ونتائجها وشموليتها هي الحروب التي وقعت في أعوام (1948، 1967، 1973)
الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 (الحرب الثالثة)
اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية الثالثة في (5 حزيران 1967) اسماها الإسرائيليون لأهميتها وأسلوب تنفيذها الخاطف ونتائجها بحرب الأيام الستة فيما أطلق عليها العرب تسمية نكسة حزيران محاولة منهم للتقليل من عواقبها وآثارها المدمرة عليهم وادعائهم بأنهم خسروا معركة ولم يخسروا الحرب ولقد اشتركت في هذه الحرب بشكل مباشر أربعة دول عربية وهي (مصر وسوريا والأردن والعراق) ونأتي فيما يلي على دور كل دولة منها والنتائج التي خرجت بها هذه الحرب.
أولاً – الجبهة المصرية: -
كانت الخطة الإسرائيلية العامة تقضي بقيام القوة الجوية الإسرائيلية بمفاجأة السلاح الجوي المصري وهو نائم وتدمير طائراته الجاثمة دون أن يتاح لواحدة منها فرصة التحليق في الجو، بعدها تندفع القوات الإسرائيلية في سيناء تحت غطاء جوي حر لمواجهة القوات البرية المصرية وبلوغ شرم الشيخ وفتح مضيق تيران للسفن الإسرائيلية ومع الاستعدادات لتنفيذ هذه الخطة كانت القيادة الإسرائيلية (موشي دايان ، إسحاق رابين) مجتمعين في مقر القوة الجوية في تل أبيب قبل ساعة الصفر بثمان وأربعين ساعة للمتابعة اما في القاهرة فكان المشير (عبدالحكيم عامر) نائب القائد العام للقوات المسلحة و(شمس الدين بدران) وزير الدفاع و(صدقي محمود) قائد القوة الجوية وعدد من قادة الجيش المصري يقومون بجولة تفقدية في سيناء وتوخيا لسلامتهم صدرت أوامر للدفاعات الأرضية المضادة بعدم إطلاق بطاريات المدفعية نارها،



انطلقت الموجة الأولى من الطائرات الإسرائيلية في الساعة السابعة والدقيقة العاشرة من صباح يوم (5 حزيران) ولم يشعر المصريون بقدوم الطائرات لأنها كانت تطير على ارتفاع منخفض جداً ليس بوسع الرادار تسجيله ولأنها قدمت من جهة غير متوقعة اصلاً حيث جاءت من جهة بورسعيد عبر بحيرة (بونس) من خلال نقطة ضعيفة في الدفاع الجوي المصري لا كما ارادت الحكومة المصرية زرعه في الاذهان من انها قدمت من الصحراء الغربية ومن البحر كما ظن المصريون في اول الأمر. وبينما كانت الطائرة التي تنقل المشير عبدالحكيم عامر ومن كان معه في الجو وهي تعبر القناة لتوها تسلم طيارها برقية من المقر تفيد بأن مطارات مصر تستهدف الآن بهجوم الطائرات الإسرائيلية وعلى الفور أمر المشير عامر الطيار بالدوران والعودة الى القاهرة ومقر قيادته وكان في حالة انهيار تام وبعد أن أدرك بأن الموقف ميؤوس منه مما جعله في غاية الاضطراب حيث التفت الى قائد القوة الجوية (صدقي محمود) وطلب منه تطبيق خطة (فهد) وهي خطة الهجوم المقابل فأجاب صدقي : هذا غير ممكن لأننا لا نملك قوة جوية وكان رده محبطا جعل المشير يتهاوىٰ على مقعده.


في غضون ثلاث ساعات تم تدمير كل القوة الجوية المصرية وكانت أضخم قوة جوية في كل الشرق الأوسط وكان لخروجها من القتال الأثر الكبير في تسهيل اندفاع القوات الإسرائيلية البرية والمدرعة نحو الأهداف المرسومة لها بعد تقهقرها امام هذه القوات التي استمرت في تقدمها في زخم سكرة النصر السهل وتجاوزت الحدود المرسومة وتقدمت حتى بلغت قناة السويس ومن ثم احتلال غزة، أدرك جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر أن الوضع العسكري وحالة الجيش المصري أصبحت حالة ميؤوس منها فهم دون غطاء جوي باتت آلياتهم ودباباتهم وجنودهم فريسة سهلة للطيران الإسرائيلي في سيناء وتقرر بعد اجتماع مع القيادات العسكرية سحب القطعات منها بسرعة ولم يكن انسحاباً بل كانت فوضى عارمة وكان (عبدالحكيم عامر) يخاطب الرئيس المصري باسمه المجرد وهو يردد (جمال سأعيدهم كلهم أحياء جمال) وكان الإسرائيليون قد عقدوا العزم على أن لا يدعوا فلول الجيش المصري المنسحبة تأخذ قطعة سلاح واحدة معها خارج سيناء

وهذا ما حصل حيث تقهقر الجنود المصريون دون انتظام نحو الضفة الغربية للقناة بعد ان تكبدوا خسائر هائلة في الرجال والسلاح والاليات والتجهيزات العسكرية وأضافت لإسرائيل ما يعادل ثلاثة اضعاف ونصف مساحتها التي كانت عليها في (4 حزيران 1967) مكنتها هذه المساحات الشاسعة من تحسين وضعها الاستراتيجي وقدرتها على المناورة العسكرية وحصولها على موانع جغرافية طبيعية دفاعية مثل مرتفعات الجولان ونهر الأردن وقناة السويس ويجب أن لا ننسىٰ أهمية احتلال الجيش الإسرائيلي للقدس الشرقية وتوحيدها مع القدس الغربية وبذلك أصبحت تسيطر على كامل هذه المدينة التاريخية الدينية التي هي محل اهتمام وقدسية من اتباع الديانات الثلاثة (المسلمون، المسيحيون، اليهود) ويستمر الفلسطينيون المعتدلون بالمناداة بتأسيس الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، الجيش المصري الذي درب وجهز وسلح طوال خمسة عشر عاماً تم تدميره وسحقه تماماً خلال ثلاثة أيام بقوات دولة صغيرة تقاتل على ثلاث جبهات، الرئيس المصري (جمال عبد الناصر) اعتبر أن النصر الإسرائيلي ما كان ليتحقق لولا مساعدة الامريكان والبريطانيين واستمر يردد هذه المقولة كتبرير لخسارته في الحرب حينا من الزمن الى حين تفتق ذهنه لإيجاد سبب آخر للهزيمة



أكثر تقبلا واقناعاً داخليا وخارجيا فما كان منه الا أن يختار (عبد الحكيم عامر) ويجعله كبش فداء ويلقي باللوم والذنب كله عليه وعلى زمرته وكان قبل ذلك قد جرده من كافة مناصبه في (9 حزيران 1967) ظهر الرئيس المصري ليلقي خطاباً مؤثرا كلماته كتبت من قِبل الصحفي المصري البارع (محمد حسنين هيكل) واهم سطوره: -


"لقد تعودنا معاً في أوقات النصر وفي أوقات المحنة، في الساعات الحلوة وفي الساعات المرة، أن نجلس معاً، وأن نتحدث بقلوب مفتوحة، وأن نتصارح بالحقائق، مؤمنين أنه من هذا الطريق وحده نستطيع دائماً أن نجد اتجاهنا السليم، مهما كانت الظروف عصيبة، ومهما كان الضوء خافتا نصل الآن إلى نقطة هامة في هذه المكاشفة بسؤال أنفسنا: هل معنى ذلك أننا لا نتحمل مسؤولية في تبعات هذه النكسة؟ وأقول لكم بصدق وبرغم أية عوامل قد أكون بنيت عليها موقفي في الأزمة- فإنني على استعداد لتحمل المسؤولية كلها، ولقد اتخذت قراراً أريدكم جميعاً أن تساعدوني عليه: لقد قررت أن أتنحى تماماً ونهائياً عن أي منصب رسمي وأي دور سياسي، وأن أعود إلى صفوف الجماهير، أؤدي واجبي معها كأي مواطن آخر"



اختار نائبه (زكريا محي الدين) ليخلفه في رئاسة الدولة والذي لم يكن على علم ودراية بهذا القرار الا عند إعلانه من قبل الرئيس المصري في خطابه والذي فور انتهائه منه تدفقت الى الشوارع حشود هائلة هائجة من القاهريين وهم يتجهون صوب مسكن الرئيس المصري مناشدين إياه بالعدول عن قرار التنحي وسحب استقالته وفعلاً استجاب لمطلب الجماهير ووفق سيناريو معد سلفاً اجتمع مجلس الامة المصري لهذا الغرض وقرر بالإجماع ان يبقىٰ(عبدالناصر) رئيسا للجمهورية حتى إزالة كل آثار العدوان الإسرائيلي وتحرير الأراضي المصرية من احتلال العدو،



وقام بعد ذلك بتوجيه رسالة الى (عبد الحكيم عامر) يخيره فيها بين أن يغادر البلاد ويعيش في أي دولة يختارها عيشة مرفهة او بعكس ذلك يقدم للمحكمة وقد رفض العرض الأول وابدىٰ استعداده لمحاكمته على أثر ذلك وضع تحت الإقامة الجبرية في منزله وفي (14 أيلول 1967) قبل يوم من موعد محاكمته انتحر مسموماً ونقتطف هذه الكلمات من الرسالة التي كان قد وجهها الى الرئيس المصري (جمال عبد الناصر) ... " لا يكفي أن يقف جمال عبدالناصر ليعلن تحمله الكامل للمسؤولية عن الهزيمة وجب عليه ان يشرح للشعب العربي والمصري كيفية الهزيمة التي أدت الى تدمير الجيش وأنه على استعداد للبرهنة على براءته من كل خطأ او تقصير في اية محكمة عسكرية"

ثانياً – الجبهة الأردنية

كانت العلاقات بين الحكومة الأردنية والحكومة المصرية على اسوء حال وبالذات بين الملك الأردني (الحسين بن طلال) والرئيس المصري (جمال عبدالناصر) الا ان خطورة الوضع الذي كان ينذر بالخطر حتم عليهما تناسي خلافاتهما وعلاقاتهما المتوترة كانت نتائجه سفر الملك (حسين) الى القاهرة في (30 آذار 1967 ) واستقباله من قِبل الرئيس المصري (جمال عبدالناصر ) في المطار فتقدم منه وعانقه وقد ظهرت عليه علائم الارتياح رغم ازعاجه الملك (حسين) بتعليق قصد منه المزاح الا انه كان مزاحاً ثقيلاً يخفي تحت طياته صورة العداء المتأصل بينهما قائلا له (ماذا سيحصل لو اننا القينا القبض عليك وانكرنا اية معرفة بوصولك الى بلادنا) انتهت المباحثات بين وفدي البلدين الى الاتفاق على توقيع معاهدة دفاع مشترك بينهما مشابهة للمعاهدة الموقعة بين مصر و سوريا في هذا المجال،



وكان الجانب الإسرائيلي يتابع تلك المشاهد بدقة وبعثوا للملك (حسين) برسالة قالوا فيها(هذه الحرب هي بيننا و بين المصريين وان لم تشارك فيها فلن يصيبك أي مكروه)، الملك (حسين) لم يكن مخيراً في تجنب هذه الحرب لأنه لم يكن مدركاً لتداعياتها الخطيرة عليه وعلى شعبه من جهة بالشكل الذي حصل ومن جهة أخرىٰ كان يرىٰ رعاياه الفلسطينيين في خط النار وفضل ان يكون خاسراً في هذه الحرب ويتجنب نعته بالخائن الا انه بالتأكيد لم يكن في حساباته وحسب قوله (ضربة صاعقة كهذه التي اصبت بها) وربما كان بانتظار أن لا تفوته فرصة الفوز بمغانمها، موقف الملك (حسين) من مبادرة إسرائيل ودخوله الحرب فعلا عند اندلاعها جعلت الإسرائيليين يتخذون منه موقفا متشدداً وحديا ويذكر في هذا المجال بأن رئيس العمليات الإسرائيلية قبل واثناء الحرب (حاييم وايزمان) عقب إبلاغه تجاهل الملك (حسين) للإنذار الإسرائيلي بعدم التدخل قائلا (ليس بالشيء الجميل جداً لو فعلها فسوف نناله) خلال أسبوع خسر الملك الأردني (حسين بن طلال) جيشه في ميدان الحرب ويضمنه قوته الجوية ودروعه وفي السابع من حزيران ارغم على اخلاء القدس الشرقية والتخلي عن الضفة الغربية ونابلس واريحا وبهذه المناسبة اود الإشارة الى انه وعلى أثر تحطيم القوة الجوية المصرية بالكامل وبداية التقهقر من سيناء التقطت أجهزة الاتصالات الإسرائيلية مكالمة هاتفية بين الرئيس المصري (جمال عبدالناصر) والملك الأردني (الحسين بن طلال) سجلتها علـــى شـريـط وقـامـت ببثه من إذاعـة إسرائـيل (القسم العربي) عدة مرات في اثناء الحرب

- عبد الناصر... ألو صباح الخير اخي
-- الملك حسين... ألو أنا اسمعك
- عبد الناصر...نحن نحارب، قواتنا على جميع الجبهات، عندنا هنا بعض المشاكل الا انها لم تعد مهمة الآن تغلبنا عليها، سنغلب والله في عوننا، هل تتفضل جلالتك بنشر بيان حول تدخل الانگليز والامريكان واشتراكهم، سنؤكد على السورين بنشر ذلك ايضاً.
-- الملك حسين... طيب طيب
- عبد الناصر ألف شكر وكن قوياً كل قلوبنا معك اليوم، أرسلنا كل طائراتنا ضد إسرائيل منذ صباح اليوم الباكر، قواتنا الجوية تقصف القوة الجوية الإسرائيلية، حطمنا ثلاثة ارباعها فوق سماء القاهرة.
-- الملك حسين... ألف مبروك ...الله يقويكم
المكالمة حقيقية حيث نشرت في حينه في معظم الصحف الأجنبية والمحلية ولاسيما اللبنانية ولم ينكر صدورها أي طرق فالأصوات لا تقلد وكلام الرئيس المصري جمال عبد الناصر وهو خلاف ما كان يجري على ارض الواقع.

ثالثا – الجبهة السورية: -
بعد تصفية الجبهة المصرية والأردنية تحول الجيش الإسرائيلي الى الجبهة السورية والتي استمرت هادئة وساكنة بالرغم من ما حصل في الجبهتين المذكورتين من هزيمة منكرة حين كان على القيادة السورية ان تبادر للمشاركة في الحرب فور نشوبها تطبيقا لاتفاقية الدفاع المشترك ولاسيما وانها كانت القيادة الأكثر حماساً و تحريضاً على الحرب والقيام بعمل عسكري ضد إسرائيل وكانوا يتحدثون كثيرا عن القتال الا انهم عجزوا عنه ويبدو من انهم كانوا يعتقدون نجاتهم من الإسرائيليين طالما لم يشاركوا في القتال وسكوتهم سيجنبهم آثار هذه الحرب الخاسرة ويضحكون في سرهم تشفياً لما أصاب غريمهما (عبد الناصر و الحسين) من هوان وذلة كما انهم سيكونون بمنجىٰ عن أي احتمال لحصول انقلاب عسكري ضدهم في الداخل كانوا يخشون حصوله، على اية حال هذا الوضع الساكن على الجبهة السورية لم يستمر كما هو الحال مع ضحك القادة السورين والذين بدأوا بالتخطيط حيث قاموا بسحب أربعة الوية للجيش السوري كانت مرابطة في مرتفعات الجولان مع بدأ الهجوم الإسرائيلي على هذه المرتفعات والتي احتلت بكل سهولة ودون مقاومة تذكر بعد اختراق هذه الجبهة وقبل ذلك لابد الحديث عن التردد الإسرائيلي واختلاف قادتها في قرار الحرب على سوريا حيث كان وزير الدفاع الإسرائيلي (موشي دايان) مصراً على عدم اشعال الحرب في هذه الجبهة على ضوء موقف الحكومة السورية التي لم تشارك فيها بعد أربعة أيام من بدايتها والحرب منتهية على سائر الجبهات (سيناء، قطاع غزة، الضفة الغربية، القدس الشرقية) وكلها أصبحت تحت السيطرة الإسرائيلية التي أصبحت تسيطر على مساحة من الأرض تعادل أربعة اضعاف إسرائيل كلها هذا بالإضافة الى تخوف وزير الدفاع الإسرائيلي من التدخل الروسي لجانب سوريا ان وقعت الحرب ، في المقابل كان وزير العمل في الحكومة الإسرائيلية وهو جنرال سابق في الجيش يفكر خلاف ذلك حيث كان يقول ( السوريون كانوا السبب الأساسي لهذه الحرب، لهذه الازمة الحالية، وقد يكونون علة لمشاكل اخرىٰ في المستقبل، اما الروس فلا اعتقد انهم سيعلنونها حرباً على إسرائيل اذا قمنا باحتلال خمسة كيلومترات،


اني لراغب في هذه المغامرة) استمر (موشي دايان) على قراره بعدم دخول الحرب ضد سوريا وكان لقراره و تأثيره الشخصي دور في مسايرة الحكومة الإسرائيلية لهذا الموقف لولا التقاط جهاز المخابرات الإسرائيلي لبرقية في الساعة الثالثة والدقيقة الثلاثين من صباح يوم التاسع من حزيران من (عبد الناصر) الى (نور الدين الأتاسي) رئيس الجمهورية السورية نصها (اظن ان إسرائيل منشغلة الآن بحشد قواتها ضد سورية، الهدف هو القضاء على الجيش السوري، ارغب في ان اشير عليكم بالموافقة على انهاء الاعمال العدوانية واعلام (يو ثانت) الأمين العام للأمم المتحدة بذلك من اجل إبقاء الجيش السوري سليماً،


اننا خسرنا هذه المعركة ندعو من الله ان يكون معنا في المستقبل) استنتج (دايان) في قراءته للبرقية بان سورية لن تبدي مقاومة جدية وعندها اتصل بالجنرال (ديفيد اليعازر) قائد القوات الشمالية وسأله (انت مستعد للهجوم) أجاب (اليعازر) بالإيجاب فقال (دايان): فاشرع وهاجم لأن مصر وافقت على الهدنة ولديَ معلومات تؤكد لي بأن الجبهة السورية ستنهار،



أجاب (اليعازر) تنهار أولا تنهار فانا لا اهتم والمهم عندي هو ان نهاجم، اشكرك جزيل الشكر وفي امان الله. انطلق الطيران الإسرائيلي حراً لا تعترضه اية مقاومة واستطاعت القوات البرية احتلال هضبة الجولان بكل سهولة وتنحدر بعد ذلك مستهدفة العاصمة السورية (دمشق) والتي بدت واضحة امام طلائع القوات الإسرائيلية الزاحفة وهي على بعد مسافة تقدر بأربعين كيلومتراً وكان هذا الإنجاز بالنسبة للجيش الإسرائيلي محل غضب وعدم ارتياح من جانب الروس وقياداتهم واعتبروا بان الإسرائيليين قد تجاوزوا الخط الأحمر ولابد من ايقافهم عند حدهم فأرسل رئيس الوزراء السوفيتي (ألكسي كوسيگن) رسالة للرئيس الأمريكي (جونسون) نصها: -
عزيزي جونسون
هنا حالة خطيرة جداً الآن، قد ترغمنا في حالة عدم توقف العمليات خلال الساعات القلائل الاخرىٰ عليَ اتخاذ قرار مستقل نحن على استعداد لعمل ما يلزم، ومع هذا فان هذه الاعمال قد تؤدي بنا الى نزاع تنجم عنه كارثة عظيمة، نقترح ان تطلبوا من إسرائيل الموافقة على وقف الاعمال العدوانية من غير شروط مسبقة خلال الساعات القلائل التالية نقترح توجيه انذار لإسرائيل.. ان لم تتوقف الاعمال الحربية فسوف نتخذ الإجراءات الضرورية ومنها الإجراءات العسكرية، نرجو اعطائي رأيكم.


الكسي كوسيگن
البيت الأبيض بعد قراءة الرسالة وتحليل محتواها ومقاصدها وتحديد درجة الخطورة فيها اتخذ عدة خطوات تصعيدية ووضع الاسطول السادس في الحالة إنذار وأصبحت الأجواء مشحونة بالتوتر وبوادر ازمة أمريكية سوفيتية خطيرة في الأفق، أجاب الرئيس الأمريكي (جونسون) على الرسالة بعد خمس وعشرين دقيقة من وصولها وكان نصها: -

عزيزي كوسيگن

تسلمت رسالتك...واعلمك بان وزير خارجيتنا أرسل في ساعات الليل الأخيرة رسالة مستعجلة جداً الى إسرائيل قال فيها اننا نعتبر امراً في منتهىٰ الأهمية ان تبرهن بعمل أرضي أن اوامرها في وقف إطلاق النار قد نفذت فعلاً، وان إسرائيل قد ابلغتهم بان قرار وقف إطلاق النار قد طبق في هذه اللحظة.
جونسون

وعندما تبين للقادة السوفيت عدم صحة هذه المعلومات بعد ان شوهدت طائرتين إسرائيليتين تحلقان في سماء دمشق مما حدا بالرئيس السوفيتي ابراق رسالة فورية الى الرئيس الأمريكي جونسون هذا نصها: -

 عزيزي جونسون

قرأت اجابتك على رسالتنا، وعليَ ان اخبرك بان معلوماتك حول وقف العمليات العسكرية في سورية من جانب الإسرائيليين ليست صحيحة، لدينا معلومات من خلال الاتصالات مع دمشق من ان إسرائيل تستخدم كل أنواع الأسلحة من طيران ومدفعية ودبابات في هجومها على دمشق، من الواضح ان سفارتكم في سوريا تستطيع ان تؤكد لكم ذلك، العمليات العسكرية تتصاعد من الضروري جداً اجتناب المزيد من سفك الدماء، التأجيل غير ممكن مع الاحترام.
كوسيگن

وقبل ان نختم الحديث عن الجبهة السورية لابد ان نذكر واقعة طريفة في خضم هذه الحرب المدمرة حينما أعلنت الحكومة السورية في ( 10 حزيران) بياناً ادعت فيه ان الجيش الإسرائيلي قد احتل بلدة القنيطرة وكان السوريون يهدفون من وراء ذلك موقفهم اليائس الى جعل مجلس الامن يتبنىٰ قرار بوقف إطلاق النار في حين ان القنيطرة لم تكن في بال الاسرائيليين ولم يكن فيها او بالقرب منها أي جندي إسرائيلي وما ان سمع الجنود السوريون هذا البيان من المرابطين فيها حتى بدأوا يفرون منها بشكل عجيب تاركين ما خف وزنه قبل ما ثقل وزنه فما كان من وزير الدفاع الإسرائيلي (موشي دايان) بعدم تكذيب البيان السوري واستغلال الفرصة واحتلال القنيطرة الخالية من اية قوة سورية وتم ذلك بعد خمسة ساعات من اعلان السوريين عن سقوطها ومن ثم أعلنت إسرائيل بقبول وقف اطلاق النار، في (13 حزيران 1967) بعد إقرار الهدنة بثلاثة أيام تقدمت إسرائيل بعرضها (الأرض مقابل السلام) وفيه يفترض ان تتخلىٰ إسرائيل عن كل الأراضي العربية التي احتلتها في الحرب الأخيرة وبدون استثناء بشرط ان تعترف الدول العربية بإسرائيل وتوقيع اتفاقات سلام معها وقد رفض العرض الإسرائيلي هذا في حينه الا انه وفي مؤتمر القمة العربية المنعقد في بيروت في عام (2003) وافقت كافة الدول العربية المشاركة فيه على عودة إسرائيل الى حدود عام (1967) لقاء سلم دائم وعادل ويأتي دور الإسرائيليين هذه المرة ليرفضوا هذا الطلب. في حين كان مؤتمر القمة العربية الذي عقد عام (1967) بعد النكسة في العاصمة السودانية (الخرطوم) قد خرج بهذا القرار (اتفق رؤساء الدول العربية على توحيد جهودهم السياسية على المستوىٰ الدولي الدبلوماسي لإزالة آثار العدوان وضمان انسحاب القوات الإسرائيلية المعتدية من الأراضي العربية المحتلة منذ عدوان الخامس من حزيران على ان يتم ذلك ضمن إطار المبادئ الأساسية التي تلتزم بها الدول العربية وهي: -
1- لا صلح مع إسرائيل
2-لا اعتراف بها
3- لا تفاوض معها
4-التمسك بحق الشعب الفلسطيني في العودة الى وطنه
غياب الحديث عن القومية العربية أحد سماة هذا المؤتمر بالإضافة الى تجاهل الرئيس المصري (جمال عبد الناصر) المزاعم في كونه قائد القومية العربية وخفت حالة الاعتداد بالنفس لدية بعد هذه الهزيمة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

714 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع